الجمعة ٢٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٦
بقلم سناء أبو شرار

تأثير القضية الفلسطينية على الأدب

لم يؤثر تطور القضية الفلسطينية على الأدب فقط بل أثر على تفاصيل حياة أي فلسطيني داخل فلسطين أو خارجها، لأن القضية الفلسطينية قضية لها أبعاد خاصة تختلف عن أي قضية أخرى، جميع أنواع المعاناة على الأرض تخف حدتها كلما مر الزمن ولكن القضية الفلسطينية تزداد حدتها كلما مر الزمن، بل تنشأ عن هذه المعاناة مئات الأنواع من المعاناة في كل سنة وبكل عصر، وهي معاناة تتغير، تتبدل، تتجدد ولكنها تبقى عميقة متجذرة لها أبعاد وجذور ونتائج، وجميع هذه العناصر تتراكم في الأدب الفلسطيني لأنه صورة عن الواقع وأيضاً وسيلة للتخفيف من حدة هذه المعاناة. القضية الفلسطينية شكلت وبجزء كبير مسيرة الحركة الأدبية العربية بشكل عام والفلسطينية الخاصة بي بشكل خاص، فلا يستطيع أي كاتب فلسطيني أن يكتب دون أن تتراءى له فلسطين عبر السطور، ولكنه قد يُبعدها عن تفكيره لكي يستطيع التركيز بما يكتب، أو أن يكتب بشكل واضح عن معاناته، ولكن القضية الفلسطينية توجد في أفكار وشعور بل ودماء كل كاتب فلسطيني، لأنها ليست قضية مكان بل قضية جذور وهوية ووجود وإنتماء وإقتلاع، لقد شكلت القضية الفلسطينية نوع نادر من البشر مقتلعي الجذور ولكنهم بذات الوقت لا يعيشون دون هذه الجذور المُقتلعة، أي أنهم النبات الوحيد على هذه الأرض الذي يستطيع أن يحيا دون جذوره لأنه ببساطه يحمل هذه الجذور ليس في الأرض فقط بل في الروح والعقل والنفس وفي كل أسباب الوجود، لهذا كان الشعب الفلسطيني من أكثر الشعوب صموداً بوجه بالنسبة وسيبقى لأن الوطن بالنسبة له ليس أرض فقط بل كل جزء من الوجود ومن ضمنه الأدب أيضاً.

ولكن لا يجوز أن يقتصر الإبداع الأدبي الفلسطيني على واقع القضية الفلسطينية وإلا فُقدت الهوية الأدبية الفلسطينية، لابد من إحداث فرق بين أدب القضية الفلسطينية وبين الأدب الفلسطيني، لأن الإحتلال الصهيوني ومن ضمن أهدافه ألا يتواجد أي أدب فلسطيني، أدب المقاومة يعرفه تماماً وقد هيأ العالم الغربي له، بأنه أدب متكرر بمفاهيم الضحية وقد مهدت الصحافة الغربية مع اللوبي الصهيوني لهذا الإستقبال البارد لأدب القضية الفلسطينية، ولكن الأدب الفلسطيني بمفهومه الشامل والانساني أصبح بقدر أهمية أدب القضية الفسطينية، ولا يجب تقليص مساحة هذا الأدب لأنه أكثر قرباً وتأثيراً على الشعوب الأخرى، ومن ناحية أخرى هو أحد وسائل الحفاظ على الهوية الفسطينية، التي لا تقتصر على هوية المُحتل أو هوية المُقاوم، ففلسطين أيضاً نمط حياة، ثقافة، فكر، طموح، حلم، هدف، وألوان متعدةة لثقافة واحدة ، من الخطر حصر الأدب الفلسطيني في القضية الفلسطينية رغم أهميتها الأولى ولكن لابد من إعادة إحياء الأدب الفلسطيني الحياتي والثقافي والفكري والنفسي.

إن أحد أهم أهداف الإحتلال الصهيوني هو طمس هذه الثقافة ، فهو قد حصن نفسه محلياً ودولياً ضد أدب المقاومة ولكنه لن يستطيع ولا بأي شكل من الأشكال أن يحصن نفسه ضد الأدب الفلسطيني بمفهومه الانساني والذي يتوجه به الشعب الفلسطيني إلى كل دول العالم بمختلف الثقافات والتوجهات. من ناحية أخرى، رغم المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني إلا أن هذه المأساة أعادت تشكيله بصورة عميقة وبصورة تمتد عبر عصور متعددة، لقد صبغت الانسان الفلسطيني بصبغة الجدية والهدف والإصرار، ويبدو أن الأدب أيضاً قد تأثر بهذه الصفات، فهو أدب جاد، له هدف وبه إرادة وتصميم على الحرية حتى ولو كان الواقع مكبل بالقيود ومسجون في زنازين الإحتلال، لقد رسم الأدب الفلسطيني طيور الحرية وسماء الأمل عبر الروايات والقصص القصيرة قبل أن يراها على أرض الواقع، أدب القضية الفلسطينية هو الأدب الوحيد على الأرض الذي حرر شعبه من الإحتلال وجعله يحيا حر الفكر والشعور والعواطف لذلك يبدو أنه شعب لا يُهزم لأنه يستمد قوته من كلمات بسيطة، من جمل عفوية وحتى من نسمة هواء آتية من الضفة الأخرى.

لابد أن ننظر لأدب القضية الفلسطينية بأنه سلاح مقاومة وليس مجرد عرض صور وسرد قصص، لابد من العناية به ومن تبني مبدعيه بل والبحث عنهم، لأن الأدب الفلسطيني له مهمة المقاومة والدفاع والصمود، لم يتبقى لنا الكثير من الأسلحة ولكن سيتبقى لنا دائماً الكثير من الكلمات التي تنسج الحلم، وتحلق نحو الحرية ، ترحل مع خيوط الشمس مهما طالت ظلمة الليل. لابد لكل أديب فلسطيني أن يكون على يقين بأنه أديب لأي واقع انساني يكتب عنه، ولكنه أيضاً جزء من قضية لا تنام ولا تستسلم ولا تعرف الراحة، جزء من قضية تزداد أبعادها حدة وألم مع مر السنوات ولابد أن يكتب بمقدار جدية هذا الألم وبمقدار عمق هذه المعاناة وبمقدار الظمأ لتحقيق حلم من ماتوا ومن لا يزالوا أحياء، إنه أدب الرسالة، والأمانة، والصدق، والدفاع عن الإيمان والأرض والشرف أمام عدو إنتهك كل معاني الإنسانية والأخلاق والضمير، لهذا تبدو مهمة الأديب الفلسطيني مختلفة عن كل أدباء الغالم لأنها مهمة جادة، مؤلمة وخالدة.
نموذج لتأثر الروح الفلسطينية بمعاناتها التاريخية والوطنية الانسانية :

(ضباب لندن وزهر البرتقال)

في ضباب لندن البارد
أسير وحدي
يحرق الضباب سعادتي
وتدوس الأقدام رمادها
والرياح الباردة تحملها هناك
إلى فلسطين
أعود لبيتي في لندن
بيتي غرفة وحمام
وبيتي في فلسطين
الأرض والسماء
أفتح حقيبتي الصغيرة
وأقرأ الرسالة الأخيرة
ابنتي الحبيبة عودي
أزهار البرتقال تبحث عنك
لا تتحولي لقطعة من ضباب
عودي لأرضك وجبالك ورمالك
بأي حق أبعدوك؟
بأي حق أقتلعوك؟
أقرأ الرسالة وأبكي
وتسقط دموعي الساخنة
في ضباب لندن الباردة
ولا أعود....

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى