الأربعاء ٢٧ تموز (يوليو) ٢٠١٦
بقلم نجمة خليل حبيب

أزمة الحرية الفكرية في المجتمع العربي المعاصر

"إن كان لتاريخ الحضارة من درس لِيُعلِّمَنا إياه، فهو ما يلي: هنالك شرط رئيسي للتقدم الفكري والأخلاقي يكمن تحقيقه كلياً في نطاق القدرة الذاتية للإنسان. إنه الحرية التامة للفكر والحوار. فترسيخ هذه الحرية، هو بلا ريب، أثمن إنجازات الحضارة الحديثة وشرطها الجوهري للتقدم الاجتماعي".

تقديم

وعى المفكرون العرب المعاصرون ما للحرية من مكانة محورية بين مجموعة القيم التي تحدد الفاعلية التاريخية والحضارية للأمم، وساءهم تغييبها عن مجتمعاتهم فانبروا يكتبون معرفين بنظرياتها، باحثين في نشأتها وأصولها، ومبيِّنين فاعليتها في إعلاء قيمة الفرد والمجتمع. وتفيدنا القراءة في الموضوع، أن في هذه الكوكبة تعدداً في التوجهات وتنوعاً في الرؤى، فبينهم المنتصر للثقافة الغربية المتشبع بروحها الذي يرى فيها النموذج الأمثل للرقي والتقدم، ومنهم الرافض لهذه القيم، يرى فيها حرية منفلتة تنزع عن الإنسان إنسانيته فينقاد إلى غرائزه المنحطة وتنحط به إلى الدرك السفلي من حيوانيته. وآخر توفيقي يدعو إلى المزاوجة بين الشرق والغرب. وإننا لنرى اليوم عشرات، وربما المئات، من المؤلفات والترجمات التي تناولت الموضوع من زوايا ورؤى مختلفة.

بحث عبد الله العروي في مؤلَّف بعنوان مفهوم الحرية (1983) في المبادئ الأولية لنظرية الحرية: مفهومها، جذورها، حركيتها التاريخية، ومذاهبها، ومساءلة غيابها عند العرب، وخلص إلى نتيجة تفيد بغياب المفهوم عن الفكر العربي "كما تصوره القرن التاسع عشر وكما ورثناه عنه كلياً او جزئياً. فالحرية [عندهم] تدور حول الفرد الاجتماعي، اي الفرد كمشارك في هيئة انتاجية. كان المجال التنظيمي الانتاجي هو مصب اهتمام الليبراليين، وهذا المجال بالضبط هو الذي يختفي في الاستعمال الإسلامي التقليدي". وينبّه الكاتب إلى وجوب التفرقة بين حرية نفسانية ميتافيزيقية يتناولها الفكر الإسلامي بالتحليل وبين حرية سياسية اجتماعية يحصر فيها الفكر الليبرالي كل تصوراته. وهو إن وافق المستشرقين في هذا الاختلاف إلا أنه عارضهم في استنتاجهم القائل بغياب المفهوم عن الثقافة العربية. فاستنتاجهم خاطئ لأنه يحصر المشكلة في الفقه فقط بينما النتيجة مضمنة في المنهج. ويضيف العروي موضحاً: إن غياب المفهوم عن اللغة لا ينفي حضوره في الوعي والإدراك. فالحرية في المجتمع العربي التقليدي، طوبى، مجسدة في رموز منافية للدولة إما داخلها وإما خارجها (كالقبيلة والعشيرة). وفي المجتمع العربي أيام التنظيمات (أيام العروبة في القرن التاسع عشر)، هي شعار يهدف فقط إلى إزاحة الحواجز من أمام الشخصية دون الاهتمام بتنظير وتأصيل للمفهوم.

قارن العروي بين ما قاله فلاسفة الغرب ك: فرانز روزنتهال، برنارد لويس، جون ستيوارت ميل، جون جاك روسو وغيرهم، وما قاله الفلاسفة العرب والمسلمون ك: الغزالي والطهطاوي وأحمد الناصري وابن أبي الضياف، وتوقف طويلاً عند ستيوارت ميل ونظريته القائلة: إنّ المجتمع الإسلامي غير ليبرالي، ليس فقط في نظام الحكم الذي كان فردياً واستبدادياً، بل في النظام الاجتماعي العام المؤسس على الاجماع في الرأي وعلى تحريم النقد والنقاش المفتوح. ولم يناقش الكاتب هذا التعميم غير الدقيق وإنما برره بالقول: إن ميل لم يخص الإسلام بهذا الحكم وإنما أطلقه على كل المجتمعات للعهد الحديث في أوروبا. وهو يرى أن الكتاب العرب المتأثرين بالغرب تأثروا برأي ميل ومن هنا نشأت الدعوة القائلة أن الإسلام لا يعرف معنى الحرية.

أقلقت ناصيف نصار الحالة الراهنة التي كشفت عن عوارض أزمة المشروع التحديثي العربي وظهور عجزه عن تحقيق أهدافه الكبرى، فكتب باب الحرية: انبثاق الوجود بالفعل (2003) دعا فيه إلى وجوب "استئناف مشروع النهضة العربية التي امتدت حركتها إلى أواسط القرن الماضي". وإن لم يكن نصّار أول من دعا إلى الحرية لتكون باباً للنهضة، فهو عند الكثيرين، أول من حاول "إعادة بناء حقل الحرية في ضوء مستجدات العولمة" معارضاً التيار السلبي من العولمة الذي انجرف فيه معظم المثقفين، فدعا إلى تعامل خلاق معها. وهو يفرق بين الليبرالية والعولمة، ويـميز بين الحرية والأمركةـ فإذا كان سؤال الحرية سؤالاً كونياً، فذلك يعني انه ليس سؤالاً أمريكياً ينبغي اقتباسه أو استلهامه وتطبيقه، وهذا لا يعني استبعاد نموذج الحرية بحجة رفض الهيمنة الأمريكية والعولمة وبالتالي الحداثة.

وردّ عزت القرني على الاتهام الموجه الى الفكر العربي الحديث في أنه فكر قاصر عن الإبداع فبيـّن أن "قصد" التجديد، بل وقصد الإبداع، كانا في أساس فكر غالبية الرواد الأوائل، أفكار البداية منذ مئة أو مئة وخمسين عاماً والتي كانت أفكار الطريق الجديد، أفكاراً نضرة فيها الكثير المأخوذ من الغرب او المأخوذ من التراث الإسلامي، وهي في كلا الحالتين كانت تقصد التجديد

حذر دكتور محمد عمارة، في مؤلف بعنوان، المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية (1988)، من خطرين هما: "السلفية- النصوصية"، التي تتنكر للعقل والعقلانية وتتعبد لظواهر النصوص، وخطرها يتمثل في أنها اداة للتخلف "تفل عزم الأمة، وتجهض إمكانات النهضة الكامنة فيها. و"حركة التغريب" التي تسعى إلى تغريب عقل الأمة وطرائق عيشها وأنماط سلوكها والذي يعني، إذا سادت، استلاب هوية الأمة وتميـّزها الحضاري وقطع سلسلة تواصلها المعرفي مع تراث الاباء والأجداد.
وربط علّال الفاسي حرية التفكير بالمسؤولية والعقلانية، "فلا مسؤولية بغير حرية ولا حرية بغير تفكير". وحرية التفكير عنده ترتبط بمدى تمثل قيمة النقد ومدى الإيمان بالاختلاف؛ فما "ضِيقُنا بنقد الآخرين لنا واختلافهم معنا إلا دليلٌ على الاضطهاد العظيم الذي وجدته الحرية في بلادنا سواء من ذوي الأمر المنتسبين للدين، أو من ذوي الثروة والجاه؛ لأن الذين يألفون رؤية المناظر البشعة يعتادونها فلا تنكرها أبصارهم؛ بل ربما طلبوها عند فقدها، كذلك الذين يتعودون النفاق ينتهون بنسيان نفاقهم؛ أي يصبح ما يتظاهرون به جزءا من أفكارهم ومبادئهم". ورأى محمد أركون ترادفاً بين العلمانية والحرية، وفي تصوره أن العلمانية لا تقضي على الدين وإنما تضع حداً للغزو الذي يقوم به الخطاب العقائدي للمجتمع. وأن الإسلام بذاته ليس مغلقا في وجه العلمانية، فالمجتمعات الإسلامية عرفت تجارب علمانية عبر التاريخ. ويشترط هشام شرابي لضمان الحرية الاجتماعية، فكراً وممارسة، الإطاحة بالهيمنة الكلية لأي خطاب، بما في ذلك الخطاب العلماني أو الاشتراكي والثوري". واقترب محمد عابد الجابري من نظرية سارتر الوجودية، فقال بعدم وجود دلالة لحرية الانسان خارج وجوده، وليس لوجوده اي معنى خارج هذا العالم الأرضي: عالم الزمان والمكان، عالم البيئة والمجتمع والعصر. فأن يكون الانسان حراً معناه ان يختار، لأنه إذا لم يختر فذلك اما لجبن أو لعجز وفي كلتا الحالتين فهو غير حر. وأن يختار معناه أن يلتزم، وأن يلتزم الانسان هو بمعنى من المعاني أن يندمج.

بعيداً عن مسالة التأصيل والتعريف، وعودة إلى ما سماه مراد دياني "الفعل الطوعي"، نستشف أن الحرية لا تدرك إلا في صميم الفعل. في حراك إنساني يتمثل في أحداث اجتماعية أو سياسية أكثرها بروزاً الثورات التي قامت ضد الظلم والاستبداد في مناطق مختلفة من العالم وفي أزمنة قديمة وحديثة. كثورة ايبوير في عهد الدولة المصرية القديمة، وثورة سبارتاكوس في القرن الأول قبل الميلاد، وثورة الزنج في العراق في القرن التاسع ميلادي وثورة الفلاحين في المانيا في القرن السادس عشر، والثورتين الفرنسية، والأمريكية في القرن الثامن عشر، وحديثاً ثورات التحرير العربية ضد الاستعمار كثورتي الجزائر وفلسطين. وآخرها ما رأيناه في ثورات الربيع العربي (2011_.....) حيث كان أول وأعم شعار هو شعار الحرية. وما ذلك إلا لأن مجتمعنا العربي ينوء بأزمة الحريات في كافة الميادين: الحرية السياسية المقيدة بنظام حكم الفرد والدكتاتوريات والدساتير المعطلة. الحرية الشخصية التي يقيدها المجتمع والعرف والتقليد، حرية المعتقد حيث تهمش الأقليات الدينية، وحرية الرأي والتعبير.

أما لماذا الحرية الفكرية!. . فلأنها فعالية ذهنية تستشرف المستقبل وتمهد للفعل. فما من نهضة علمية أو ثقافية أو اجتماعية إلا وسبقتها نهضة فكرية. وهي أيضاً طريقة للوصول إلى الحقيقة المطلقة حيث أن المجتمع من خلال نقاش وتحدي الحقائق المحتملة الناتجة عن التعبير غير المقيد للأفكار والمعلومات يستطيع أن يحدد الحقيقة المطلقة. وهي حسب نظرية بارندت The "aspect of self-fulfillment ا جزء لا يتجزأ من حق الفرد في تقرير المصير والاستقلالية. وهي أيضاً وسيلة لإنماء العقل في الأفراد وفي الجماعات. ولأننا نؤمن أيضاً مع فرويد في ان الإفصاح عما في الذات من مكبوتات، تنفيس للغضب والعدوانية بطريقة سلمية.
والأهم من هذه جميعاً، هو حق هذا الوطن الذي يضم 23 بلداً وتبلغ مساحته حوالي 13 مليون كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانه حوالي 300 مليون نسمة، الذي يمتلك تاريخاً مجيداً، ويحتل موقعاً استراتيجياً ومتصلاً اتصالاً وثيقاً بالعالم، الغني في موارده وثرواته ومواقعه، من حقه على مثقفيه ومفكريه، إخراجه من مأزقه الحضاري ووضعه من جديد على خارطة العالم المتمدن.

من حيث هي صيرورة تاريخية

يتناول الفكر المعاصر قضية الحرية الفكرية من خلال التاريخ الذي هو تسجيل للأفعال الإنسانية في سعيها نحو التحقق. والصورة الأولى للحرية التي اقترنت بها في التاريخ هي الحرية السياسية حين أحس الإنسان أنه مقيد بالنظم الاقتصادية والسياسية. وبالرجوع إلى القرون الأربعة الأخيرة في الفكر الغربي، نرى أن دعوى الحرية السياسية قامت بهدف كسر جدار التحجر الفكري الذي أشاعته سلطتا الدولة والكنيسة. ذلك لأن هاتين السلطتين كانتا تتدخلان في كل مظهر من مظاهر الحياة: في العقيدة وفي الممارسات اليومية وفي الفن وفي العلم وما إلى ذلك. وحسب جون بيوري، فإن المعبد والعرش يؤلفان مؤامرة شريرة ضد تقدم الانسانية. ونحن إذ نتطلع إلى الوراء يرعبنا هول ما حدث لأبطال الحرية العقلية على ايدي ذوي السلطة العميان الخبثاء.

حارب بيوري هؤلاء "الخبثاء"، وكشف جرائمهم في مؤلف بعنوان تاريخ الحرية الفكرية، أرخ فيه لمسيرة الحرية الفكرية منذ خطواتها الأولى على يد اليونانيين الإغريق في القرن الخامس قبل الميلاد إلى ان امست مذهباً عقلياً مزدهراً في القرن التاسع عشر، فنعلم أن ولادة الحرية الفكرية في أوروبا كانت عسيرة واستمرت لقرون وكانت خطواتها بطيئة وصراعها مع أعدائها عنيفاً قدمت خلاله العديد من الضحايا.

يبدأ بيوري فصله الأول محتفياً بولادة الحرية الفكرية على أيدي اليونانيين الإغريق فيقول:

عندما نسأل عن فضل اليونان على الحضارة الإنسانية يتبادر إلى الذهن انجازاتهم في الفنون والأدب. ولكن الأصح هو ان امتنانا الكبير يجب أن يكون لابتداعهم حرية الفكر والمناقشة. فروح الحرية تلك لم تكن فقط سمة تأملاتهم الفلسفية وتقدمهم العلمي وتجاربهم في مؤسساتهم السياسية ولكنها كانت أيضاً سمة أدبهم وفنونهم المميزة. فأدبهم مثلاً، لم يكن ليكون على ما هو عليه لو انهم حرّموا حرية الانتقاد في الحياة....ولكن بمنأى عن كل إنجازاتهم الرائعة في جميع نواحي النشاط البشري ، فإن إصرارهم على مبدا الحرية، وحده كاف ليضعهم في أعلى مرتبة من مراتب المنعمين على الجنس البشري. لأن[ها] الحرية كانت واحدة من أعظم الخطوات في تقدم الانسانية.

وبيوري في احتفائيته هذه، يؤسس لثقافة التكامل، ويدعو إلى استقراء التجارب الإنسانية السباقة. فكأنه يقول إن أوروبا لم تكن لتصل إلى الرقي الذي هي عليه اليوم لو لم تستوعب الدرس اليوناني ومن بعده الروماني. وكلا التجربتين اليونانية والرومانية لما كانتا لتصلا إلى الديموقراطية والتقدم لولا انتهاجهما طريق التسامح الديني والحرية الفكرية. ومن الملاحظ أن بيوري قفز فوق حلقة ثالثة من حلقات التحرر الفكري، هي تجربة الدولة العربية التي كانت الوسيط بين الحضارتين السابقتين وأوروبا. وأقل ما يجب أن يقال في هذه التجربة انها كانت مثالاً لدعوة بيوري إلى التكامل الحضاري والتسامح الديني وتقبل الآخر. ففي الدولة العربية تحققت مفاهيم حضارية راقية، ترى الأشياء في صورة متكاملة تمتزج فيها المتعارضات وتذوب تماماً، كالمنام الذي رآه الرسول صلى الله عليه وسلّم، نصفه من الثلج ونصف آخر من النار، لا الثلج تذيب ولا النار تطفئ. تلك الوسطية التي حددت إطار الفكر والممارسة العربية على مدى عصور ممتدة عرفت فيها التنوع داخل الوحدة والتعدد في إطار التوحيد الحضاري والثقافي والاجتماعي. فالمسلمون الأوائل حسب المؤرخ والفيلسوف الأوروبي دريـبـر، لم يقتصروا في معاملة أهل العلم من النصارى والنسطوريين ومن اليهود على مجرد الاحترام، بل فوضوا اليهم كثيراً من الأعمال الجسام ورقوهم في مناصب الدولة حتى أن هارون الرشيد وضع جميع المدارس تحت مراقبة حنا بن ماسويه. وكانت إدارة المدارس مفوضة من الخلفاء إلى النسطوريين تارة وإلى اليهود تارة أخرى. لم يكن ينظر إلى البلد الذي عاش فيها العالم ولا إلى الدين الذي ولد فيه بل إلى مكانته من العلم والمعرفة. قال الخليفة المأمون: "إن الحكماء هم صفوة الله من خلقه ونخبته من عباده لأنهم صرفوا عنايتهم الى نيل فضائل النفس الناطقة وارتفعوا بقواهم عن دنس الطبيعة. هم ضياء العالم وواضعو قوانينه ولولاهم لسقط العالم في الجهل والبربرية"

وحيث أن الدول كالأفراد تشب وتهرم وتشيخ فكذلك الحضارات. فالإمبراطورية الرومانية مثلاً التي بنت عظمتها على أسس الحرية والديموقراطية، تنكرت لهذه القيم عند ظهور المسيحية خوفاً من ان يهدد هذا الدين الجديد سلطتها، فطاردت المسيحيين وقمعتهم بعنف وقسوة. وعندما تصالحت مع المسيحية مارست الشيء نفسه ضد اعدائها. وعلى هدي هذا التقليد سلكت الإمبراطورية العربية الإسلامية، وتخلل هذا المد الحضاري السامي فترات مظلمة تراجعت فيها قيم التسامح. وإن كانت أوروبا قد ابتليت بالكنيسة كعدو لدود للحرية الفكرية، فالدولة العربية ابتليت بالخليفة، فكلاهما (الكنيسة والخليفة) اعتمدا على سلطة الـٰهيّة لا سلطان للبشر عليها، وبمثل ما كان البابا يمسك بجميع السلطات الدينية والمدنية لكل دول أوروبا، كان الخليفة يبسط سيادته على كل الدول الإسلامية. لذلك تأرجحت الحرية الفكرية بين التسامح والتضييق من خليفة إلى آخر. فمن الخلفاء من كان متسامحاً مترفعاً عن كل عصبية دينية أو عرقية، ومنهم من كان مستبداً ظلم كل من خالفه الرأي واضطهده باسم الدين، ولم يقتصر الأمر على أصحاب الديانات والاثنيات الأخرى بل شمل المذاهب في الدين الواحد. وقد ذكر منهم سلامة موسى: المهدي والهادي اللذين "اقترفا فعلاً بخلافتهما من اضطهاد الزنادقة، مثلما اقترف الكهنة بمحاكمات التفتيش من الهراطقة". وذكر أيضاً أن السياسة اقتضت من عمر بن الخطاب والمأمون اللذين اشتهرا بالعدل، سلب المسيحيين واليهود حريتهم وإجبارهم على هجر البلد.

بدأت المعركة الفعلية لحرية الفكر والتعبير مع رواد النهضة العربية ما بين منتصف القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين، من على منابر المقتطف والجامعة والهلال وغيرها من صحف ذلك الزمان. وينسب سلامة موسى الى عهد اسماعيل أسس النهضة في زمانه. في عهده ظهرت الصحف وكان الشيخ محمد عبده معروفاً في جهاده للحرية وقد حاول عصرنة المعاني القرآنية، فقد فسر مثلاً الطير الأبابيل المذكورة في سورة الفيل بأنها ميكروبات نزلت بالناس فأحدثت المرض الذي فتك بهم، وأن السماوات السبع هي ضرب من الكواكب. وقد لقي عنتاً عظيماً من علماء الأزهر لاجتهاده ومخالفته المأثور. ومثله كان الافغاني. وقاسم أمين الذي دعا إلى حرية المرأة وسفورها وعد كل يوم يمر على المرأة المصرية وهي محجّبة هو يوم لا يحسب من حياتها وهو خسارة على الأمة بأجمعها. ويسجل التاريخ لفرح أنطون جرأته في كشف الاضطهادات الدينية القديمة في كلا الديانتين: المسيحية والإسلام، في كتاب بعنوان ابن رشد وفلسفته، والذي جاء في إهدائه ما يدل على الروح العلمية المنفتحة التي تحلى بها مفكرو تلك الفترة الزمنية التي تستحق فعلاً ان تسمى عصر النهضة، يقول: "ولكنا قدمنا هذا الكتاب لعقلاء الشرق من كل العناصر لأنه إذا كان يرجى إصلاح في شرقنا العزيز، فهذا الإصلاح لا يبنى إلا عليهم. وأساس هذا الإصلاح، احترام حرية الفكر والنشر احتراماً مطلقاً لتنجلي الحقائق والمبادئ شيئاً فشيئاً.
ونعلم أيضاً ان الجرأة الفكرية بلغت مداها في المشروع الذي تبنته مجلة المقتطف على مدى أربعين سنة وهو الترويج للأفكار الجديدة المخالفة للمأثور فقد ظلت على مدى ثلاثين أو أربعين سنة تتناول نظرية التطور الدارونية تبدي وتعيد فيها شهراً إثر شهر حتى تشرّبت عقول طائفة كبيرة من القراء بهذه النظرية فتجرأ الناس على نقد الأساطير. وقد بلغت حرية الرأي والتعبير مدى بعيداً في عهد اللورد كرومر الذي عينته بريطانيا مندوباً سامياً على مصر وكان متشبعاً بالثقافة اليونانية يعز عليه تقييد الأفكار، فصارت مصر ملجأ لكل المضطهدين من تركيا. ولكن مصر أصيبت على أيدي خلفاء كرومر بنكسة فكرية، فضُيِّق على الصحف وظلت مقيدة حتى بعد استصدار الدستور. وطالت القيود المسرح، فكانت كل مسرحية تمنع إذا ما رأى الرقيب فيها ما يخل بالآداب او الأديان او الأنظمة. ومن حوادث الاضطهاد يذكر سلامة موسى حادثة الشيخ علي عبد الرازق فقد كان عالما من علماء الازهر وقاضياً شرعياً، ألف كتاباً قال فيه: ان الخلافة ليست اصلا من أصول الاسلام فعوقب على هذا الكتاب بتجريده من العالمية وفصله من المحاكم الشرعية.

بمقارنة معارك الرأي التي حصلت في تلك الفترة بنظيرتها الحاصلة في هذه الأيام، نلحظ تصلباً أشد وعنفاً أقوى في محاربة حرية الرأي. ففي قضية مماثلة لقضية الشيخ عبد الرزاق، دفع فرج فودة الثمن حياته. لقد اغتيل فودة إثر مناظرة تمت بينه وبين شيخ الأزهر في معرض الكتاب في جامعة القاهرة عام 1992 حول ادعائه بأن الدولة الدينية ليس بمقدورها خلق نظام يتوافق مع ظروف ونهايات القرن العشرين.

فما هي الأسباب التي تقف وراء تراجع المد الحداثي في أيامنا الحاضرة عمّا كان عليه قبل حوالي قرن من الزمن؟.

مسببات الأزمة الفكرية

يقتبس أريك فروم في كتابه الخوف من الحرية من رواية دوستيوفيسكي الأخوة كزاماروف فيقول: ليست له "حاجة أكثر إلحاحاً من الحاجة إلى أنه يجد إنساناً يستسلم له بأسرع ما يمكن، هدية الحرية تلك التي ولد بها هو المخلوق التعس". ويعقب فروم قائلاً: إن الفرد المذعور يبحث عن شخص ما او شيء ما يربط نفسه به، إنه لا يستطيع ان يتحمل أن يستمر في ان يكون نفسه الفردية، وهو يحاول مسعوراً أن يتخلص منها وان يشعر بالأمان بالتخلص من حمله.

وإنه لغني عن القول كم هو مذعور إنساننا العربي في هذا الزمان. إنه مذعور من الحاكم المستبد الذي يتربص له ويضع أقفالاً على فمه وقلمه. ومذعور من رجل الدين التقليدي الذي لا ينفك يتوعده بجهنم وعذاب القبر، ومن الفقر والبطالة والشيخوخة ومستقبل أبنائه في التعليم والسكن والوظيفة. ومن مجتمعه الذي يتحفز لمقاضاته إذا تجرأ وخرج عن تقاليده، وحتى من أفكاره إذا ما جمح خياله إلى ما يغضب الله. أما جون بيوري فنسب الخوف من الحرية للكسل والركون إلى السهل والعادة. يقول:
"فعقل الإنسان العادي هو عادة عقل كسول. يفضل الأخذ بالسهل الذي لا يتطلب جهداً. والعالم العقلي لهذا الإنسان تستحوذ عليه معتقدات سلم بها دون اية مساءلة. هو بالغريزة يعادي كل ما يخلخل ما ترتب في عالمه المألوف. ففكرة جديدة لا تتطابق مع المعتقدات التي ألفها تعني اعادة ترتيب عقله. وهذه عملية شاقة تتطلب جهداَ ذهنياً مضنياً. فله ولأمثاله من العوام تكون الأفكار الجديدة والاراء التي تشكك بما ترسخ في ذهنه من معتقدات، أفكاراً شريرة لأنها غير مألوفة".

وإن كانت الطبيعة البشرية مسؤولة عن الخوف من الحرية الفكرية بشكل عام، فقد زاد عليه في وطننا العربي ما تعرضت له الأمة من انهزامات وانكسارات أهمها هزيمة حزيران 67، وتراجع المشروع القومي النهضوي لصالح الإقليمية والتشرذم الذي تكرس بخروج مصر عن الإجماع العربي حول قضية فلسطين وعقدها اتفاقية الصلح مع إسرائيل (1978). وانتكاس مشروع المقاومة الفلسطينية المسلحة وهزيمتها في لبنان عام 1982، ثم اتفاقية أوسلو التي رأى فيها كثيرون إذلالاً وتنازلاً عن الحقوق العربية في فلسطين وليس آخرها الاحتلال الأميركي للعراق وما نجم عنه من انهيار للمؤسسات الوطنية وبروز النعرات الدينية والمذهبية والعرقية وما رافقها من عنف وعنف مضاد. هزيمة إثر أخرى تقزَّمت الذات العربية وتشككت في هويتها، فتقوقع الناس وصاروا يتخوفون من كل ما هو وافد من الغرب الذي اعتبروه مسؤولاً عن كل ما أصابهم من هزائم، وصاروا أشد تحسساً لما يمس ثوابتهم الدينية والاجتماعية، ولعل لهذه الأسباب نشط الفكر الديني المتطرف.

أما العامل الأهم فيبدأ في العائلة حيث الأب هو المحور الذي تنتظم حوله العائلة بشكلها الطبيعي، وحيث العلاقة بين الأب وأبنائه، والحاكم والمحكوم، حسب هشام شرابي، علاقة هرمية. فإرادة الأب هي الإرادة المطلقة. ويتم التعبير عنها بالإجماع القسري الصامت المبني على الطاعة والقمع. وعنه تسود ثقافة الترهيب المتبعة في تنشئة الأجيال. وهو فعلاً اللاشعور الجمعي الذي تكلم عنه الجابري الذي نتوارثه منذ أجيال. فمنذ أن ينشأ الطفل عندنا يخضع لعمليات الترهيب. فالأمهات حتى وقت قريب، وربما لا زال منهن حتى اليوم، يرهبـن ابناءهن بالغول والجن وما شابه. كما أن أول ما يهدد به الأب بعد التعنيف والتحقير، قطع المصروف. وفي المدرسة وعلى افتراض أن مسألة العقاب الفيزيائي من ضرب وتوبيخ قد تراجع، فإن الترهيب المعنوي كالرسوب وما يعقبه من فشل في الحياة وعدم اكتساب مكانة اجتماعية لائقة ما زال سائداً بقوة. والزوجة مهددة دوماً بالطلاق والزوج مرهوب من فقدان هيبته ورجولته امام أفراد اسرته. والموظف يرهبه رئيسه بالطرد وتوقيف الترقية، والمؤمن ترهبه الدينونة وما إلى ذلك.

أما حليم بركات فرد أسباب هذا التخلف في الفكر والحرية إلى معاناة المجتمع العربي من الهيمنة المزدوجة: هيمنة خارجية وهيمنة داخلية فيقول:

"ينبثق المجتمع العربي جاهداً من تحت ركامات التاريخ متأثراً باللقاء التصادمي مع الغرب وبالرغم عنه. إنه يتجدّد (ويبدو أنه يتأخر في بعض الأحيان) بسبب عوائق داخلية وخارجية، منها الإصرار الاستعماري المتجدد الذي ورثته أميركا عن أوروبا على الهيمنة السياسية والاقتصادية (وإسرائيل في حالة سلم أو حرب هي امتداد لهذه الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية)، وهذه الأنظمة الطاغية السلطوية، وهذه المؤسسات التقليدية، وهذه الثقافة المترجرجة، وهذه الطبقات والعائلات الحاكمة والنخب التي تزداد إصراراً في زمن العولمة غير الإنسانية على امتيازاتها، فتمارس هي بدورها على شعبها الاستغلال والقهر".

ولعل أشد العوامل إثارة للجدل هو نظرية محمد عابد الجابري التي ترد حالة التخلف والقمع الفكري إلى بنية العقل العربي وهي نظرية لا نستسيغها لما فيها من ملمح استشراقي عنصري: غرب متفوق في عقله يقول بالبرهان، وشرق (عربي) متدن في عقله، يقول باللامعقول بالعرفان. وما عناه الجابري هو أن الممارسة العلمية في إطار البرهان بقيت خارج الصراع في الثقافة العربية الإسلامية، وظلت على هامش النظم الفكرية والإيديولوجية المتصارعة، باعتبار الثقافة العربية الإسلامية نسقاً مغلقاً لا يسمح بالخروج على حدود النص وقواعد الحفاظ عليه. ويخلص الجابري في نهاية الجزء الأول المخصص لتكوين العقل العربي إلى أن تأخر المسلمين وتقدم أوروبا كان بسبب استقالة العقل عند العرب. . . في حين بدأ الأوربيون يتقدمون عندما بدأ العقل عندهم يستيقظ ويسائل نفسه، فالرأسمالية جاءت بنت العقل، حيث كانت الرأسمالية بنت الصناعة، والصناعة بنت العلم الحديث .

ورغم تحفظنا على هذه النظرية، ولما فيها من جلد للذات وتملق للثقافة الغربية، فلا باس من أخذها في الحسبان عند تعداد أسباب الأزمة الفكرية إذ أن فيها طريقة تفكير جديدة تطرح آفاقاً من التفكير لم يكن بالإمكان فتحها إلا أذا انطلقت من موقع الجذور الخاصة بنقد العقل الذي نفكر به،

صراعات الحرية الفكرية، نموذج، قضية نصر حامد ابو زيد

"إن الذين يصادرون فكرة (ولو افترضنا نزاهتهم) إنما ينكرون حقيقتها وهم غير معصومين. فإما أن يكونوا على حق وإما أن يكونوا على باطل، أو أن يكونوا على جانب من الحق وجانب من الباطل . . . فإن كانوا على باطل وكانت الفكرة حقاً يكونوا قد سلبوا، او بذلوا جهداً ان يسلبوا الإنسانية إحدى الحقائق".

تخضع الشعوب العربية لتسلط عقليتين: "عقل الأنظمة العربية، وعقل الغرب الاستعماري". وعن هذه الأخيرة يقول أبو زيد في كتابه هكذا تكلم ابن عربي": كانت حركة المد الإمبريالي الحامل الأيديولوجي لفلسفة التنوير، تنظر لشعوب الجنوب بوصفها شعوباً في حاجة للتنوير، ذلك ان مفهوم العقل عند التنويريين يفترض النقيض "اللاعقل بوصفه يمثل تهديداً مباشراً لسلطة العقل. واستطاع التوظيف السياسي الاستعماري الإمبريالي لهذه الثنائية أن يصنف البشر إلى "متحضرين و"همج" وأصبح من واجب "المتحضرين" أن يسعوا إلى تنوير الهمج". وكان الاستعمار وافتنان المستعمَر بالمستعمِر على حد قول هومي بابا من جهة، وحملات التغريب في المدارس والجامعات، وفي الخطاب الاستشراقي من جهة أخرى، ترسيخاً لهذا التقسيم في عقول الشعوب المستعمَرة ظهر أثره في كتابات رواد النهضة العربية وفي فترات الاستقلال وبناء الدول العربية الحديثة. ولعل ما نراه اليوم من استثمار للنص الديني وتسليمه إلى "الجهل والزيف والتخلف" لصناعة أيديولوجيا تسلطية، على حد ما جاء في كتاب أبو زيد، التفكير في زمن التكفير، ما كان ليسود لولا هذا الخوف من التغريب الذي يهدد الهوية والدين.
وتؤكد المعارك الفكرية بين التقليدين والحداثاوييـن، حدة الممانعة التي تمتلكها قوى التقليد، والتي تزداد شراسة عندما تطاول أموراً تراثية متعلقة بالدين. والملاحظ أيضاً أن الآليات التي يستخدمها التقليديون تزداد ذكاء وقدرة على التحدي. وفي قراءتنا لأزمتين فكريتين متشابهتين هما محاكمة طه حسين (1927) ومحاكمة نصر حامد ابو زيد (1995)، نلحظ فرقاً واضحاً في تقنيات التقليديين وأساليبهم في قضية "أبو زيد" عما كانت عليه في قضية طه حسين. لقد استفاد التقليديون من كل فجوة ممكنة في الإعلام وفي السياسة وفي القانون.

قامت محاكمة طه حسين بناء على تهمة تأليفه كتاب بعنوان في الشعر الجاهلي كذب فيه القرآن صراحة وطعن فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى نسبه الشريف وأهاج بذلك ثائرة المتدينين وأتى فيه بما يخل بالنظم العامة ويدعو الناس للفوضى. أسفرت المحكمة عن رفض الادعاء وتبرئة طه حسين من تهمة التكفير، فتوقفت المسألة قانونياً عند هذا الحد ولو أنها ظلت تتفاعل لعدة قرون في الأوساط الأدبية تعرض فيها حسين لنقد عنيف تناول أفكاره وأسلوبه وانتماؤه الفكري، فاتهم بالخضوع للفكر الاستشراقي حتى قيل إن عمله ليس إلا مجرد سطو على مقالة مارجيليوث "اصول الشعر العربي"، وأن هذا الكتاب لا يزيد على أن يكون حاشية وتعليقاً على هذه المقالة.

اما محاكمة نصر حامد أبو زيد فقد اتخذت منحى آخر. فهي لم تقتصر على الإساءة المعنوية كمصادرة الكتاب والتشهير والنقد المجرح، وإنما طالت سلامة الكاتب الشخصية وحياته الأسرية. فما الذي استجد في القانون المصري حتى أتيح للمحكمة ان تقضي بردة "أبو النصر" والحكم بتطليق زوجته؟

بدءاً نقول، إنها الدساتير العربية الهجينة (إذا صح التعبير). فالدساتير في البلاد العربية، حيث يرتبط التقليد بالدين، يكون البيان الدستوري للحريات الأساسية المأخوذة عن نظم حديثة ليبرالية مربكاً. ليس بسبب تصرفات الحكومات القمعية، أو بسبب التناقضات الحاصلة في الثقافة القانونية بين القيم التقليدية الدينية والقيم الأخرى الحديثة المتبناة فقط، وإنما يعود، بدرجة أولى إلى الدساتير العربية التي تقر، إن لم تخلق، هذه التناقضات. فمن ناحية هنالك قانون الأحوال الشخصية الخارج عن إطار الدستور، وإن كانت بعض أحكامه تحدد وتقيد الحريات الأساسية. ومن ناحية ثانية فإن هذه الحريات تقيد في بعض الأحيان بعبارة، "كما هو محدد بـ.." أو عطفاً على.."، القانون المعمول به. فالقانون قد يضمن بشكل جيد مثلاً، المساواة بين المواطنين وحرية معتقدهم وحرية التعبير وبناء المؤسسات ومنح الأدباء والعلماء حق ممارسة إبداعهم، ولكن عندما يأتي الأمر إلى تطبيق القوانين كتلك المتعلقة بالصحافة والأحزاب السياسية مثلاً نجد عدداً لا يحصى من القيود على هذه الحرية. هذا بالإضافة إلى ما يفرضه قانون الأحوال الشخصية والعلاقات الأسرية من قيود على حرية المعتقد والزواج والمساواة بين الجنسين.

إن هذه الازدواجية في النظام القانوني الواحد، تخلق تعارضاً بين الديني والمدني ينعكس سلباً على قضايا كثيرة كقضية الدكتور نصر حامد أبو زيد أستاذ الأدب العربي والدراسات الإسلامية في جامعة القاهرة والمعروف بنهجه الحداثي في تأويل وتفسير القرآن الكريم.

بدأت قضية "أبو زيد" في الجامعة إذ أثارت طروحاته الفكرية الخارجة عن المألوف زملاءه من ذوي الميول الإسلامية المتشددة، الذين رأوا فيها تجرؤاً على الثوابت الإسلامية. ثم تصاعد الموقف من جدال أكاديمي في صرح جامعي إلى قضية قانونية في ساحات المحاكم. ففي عام 1993 تقدمت مجموعة من المحاميـن الإسلامييـن بالتماس إلى المحكمة الابتدائية في القاهرة بتطليق "أبو زيد" من زوجته على خليفة أنه مرتد ولا يجوز لامرأة مسلمة أن تتزوج بكافر. وفي 27 كانون الثاني (يناير) 1994، رفضت محكمة الجيزة في القاهرة الادعاء بدعوى أن القانون لا يجيز لشخص رفع دعوة لا مصلحة له فيها. وفي 14 حزيران 1995 وبناء على طلب محكمة استئناف القاهرة - قسم الأحوال الشخصية، نُقِض حكم محكمة الجيزة الابتدائي وجاء في حكم الاستئناف: حيث أن كتابات أبو زيد ترقى إلى الهرطقة، وحيث أن الهرطقة حسب قانون الأحوال الشخصية تخضع لحكم الشريعة الإسلامية أكثر منها للقانون المدني، فإن محكمة الاستئناف أجازت للمدعين حق اللجوء إلى طلب التماس إلى المحكمة لاستدعاء قانون الشريعة الإسلامية "الحسبة". والحسبة واحد من القوانين في الدولة العربية القديمة يعاود الظهور بين حين وآخر كلما تداخلت الأمور بين الديني والمدني في البلاد العربية. والحسبة حسب ما هو معروف هي حق الله، وحق الله كما حدده عبد الوهاب خلاّف سبعة أمور، اولها العبادات المحضة، كالصلاة والصوم والزكاة والحج وما بنيت عليه هذه العبادات من إيمان بالإسلام وإن هذه العبادات وأسسها مقصود بها إقامة الدين الذي هو ضروري لنظام المجتمع، وحكم تشريع كل عبادة منها لمصلحة عامة لا لمصلحة المكلف وحده. وبناء على هذا القانون الإسلامي الذي لا يزال يطبق من خلال قانون الأحوال الشخصية والعلاقات الأسرية، فإن إيـمان ابو زيد أو عدمه، ورغبة زوجته في التطليق او عدمه، ليست مسألة حقوق الفرد بل هي حقوق الله. ومقياس هذه الحدود ليس كما يراها الزوجان بل كما تقرره المصلحة العامة.

فأين تقع حقوق الزوجين في هذه القضية؟

يضمن الدستور المصري، كما في معظم الدساتير في البلاد العربية حرية المعتقد والحرية الشخصية بما فيها من عدم اعتداء على الحياة الخاصة في المادتين 41 و45، وحرية البحث العلمي والأدبي والإبداع والنشاطات الأكاديمية في المادة 49، ويضمن الدستور أيضاً حرية الصحافة والنشر، وتأسيس الجمعيات وحرية التنقل (الهجرة) والملكية الخاصة والسكن، وكل ما يتعلق بها من قوانين. وتبين هذه المواد أن الحريات الأساسية وإن كانت أمراً معترفاً به ومضموناً إلا أنها تقع في فئتين: الفئة المطلقة التي لا يُنتقَص منها ولا يزاد عليها إن تداخلت مع أي قانون آخر، والفئة الثانية وهي عرضة لإعادة النظر من تحديد وتعديل.

إن التعامل مع الحقوق والحريات الدستورية دون إضعافها عند الممارسة لتحد مستمر تواجهه معظم البلدان وفي كل الأزمان. وما هو مدوّن في الدساتير لا يعكس تماماً واقع الحال. وإن صحت هذه المقولة، فإنما تصح بالدرجة الأولى على البلاد العربية وبينها مصر حيث تكثر الاستثناءات لدرجة تفقد هذه القوانين معظم صلاحياتها. ففي عام 1995 مثلاً، أدى الصراع القانوني بين نقابة الصحافيين والحكومة المصرية إلى تعديل العقوبة بحيث صارت تمتد إلى سنة سجن ودفع غرامة 5000 جنيه مصري على الكتاب والمراسلين الذين ينشرون إشاعات كاذبة او مغرضة، او قصصاً غير مؤكدة بهدف النيل من مؤسسات وقيادات تابعة للسلطة. وفي السنة الثانية، واستجابة لانتقادات الإعلام شطبت المادة المعدّلَة التي تشير إلى المؤسسات والقيادات الحكومية.

عندما ألغت مصر محاكم الشريعة والمجلس الملّي للمسيحيين واليهود عام 1956 وحولت أحكامها المتعلقة بالأمور الشخصية والعلاقات الأسرية إلى المحاكم المدنية، لم تنجح كلياً في الفصل بين ما هو ديني وما هو مدني. لقد طلبت الدولة من المحاكم المدنية أن تستمر بتطبيق القوانين الدينية الموجودة في محاكم الأحوال الشخصية، بنفس القوانين القديمة التي كانت مطروحة في المحاكم الدينية الخاضعة لحكم الشريعة مع فقرة إضافية هي: "ما عدا في المسائل التي فيها أحكام متضمنة في أنظمة الشريعة. إن قوانين الإجراءات المدنية يجب ان تتطابق مع الاجراءات المتعلقة بقوانين دائرة الأحوال الشخصية والوقف". فسّرت محكمة القاهرة هذا الكلام بـمعنى أنه في حالة وجود مسائل ثابتة في الأحوال الشخصية والوقف، اعتبرت سابقاً من اختصاص محاكم الشريعة، فإنه على المحكمة المدنية ان تخضع لإجراءات المحاكم الشرعية، وعلى المحكمة المدنية أن تطبق الأحكام التي تقرها محاكم الشريعة لا أحكام القانون المدني. وفي هذا انتقاص لروح قانون 1955 الذي سعى، على الأقل، إلى توحيد إجرائي للقانون العدلي في البلاد. ومن ناحية أخرى، فإن المادة 280 من القانون الداخلي للمحاكم الشرعية توجب الالتزام بأحكام الشريعة للأحوال الشخصية والعلاقات الأسرية، وعند وجود نقص في هذه الأحكام، تستخدم الأحكام الخاصة. في هذه الحالة يجب على المحكمة الامتثال لهذه القوانين الخاصة.

بالنسبة لمحكمة استئناف القاهرة، حيث أنه لا يوجد قانون يقضي بأمر المرتد، لا في قوانين الأحوال الشخصية ولا في التشريع الديني ولا في الدساتير المدنية أو الجنائية، وجب تطبق قوانين المدرسة الحنفية الفقهية. والفقه الحنفي يلزم كل مسلم باللجوء إلى الحسبة عندما تتعرض حقوق الله للخطر.

بعد أن ميزت محكمة الاستئناف القاهرية بين حقوق الله التي تأخذ بالحسبان مصلحة المجتمع الإسلامي ككل وبين الحقوق الشخصية التي تعني عدداً محدداً من الأشخاص، اتخذت قراراً بأخذ جانب الحسبة حيث على كل مسلم أن يلتزم الخير ويمنع الشر عملاً بالآية الكريمة "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر". ومن ثم أعلنت محكمة الاستئناف أن المحكمة الابتدائية اخطأت في انكار حق المدعين في استدعاء الحسبة لتطليق السيدة ابو زيد من زوجها، لأن زواج مسلمة بمرتد عن الإسلام انتهاك لحق إلهي.

وبخصوص الردة واحكامها في القرآن الكريم، يقرر محمد عابد الجابري: "هناك جملة من الآيات القرآنية التي تتحدث عن مسألة المرتد الذي يعتنق الاسلام ثم يرتد عنه لاعتقاد آخر، وفي جميع هذه الآيات نجد ان حكم المرتد، كما يتحدد في سياقها، هو لعنة الله، غضب الله، جهنم.. وليس القتل، وأكثر من ذلك فباب التوبة مفتوح أمامه. أما في الفقه فحكم المرتد هو القتل كما هو معروف، ويستند الفقهاء في ذلك الى حديث نبوي يقول: "من بدّل دينه فاقتلوه". فكيف نفسر هذا االتناقض؟ لنستبعد الشك في صحة الحديث المذكور – يقول الجابري – فقتال المرتدين زمن خلافة ابي بكر واقعة تاريخية لاشك فيها، ولكن لابد من التمييز بين المرتد الذي يغير دينه كشخص ليس له اية دوافع اخرى غير اقتناعه الشخصي الديني، وحكمه كما ورد في الآيات السابقة، عقاب أخروي لا غير، اما المرتد بدافع خارجي، خارج مجال الاعتقاد المحض فشيء آخر. وما نخلص اليه أن الوضع القانوني لـ "المرتد" لا يتحدد في الاسلام بمرجعية الحرية، حرية الاعتقاد، بل يتحدد بمرجعية ما نسميه اليوم بـ "الخيانة للوطن" باشهار الحرب على المجتمع والدولة، ويبقى مطلوباً من الاجتهاد الفقهي المعاصر النظر فيما اذا كان المسلم الذي يعتنق دينا آخر فرديا لا يمس من قريب او بعيد بالمجتمع ولا بالدولة، يدخل في دائرة "المرتد" الذي يستباح دمه! اعتقد ان من يقول بذلك لا يستطيع ان يدلي بأي نص ديني يرد به على من يعارضه ألا الآيات التي تحدثنا عنها سابقا التي تتوعد المرتدين الوعيد الأكبر، ولكن دون النص على عقابه في الدنيا أي عقاب".

في مناظرة تلفزيونية بين المفكر الإسلامي محمد عمارة ود. نصر حامد أبو زيد، يعيد أبو زيد القضية لأسباب سياسية. إلى ما يجري في مصر من استقطاب حاد في المشهد السياسي بيـن الإسلاميين وبين من لا يوافقونهم الرأي. فبمجرد أن يأتي شخص بما يخالف آراء أحد التيارين ينسبونه فوراً وبردة فعل غريزية إلى التيار المعادي.

ودكتور عمارة، المفكر الإسلامي، استلهم فولتير، فأعلن منذ البداية أنه ليس فقط مع حرية الفِكر المطلقة، بل هو أيضاً مع حرية الكُفر جرياً على سنة الإسلام التي تقول: كفر من يقولون إن الله ثالث ثلاثة، ومع ذلك فإن الإسلام يجعل حماية هذا الفكر وأهل هذا الفكر جزءاً من العقيدة. ولكنه خالف "ابو زيد" في تأويله لنصوص قرآنية نقض فيها المبادئ الأساسية للإسلام ولذلك صح إخراجه من طائفة المؤمنين. وتخوّف عمارة من أن يكون مشروع "ابو زيد" خدمة لحملة عالمية على الإسلام. يقول: "أنا أنظر إلى ما يوجه إلى الإسلام من مطاعن في السنوات الأخيرة، وأنا أقول الأخيرة، ليس كأمر مجرد وإنما في إطار حملة دولية تتخذ من الإسلام عدواً وتهاجم الإسلامين . . . والأمر ليس مؤامرة بل هو موقف معلن من الإسلام باعتباره صيغة ليقظة أمة ستحرم الأسد الغربي من أكبر لقمة في فمه".

تفيد هذه المناظرة وما تخللها من مداخلات، سطوة التقليد ليس على المستوى الشعبي فقط بل بين النخبة المثقفة أيضاً. فالمتصلون على الهواء مباشرة، بأغلبية كبيرة انتقدوا واتهموا وأحرجوا "ابو زيد" وانحازوا إلى خصمه إطراءً وتعقيباً. ومثلهم كان المعلقون على حلقة ال"يوتيوب". ود. عمارة، المتنور، المترفع عن كل قدح وذم، المناصر للحرية الفكرية بأقصى حدودها، المتجرد الذي أسبغ على خصمه صفات النزاهة والشرف والوطنية الصادقة والمعاداة للصهيونية والاستعمار، كانت لغته الجسدية من نبرة صوت وتعابير حادة، هجومية، أربكت مناظره وأخذت من روحه المعنوية فبدا محبطاً لما أحيط به من عدائية. واتسمت ردوده بالحذر والتوجس بعيدة عما يمكن أن يثير عواطف المسلمين والإسلاميين.
وما قضية نصر حامد أبو زيد إلا نموذج من حالات كثيرة مشابهة تشهد على بؤس الحرية الفكرية في زمننا الحالي. وما نجاح الادعاء الصارخ في كسب القضية إلا دليل على قوة التيار التقليدي واستقطابه لنخبة من المفكرين العلماء أحسنت إدارة المعركة وحولتها من قضية خلاف في الرأي إلى قضية هوية مهددة. وإننا لنتخوف أن يؤدي هذا النجاح إلى إضعاف حركة البحث التأويلي في التراث. فالملاحظ أنها حققت شيئاً من هذا القبيل، فهي على الأقل شغلت "أبو زيد" عن ممارسة فكره. فهو منذ تلك الحملة وحتى وفاته (2010) لم يقدم عملاً جاداً مثيراً للجدل، وجل ما وصلنا توضيح لآرائه الملتبسة التي تدخل في باب الدفاع عن النفس

في تخطي الأزمة

"لا خير في مجتمع، مهما كانت مقاصده، ومهما كانت انجازاته التحررية طوباوية، إذا كانت النساء والرجال الذين يعيشون فيه ليسوا أحراراً في التعبير عن أفكارهم."

لم تتوقف معارك الحرية الفكرية في المجتمع العربي منذ منتصف القرن الثامن عشر. ولم تنحصر بالمفكرين والأكاديميين بل تناولت مختلف أنواع الإبداع من شعر ورواية وفنون. ورغم كل التضحيات التي يقدمّها مفكرونا وأدباؤنا، فالأزمة في تفاقم مستمر، ولا يمكن تخطيها إلا بمعالجة مسبباتها: ب"زحزحة" و"خلخلة" الإيديولوجيا السائدة المعادية للتاريخ، وللنسبية في مجال المعرفة، والإرادة في مجال التاريخ، على حد قول العروي. والأمر لا يكفيه تنوير بل هو بحاجة إلى تثوير حسب نصر حامد أبو زيد. تثوير يبدأ بالخطاب. خطاب لا يتجاهل الأسئلة المكبوتة والمحرمة، ولا يخشى المغامرة، فينقل تلك الأسئلة من دائرة الكبت والتحريم إلى دائرة الإفصاح والعلن. يستبدل قناع التحريم بضوء العقل. العقل "المتسائل" لا العقل "المذعن". العقل القادر على إنتاج المعرفة لا ذلك المتلقي للمعلومات يحفظها ويكررها.

ويقتضي أيضاً تثويراً في المجتمع لا يتوقف عند مناوأة النظم القائمة ودفعها في اتجاه الديمقراطية وإنما يكون بتجهيز المجتمعات العربية للتعامل مع نظام هو بطبيعته معقد. ويركز على السياسات بقدر ما يعطي اهتماما للآليات، ويضع سلامة المجتمع واستقراره فوق كل اعتبار آخر، ويحافظ على كيان الدولة باعتبارها الحاضنة لنظام لا يمكن وجوده إلا في إطار الدولة كتعبير سياسي عن المجتمع وما فيه من تعقيدات وتركيبات.

ويقتضي أيضاً تثويراً في القيم حيث تستبدل منذ الطفولة قيم الامتثال والطاعة العمياء بقيم المساءلة والتشكيك. بالإفساح للأبناء ببناء قناعاتهم ولو عارضت قناعات آبائهم ومجتمعهم. وتثويراً في التعليم باستبدال طريقة الحفظ والتلقين بالبحث وإثارة شهوة المعرفة في نفوس الناشئة، وبتعزيز البحث العلمي في الجامعات من دون خوف فلا يفكر المفكرون والمبدعون بما يسمح به فقط بل بما لا يمكن التفكير فيه وبما هو ممنوع من التداول سواء كان من قبل السلطة الدينية او السياسية او الاجتماعية. وبتأمين استقلالية المفكر والمبدع عن سطوة الدولة على الثقافة وعن سطوة التقليد بما فيه من منع وتهميش وتحريم.

لن يكون تخطي أزمة الحرية الفكرية سهلاً، ولن يكون الحل ب"يجب" و"علينا"، وما إلى ذلك من لغة العماء المستهلكة، على حد تعبير غسان كنفاني، وإنما بثورة شبابية تلغي كل ما تبلد في المجتمع والدين والسياسة. ولن يكون ذلك مستحيلاً، ولن يكون انتظاراً كانتظار أوروبا الذي دام عدة قرون، فثورة المعلومات خلقت جيلاً منفتحاً على مناهل معرفية متعددة. لم يعد الأب والأستاذ والحزب المصدر الوحيد للمعرفة بل صارت معارف العالم كلها بين يدي الجيل الجديد الذي بدأ يتفلت من سلطة الأب والمعلم والشرطي. وفي الساحة العربية تباشير خلاص من كل الإملاءات وتحقيق ما يسميه غرامشي الاستقلال التاريخي العام.

المصادر والمراجع

أبو زيد، نصر حامد. هكذا تكلم ابن عربي، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2002.
——. مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن، ط/2، بيروت: المركز الثقافي العربي، 1998، [1990]
——. التفكير في زمن التكفير، ط/2، القاهرة: مكتبة مدبولي، 1995.
——. نقد الخطاب الديني، ط/2، القاهرة: سينا للنشر، 1994
الأشقر، جيلبير. "إخفاق المشروع التنويري في المنطقة العربية وشروط استنهاضه"، لندن: القدس العربي، 26 يونيو، 2006
أركون، محمد. العلمنة والدين: الإسلام المسحية الغرب، ط/3، بيروت: دار الساقي، 1996
أنطون فرح. ابن رشد وفلسفته، بدون طبعة، الإسكندرية: منشورات مجلة الجامعة، 1903
بابا، هومي. ك. موقع الثقافة، ترجمة ثائر ديب، ط/1، بيروت والدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2006
بركات، حليم. المجتمع العربي في القرن العشرين، ط/1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2000
بيوري، جون. حرية الفكر، تعريب، محمد عبد العزيز إسحاق، بدون طبعة، القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2010
ثابت، وليد. "حماية الحرية في مواجهة التشريع: دراسة في دستوريات التشريعيات المقيدة للحريات"، المحاماة، عدد/70 (آذار- نيسان) 1990
الجابري، محمد عابد. نقد العقل العربي 4، العقل الأخلاقي العربي، ط/1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2001
——. الديموقراطية وحقوق الإنسان، ط/ خاصة، بيروت: كتاب في جريدة، عدد، 29، التسلسل العام، 95، تموز، 2006 [1994]
——. نقد العقل العربي 3، العقل السياسي العربي، ط/4، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2000، [1990]
——. نقد العقل العربي 2، بنية العقل العربي، ط/9، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2009، [1986]
——. رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية، "ط/خاصة، المغرب: دار النشر المغربية، 1985
الجندي، أنور. محاكمة فكر طه حسين، بدون طبعة، القاهرة: دار النصر للطباعة الإسلامية، بدون تاريخ
خوري، يوسف قرما. الدساتير في العالم العربي، بيروت: دار الأمراء، 1989
حسن، ماهر. "اغتيال الدكتور فرج فودة"، المصري اليوم، زي النهارده، عدد/3282، 8 يونيو 2013
حوراني، ألبرت. الفكر العربي في عصر النهضة (1798-1939)، ترجمة، كريم عزقول، بدون طبعة، بيروت: دار النهار، بدون تاريخ
خلاّف، عبد الوهاب. علم أصول الفقه، ط/8، مكتبة الدعوة الإسلامية: شباب الأزهر، بدون تاريخ
دياني، مراد. حرية - مساواة اندماج، ط/1، الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2014
الديجاوي، خالد. الأحوال الشخصية للمصريين المسلمين، القاهرة: دار النشر للجامعات المصرية، 1969
روزنتال، فرانز. مفهوم الحرية في الإسلام: دراسة في مشكلات المصطلح وأبعاده في التراث العربي الإسلامي، ترجمة وتقديم، معن زيادة ورضوان السيد، ط/2، بيروت: دار المدار الإسلامي، 2007
شرابي، هشام. النقد الحضاري لواقع المجتمع العربي المعاصر، ط/3، بيروت: دار نلسن، 2000
شلبي، خيري. محاكمة طه حسين، ط/2، بيروت: دائرة المعارف، الفجالة والإسكندرية: المستقبل، 1993
عبد الله، حسن."المفكر المغربي محمد عابد الجابري في حوار مثير للجدل"، أوجده سيتي، 23 أكتوبر 2007
العروي، عبد الله. مفهوم الحرية، ط/5، بيروت الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1993
عمارة، محمد. المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية، ط/2، دار الشروق، 1988
الفاسي، علال. النقد الذاتي، ط/1، القاهرة: المكتبة العالمية، 1952،
فروم، اِريك. الخوف من الحرية، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، ط/1، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1972
قرني، عزت. العدالة والحرية في فجر النهضة، بدون طبعة، الكويت: سلسلة عالم المعرفة، عدد 30، يونيو 1980
محمد عارف، نصر. "محددات إخراج المشروع الحضاري في العالم العربي، (1 من 2)
http://www.alrashad.org/issues/06/06-Arif.htm

موسى، سلامة. حرية الفكر وأبطالها في التاريخ، مصر: دار الهلال، بدون تاريخ
ولد القابلة، إدريس. "جولة في فكر الدكتور محمد أركون، الحوار المتمدن، عدد/ 557، 8/8/

إدريس ولد القابلة، "جولة في فكر الدكتور محمد أركون، الحوار المتمدن، عدد/ 557، 8/8/

مقابلة تلفزيونية

فيصل القاسم، "الاتجاه المعاكس: هل هناك حدود حمراء تقيد الباحث في الدين وعلومه ام ان الباحث يستطيع أن يشرق ويغرب دون قيود. سؤال نطرحه على المفكر الإسلامي محمد عمارة، والدكتور نصر حامد أبو زيد، على الهواء مباشرة"، قناة الجزيرة، 1996، أعيد بثّه على:
YouTube, Published, May 12/ 2013 (watched, 08/11/2015)


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى