الثلاثاء ١٤ شباط (فبراير) ٢٠٠٦
بقلم شاهر خضرة

الأسماء - ديوان شعر لشاهر الخضرة قسم 3

الصُّـرصُور :
حملَتْ فانوساً في الليل لتبحثَ عني ،
جَدّي يتبعُها
يتوكَّأُ مرتعشاً بالصوتِ المخنوق ،
يدوران معاً
الظلمةُ تكتظُّ إذا مضيا
والريحُ كما الأنبوبةِ تعدمُ صوتهما :
يا شاهرُ ! . . يا شاهرُ ! . .
لكنّي أتصاممُ وأنا
في زاويةٍ معتمةٍ في أعماقي . .
أتخيَّلُ. . أنِّي صرصورٌ . . أتسلَّقُ
أتمشَّى فوق الأسقفِ
وأرقِّصُ ساقيَّ على مرأىً منّي
كي أدخلَ كلَّ شقوقٍ أحلُم أنْ أدخلَها
أسمع صمتَ الحائطِ للحائطِ
تقطيبَ البابِ بوجهِ الآخرِ
أتسلَّلُ في أقفال الليلْ
أتملاّ الجدرانَ المطليَّةَ بالحوَّار
وجيوبَ القُرَنِ المسودَّةِ كالإبطِ الميِّتِ
أنفذ في أعماقِ الناسِ المشبوهةِ
أعرف كلَّ الأسرار
أرجع للزاويةِ الأولى في أحضانِ الظلمةِ
وأنا لم أتعدَّ بعدُ السبعَ من السنوات
يفجؤُني الضوءُ وكفَّا جَدَّيّْ
فأعودُ إلى حالتيَ الأولى ، أبكي . . أبكي
لا يعرفُ حالي الصرصوريّْ
في تلكَ الليلةِ ما أبكاني .
الحمارة :
رغمَ أنَّنا نسمِّيها الحمارة ،
فما ناديتُها يوماً بهذا الاسم ،
كانت تعرفُ حقيقةَ اسمي ،
وأعرفُ اسمَها الحقيقيَّ ،
بصمت ،
ولم نشأ أن نبوحَ بذلك للآخرين .
* * *
الحمارة :
أن تقتصرَ الدارُ
على الذكورِ أو على الإناثِ ،
تلك مشكلةٌ فلسفوها بعمق ،
أدراكُ جَدِّي لها أقدمُ من
سفينةِ نوح ،
لذلكَ اتَّخذَ جَدَّتي زوجةً
واتخذتني الحمارةُ صديقاً .
--------------
الديك :
كنتُ أحزنُ ساعة نزوهِ
على الدجاجات ،
لسرعةِ إراقته ،
لكن بعد قراءة
أمَّهات الأدب العربي ،
عرفتُ أنها مشكلةُ النساء
العربيات ،
منذ امرئ القيس .
-------------
القطَّة :
كلَّما تثاءبَ جَدِّي
تثاءبتِ القطَّةُ ،
وكلَّما تثاءبتِ القطَّةُ
تثاءبتْ أختي ،
وأنا فاغرٌ فمي بانشداه
دون تثاؤب .
---------
البقرة :
ترفسُ الفلاّح ، وتدلقُ الحليبَ ،
إذا ما حلبَها بقسوةِ
يديه الخشنتين .
لقد تَمَرَّطَتْ ضروعُنا
آلاف المرَّات ،
فلا نرفِسُ ولا ندلقُ الحليب ! .
---------
الذئب :
كلبٌ منشقٌ
يرفضُ أن يتعاملَ
مع الإنسان بذيله .
--------
الحبارى و الصقر
روى الجاحظ :
أنَّ الحُبَارى إذا نُتفَ ريشها
أو تحسَّر وأبطأ نباتهُ ماتت كمداً .
وروى أنها إذا سلحت على الصقر ،
دبَّقَ ريشه فلم يستطع الطيران
فيجتمعنَ عليه وينتفن جميع ريشهِ فيموت !
-----
القنفذ :
حيوانٌ أدركَ العولَمةَ منذ
أبيهِ الأوَّل .
حصانةُ جلْدِهِ تقولُ ذلك .
* * *
القنفذ :
روى ( سياسيٌ غابر )
أنَّ القنفذَ إذا سَمِعَ صوتَ
طائرِ الشوحة في كبد السماء ،
ينقلبُ على قفاه ،
فاتحاً بطنَهُ برخص .
يا لاستشرافك المُرّ
أيّها ( الغابر ) !
--------
الكلب :
[غابي ]
رفضتْ أن أقبِّلَها أمام
كلبها لسببين :
لا تريد أن تجرح مشاعرَهُ
من جهة ،
وكي لا يستعيضَ عن
طبيعةِ العضِّ ،
بالقُبَل ،
من جهةٍ ثانية .
* * *
الكلب :
كلبٌ مُسِنٌ أعرفُهُ ،
ظلَّ يتودَّدُ لكلبةٍ صغيرة
أيّاماً طويلة ،
فلمَّا وجدَ لديها قبولَ
ما يبغي ،
رفض أن يكون ذلك إلاّ
في مكانٍ مستور ! ؟ .
* * *
الكلب :
نباحُ الكلبِ في سدف الليلِ
ليس بالضرورة على شيءٍ
نعرفُهُ ،
في كثيرٍ من الأوقات
ينبحُ للاشيء ،
أَيُساهمُ بما لا نعرفُهُ
في هذا السكون ؟ .
----------------------
 
الـحـلـيـب
 
حمارتُنا الغبراءُ بلونِ الأرضِ ،
لا أعرفُ إن كانت ولَدَتْها أمِّي ،
أو أني توأمُها الأصغر ،
أعرف كنّا نقتسمُ فتاتَ الخبزِ معاً ،
وجميعَ الوقتِ معاً ،
تأكلُ من ثمرِ البستانِ كما آكلُ ،
أقضمُ أطراف الكرمِ كما تقضمُ ،
البيتُ يعجُّ بنا ،
والحقلُ كذلك ،
لكن تأبى أن تأكلَ لحماً
مطبوخاً أو نيْئاً ،
دونَ ضجيجٍ تأبى ،
في العام السادس وَلَدَتْ ،
لا أعرفُ كيف ،
أعرفُ ولَدَت ،
( يُشبهها . . . كان صغيراً
كان بحجمي ) ،
وتحلَّبَ ريقي إذ يَرْضَعُ منها ،
أو من رؤيةِ ثديٍ يُؤخذُ ! ،
فبركتُ على رُكبي وأخذتُ
الثديَ الآخرَ ،
انحلبَ الضرعُ بفمِّي ،
يحملُ بعضاً من طَعمِ الخبزِ ،
وبعضاً من ثمرِ البستانِ ،
وعشبِ الحقلِ ،
وأطرافِ الكرمِ ،
وبعضاً من طَعمٍ آخر يطْغى ،
يحملُ رائحةَ أنوثتِها .
. . . . . . . . . .
كان أخي بالصدفةِ في الشهر الأوَّلِ .
رفضتْ أمّي أن تمنحني الثديَ .
في غفوتها
شاركتُ أخي ،
كان . . . حليباً ،
إلا أنّه
يحملُ طَعمَ اللحمِ
النيِّءِ والمطبوخ ،
وقليلاً جداً جداً
من رائحةِ أنوثتها . !
البورتغال – بورتو
 
-
المد و الجمع
 
جَدّي كان يدبُّ برجلين على وجهِ الأرض
وحمارتُنا تمضي للحقلِ على أربع ،
حينَ توفّي جَدّي
سجَّيناهُ ،
وجمعنا رجليهِ إليه
في بطنِ الأرض ْ .
وحمارتُنا ماتت ،
دونَ ضجيجٍ ماتتْ ،
أسندَتِ الرأسَ إلى أحزانِ العشبِ وماتت ،
وإلى ما شاء الوقتُ ستبقى
تتَمَدَّدُ وقوائمها الأربعُ
تَتَمَدَّدُ فوق الأرضِ ، وتبعدُ
شيئاً شيئاً
عن هيكلها المحطومْ .
البرتغال – بورتو \
 
نهيق وزفير
 
بينا كنتُ أنا والجَدَّةُ نتوهَّمُ أنّا نأكلُ خُبزاً
كنَّا نشربُ فعلاً من صِرْف الماءْ ،
كان الوقتُ يحاولُ محوَ ظلالِ الأشياءْ
داهمَنا ظلٌ
وترجرجَ معنا في دلو الماء ،
هل أطلقها الغجرُ
أمْ عادت لتودِّعَ جَدي ؟
وضعت منخرَها في صدري ،
نشَقتْ حتى امتلأت رئتاها ،
زفرتْ في وجهِ الجدَّة ،
سحبتْ عكّازتها تضربُها وتهشُّ عليها ،
لم تأبهْ
بل راحت تستطلعُ في غُرَفِ الدارِ الخرساءْ ،
تفتح أبواباً وتدسُّ الرأسَ
وتزفرُ
لم يبقَ زاويةٌ
لم تنظرْ فيها
وأنا منهارٌ
ويداي على ما شمَّت في صدري
هادئةً ظلَّت تبحثُ
حتى انتفخت عيناها كالحجر البكماءْ ،
فاتجهتْ
نحو الجدّةِ ،
خافت رجعتْ عنها
لكنَّ حمارتَنا رمقتها
رمقتني أيضاً ،
ثم أدامت وقفتها لدقائقَ
أيْ مقدار تلاوة سبعِ شتائمَ
هزَّت رأساً كان يقولُ بأذنيها آمين .
بهزيعٍ من تلك الليلةِ
سُمِعَت أصواتُ نهيقٍ في مقبرةِ القريةِ ،
وزفيرٌ منها أيضاً
أصواتُ نهيقٍ أخرى سُمِعَتْ
كانت تصدر من ،
ذاكرة الجدران بدارتنا ،
ولعلَّ كما يتهيَّأُ من أسطحها المشروخةِ ،
ولعلَّ . . .
صار فضاءُ القريةِ
صار الكونُ
نهيقاً ممدوداً
ما بين الدار وبين إقامةِ جَـدِّي
وإقامةِ طيفينا في دلْو الماءْ .
 
عندما نسمي الأشياء ننفصلُ عنها "
وصيَّة السُرَّة
ذاتَ صمتٍ
كدبيبِ النملِ في الأعماقِ
والليلُ من الجدران ينسلُّ
كخفّاشٍ غريب
يُفْلِتُ الظلمةَ في رأسي ويمضي عارياً
لا يبالي أعينَ الموتى التي تبرُقُ في كل الشقوق
إذ تناهى لصماخِ الوحدةِ البكماءِ صوتٌ
ربما من سرّتي
ولأنّي قد تصالحتُ مع الطينِ
تبدَّى لي بأن الصوتَ منّي
منذ تلكَ الشهوةِ العذراءِ سلَّتْ
من شعوري الشبهاتْ
فأنا أعرفُ جنسي
هذه المرّةَ أحسستُ كأنْ أرجل فأرٍ
فوقَ بطني تتمشّى
ورنينُ الصوتِ أنثى
لقدِ اعتدتُ إذا داهمني اليأسُ
بأنْ أخلعَ ثوبي وأناجيها بصمتْ
وكلانا ينشدُ العزلةَ في الآخرِ
واعتدتُ إذا ما انتزعَتْ
يَدُ أنثى
حجراً من أرضها
وتخيَّلتُ أنيناً
أذكرُ السرَّةَ . . أهذي :
من أزالت حجراً
عن سرَّتي .
وقد استوقفني المرَّةَ نبرٌ لا أنين
إنها السرَّةُ تحكي
فلماذا أتوارى في حيائي
وأنا قد زال ظنّي
ما تُرى أخرجها اليوم من الصمتِ
وقد صادقتها عمْراً وكفّي فوقها
ثمّ أصغيتُ فإذْ صوتٌ كحزني
ـ أوصِ يا شاهرُ أن يقتطعوني
فغداً موتُكَ آتٍ لا تلمني
قلتُ فلنمضِ معاً
قالتِ السرَّةُ يا شاهرُ أوصِ
فلقد نُبِّئتُ أنَّ الدودَ في القبرِ شغوفٌ
فإذا ما ابتدأ القرض بجسمٍ
إنما يبدأُ ( منّي )
آهِ كم أخشى ـ إذا أوصيتُ ـ موتاً موحشاً
إنَّما أوصيتُ أن يقتطعوها
فأنا أسميتُها
وسأرضى ـ كلّ من أسميتُ ـ أن يُفْصلَ عنّي .
 
أسماء لا . . . . أحبّها
 
المنصف الوهايبي :
شاعرٌ
جعلَ البحرَ يُجْبِلُ ،
والرملَ - ذا شراعٍ -
مبحراً فيما وراء الغدِ اللانهائي ،
والزمنَ ثقباً أزلياً ،
في جدار اللحظةِ –
يخرُّ من فوَّهتِه ،
نحو أفقِ الأبد المفتوح .
* * *
يوسف الخال :
قيلَ إنَّهُ أحوَل
لقد قرأتُ
( يوميَّات كلب ) ،
لا ليس كذلك
إنَّه وضَعَ في الأرضِ
بذرةَ الحوَل الجميل .
في لبنان ممكنٌ أن يُبذَرَ
كلُّ شيء ، ولكن ليس شرطاً
أن يتعهَّدَه النموُّ .
* * *
أدونيس :
إلهٌ انبعثَ من الأرض ،
دون إذن من ( زيوس )
وما عاد بإمكان أي
خنزيرٍ أن يقتلَهُ .
أنبئوا عشتارَ أن تواصلَ البكاء ،
لأنَّ أدونيسَ يُسَبِّحُ ذاتَه ،
بحياةٍ تقتلها الخنازير .
* * *
أحمد عبد المعطي حجازي :
مدينتُه بالرغم
أنّها بلا قلب ،
إلا أنَّها غدتْ في كلِّ قلب
* * *
نزيه أبو عفَش :
يَذُرُّنا إلى الموتِ
ـ مزوَّدين بالعَرَقِ ـ
لِيَقُوم :
أسطورةً من الثلجِ ،
تُمِدُّ مَنْ حَولَ الخِوانِ
بفعلها الساحر في الكؤوس .
.
محمد بنِّيس :
أنت ملحمةُ النهرُ
ألا فالتحم بالسحاب ،
إنَّ ورقَ البهاء أبيض ،
وإِن لم يُقرأ في الشرق ،
فإنَّه برجْلٍ واحدة .
* * *
عبد القادر الحصني :
إنِ استمرَّ في هذا الصعود ،
من حقِّ كل الشعراء ،
أن يأخذوا سيفاً من كلِّ قبيلةٍ
ويأتَمروا به ،
ليقتلوه .
أعتقدُ أنَّه سيضعُ على رؤوسهم
التراب ،
و ينامُ في الأيقونة
* * *
نذير العظمة :
" غداً تقولين ( كان ) "
كانَ ليست ( فعل ماض ناقص ) ،
كان هنا
مثلما تقولين :
كان الماءُ في الماء .
* * *
محمد أبو دومة :
لبس الصوفةَ وكان
على موعدٍ مع الوصلِ ،
ولمَّا ولجَ اللغةَ ،
غُلِّقَتِ الأبوابُ ،
ونوديَ هيْتَ لك ،
فانتبه ، إذا هو في حضرة
ليلايات العذريّة ،
جبَّ ما قبلهنَّ ،
ونقعَ كلامَه في رضابِهنَّ ،
وكتب النساءَ بثُمالةِ المتذوِّقين .
* * *
طلال حيدر :
زرع الشعر وحصده ،
ومئاتٌ ما يزالون مندهشين ،
ينتظرون ،
أو يحثون التراب .
* * *
جميلة الماجري :
حاربتها النساءُ رجلاً ،
والرجالُ امرأةً ،
بينما ينفتِحُ لها
" بابان على أرضِ القصيدة " .
 
* * *
عز الدين المناصرة :
لهُ علاقة بجسد القصيدة
كتب ببصيرةٍ كنهَ دفئها
وعانى من حبر أنوثتها ليلاً
لذا لم يتورَّع عن تسمية
قصيدة النثر . . . خنثى أو هجينة .
لماذا هي باردة يا عز الدين ؟
هل لأنَّها عارية ؟ ! ! .
* * *
عزالدين المناصرة :
عندما قرأ ( سعادة )
( بنت يفتاح * )
قال هذا أدب يهوديّ
كُتب بالعربية
وها أنا أرسل لـ ( سعادة )
في قبره الحيّ
( كنعانياذا *) . .
. . عز الدين المناصرة
( ينشد أشعاراً بالفصحى الكنعانية )
كيّ يخضرَّ عظمُهُ نشوةً
ويباركهُ :
( لك المجد يا امرأ القيس الكنعاني )
* * *
عز الدين المناصرة !
أيها الطفل
رغم أنَّك خليليّ
إلاّ أنّك في ( سجلاّت
البحر الميّت ) تفجَّرتَ
شعراً لا شعريَّةً
وشرَّعتَ القصيدة
الحقيقية في ( رذاذ اللغة ) .
هكذا مثلك
( تمنَّيْتُ أن أعودَ إلى رحمها ) .

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى