الثلاثاء ٢ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٨
نماذج من قصص الأهوازيين
بقلم سعيد مقدم أبو شروق

القصة القصيرة جدا وعنصر التكثيف

العصر عصر التویتر، عصر التغريدات، عصر السرعة، المواصلات السريعة، ولهذا فإن الإقبال نحو القصة القصيرة جدا والبعض يكتبها (ققج) أو (ق ق ج) قد كثر.
قبل فترة نشر أحد الأصدقاء مقالا طويلا في إحدى المجموعات الواتسابية، والحقيقة كان مقالا جيدا؛ ولكن أحد الأعضاء علق تحته:
أستاذ، إن كان لدي وقت وطاقة لقراءة النصوص الطويلة، لتابعت دراستي وحصلت على شهادة الدكتوراه!
ولهذا فإن معظم النصوص الطويلة التي تنشر في مجموعات التواصل تترك دون قراءة رغم أن أكثرها نصوص رائعة وتستحق القراءة. والسبب كما أسلفنا هي السرعة التي أخذنا تيارها دون أن نبتغي.

تأريخ ظهور القصة القصيرة جدا
ظهرت ألـ (ق.ق.ج) في أمیركا اللاتينية مع بدايات القرن العشرين لتنتقل بعد ذلك إلى أوربا الغربية ثم في العقود الأخيرة من القرن العشرين في بلاد الرافدين والشام وخاصة سورية وفلسطين وظهرت في المغرب وتونس بشكل متميز وناضج في بداية الألفية الثالثة.
حظيت القصة القصيرة جدا في المغرب باهتمام كتاب القصة أمثال محمد إبراهيم بوعلو ومحمد زفزاف واحمد زيادي واحمد بوزفور وزهرة زيراوي وحسن برطال ومصطفى لغتيري ومحمد تنفور وعبد العالي بركات وسعيد بو كرامي وجمال بو طيب . فقد كتب هؤلاء القصة القصيرة جدا منذ 1983.
وقد دخل هذا الفن الأدبي الأهواز عام 2005 حيث كتبه شخص باسم مستعار هوعادل العابر. لكن قصص العابر لم تصل إلى القارئ الأهوازي ذلك لأن الإنترنت لم يكن متاحا، ومجموعات التواصل لم تكن موجودة آنذاك.
ثم ومواكبة مع ظهور مجموعات التواصل كتبها كتاب أهوازيون آخرون، ونُشر لحد الآن ثلاثة كتب في هذا الحقل، كتاب كبرياء لي عام 2015 وقد دعمته جمعية الهلال الثقافية، وطبعت منه 2500 نسخة، والتي تم حظرها في العام الماضي! وكتاب نون النضال لسعيد إسماعيل والذي نشر خارج البلاد عام 2017 وكتاب الثالثة والعشرون لأمير المانع طبع منه 1000 نسخة وكان نشره في عام 2017 أيضا.

تسمية القصة القصيرة جدا
مر هذا الجنس الأدبي بمسميات عديدة: ففي اليابان تدعى (قصص بحجم راحة اليد)، وفي أوربا اللاتينية (قصص ما بعد الحداثة).
وهناک تسمیات أخرى مثل:
(القصص السريعة) و (القصص الصغيرة جدا) و (المجهرية) (قصص قصيرة جدا).
أول من كتب القصة القصيرة جدا
أول من كتب القصة القصيرة جدا هو الغواتيمالي أوغيستو مونتير وسو (غواتيمالا كانت جزء اسبانيا ثم استقلت والتحقت بالمكسيك).
توفي هذا الكاتب عام 2003 وترجمت أعماله إلى العربية الكاتبة نهى أبو عرقوب الفلسطينية عام 2013.

نموذج من قصصه القصيرة جدا:
الديناصور
حين استيقظَ، كان الديناصور لا يزال هناك.

شروطها
يعتقد بعض كتاب هذا الفن الأدبي الجديد إن عدد كلمات القصة القصيرة جدا هو بين 10 إلى 40 كلمة سوى حروف الجر والعطف.
وتبقى هذه الأقوال وجهات نظر شخصية قد تتغير بعد حين.

ومن عناصرها:
1- التكثيف
2- المفارقة
3- الإدهاش
4- الإيحاء
5- النهاية المباغتة
وطبعا هناك قصص قصيرة جدا لا تتوفر فيها جميع هذه العناصر لكنها قصص ناجحة.

ما معنى التكثيف؟
يقول أدغار الان بو الکاتب الأمیركي: يجب ألا تكتب كلمة واحدة لا تخدم غرض الكاتب.
على سبيل المثال لنأخذ القصة التالية:
هل نستطيع أن نشذب منها كلمات لنختزلها ولتصبح أقصر؟

اللص
بقلم: سعيد مقدم أبو شروق
كان يراقب المغادرين، دخل رجل المصرف ليسدد قرض بيته لهذا الشهر؛ وعندما خرج رآه يحمل كيسا أسود؛ لم يشك بأن في الكيس مالا.
فأدار مفتاح دراجته النارية وسار كالبرق ليخطف الكيس...
عندما بلغ بيته، فتحه؛ وجد فيه قنينة ماء.
قالت زوجته: لقد كسبنا...الأطفال عطاشى.

نعم نستطيع حذف بعض المفردات دون أن نمس معنى القصة ورسالتها.
نستطيع أن نحذف (لهذا الشهر)، الكل يعلم أن القروض البنكية تُسدد كل شهر مرة، ولا حاجة لذكر هاتين المفردتين.
كما يمكننا أن نحذف كلمة (النارية)، ذلك لأن اللص أدار المفتاح ليشغل الدراجة وهذا يعني أن الدراجة نارية.
ونستطيع أيضا حذف (الكيس) الذي وقع مفعولا في السطر الثاني ونأتي بضمير متصل مفعول بدلا منه.
ويمكننا حذف (بلغ بيته) أيضا؛ فعندما فتح الكيس وقالت زوجته إننا كسبنا، هذا يعني أنه بلغ البيت وفتح الكيس هناك.
هذه العملية تسمى تكثيف، أي نكثف القصة ونشذب منها ما لا يخدمنا.
وإليكم القصة بحلة جديدة:

اللص
بقلم: سعيد مقدم أبو شروق
كان يراقب المغادرين، دخل رجلٌ المصرفَ ليسدد قرض بيته؛ عند خروجه كان يحمل كيسا أسود؛ لم يشك بأن في الكيس مالا.
فأدار مفتاح دراجته وسار كالبرق ليخطفه...
عندما فتحه؛ وجد فيه قنينة ماء.
قالت زوجته: لقد كسبنا...الأطفال عطاشى.

هناك نصوص لا تتوفر فيها عناصر القصة القصيرة جدا سوى قصرها وتكثيفها، أنا شخصيا لا أعتبر هذه النصوص قصصا قصيرة جدا، بل هي نصوص قصيرة جدا.
لدينا أمور لا بد من الإشارة إليها، فهي قد تعالج بعض قضايانا الثقافية أو الاجتماعية ... وهذه القضايا قد نبينها بنصوص قصيرة جدا؛ وهذا نموذج من هذه النصوص:

أراجيف جارتنا العجوز
بقلم: سعيد مقدم أبو شروق
اليوم طرقت جارتنا العجوز الباب بملء كفها طرقا متواليا، فأسرعنا لنفتح الباب؛
وما إن رأت والدتي في الحوش حتى نشقت نشقة كادت روحها أن تزهق:
يا أم محمد، كيف تنتعلين النعال وتدوسين الأرض؟!
هذه الأرض التي طمت أبا محمد، هذا الرجل الحنون، كيف تطئينها بالنعال؟!
انزعي النعال من رجليك وامشي حافية!
أم أن أبا محمد لا يستأهل أن تمشي من أجله حافية؟!

ختاما أقدم لكم نماذج من قصص قصيرة جدا كتبها كتاب أهوازيون:

قصة قصيرة جدا
بقلم: سعيد إسماعيل
إنسان
يعمل سجانا أكثر من عقد من الزمن، منذ أول أيام عمله تعرف على سجين؛
بعد فترة بدأ كل يوم يدخل زنزانة هذا السجين الانفرادية لحظات ثم يخرج.
انتبه لعمله سجان آخر فسأله عن سبب تصرفه.
أجابه: كل يوم أدخل زنزانته الانفرادية لأستنشق بعض الحرية.

قصة قصيرة جدا
بقلم: توفيق النصاري
استياء
بعد مرور عام على زواجهما أهدى لها كتابًا عن الطبخ...لم تهتم كثيرًا، لم تبد الاستياء، ابتسمت...استلمت الكتاب ثم انسلت تشق روايات الحب الملتهب التي أهداها لها قبل الخطوبة.

قصة قصيرة جدا
بقلم: أحمد عادل صاكي
صوت باطل
رُغم أنه عزيز عليّ لكني رميت به من فتحة الصندوق.
سقط بعد ما تشقلب سبع مرات.
تناثرت أشلاءه .
عدّوه من الأصوات الباطلة .
طلبت ومازلت أطلب إعادة جثمانه إلي.

قصة قصيرة جدا
بقلم: رحيمة صوفي
اللعب في السراب
بعد اللعب في الشط، رجع اﻷطفال متربين،
يطلبون جرعة ماء.

قصة قصيرة جدا

بقلم: أمير المانع
عاصفة
هبت عاصفة، كسرت سعف النخيل، وعلا صوتها على تكبيرة الإحرام؛
خرج السفهاء حفاة راكضين خلفها أربعين يوما ...
هدأت الأحياء وخرج الأيتام يبحثون عن قوتهم في مستودعات القمامة.

قصة قصيرة جدا

بقلم: سيد كاظم القريشي
النواة
 أتذكرُ حينما كنتَ تزورني في حي الحرشة؟
 واحتساءُ الشاي في أماسي الشتاء!
 تأكلُ تمرتين فقط
 وقذفُ النواة في الحديقة!
 لقد اصبحتْ لدينا ثلاثُ نخلات.
 جميل!
 أبحث عن لقاحٍ لهن!..

قصة قصيرة جدا
بقلم: عادل العابر
السائل
كان يطرق باب منزلنا مرة في الأسبوع، فنتصدق عليه.
اقترحت زوجتي أن نخصّص له مبلغاً من راتبي الشهري، ... رجل مسكين، قد لا يكفيه ما يجمعه من التسوّل.
وفي مساء أحد الأيام توفى وترك الساحة للورثة الذين تمنوا موته قبل عشرات السنين!
فهدم الورثة المنزل الذي كان يسكن فيه ليبنوا عمارة جديدة، وحفروا الأرض ليضعوا حجر الأساس، فإذا هم يجدون علباً لا تحصى من النقود كان قد دفنها تحت الأرض! منها ما مضى عليها ستون عاماً ... فلم يبق لها أيّ اعتبار! ومنها قد أكلها التراب فأمست بالية ... إن لمستها انطحنت في يدك! والمسكوكة منها أمست سوداء ... غطى الصدأ نقوشها تماماً!
خسارة ... كانت بعضها نقودي.

قصة قصيرة جدا
بقلم: سعيد مقدم أبو شروق
حديقة
أراد أن يملأها بالنخيل:
إن ثمرها يكفي لعام كامل،
ويصيب خيرها ذوي القربى واليتامى والمساكين؛
لكنها وتطبيقا للحملة الإعلامية لتحديد النسل... اكتفت بأثلتين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى