الاثنين ١٩ حزيران (يونيو) ٢٠٠٦

جون لوك (1632 - 1704)

جون لوك (John Lock) هو فيلسوف تجريبي ومفكر سياسي إنجليزي. ولد في عام 1632 في رنجتون (Wringiton) في إقليم (Somerset) وتعلم في مدرسة وستمنستر، ثم في كلية كنيسة المسيح في اكسفورد، حيث انتخب طالبا مدى الحياة، لكن هذا اللقب سحب منه في عام 1684 بأمر من الملك. وبسبب كراهيته لعدم التسامح البيورتياني عند اللاهوتيين في هذه الكلية، لم ينخرط في سلك رجال الدين. وبدلاً من ذلك اخذ في دراسة الطب ومارس التجريب العلمي، حتى عرف باسم (دكتور لوك).

وفي عام 1667 اصبح طبيباً خاصاً لأسرة انتوني آشلي كوبر (1621-1683) الذي صار فيما بعد الإيرل الأول لشافتسبري، ووزيراً للعدل، ولعب دوراً خطيراً في الأحداث السياسية العظيمة التي وقعت في إنجلترا ما بين ســنة 1660 وسنة 1680. لعبت علاقة لوك باللورد آشلي دوراً كبيراً في نظرياته السياسية الليبرالية. وكان اللورد آشلي يتمتع بنفوذ كبير في إنجلترا إذ كان يمثل المصالح السياسية لرؤوس الأموال التجارية في لندن، وتحت تأثير اللورد آشلي كتب لوك في عام 1667 مقالاً خاصاً بالتسامح (On Toleration) راجع فيه أفكاره القديمة الخاصة بإمكانية تنظيم الدولة لكل شؤون الكنيسة.

اعتقد الكثيرون لمدة طويلة ان لوك كتب اشهر مقالتين سياسيتين نشرتا في عام 1690 بعنوان "مقالتان عن الحكومة" (Two Treatises on Government) تأييداً لثورة 1688 الكبرى. وهناك وجهة نظر تقول إن المقالتين موجهتان ضد فيلمر (Filmer) وليس ضد هوبس كما كان يفكر البعض. وهاجر لوك إلى هولندا عام 1683 بسبب ملاحقة البوليس له، وذلك لاتصالاته الوثيقة باللورد آشلي، الذي كان معارضاً للقصر وبقي هناك حتى عام 1689، وفي هولندا كتب لوك عدة مقالات منها:

مقال خاص بالفهم البشري (Essay Concerning Human Understanding) وبعض الأفكار عن التربية وأخرى عن التسامح. وعندما جاءت الثورة الكبرى، استطاع لوك العودة إلى إنجلترا. وقد رفضت الجامعات القديمة فلسفته الحسية وآراءَه الليبرالية. ومع ذلك فقد عاصر شهرته الكبرى التي انتشرت في أنحاء العالم. وتوفي عام 1704.

لوك: مختارات من "مطارحتان في الحكم المدني"

من "المطارحة الثانية"

الفصل الأول

لا أظنني أحيد عن التسلسل الصحيح إذا تناولت بالبحث موضوع السلطة السياسية، عسى أن يتم تمييز سلطة الحاكم المدني على الرعية عن سلطة الأب على أبنائه، السيد على خدامه، الزوج على زوجته، والمالك على عبده. جميع هذه السلطات المميزة قد تلتقي في نفس الشخص أحيانا، هذا إذا نظرنا إليه من وجهة نظر هذه العلاقات المتباينة. قد يساعدنا أن نميز هذه السلطات عن بعضها البعض، وأن نبين الفرق بين حاكم الدولة، رب العائلة، وربان السفينة.

السلطة السياسية، في نظري، هي حق سن القوانين بشأن عقوبة الموت، وبالتالي، جميع العقوبات الأدنى منها، وذلك من أجل تنظيم وحماية الملكية، وهي أيضا حق استعمال قوة المجتمع في تنفيذ مثل هذه القوانين، وفي الدفاع عن الدولة من العدوان الخارجي. كل هذا سبيل الخير العام فقط.

الفصل الثاني

عن الحالة الطبيعية

لكي نفهم السلطة السياسية على الوجه الصحيح، ولكي نستمدها من مصادرها، لا بد من النظر إلى الحالة التي يعيشها الناس طبيعيا، وهي حالة من الحرية التامة في اختيار أعمالهم والتصرف بأشخاصهم وممتلكاتهم كما يرتأون، ضمن حدود قانون الطبيعة، وذلك دون استئذان، ودون الاعتماد على مشيئة أي شخص آخر.

وهي أيضا حالة تسودها المساواة، حيث تكون جميع السلطة والولاية متبادلة، ليس لأحد أكثر من الآخر. انه لغاية في الوضوح والجلاء ان نفس الجنس والمرتبة، والذين ولدوا دون تمييز للتمتع بخيرات الطبيعة ولاستعمال نفس الملكات، يجب أن يكونوا متساوين ودونما تبعية أو إخضاع. هذا الا إذا ولى رب العالمين (وبإعلان واضح عن مشيئته) أحدهم على الآخر، ومنحه (وبتعيين واضح وجلي) حقا غير مشكوك فيه للسيطرة والسيادة...

ومع أنها حالة من الحرية الا انها ليست حالة من الإباحية. فمع أن للإنسان في هذه الحالة حرية للتصرف بشخصه وممتلكاته، غير أنه ليس حرا في تدمير نفسه أو تدمير أي مخلوق بحوزته، الا إذا تطلب ذلك هدفا (أو استعمالا) أسمى من مجرد البقاء. ويحكم الحالة الطبيعية قانون طبيعي يلزم كل فرد. والعقل، وهو ذلك القانون، يعلّم البشر إذا أصغوا إليه، انه لكونهم جميعا متساوين ومستقلين، فلا يجوز لأحدهم أن يؤذي الآخر في حياته، صحته، حريته أو ممتلكاته: بما ان الناس جميعا من صنع خالق قدير وحكيم، وبما أنهم جميعا خدام سيد حاكم واحد، أرسلوا إلى الدنيا بأمر منه، فهم لذلك ملكه الخاص، وما صنعه من المفروض أن يدوم وفقا لمشيئته، وليس وفقا لمشيئة أي إنسان آخر. وبما أنهم مزودون بنفس المكان والقدرات ويتقاسمون كل شيء في مجتمع طبيعي واحد، فلا يمكن افتراض أية تبعية بينهم تجيز لهم تدمير بعضهم البعض، كما خلقت مخلوقات المرتبات الدنيا لاستعمالهم. وكما أن على الواحد أن يحافظ على نفسه، والا يتنازل طواعية عن موقعه، كذلك عليه قدر المستطاع (وعندما لا يتعارض ذلك مع بقائه) ان يحافظ على بقية الناس. كما وعليه ان يمتنع، الا إذا كان ذلك من أجل معاقبة الجاني، عن القضاء على أو تشويه حياة الآخرين، حريتهم، صحتهم، أعضاءهم أو أملاكهم الخاصة.

وعلى الناس جميعا أن يمتنعوا عن الاعتداء على حقوق الآخرين، وعن إلحاق الضرر بهم، وأن يعملوا على مراعاة قانون الطبيعة الذي يأمر بالسلام وبالحفاظ على الجنس البشري. وتنفيذ قانون الطبيعة، في هذا الوضع، هو من مهمة كل فرد، حيث لكل واحد الحق في معاقبة من يخرق هذا القانون والى الحد الذي يمنع من انتهاكه. فقانون الطبيعة، كباقي القوانين التي تعنى بشؤون الناس في هذه الدنيا، يكون غير مُجدً إذا لم تتوفر لأحد في الحالة الطبيعية سلطة تنفيذ القانون، لحماية البريء وردع المذنب. وإذا جاز للواحد في الحالة الطبيعية معاقبة الآخر على أي ذنب مقتَرف، فلكل واحد الحق في عمل ذلك. ففي هذا الوضع من المساواة التامة، حيث لا سلطة أو أفضلية لأحد على الآخر، ما يجوز للواحد فعله لتطبيق هذا القانون، يحق لكل واحد أن يقوم بذلك.

وهكذا، فإنه في حالة الطبيعة يحصل الواحد على سلطة على الآخرين، ولكنها ليست سلطة اعتباطية أو مطلقة، في التصرف بالمجرم، إذا تم القبض عليه، حسب العواطف الشديدة أو الرغبات الجامحة، وإنما فقط من أجل العقاب والى الحد الذي يمليه الضمير والعقل المتزن والى الحد الذي يتناسب مع الجرم المرتكب ويفي بغرضي الإصلاح والردع. هذان هما المبرران لإلحاق الضرر قانونيا، وهو ما نسميه عقابا. وبانتهاكه قانون الطبيعة، يكون الجاني قد أعلن انه يعيش حسب قانون غير قانون العقل والإنصاف، وهو المعيار الذي وضعه الله لأعمال الناس من أجل أمنهم المتبادل، وبهذا يصبح خطرا على الناس لأنه يسخف بالعلاقة التي تحميهم من الأذى والعنف. ولكون ذلك عدوانا على جميع أفراد الجنس البشري، سلامتهم، وأمنهم الذي وفره قانون الطبيعة، فلكل إنسان، بناء على ذلك، وبناء على حقه في الحفاظ على البشرية بعامة، أن يمنع، وان كان ضروريا ان يقضي على الأشياء الضارة بهم، وأن يلحق الأذى بمن يخالف القانون والى الحد الذي يجعله يتوب عن فعلته، وبهذا يردعه ويردع الآخرين من خلاله. وفي هذه الحالة، وعلى هذا الأساس، فإن "لكل إنسان الحق في عقاب الجاني وفي تنفيذ قانون الطبيعة".

الفصل الثالث

عن حالة الحرب

حالة الحرب هي حالة من العداء والدمار: فإذا أعلن أحد، قولا أو فعلا، عن تصميم راسخ ومتأن، وليس بانفعال أو تسرع، في القضاء على حياة شخص آخر، فإن هذا يجعله في حالة حرب مع من أعلن أنه ينوي القضاء عليه. وبذلك يعّرض (الأول) نفسه لسلطة الآخر، أو سلطة من ينضم إليه للدفاع عنه ومساعدته في صراعه. من المعقول ومن العدل، ان يكون لي الحق في تدمير من يهددني بالدمار. فحسب القانون الأساسي للطبيعة، يتوجب علي ان أحافظ، ما استطعت، على بقاء الإنسان. ولكن عندما يتعذر الحفاظ على بقاء الجميع، يجب أن تفضل سلامة الأبرياء ويجوز للواحد تدمير من يقوم بالحرب أو يناصب العداء، تماما كما يجوز له أن يقتل الذئب أو الأسد. مثل هؤلاء لا يربطهم قانون العقل، ولا يحكمهم مبدأ سوى مبدأ القوة والعنف، وتجوز معاملتهم كما تعامل الحيوانات المفترسة، تلك المخلوقات الخطرة والقاتلة التي تدمر من يكون في قبضتها.

ومن هنا فإن من يحاول أن يضع شخصا آخر تحت سلطته المطلقة يجعل نفسه بذلك في حالة حرب معه، ويجوز فهم عمله كإعلان عن قصده في الاعتداء على حياة الآخر. وهنالك ما يبرز الاعتقاد بأن من يحاول التسلط علي دون موافقتي فإنه يتصرف تجاهي كما يشاء، وقد يدمرني عندما يروق له ذلك. فلا يرغب أحد أن أكون تحت سلطته المطلقة الا إذا كان يود أن يرغمني بالعنف على قبول ما يتناقض مع حقي في الحرية، أي تحويلي إلى عبد. ان التحرر من هذه القوة هو الضمان الوحيد لبقائي، والعقل يبين لي أن عدو بقائي هو كل من يحاول ان يسلبني حربي، والتي هي سياج هذا البقاء. ان من يحاول أن يستعبدني يجعل نفسه نتيجة لذلك في حالة حرب معي. ففي الحالة الطبيعية، من يريد أن يسلب حرية إنسان آخر في هذه الحالة، فمن المفروض وبالضرورة ان لديه النية في سلب كل شيء آخر. فالحرية هي أساس كل شيء آخر. تماما كما في المجتمع المدني، فإن من يحاول سلب حرية أولئك الذين ينتمون إلى هذا المجتمع أو الدولة، فمن المفروض وبالضرورة ان لديه النية في سلب كل شيء آخر يخصهم، ولذلك يجب اعتباره في حالة حرب معهم.

وهذا ما يجعل قتل اللص عملا قانونيا، ذلك اللص الذي لم يؤذ الرجل الذي سرق منه، ولم يعتد على حياته، وإنما فقط استعمل العنف للتسلط عليه من أجل أخذ نقوده أو ما يريده منه. فإذا استعمل العنف بدون حق، فلا أساس للاعتقاد بأن من يحاول أن يسلبني حريتي لا يسلبني، عندما يتسلط علي، كل شيء آخر. ولذا، فقانوني ان اعتبره في حالة حرب معي، أي ان اقتله إذا استطعت. فمن يبدأ حالة الحرب ويكون طرفا معتديا بها، يعرض نفسه وبحق لذاك الخطر.

وهنا يكمن الفرق الواضح بين حالة الطبيعة وحالة الحرب، وهما، وان خلط الناس بينهما، حالتان متباينتان تباين حالة السلم، حسن النية، التعايش والدعم المتبادل، عن حالة العداء، الحقد، العنف والدمار المتبادل. أناس يعيشون معا وفق العقل دون أن يكون لهم رئيس مشترك في الدنيا له سلطة القضاء بينهم، هذه هي حالة الطبيعة حقا. لكن العنف، أو النية المعلنة في استعمال العنف، ضد شخص آخر، دون وجود رئيس مشترك في الدنيا يلجأون إليه من أجل العون، هذه هي حالة الحرب. وعدم إمكانية اللجوء إلى القضاء هو الذي يعطي الفرد حق الحرب ضد المعتدي، حتى وان كان (أي المعتدي) مثله مواطنا أو من أفراد المجتمع.

الفصل الرابع

عن العبودية

الحرية الطبيعية هي أن يكون الفرد حرا من أية سلطة عليا على وجه الأرض، والا يكون خاضعا لإرادة أحد أو لسلطته الشرعية، وإنما يكون محكوما بقانون الطبيعة فقط. اما الحرية في المجتمع فهي الا يكون الفرد خاضعا لأية سلطة تشريعية سوى تلك التي نشأت بالاتفاق، والا يكون خاضعا لإرادة أحد أو لتقييد أي قانون سوى الصادر عن تلك السلطة التشريعية، وحسب الثقة التي منحتها. الحرية إذن ليست ما يقول روبرت فيلمر" انها وضع يكون الإنسان فيه حر التصرف كما يشاء، والعيش كما يرغب، غير خاضع لأي قانون". حرية الناس في ظل الحكم هي أن يعيشوا وفق قانون ثابت ومشترك لجميع أفراد المجتمع، قانون من صنع السلطة التشريعية التي تأسست فيه. وهي الحرية في أن أفعل ما أشاء في شتى الأمور التي لا ينص عليها القانون، والا أكون خاضعا للإرادة الاعتباطية، المتقلبة، غير المعروفة وغير الثابتة، لأي إنسان آخر. تماما مثل حرية الطبيعة التي لا تخضع لأي قيد سوى قانون الطبيعية.
هذه الحرية من السلطة المطلقة والاعتباطية ضرورية ووثيقة الصلة ببقاء الفرد، والى درجة أنه لا يستطيع التخلي عنها دون أن يسقط حقه في البقاء والحياة معا

الفصل الخامس

عن الملكية

ان الله الذي أعطى العالم للبشر بصورة مشتركة، أعطى الناس أيضا العقل كي يستخدمونه من أجل منفعة الحياة ورفاهها. ان الأرض، وما عليها، أعطيت للناس من اجل العيش وراحة الوجود. ومع ان كل الثمار التي تنتجها الأرض، والحيوانات التي تغذيها، مشتركة لأبناء البشر، طالما تنتجها يد الطبيعة بصورة عفوية وليس لأحد في الأصل سيطرة تستثني باقي البشر، على أي جزء منها وهي في حالتها الطبيعية، ولكن بما أنها أعطيت لاستعمال الناس، من الضروري أن تكون هناك وسيلة لتحويلها إلى ملكية وذلك قبل أن يتمكن الفرد من استخدامها والاستفادة منها. ان الثمر أو لحم الغزال الذي يتغذى به الهندي (الغربي) المتوحش، الذي لا يعرف أن يسيّج الأرض بعد ... يجب أن يكون ملكا له، وجزءاً منه بحيث لا يستطيع إنسان آخر ان يحصل على حق ملكيته، قبل أن يكون له عونا في معيشته.
ومع أن الأرض، وجميع المخلوقات الدنيا، مشتركة لجميع الناس، الا أن لكل واحد الملكية على شخصه، وله وحده الحق على شخصه. ان عمل جسده وعمل يديه هو ملكه حقا. وكل ما يخرجه من الحالة التي وفرتها عليه الطبيعة، فانه بذلك يمزج عمله به ويضيف إليه شيئا من ذاته، وبهذه الطريقة يجعله ملكا له. فبواسطته تم إخراج هذا الجزء من حالة المشاع التي وضعته بها الطبيعة. فقد أضيف إليه شيء بهذا العمل، شيء يلغي الحق المشترك للناس الآخرين. فبما أن هذا العمل دون شك ملك العامل، فهو وحده صاحب الحق على كل ما أضاف من عمله إليه، على الأقل حين يترك مشاعا للآخرين قدرا كافيا ومماثلا من حيث الجودة.

ومن يجد غذاءه من البلوط الذي يلتقطه من تحت شجرة البلوط أو التفاح الذي يجمعه من أشجار الغابة فقد حصل بالتأكيد على ملكيته. لا أحد يستطيع أن ينكر أن هذا الغذاء ملك له. وهنا أسأل: متى يصبح له؟ عندما يهضمه؟ عندما يأكله؟ عندما يطبخه؟ عندما يحضره إلى البيت؟ عندما يجمعه؟ من الواضح أنه إذا لم يعطه الجني الأول الملكية، فإن شيء آخر يعطيه إياها. ان العمل هو الذي يفصل بين ما له وبين المشاع: انه أضاف إلى الأشياء شيئا فوق ما سبق وصنعت الطبيعة، أم الجميع. وبهذا تصبح الأشياء حقه الخاص. وهل يستطيع أحد ان يدعي انه لا يملك حقا على هذا البلوط أو التفاح الذي يجمعه بهذه الطريقة لأنه لم يحصل على موافقة كل البشر؟ وهل قام بنهب ما أخذه لنفسه من الملك المشترك للجميع؟ إذا كانت مثل هذه الموافقة ضرورية لمات الإنسان جوعا على الرغم من الوفرة التي أنعم الله عليه بها. وفيما يختص بالمشاعات التي ظلت هكذا بالموافقة، فاننا نرى ان الملكية تبدأ بأخذ جزء منها وإخراجه من الحالة التي وضعته الطبيعة بها. وبدون ذلك فلا فائدة ترجى من هذا المشاع. وأخذ هذا الجزء أو ذاك لا يعتمد على الموافقة الصريحة لأصحاب الحيازة المشتركة. ولذا فان العشب الذي أكله حصاني أو الذي قصه خادمي، والتراب الذي حفرته (حيث لي حق مشترك في هذه الأشياء) يصبح ملكي الخاص دون مصادقة أو موافقة أي إنسان آخر. عملي هو الذي اخرج هذا الجزء من الوضع المشترك وثبت ملكيتي عليه.

وقد يعترض أحد قائلا: إذا كان جمع البلوط أو الثمار الأخرى هو الذي يعطي الحق عليها، إذن يستطيع كل فرد أن يستحوذ على ما يشاء. والرد على هذا الاعتراض هو: إن قانون الطبيعية الذي يعطينا الملكية بهذه الطريقة هو نفسه الذي يحدد هذه الملكية. "أعطانا الله جميع الأشياء بوفرة". هو صوت العقل والذي أكد عليه الوحي. ولكن إلى أي حد أعطيت لنا الأشياء للتمتع بها؟ إلى الحد الذي يستطيع الفرد أن يستعملها من أجل منفعة حياته قبل أن يفسد، يستطيع بعمله أن يثبت حيازته له. ما يتجاوز ذلك هو أكثر من حصته، وهو ملك الآخرين. لم يخلق الله شيئا كي يفسده الإنسان أو يدمره. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الوفرة الطبيعية الموجودة منذ زمن بعيد، وقلة عدد المستهلكين، وصغر ذلك الجزء الذي يستطيع اجتهاد الإنسان ان يمتد إليه، وان يستحوذه ملحقا بذلك ضررا بالآخرين، وخاصة إذا راعى الحدود التي وضعها العقل بالنسبة لما يخدم استعماله، عندها يبقى مكان ضيق للشجار والنزاع على الملكية التي تم الحصول عليها بهذه الطريقة.

ولكن القضية الرئيسية هذه الأيام ليست ملكية ثمار الأرض، والحيوانات التي تعيش عليها، بقدر ما هي ملكية الأرض نفسها، وذلك لارتباط بقية الأشياء بها. وأعتقد أنه واضح أن الحصول على ملكية الأرض يتم بنفس الطريقة السالفة الذكر. ان هذا القدر من الأرض التي يحرثها الفرد، يزرعها، يحسنها ويفلحها ويستطيع استعمال ثمارها هو ملكيته. وكأنه بعمله يسيّجها ويخرجها من المشاع. ولا يبطل حقه الزعم بأن لكل فرد آخر حقا متساويا في حيازتها، ولذا فانه لا يستطيع أن يسيّج دون موافقة جميع شركائه، جميع أبناء البشر. عندما أعطى الله العالم للبشر بصورة مشتركة، فإنه أمر الإنسان أيضا بالعمل، كما وأرغمت الفاقة الإنسان على العمل. لقد أمر الله والعقل الإنسان بأن يخضع الأرض، أي أن يحسنها من أجل منفعة الحياة، وبهذا يكون قد وضع فيها شيئا كان ملكه هو، وهو عمله. فمن أطاع أمر الله وأخضع، حرث وزرع قطعة من الأرض يكون بذلك قد أضاف إليها شيئا كان ملكه، شيئا ليس للآخر حق فيه ولا يستطيع أن يأخذه منه دون أن يؤذيه.

وليس غريبا، كما يبدو الأمر لأول وهلة، أن ملكية العمل ترجح في وزنها المشاركة في ملكية الأرض. ان العمل هو الذي يحدد الفارق في القيمة بالنسبة لكل شيء. ان من ينظر إلى الفارق في القيمة بين فدان من الأرض المزروعة بالتبغ أو قصب السكر، بالقمح أو الشعير، وبين فدان من نفس الأرض المشتركة ترك بورا، يجد القسط الأكبر من القيمة راجعا إلى تحسين العمل. انه من قبيل التقدير المتواضع أن أقول ان تسعة أعشار منتجات الأرض المفيدة لحياة الإنسان هي من نتاج العمل. ولو أصبنا في تقدير الأشياء التي نستعملها، وحسبنا المصاريف المختلفة المتعلقة بها، ذلك الجزء الذي أعطته الطبيعة وذلك الجزء الناتج عن العمل، لوجدنا أنه بالنسبة لمعظم الأشياء فإن تسعة وتسعين في المائة يجيء بفضل العمل.

وهكذا فقد أعطى العمل في البدء حقا في الملكية أينما أراد الفرد أن يبذله في الأرض المشتركة، والتي بقيت لمدة طويلة الجزء الأكبر، وما زالت حتى الآن أكبر من الجزء الذي يستعمله الإنسان. في البداية رضي الناس، على الغالب، بما قدمته الطبيعة ذاتها لسد حاجاته، وبعد ذلك، وفي بعض أجزاء العالم (حيث زاد عدد الناس وزادت مواردهم، وبدءوا في استعمال المال، فأصبحت الأرض نادرة وذات قيمة) حددت المجتمعات المختلفة حدود أراضيها المميزة، وسنت القوانين لتنظيم الملكيات الخاصة لأفراد المجتمع. وهكذا بالاتفاقات والمعاهدات تم البت في أمر الملكية التي بدأت بالعمل والاجتهاد. والمعاهدات التي وقعت بين الدول والمملكات المختلفة شملت تنازلات، ضمنية أو صريحة، عن الحق في الأرض التي وقعت في حيازة دولة أخرى. بالاتفاق المتبادل تم التنازل عن الحق الطبيعي المشترك (الذي كان لهم أصلا بالنسبة لتلك الدولة). وهكذا، بالاتفاق الوضعي قرروا بشأن الملكية في مناطق العالم المختلفة. ومع هذا ما زالت توجد مساحات شاسعة من الأرض التي ظلت بوراً لأن القاطنين فيها لم ينضموا إلى الاتفاق مع باقي أبناء البشر بالنسبة لاستعمال النقود. وهذه المساحات تفوق ما يستعمله أو يستطيع استعماله أولئك المقيمون عليها، ولذلك ظلت مشتركة. ولكن قلما يحدث هذا عند ذلك الجزء من البشر الذي وافق على استعمال المال.

ان القسط الكبير من الأشياء المفيدة لحياة الإنسان الأشياء التي حرص أوائل أصحاب الملكية المشتركة في العالم على الحصول عليها نظرا لحاجتهم لها من أجل البقاء، كما يفعل الأمريكيون الآن، هي على العموم أشياء تدوم لوقت قصير، بحيث أن لم تستهلك تتعفن وتتلف من ذاتها. أما الذهب والفضة والماس فهي أشياء وضع فيها الخيال والاتفاق قيمة تفوق الاستعمال الحقيقي وحاجة الحياة لها. أما بالنسبة للأشياء المفيدة التي وفرتها الطبيعة بصورة مشتركة. فلكل واحد (كما قلت) الحق في الحيازة إلى الحد الذي يستطيع أن يستعمل، وله الحق في ملكية كل ما يستطيع أن ينجز بعمله. وكل ما يستطيع بجهده أن يخرج الشيء من الحالة التي أوجدته بها الطبيعة. فمَنْ جَمَعَ مائة صاع من البلوط أو التفاح أصبحت ملكا له، أصبحت بضاعته حالما لمها. وعليه ان يحرص فقط على استعمالها قبل أن تفسد، والا يكون قد حصل على أكثر من حصته ونهب بذلك الآخرين. انه من قبيل الغباء والغش حقا ان يكدس الفرد أكثر مما يقدر على استهلاكه. فإذا أعطى جزءا منها إلى شخص آخر بحيث لا تتلف وهي في حوزته يكون بذلك قد استفاد منها. وإذا قايض خوخا فقد يتعفن خلال أسبوع بجوز يمكنه استعماله في الطعام خلال سنة كاملة، فلا يكون قد الحق ضررا. ولا يكون قد بذر المخزون المشترك، أو دمر جزءا من حصة الغير طالما ان شيئا لم يتلف بين يديه. وإذا قايض جوزة بقطعة معدنية أعجب بلونها، أو أغنامه بصدف، أو صوفه بحجر لامع أو ماس، وحافظ على جميع هذه الأشياء طيلة حياته، لا يكون بذلك قد اعتدى على حقوق الآخرين. يمكنه تكديس ما شاء من هذه الأشياء التي تدوم. ان تجاوز حد ملكيته لا يكمن في كبر حيازته، وإنما بتلف أي جزء منها دون استعمال.

في البداية كان كل العالم أمريكا، وأكثر مما هي عليه أمريكا هذه الأيام. فالمال لم يكن معروفا للناس. فإذا اكتشف الإنسان شيئا له استعمال وقيمة المال بين جيرانه، فانه يبدأ حالا في توسيع رقعة حيازته.

وبما أن للذهب والفضة فائدة قليلة لحياة الإنسان بالمقارنة مع الطعام، الملبس، ووسائل النقل، وان قيمتها مستمدة من اتفاق الناس (حيث لا يزال العمل فيه يشكل المقياس الرئيسي)، فمن الواضح أن التفاوت وعدم التساوي في حيازة الأرض ناشئ عن الاتفاق. والقوانين في الحكومات تنظّم ذلك. فقد وجد الناس، بالاتفاق، طريقة تتيح لكل منهم ان يملك، بحق وبدون إلحاق الضرر بالآخرين، حيازة تفوق قدرته على الاستهلاك وذلك بقبول الذهب والفضة، اللذين يدومان طويلا دون تلف، مقابل الفائض، واتفقوا على أن تكون لهذه المعادن قيمة.

الفصل السادس

عن المجتمع المدني أو السياسي

حين يتحد عدد من الناس في مجتمع واحد بحيث يتنازل كل واحد عن سلطته في تنفيذ قانون الطبيعة ويسلمها للجمهور، عندها فقط ينشأ مجتمع سياسي أو مدني. ويحصل هذا عندما يدخل عدد من الناس في الحالة الطبيعية إلى المجتمع لإنشاء شعب واحد أو جسم سياسي واحد يكون خاضعا لحكومة عليا واحدة، وأيضا عندما ينضم الفرد إلى حكومة سبق وتم إنشاؤها. فهو بهذا يخول المجتمع، أو السلطة التشريعية فيه، بسن القوانين التي تتطلبها المصلحة العامة للمجتمع، والتي عليه أن يعمل ويساعد على تنفيذها وكأنها قوانين سنها لنفسه. وبهذه الطريقة ينتقل الناس من حالة الطبيعة إلى حالة الدولة، وذلك عندما يتم تعيين حاكم (قاضي) له سلطة البت في جميع الخلاقات وإصلاح أي ضرر سببه أي فرد في الدولة. وهذا القاضي هو السلطة التشريعية أو الضباط المعنيين من قبلها. وحين لا يكون لعدد من الناس، وان اتحدوا، سلطة حاسمة يستطيعون اللجوء إليها، فهم لا يزالون في حالة الطبيعة.

ومن هنا فان من الواضح أن الملكية المطلقة، والتي يعتبرها البعض نظام الحكم الوحيد في العالم، لا تنسجم في حقيقة الأمر مع المجتمع المدني، ولا يمكنها أن تكون شكلا من أشكال الحكم المدني بتاتا. وذلك لان هدف المجتمع المدني هو تجنب وإصلاح متاعب الحالة الطبيعية والناشئة بالضرورة من كون كل فرد حاكم نفسه وذلك بواسطة تأسيس سلطة معروفة يستطيع كل فرد اللجوء إليها إذا حصل له ضرر، أو إذا نشب خلاف، وعلى كل فرد واجب طاعتها. وبناء على ذلك، ففي غياب مثل هذه السلطة التي تبت في الخلافات بين الناس، فان هؤلاء الناس لا يزالون في حالة الطبيعة. وهكذا بالنسبة للأمير ذي السلطة المطلقة في علاقته مع الخاضعين لحكمه.

فبما أنه (أي الأمير) من المفروض أن يجمع كل السلطة بيديه، التنفيذية منها والتشريعية، فلا مكان لوجود قاض، ولا مكان لوجود ملجأ يتوجه إليه الناس لكي يحكم بينهم بنزاهة ودون تحيز، وتكون له سلطة اتخاذ القرار، ويتوقع من قراره أن يساعد وان يصلح الضرر الذي يلحقه الأمير أو ينتج عن أوامره: ان شخصا كهذا، كان لقبه قيصرا أو سلطانا أو ما شئتم، ما زال في حالة الطبيعة في علاقته مع الذين يحكمهم، تماما كما هو كذلك مع بقية البشر.
ومن يعتقد بأن السلطة المطلقة تطهر دماء الناس، وتصلح دناءة الطبيعة البشرية، فما عليه الا أن يقرأ تاريخ هذا العصر، أو أي عصر آخر، كي يقتنع بعكس ذلك.

الفصل السابع

عن بداية المجتمعات السياسية

جميع الناس، كما ذكرنا، أحرار، متساوون ومستقلون بطبيعتهم، ولا يجوز إخراج أي منهم من هذه الحالة وإخضاعه للسلطة السياسية للآخرين دون الحصول على موافقته. ان الطريقة الوحيدة التي يجرد الفرد بها نفسه من حريته الطبيعية، ويقبل بقيود المجتمع المدني هي باتفاقه مع الآخرين على الاتحاد في مجتمع واحد من أجل العيش المشترك، المريح والآمن، ومن أجل التمتع الآمن بالممتلكات وبالأمن الأكبر من الغرباء. يستطيع أي عدد من الناس أن يقوموا بذلك، لأنه لا يلحق الضرر بالآخرين الذين يُترَكون كما هم، يتمتعون بحريتهم الطبيعية. حين يكوّن عدد من الناس، وباتفاق كل فرد منهم، مجتمعا، فانهم بذلك المجتمع جسم واحد، له سلطة العمل كجسم واحد بإرادة وقرار الأغلبية ... وبما أن أي جسم واحد يجب أن يتحرك باتجاه واحد، فمن الضروري أن يتحرك ذلك الجسم بالاتجاه الذي تدفعه إليه القوة الأكبر، وهي موافقة الأغلبية. وبدون ذلك لا يستطيع ان يعمل أو ان يبقى جسما واحدا، مجتمعا واحدا. لقد وافق جميع المتحدين به على ان يكون كذلك، ذلك الاتفاق الذي يلزم كلا منهم بقبول قرار الأغلبية. ونتيجة لذلك فاننا نرى انه في حالة الجمعيات (البرلمانات) المخولة بالعمل حسب قوانين وضعية، حيث لا ذكر في تلك القوانين للعدد، فإن قرار الأغلبية يعتبر قرار الجمعية كلها، وهو بالطبع ملزم. وكأن لها، حسب قانون الطبيعة والعقل، سلطة الكل.

وهكذا، فمن يتفق مع الآخرين على تكوين جسم سياسي واحد، له حكومة واحدة، يأخذ على عاتقه تجاه كل فرد من أفراد هذا المجتمع أن يلتزم بقرار الأغلبية، وان يعتبر نفسه مشمولا به. وبدون هذا فإن الاتفاق الأصلي، والذي بموجبه اتحد مع الآخرين في مجتمع واحد، يكون عديم المعنى، وهو يفقد صيغة الاتفاق إذا ترك الفرد حرا، غير خاضع لقيود سوى قيود حالة الطبيعة.

الفصل الثامن

عن أهداف المجتمع السياسي وأهداف الحكم

إذا كان الإنسان في الحالة الطبيعية حرا، كما أوردنا، وإذا كان سيدا مطلقا على نفسه وعلى ممتلكاته، مساويا لأعظم الناس وغير خاضع لأحد، فلماذا يتنازل عن حريته؟ ولماذا يتنازل عن ملكوته، ويخضع نفسه لهيمنة وسيطرة سلطة أخرى؟ والإجابة على هذا واضحة: مع أن له مثل هذا الحق في حالة الطبيعة، الا ان ممارسته لهذا الحق غير مضمونة، ومعرضة دائما لاعتداء الآخرين. لأن كل فرد سيد مثله، ولأن الجميع متساوون، وبما أن معظم الناس لا يراعون متطلبات الإنصاف والعدالة، فإن التمتع بالملكية في هذه الحالة غير مأمون وغير مؤكد. وهذا ما يبرر رغبة الفرد في الانضمام إلى مجتمع مع آخرين سبق واتحدوا أو فكروا بالاتحاد من أجل الحفاظ على حياتهم، حرياتهم وممتلكاتهم، والتي أطلق عليها الاسم العام "ملكية".
ان الهدف الرئيسي من اتحاد الناس في دول، ووضع أنفسهم تحت سلطة حكومات، هو الحفاظ على الملكية. في حالة الطبيعة هناك نقص لأشياء كثيرة في هذا المجال.

أولا ينقصها قانون دائم ومعروف للجميع، مقبول ومعترف به بالاتفاق العام، كمقياس للحق والباطل، وكمعيار مشترك للبت في الخلافات بين الناس. فمع أن قانون الطبيعة واضح ومفهوم لجميع المخلوقات العاقلة، فلكون الناس منحازين إلى مصالحهم وجاهلين لعدم دأبهم على دراسته فانهم غير مستعدين لقبوله قانونا ملزما في انطباقه على حالاتهم الخاصة.

ثانيا، لا يوجد في الحالة الطبيعية قاض معروف ومحايد، له سلطة البت في الخلافات حسب القانون الدائم. فبما أن كل فرد في هذه الحالة هو القاضي وهو المنفذ لقانون الطبيعة، وبما أن الناس ينحازون إلى أنفسهم، فإن العاطفة وحب الانتقام قد يؤديان بهم إلى تجاوز الحدود في الحالات التي تخصهم، بينما قد يدفعهم الإهمال وعدم الاكتراث إلى التهاون في الحالات التي تخص غيرهم من الناس.

وثالثا، تفتقر حالة الطبيعة أحيانا إلى القوة اللازمة لمساندة الحكم العادل وتنفيذه بشكل سليم. فالذين يقترفون الجنايات يحاولون دائما، وقدر المستطاع، الدفاع بالقوة عن ظلمهم. وهذه المقاومة كثيرا ما تجعل فرض العقاب شيئا خطرا، وأحيانا مدمرا على الذين يحاولون فرضه.

وهكذا فإن البشر، وبالرغم من جميع امتيازات حالة الطبيعة (وهم في وضع سقيم طالما انها فيها )، يسرعون إلى حياة المجتمع. وقلما نجد عددا من الناس يعيشون معا في هذه الحالة.

ان المتاعب التي يتعرضون لها هناك، نظرا للاستعمال غير المنظم وغير المأمون لكل فرد لسلطته لمعاقبة المعتدين، تدفعهم إلى اللجوء إلى قوانين الحكم الدائمة، وذلك بغية الحفاظ على ملكيتهم. ان هذا هو الذي يجعل كلا منهم راغبا في التنازل عن سلطته المنفردة في فرض العقاب، وأن تستعمل هذه السلطة فقط من قبل أولئك الذين تم تعيينهم لهذا الغرض، وحسب القواعد التي يتفق عليها أفراد المجتمع أو المفوضون من قبلهم. وهنا يكمن الحق الأصلي للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وللحكومات والمجتمعات ذاتها.

ترجمة د. سعيد زيداني


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى