الأربعاء ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧
بقلم محمد المهدي السقال

حكاية امرأة

بعد الزواج، لم أنجح في التخلص من أرق السؤال عما أقدمت عليه، حين تزوجت امرأة عرضت نفسها عليّ بواسطة أبيها.

راودني الشيطان فأوعز لنفسي شر ما أقدمت عليه، لم ييأس من وقر مسامعي بكرة وأصيلا، بأنها نجحت في إخراجي من جنة الحلم بالانتقال إلى مسقط رأسي، والشيطان محق فيما يأخذني به من ذنب الردة التي تملكتني، فـأنستني بريق شرار الوهج القادم لا محالة، كل رفاقي عاتبوني على اختياري حضن ’’الحاج الريوش’’ ملجأ لدفن همومي، نزلت غريباً بأرض لم أعرف لها موقعاً في خريطة الوطن، لم يكن يبعدها عن الطريق الرئيسة نحو العاصمة إلا مسافة ساعتين مشياً على الأقدام، لكنها بدت لي غائرة في العزلة على هامش التاريخ، يخترقها نهر ’’سبو’’ الملوث بكل نفايات المصانع التي لا أثر لها أمام العين غير الدخان.

فوجئت برؤية الزوارق تربط بين ضفتي نهر، عرفت فيما بعد، أن الجسر مستحيل بين أبناء العشيرة الواحدة، سألت ’’الحاج الريوش’’ عن سبب اختياري أنا بالذات للزواج من ابنته، وليس بيني وبينها أدنى صلة، المرة الوحيدة التي التقت فيها عينانا كانت على حافة النهر، أثارني تمايلها في صمت بين جموع النساء، لعله إيقاع أقدامهن فوق كساء الشياه، لمحت بريق العرق يتصبب من الجباه ملتبسا بأشعة الشمس، بينما كانت هي دون النساء، وحيدة غير حافية القدمين، عاودت النظر لاستكمال هيأتها فرمقتني، تسمرت كالواجفة من وجودي، كنا وجها لوجه، تعرف أنني المعلم الجديد في القرية، ولا أعرف أنها ’’للا الغالية’’ بنت السي الحاج الريوش، نسيت أنني جئت لأقطع النهر إلى الضفة الأخرى حيث الإدارة، يعتبر التردد عليها علامة على الانضباط للحضور، وهي فرصة للسؤال عن تسوية وضعيتي المادية، بعد ستة أشهر بدون راتب، أصبحت مضطرا للسلف من بعض الآباء كي أقيم أودي، هل يكون ذلك سبب اجتراء الرجل على عرض ابنته للزواج بي؟

ظللت أتساءل، لكن ظنوني كلها ذهبت سدى، حين أجابني الرجل بأنها كانت صاحبة الطلب، من يصدق أنها توسلت لأبيها بكل سادات البلد، كي يعمل كل ما في وسعه لتزويجها بي؟

حدثني الحاج الريوش عن الكوابيس التي تراها في المنام، فلا تستيقظ إلا على ذكر اسمي، استدرك أنني لم أكن يوما أطاردها ولعياذ بالله، كل ما في الأمر، أنها تحلم بك ولا ترى غيرك في صحوها ومنامها، لقد التبس علينا الأمر، فرحنا بها إلى ’’سيدي الكامل’’، لعله ينزع ما يسكنها من شيطان الإنس، لمح ابتسامتي عند كلمة الشيطان، فالتمس مني العذر على ارتباكه، تركته يتحدث على سجيته، دون أن تفارق ذهني صورة الرجل كما يرسمها السكان في الدوار، وحده يملك ما تملكه الجماعة مجتمعة، حتى قيل إن بعض أطيانه غير معلومة الحدود لديه، واسترسل في بعض تفاصيل العرض التي لم أسأل عنها، مادمت لم أعبر عن موافقي بأي شكل مما جرت به العادة.

كيف أشرح له أنني عابر سبيل، ولولا ظروف قاهرة ما كنت وطئت هذه الأرض، كيف أصور أمامه الأحلام التي نسجتها في خيالي، وأنا بعد لم أجاوز العشرين، بدا لي أنه يفرغ جعبته من موضوع يؤرقه، لعل الخجل من الموقف وراء إخفاء حماسته، تصورت أنه يغامر بمقامه من أجل إرضاء ابنته البكر، تريدك والسلام.

وأمهلني يومين لأرد عليه بالجواب، منبها على بقاء الأمر سرا بيننا حتى ولو تم المراد، قفلت راجعا إلى غرفتي الطينية بمحاذاة الفصل الدراسي، منشغلا بما تبقّى من شمع لقضاء هذه الليلة الساخنة، اصطحبني رجلان بأمر الرجل لمنع كلابه من التربص بي، لكنني استأذنتهم في الانصراف حين دخلت منطقة الكلاب التي تعرفني، وغصت في لجة تفكيري أبحث عن كوة ضوء لفهم ما يحدث لي، وضعت رأسي على وسادة خشنة، أعيد شريط الجلسة مع الرجل، وبين الفينة والأخرى، أحاول تذكر ملامح وجهها الذي ما رأيته غير مرة واحدة، وحضرت أمي وهي تسألني عن هذا الزواج المفاجئ؟ هل ستذهب بها الظنون في أمري لتلتمس لي عذرا، والعازب مثلي في مثل ظروفي يمكن أن يقدم على أي شيء، أتابع حبو الطفل الثالث منها، لم يدرك بعد أن أمه ماتت منذ عشرة أيام.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى