الجمعة ١٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم باسل محمد البزراوي

العشاء الأخير

ليلٌ تصوم بذكره الأكوان
فتئنّ حيرى والرّدى ريّانُ
ليل تهادته الجبال فأظلمت
لتشعّ في عنف الدجى القيعانُ
وتسلّ أسيافاً تثلّم حدّ ُها
وأبى بها عصيانها العصيانُ
قممٌ تهون بكبرياء أذِلّةٍ
هاموا وأوجَدَهم بها الخِزيانُ
تبكي النجوم وتستعيذُ بظلمة
الليل البهيم فتنتشي الوديانُ
وتنوحُ شمس الصبح صبحاً إذبدا
اشراقها وكأنّه وسنانُ
وتشيخ في سنِّ الطفولة نخلةٌ
وتشُبّ في فجر الهوى الأشجانُ
ويلوكُ لحم أخيه شيخ ٌ متلَدٌ
ويموت دون أليفه الحيوانُ
 
يا أيّها الغادي إلى قمم الذرى
فوق الدّلار فدونك الخزّانُ
فاغرفْ كما شاءت لك الأقدار من
بحرٍ تلوب يقاعه الحيتانُ
وانهلْ كما شاء الزمان وكن له
ندّاً تطوّعُ طبعه الأزمان
واقفز على شفتي يتيم يتّقي
ذلّ السؤال وبطنه يقظانُ
واصعدْ على الأكتاف لا متهيّباً
روحاً تئنّ بلفظها الأبدان
وابنِ المصاعدَ من رفات طفولةٍ
ماتتْ وليس تلُفّها الأكفانُ
وانفضْ فؤاداً من جلودٍ رُ قِّعَتْ
كالثّوب إذ بهتت به الألوان
واكتبْ على طلل الرياح قصيدة ً
صفراءَ يصبغُ لونَها الهذيانُ
ليُقال قد جرد الكمَيْتُ قصيدة
سيفاً وجوّد فنّه سحبانُ
فلم التّباكي والدموعُ يلومها
ربعٌ يلَذ ّ بربعهِ الثعبان
 
فلِمَ البكا والسّادرون على الورى
من تحتهم قد فرّخ السجانُ
شبعوا على بطن العروبة من دمٍ
سفكته أيدٍ كلّها سيلانُ
وترنّموا ليلاً بحانات الهوى
وخناثهم في شعرنا ديوانُ
وبدَوْا كأنّ بغاثهم نسرٌ وإذ
وهن القلوب كأنه الخلجان
وسيوفهم مثلومة ٌ وشفارها
صدئت ووزرُ كلامهم طوفان
وإذا أشبّوا النار هبّت ريحهم
فتفرّق السمّارُ والنيرانُ
وأتت على الرّبع الجديب سحابةٌ
منها فأخصبتِ الربى الكثبان ُ
أهمُ الهزار وقد بدت أطيافهم
ظِلّ الغراب كأنّهم أقنانُ
وتراءت الدنيا أمام عيونهم
وكأن ّينبوع الرّؤى الخذلانُ
إنّ الحياة أمامهم نهدٌ فمٌ
نفضت ملامح وجهه الغلمانُ
وعفافُهم فقد استبيح برقصةٍ
ولهى، وما من دونهم جدرانُ
فلقد رأيت وقد بدا من عريهم
نجمٌ سداسيّ له تيجانُ
ورآهمُ الأعمى وأسمع صوتهم
حجر أصمُ وما له آذان
فسفينُهم خرِبٌ وخفق قلوبهم
شرعاً تحرّم شرعه الأديان
ووجوههم سودٌ وخدر نسائهم
ذلّ يلَذ ّ بذلّه ِ الزعران
وهم الرقيق سريّهُم عبدٌ ثغا
بين الإماء كأنّه البركانُ
وإذا أطلّ برأسه مسترجلٌ
يجثو ويغزو قلبه الخفقان
ويلوذ بالنّسوان يخفي روعه
فتصوم عن ذكر الهوى النّسوانُ
ويصيح لا متحدّياً أحداً ولا
تحتدّ من أركانهِ أركانُ
فأنا هنا عبدٌ ذليل صاغرٌ
اُزجى كما يزجي الثرىالجعلانُ
وأنا لكم ولكم هنا الغيث الذي
جادت به لرمالنا السّحبانُ
لم يبدُ من ذنَبي ولو شبرٌ فقد
أودت به في مهده الجرذانُ
الكلّ يشكو فالشّكاوى عهدهم
وبكاؤهم رقّت له الغيلانُ
ونشيجُهم صمتٌ ولون وجوههم
ليلٌ وكل بلاطهم نعسانُ
فإذا تذارفتِ الدموع رثتهُم
من بؤسها المأساة والأحزانُ
فَبِهم يتاجَرُ في البلاد وفيهم
ماتت قديماً عزّة ٌ وجَنانُ
لم يبقَ فيهم من عروبتنا سوى
كوفيّةٍ وعقالها أشطانُ
هلاّ اتّقِ الله َ العظيم بعصبةٍ
وأدوا الحياة فأورق الحرمانُ
فلقد أجاروا الأمركان بأرضنا
وتململت في حضنهم أحضانُ
وتسلّقوا فوق الجراح وأوهنوا
وطناً، ونافح وكرهم فئرانُ
فكأنّهم بين السّبايا جيفةٌ
ألهت بها أُسْدَ الشّرى ذبيانُ
 
من دكّ يا سبعَ الفلاة حصونَنا
في العامريّةِ والدّم الأثمانُ
من جرّد الأهواز من ألوانها
وشجاهُ من ذي قارَ استهجانُ
مَن ذاق مِنْ نخل العراق وبأسه
بؤساً، فشمّ عراره الشيطانُ
من أشعل المأساة حين تحرّكت
أذنابهم وتكشّفت سيقانُ
أيهود، أمريكانُ، فرسٌ،إنّهم
رجسٌ وليس بمثلهم إيمانُ
وحُداتُنا معهم تلمّعُ وسمها
ويلوح من أكتافها النيشان ُ
وجيوشنا دكّت مواقع مجدنا
معهم كأنّ بلادنا أوثانُ
أصنامُنا في الجاهليّةِ دونها
أصنام ُ هذا العصر والكفرانُ
تلك الخزايةُ في الجباه وليدةٌ
فهمُ وهمْ وهمُ وهمْ سيّانُ
مَن يلحُ مصّاص الدّماء فإنّه
ما سلّ طرف لسانه البهتانُ
فالليل تهواه الخفافيش التي
تأوي النّهار ووكرُها الغيرانُ
وتصير فيه أعِنّة الفرسان نهراً
من دمٍ تُسقى به الفرسانُ
ويصير فيه النجم عند حنينه
حيران يشكو بؤسه الحيران
ياقومُ ما قاد العنان كواسراً
زأرت جياعاً والرّدى ميدانُ
أو ما رأيت النسر كبّلهُ الطّوى
واسترسلت بنعيبها الغربانُ
والنّورسُ المحزون هاجر فالنّوى
قربٌ،وفرحة وعده الهجران
ورؤاه دمعٌ، والبحور رماله،
وصباهٌ ريحٌ، والأسى أغصانُ
وعيون كلّ الناس ترنو من علٍ
والنجمُ يقدح، والهوى غضبانٌ
والقلب حار وكلّنا متوسّلٌ
والنّوْءُ يجهم والنّوى خجلانُ
والسيلُ جفّ وشرّنا متعفِّفٌ
منّا وصدق ُ لساننا نكرانُ
وقبائل قتلت قبائل واشتكى
منّا لوأد عنادنا الرّحمن
وعقائل هبّت لنجدة عاشقٍ
فغوت ربوع نهودها القصدان
حلّت ضفائرها وحلّ فؤادَها
مولى موالٍ قيلُهُ السرطانُ
ونجومها أفلت وشكّ ورودَها
جانٍ وأوهنَ وجنتيها الجانُ
وسما هنا قردٌ وجلّ بسوئه
الرّعديدُ وامتهن الإباء جبانُ
قل ماترى يا شعرُ وانثرْ فوقهم
وهج الحروف ليبدوَ العريانُ
واكتب لأمتنا العظيمة أنّها
ظلمت ومال بظلمها الميزانُ
قلْ ما تراه فأيّنا يدري إذا
ما قدّ عبّ قميصه قحطان
إن جاء يرفلُ في الإباء ودونه
أرضٌ تعيث ُبأرضها الفئران
فإذا بكت تحت السياط قضيّة ٌ
فرك الذقون وحوقل الإخوان
وإذا رأوْا في شرقنا اشراقة ً
فزعت إلى غرب النّدىالديدان
وإذا رأوْا جرحاً بصدر عروبتي
غضّوا العيون كأنهم عميانُ
وتجلّلوا بوقارهم فإذا همُ
تحت العباءة "جدّ" أمريكانُ
وأبوْا لغير الغرب مدّ أنوفهم
فهوى عليها في الدّجى القيزان
فحجارة الشطرنج غيّر شكلها
علجٌ على صدر الورى جثمان
وقرارة القعر العميق كلجّةٍ
في البحر تعلو دونها الشطآن
وعييّ قومي مايزال بجهله
غراً، وحالُ لسانه "خربان"
ما كنت أحسب أن سيحمل وزرهم
شعري ويشرب صبحهم ظمآنُ
ويعود قبطان السفينة عارياً
إن لم يطوّعْ نفسَهُ القبطانُ
أين السلاطين الغضاب وقولُهم
يدمي القلوب فتقرح الأجفانُ
إن كان حقّاً ما تقول فإنّه
يعمي عيون الغارق الجزدان
أمّا البصائرُ فارتشفن خمورنا
حتى الثمال َ فكلّنا سكران
لنرى انتشاء السّكرِ خلف بيوتنا
فكأن ساحات البطولة حانُ
ونرى السكارى عربدوا ونديمهم
كأس ٌ عريق سكرُه سلطان
وهنا رأيت الموت ينزع طفلة
ويموت شيخٌ عيشُه القطران
وهنا ترى الثكلى كأنّ بكائها
دهر ٌوصبح بهائها الحرمان
بلدي الذبيح كأنها في مأتمٍ
في كلّ يومٍ غصّةٌ وشنانُ
قد خضبوها بالدّماء وحلمها
شمسٌ ودفءٌ عابقٌ وسنان
أبناء امّتنا اعذروني إنّني
جرحٌ بصدر عروبتي يقظان
جرحٌ يئنّ ويستغيث ودونه
شرف العروبة والسّنا قربان
هدأ الجميع وجمرنا متوقّدٌ
فيها ورام سكوتنا الحملان
واسأل ستنبيك الرّبوع بأنّنا
ما هان منّا الشِّيبُ والشبان
فرؤوسنا فوق الجبال مطلّة ٌ
وإباؤنا عبقت به الأوطان
فإذا تفرق شملنا وتباعدت
عنّا البلاد تهلّل الشيطان
إنّا إذا صرخت عروبتنا سمت
فينا المروءةُ والنّجاة رهانُ
وتنادت الفرسان في سوح الوغى
تحمي حمى أحلامها العقبان
"وإذا غضبنا غضبة ً عربيّة"
ألفيت أنّ بلادنا الطوفان
سل ما تشاء فإنّ تاريخ الفلس
 
طينيّ ينبئ والسلاح بيان
واسأل سنيّ الجدب كيف تسنّمت
قممَ الإباء وفجرها الفرسان
واسأل جنين خيامها وزهورها
تنبيك ما أخبارها الرّكبان
وجنين أورق في المخيم أهلها
ويعوذ ُفي أمريكيا السلطان
وجنين يغرق بالدماء ترابها
وتخضّبت من طهرها الحيطان
وجنين حين تململت أجداثها
صاح العراق وردّت الجولانُ
أعراق ُ قد جفّت دموع أحبّتي
وشجا الرمال بكاؤنا الولهان
همّوا لقتلك إذ سموت ِوهاجهم
حبّ ُ الركوع وذلّهم عنوانُ
رقصواعلى جرح النخيل وروّعوا
الأهواز واستغفاهمُ النسيانُ
وتعانقوا فوق الرّعاف وأمّهم
صبأت وهام بخدرها الأخدانُ
صبأتْ نعم إني أشكّ بأنهم
عربٌ، فبعض أصولهم مرخان
قوموا انبشوا الأيّام ربّ قريظةٍ
وبني النضير جدودهم قد كانوا
كوبا تصيح وتتّقي صيحاتها
أمريكيا وعويلُها برهان
كانت كأن دماءها عربية ٌ
وتنصّلت من جلدها العربان
لا تذكروا أرض العراق وقبلها
أرض القداسة لفّها النسيان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى