الاثنين ٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٥
بقلم بسام السلمان

رواية الجسد المستباح ـ القسم الثاني

قالت أمي:
-تدعي أني تخليت عنك وأنت طفل ولكني حرمت طفولتي مثلك… في ساعات الفجر ومع بزوغ أول خيوط الشمس وهي ترسل شعرها الذهبي إلى القرية تكون أمي أعدت طعام الإفطار لي ولها، كنا وحيدتين رفيقتين منذ وفاة جدك …
وقالت أمي:
 كانت جدتك توقظني بيد خفيفة رحيمة وبصوت رؤوم تطلب مني النهوض
وقالت أمي:
 كنت طفلة عيناها سوداوان أحب الفراش ككل الأطفال… ,واحب جمع زهور الياسمين
وكنت أرعى الشياه يوم الجمعة لأني أحبها وكم كانت أمي تحاول منعي لاستريح ولكني أصر وأخبرها أني أكون أشد فرحاً وأنا مع الأغنام.
وكانت أمي وقبل النوم تدعو لي بزوج صالح يسعدني.
  كل ما أعرفه عن طفولتي أنني ولدت في فصل الخريف فصل الموت، وربتني أمي بعد وفاة والدي في بيت فقير ككل بيوت القرية باستثناء بيت جدك فهو الغني الوحيد، ويقولون أنه جاء إلى القرية مع والده وكنت أعمل في مزرعة جدك كأكثر شباب وصبايا القرية…
-في ذلك اليوم البعيد، البعيد جداً، الذي يشبه كل الأيام التي مرت وستمر ولدت وكنت مريم أجمل جميلات الرمثا…وفي المساء صرخت صرخة ريفية كادت أن تسطر في قلوب أفراد العائلة لحظات يأس حزينة، إنها أنثى وليس الذكر كالأنثى…ولكن والدي -رحمه الله- أطلق الرصاص من الباروده العثمانية فرحاً وذبح شاة.
نظرت امي إلى نظرة حرمان فقدناه معا منذ مئات السنين وقالت :
 وبعد ان بدأت تظهر على جسدي علامات الأنوثة وكنت في الرابعة عشرة سجلت كعاملة في مزرعة جدك لقطف الثمار وتعشيب الأرض.
وعندما دخلت إلى جدك وقلت له:
 أريد أن أعمل.
نظر في عيني وقال:
  ما اسمك؟
قلت بطفولة:
  مريم…مريم .
ابتسم وقال:
  إذاً أنت مريم؟!
ثم نهض بعباءته الحريرية وقال:
  المزرعة كلها على حسابك، وأنت جميلة كما وصفوك، وهم على حق عندما وصفوك بجميلة جميلات الرمثا.
  لم اكن اعلم أن لهذه المقابلة مع جدك شأنا…ولم اكن أتوقع أن تغير مسير حياتي ومصيري ..كنت ككل فتيات القرية أريد أن اعمل وأساعد أمي في هذه الحياة الصعبة.
  …قلت لامي وقتها وكنت فرحة بعملي الجديد.
  وافق الحاج على تشغيلي .
قالت جدتك:
  الحمد لله..انتبهي لنفسك.
قلت لها:
  لكنه سألني أسئلة غريبة.
  قالت أمي:
  وماذا سألك؟
  سألني عن اسمي وعمري وقال معهم حق عندما وصفوك بجميلة جميلات الرمثا.
  قالت أمي تريد طمأنتي:
  سؤال عادي جدا.
  قلت لامي:
  ولكن عينيه كانت تقول غير ذلك.
  وماذا عن ابن خالك؟
لماذا تصمتين؟… أجيبيني؟… ماذا عن زوجك الثاني…
  تريد أن تعرف كل شيء؟ وتسمع كل شيء في وقت واحد.. ذاكرتك وجسدك معا.. اترك شيئا للأيام.
 كنا صغيرين ولا أستطيع أن أسمي علاقتنا حبا، كانوا قراؤا فاتحتنا ونحن أبناء اشهر قليلة…هل جربت الحب؟ هل خبرته؟ أنا متأكدة أن الفتيات يطاردنك في كل مكان، فأنت وسيم وجميل…
 كنا نمارس كل هوايات الأطفال معاً…ونلعب معاً… ونجري معاً.وكنا نرعى الأغنام معا .
كانت أمي – جدتك- تنبهت لهذا الأمر .. فلم نعد طفلين نلهو في الحارة وفي الأزقة .. وأصبحت كاملة الأنوثة، والكلام في الرمثا .. الكلام السيء يقتل.
قالت أمي:
  كبرت يا مريم فلا داعي للعب مع الأولاد في الحارة.
  ولكني ما زلت طفلة.
قالت أمي بصورة آمرة وقطعت كل تفكير لي:
  خففي زيارتك للجيران والتزمي البيت.
  والمزرعة؟
 سمحت لي أمي العمل في المزرعة بعد أن شاركنا الجوع بيتنا.
تحدثي يا أمي بكل ما يخزنه جسدك في ذاكرتك…فكم تخيلتك تجلسيني في حضنك وتضميني لصدرك…
كم هي الليالي التي حلمت فيها بلمسات يديك على شعري ، وتمسحين دمعةً من عيني سكبتها حزناً عليك…
اسمحي لذاكرتك وجسدك أن يتحدثا معاً لأنك كنت ذاكرة فقط دون جسد، جسدك الذي استباحه أبي وابن خالك والمرض واستباحته الأيام حرمت أنا طفلك من لمسة واحدة منه.
وكم تعلقت بالأجساد وكم عشقتها وتمنيتها بدلاً من الذاكرة التي كانت تصحو معي في صباحات كثيرة وتجعلني ابتعد عن جسد أمي وعن نظرات عينيها، وعن قبلاتها لجبيني وأنا أرتعش ألماً من الحمى في طفولتي.
وتعددت المرات التي تمنيت أن يضمني جسدها ويستبيح جسدي وأنا ذاهب بخطواتي الأولى إلى المدرسة وعيونها تودعني حتى أكاد أصل صفي الأول.
****
بعد أكثر من عشرين عاماً ما زالت الرمثا كما كانت، شوارعها وطرقاتها الضيقة وبيوتها الطينية المتواضعة التي تحكي حكايات الفتيات العرائس، ولكل واحدة منهن حكاية.
و القصص المؤلمة التي وقعت في بيوت الرمثا ولا يعلمها الا الله.. فالمرأة لا تستطيع أن تسمع صوتها حتى لو حاولت.
خصصت الليل لأمي
…ليالي قليلة أعيشها، اسمعها أتلمس جسدها، استمع لأعذارها وعذاباتها في غرفتها البسيطة الوحيدة المتواضعة تعيش فيها وتسترزق من عملها بالخياطة لنساء القرية.
وفي النهارات القليلة أتجول في القرية وأزور مزرعة جدي، التي كانت لجدي وباعها أبي هروباً من القرية وأزور البيت الكبير الذي سقط فيه رأسي وسقطت فيه طفولتي وعشت بعدها ذاكرة دون جسد…
هاجرت مجدداً بذاكرة فارغة مظلمة داخل جسدي لم أفهم نورها إلا بعد حين.. أو جسد فارغ يحتاج إلي ذاكرة.
تركت الرمثا دون أن أنظر خلفي وربما لم أكن استطيع النظر خلفي لأني كما يعتقدون كنت جسداً فارغاً . ولكن هل يستطيع الإنسان أن لا ينظر خلفه وكل الخلفيات تتكون في ذاكرة الأجساد الصغيرة؟ وهل نستطيع النظر خلفنا دون حنين…دون ذاكرة ربما تكون مختزنة ومليئة بالحب والكره.؟
قالت أمي:
 كنا نعمل بقطف ثمار الزيتون وكنت أغني للصبايا:
يا حادر على الشام جيب الشام بالقنديل
يا حادر على الرمثا جيب الرمثا بالقنديل
والقمر بمحرمة والشمس بمنديل
وحياة تربة نبي من يوم قام الدين
بنت العم لابن عمها وذاك الغريب الحزين
وكانت الصبايا يزغردن فرحا فتقوم إحدى الفتيات وترقص وبيدها المنديل فتغي أخرى
رحبي بضيوف أبوك يا حلوة يا أم الإسوار
يا هلا بضيوف ابوي لو كانوا ملات الدار
رحبي بضيوف أبوك يا زينة يام الخاتم
وكانت ترتفع أصوات البنات بالزغاريد ونغني…
ثلث رسايل لفن والعلم جاي منه
حبن خفيف القدم والنذل خلنه
وفجأة ساد صمت غريب ا وتوقفت الأجساد عن الفرح وكانت تلك اللحظة بداية عذاباتي وكانت المرة الأولى التي أرى فيها أباك..قال :
  ما الذي أفرح الصبايا.
قالت أحد الفتيات:
اقتراب نهاية الأسبوع.
وقالت ثانية:
-وأنا كذلك.
وسألني:
 وأنت يا مريم ماذا يفرحك؟
لم أدر وقتها لما خصني بالسؤال!
ثم سأل مرة أخرى:
  ألا يفرحك نهاية الأسبوع؟
أجبت بلامبالاة:
  يعني…
كان هذا اليوم مشهودا في حياتي فيه تغيرت وفيه أصبحت متاعا…متاع يشترى ويباع وفيه قتل الأمل في داخلي.
اخبرنا وقتها أن الأتراك طلبوا تجنيد الشباب وقال كلمات مليئة بالسخرية
 سيلتحق ابن خالك بالسفر برلك.
في تلك اللحظة تجددت الصفحة السوداء في حياتي وأغلقت كل صفحات الأمل ودعت ذاكرتي وأحلامي وطفولتي.
كنا نعرف ماذا يعني السفر برلك، وكنا نعرف أن نصف رجال العرب الذاهبين لدول البلقان مع الأتراك يموتون جوعاً وعطشاً في الطريق والنصف الآخر يموتون قتلاً وأسرى.
سألت إحدى الفتيات:
  كل شباب القرية.
قال والدك:
  كل الشباب.
قالت له فتاة أخرى ساخرة:
  وأنت لست شاباً.
شعر بالإهانة وقال:
  أنا سيد الشباب.
نهض وتركنا، للحزن .. كل واحدة منا أصبحت تحسب حساب زوجها أو شقيقها أو حبيبها .. كل الشباب إلى السفر برلك.
وتقدم الليل وامتد طويلاً وظهر القمر حزيناً ونجومه تحل وترحل كما الإنسان يرحل بعد حلوله من مكان إلى آخر…ترحل كالأنبياء يرحلون من ديارهم هروباً بدينهم من قومهم فلا كرامة لنبي في أرضه، يبلغون رسالات ربهم لغير أهلهم.
تبلغ رسالتها لجميع الناس وتعيد في نفوسهم الذكريات، الذكريات القديمة السعيدة والتعيسة…
ترحل النجوم إلى مكان غير مكانها مغتربة وتعيد الماضي الذي خزنته ذاكرتنا المتعبة في رؤوسنا التعبة المتعبة
 وكنت في وحدتي متعبة يرحل قلبي متعباً بذكرياتي الحزينة وكنت أشعر أني منسية وكنت أصرخ في ليلي الأسود المعتم
…إنه الألم الذي يعتصر قلبي ويجعلني أفقد إرادتي وإحساسي وذكرياتي.
 هكذا كانت ليالي جميلة جميلات الرمثا…كنت أحلم بالثوب الأبيض وفرحة الصبايا ودبكات الشباب
…ولكنها أحلام في ذاكرة مهزومة أحلام كاذبة أقنعت نفسي بها منذ نعومة أظفاري وحتى اقتلاع أظافري وضفائري.
ومضت الأيام يا ولدي حزينة وفقد الكثير من الشباب…ماتوا في طريقهم جوعاً وعطشاً وكان علي أحد المفقودين.
لا شيء يدوم إلا الله عز وجل يا ولدي
…وفي الرمثا لا شيء يبقى أو يطول .
وكما هم الرماثنة سريعو التغير فأشياؤهم تتغير أيضاً وبسرعة، ولكن ذكرياتهم تبقى رغم رحيل الأجساد فالذاكرة والروح سيان…
شتاء هذا العام يختلف عن الشتاءات السابقة فلا صبية ولا طقوس وربما لا يكون هنا فرح فالشتاء جاء ببرده وصقيعه دون أمطار…الأمطار خفيفة والشوارع فارغة ومليئة بالطين و زخات من المطر الناعم …المصلون يتجهون بعد صلاة العصر إلى خارج القرية…رجالهم ونساءهم وحيواناتهم…كلهم بمسيرة واحدة
…تبعتهم حتى استقروا في صعيد واحد، خلع الرجال فراءهم وقلبوها فأصبحت كالخراف، وبدأوا صلاتهم يطلبون فيها الإغاثة من رب السماوات…
و صلوا الاستسقاء مناشدين السماء ورب السماء المطر الغزير…
وهل يكفي أن نقلب ملابسنا فقط.. ألا تحتاج نفوسنا أن تقلب وتصبح بيضاء كفراء الخراف الصغيرة وتظهر نفوسنا على حقيقتها..
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..
والمطر يحتاج إلي تغير نفوسنا كلها لا جزأها..
وكان شيخ المسجد قرر لهم أن لا مطر دون استغفار ولا مطر ما دام بينهم مرتكبي ذنوب وظلم في القرية والمدينة والعاصمة والوطن والإقليم والأمة…
  وقف إمام القرية على مرتفع يشرف على الجميع ، كان الرجال في جهة والنساء والأطفال في جهة ثانية، وكانت أصوات الحيوانات من ثغاء الأغنام ورغاء البعير ونهاق الحمير ويعار الشياه وعويل النساء وبكاء الصغار وصياح الرجال قد سكتت. وقال الإمام:
  لن نسقى وفينا رجل عاصِ.
وقال:
  إن النبي سليمان عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام خرج يوماً ومعه جنوده من الجن والإنس والدواب ليصلي بهم صلاة الاستسقاء وفي الطريق رأى نملة ملقاة على ظهرها تقول: (اللهم لا ذنب لنا بما فعل بنو آدم فامطر علينا).
فأمطرت السماء.
فقال سليمان عليه السلام:
  أرجعوا فقد سقيتم بدعاء غيركم.
سكت الإمام قليلاً ثم قال:
  وفي الحديث الآخر أن موسى عليه السلام صلى بقومه بني إسرائيل صلاة الاستسقاء ودعا الله هو وقومه فلم تمطر السماء.
فقال موسى عليه السلام مخاطباً ربه:
 رب لم لم تمطر السماء؟
فقال الله عز وجل:
  يا موسى إن بينكم رجلا عاصيا ، فأخرجوه حتى تمطر السماء
  فقال موسى عليه السلام:
  - يا قوم …إن الله اخبرني إن بيننا رجلا عاصيا لله فليخرج حتى تمطرنا السماء
  فقال ذلك الرجل العاصي في نفسه:
  اللهم استرني ولن أعود لمثلها
  فأمطرت السماء
  فقال موسى عليه السلام :
  يا رب لم يخرج الرجل فلماذا أمطرت؟
  فقال الله عز وجل:
  -يا موسى لقد تاب توبة لو وزعت على سبعين منكم لكفتهم.
  وقال الإمام:
  لنعد ألي الله سبحانه وتعالى ونتوب توبة نصوحا من اجل أن يغفر لنا ويبصرنا ويسقينا الماء
  كل الذنوب من اليهود وكل المعاصي من اليهود منعوا المطر منذ زمن النبي سليمان ومنعوا المطر بسبب معصيتهم زمن النبي موسى ونحن ألان ممنوع عنا المطر بسبب اليهود انهم مانعو نزول المطر.
قالت لي أمي بعد أن شاركت في الصلاة :
 الظلم يمنع الرحمة من السماء.
وقالت لي بعد أن تخلت عن جسدها على فرشة قديمة:
 جلس وجهاء القرية قبل سنوات كثيرة وطويلة في هذه الغرفة وكان جدك على رأسهم والمختار وكان في استقبال الجاهة أعمامي وأخوالي…وكنت وجدتك في الغرفة الثانية
…صغيرة كنت حزينة بلا مطر يحميني أو جسد يدفع البلاء عني.
قال جدك:
-جئنا نطلب القرب منكم.
وأضاف:
-كبر الولد ونريد تزويجه.
قال رجل من الجاهة:
 زينة شباب القرية.
وقال جدك:
 اخترنا له مريم لتشاركه الحياة.
قال رجل آخر:
 فتاة كاملة وعاقلة.
قال جدك:
 الولد يريدها على سنة الله ورسوله.
قال عمي:
 ابنك يا حاج على الرأس و العين ، ولكن …
قال المختار:
 ولكن ماذا؟ الحاج مستعد لكل ما تطلب!
قال عمي:
-لا يعز عليكم شيء ولكن مريم ما زالت طفلة صغيرة
قال المختار :
 كل بنات الرمثا تزوجن صغيرات..ومريم مصيرها الزواج..والجميع يعرف جارتكم خلفت بكرها وهي بنت 14 سنة وجارتنا قرأوا فاتحتها على ابن عمها وهي بنت يوم ولما صار عمرها 13 سنة زوجوها.
كانوا يسومونني ويتفاوضون بأمري وأنا وامي وحدنا جالسات ..لم تكن أمي لترفض هذا العرض فهي كالرجال تعلم أن هذه الصفقة لا تعوض .. فالعريس الغني الوحيد في القرية ومصير البنت الزواج ..
وأنا؟ هل أستطيع الرفض هل يأخذ رأيي على سنة الله ورسوله أم إنها مقولة حق يراد بها باطل ..؟
وعندما دخل المأذون الشرعي لاخذ موافقتي على سنة الله ورسوله ورأى الدموع تملأ عيوني.. رآها بحرا هائجا يغرق كل ما يصادفه ..بحرا يكاد تجف مياهه في هذه اللحظات.
قال :
-إنها دموع الفرح.. انه حياء المرأة .. ألف مبروك.
*****
قال لي صديقي المتعب بحب القرية والوطن والامة .. صديقي يكبرني بخمس سنوات ويعرف ذاكرة القرية بكل تفاصيلها وفواصلها.
قال لي :
كنت اذهب مع أبى وأنا صغير الجسد وكبير الذاكرة إلى مضافة المختار بعد صلاة العشاء.
وكانت المضافة مجلس الشعب يثار فيه كل ما يتعلق بالحياة والزراعة والحرب والتهريب والفقر والدولة العثمانية وينقسم الجالسون إلى مؤيد وأخر معارض .
وكان الراعي يقول :
حكم الذئب للغنم خبر ألف مرة من عدل الأتراك..الخليفة اصبح ألعوبة بيد رجال الاتحاد والترقي يهود الدونمة .
فيرد عليه المختار:
أنت لا تعرف شيئا..الأتراك مسلمون.
 لانهم نصبوك مختارا .
ويتدارك الأمر:
 أنا معك..السلطان برييء ولكنكم تتلاعبون به دون أن يعلم..مسكين السلطان.
 لم ينصبني أحد..الرمثا انتخبتني
 لم تنتخبك..
 اختارتني ..أنت وحدك من أعلن رفضه وكلبك الأجرب
وضعتني حكومة الإسلام..وأنت الوحيد من عارض الانتخابات.. ولولا الحرية والديمقراطية لما بقيت على قيد الحياة.وأنت من صاح بالناس وحرضهم
قال صديقي نقلا عن والده واخوته الكبار :
يوم انتخاب المختار تجمع المواطنون بعد أن صلوا الجمعة على صوت الراعي وكلبه بقربه وهو يناديهم..وبعد أن رأى الجميع قال:
  اسمحوا لي بالتحدث معكم ولا تقولوا عني مجنونً…وإذا شئتم فقولوها ولكن ليس الآن…قولوا ما تشاءون بعد أن تسمعوا كلامي فإني والله أعلنها لكم منذ هذه اللحظة إنني لن أتكلم إلا من أجلكم وأنتم تعرفون أن لا ناقة لي أخاف عليها ولا جمل.
  وقال الراعي:
  إن كل ذلك من أجلكم أنتم…أنتم يا من أحببتكم وأحبكم كلبي هذا ففرح لكم وبكى عليكم…ربما يقول قائل أن كلبي كلب أجرب ولكنه يحبكم.
قال صديقي نقلاً عن والده أن الراعي نظر حوله فوجد الجميع يصغون إليه وقال:
  كل أرضكم تصبح بيوم وليلة ملكاً للوالي وللمختار…كل عرقكم الذي ينز من أجسادكم وأرواحكم وذاكرتكم يذهب إلى جيب المختار وكلهم سواء يملكون الحكم ولا يتركون شيئاً للأبد والابد كله لهم. يجيء إلينا المختار بحذاء قديم مثقوب من الخلف والأمام وأثواب بالية مرقعة…وما هي إلا أيام ويصبح يملك كل شيء يملك كل ما لكم من عرق وتعب.
ويقول صديقي نقلاً عن شقيقه الأكبر أن المختار شق الصفوف وصاح:
  إن هذا الراعي مجنون يسبب الخليفة خليفة المسلمين وريث الرسول.
ويقول صديقي أن والده قال له:
أن الراعي أخذ نفساً عميقاً فنبح الكلب مستعجلاً الراعي لإنهاء خطبته قبل حضور رجال الوالي وقال الراعي:
  يجب أن نقرر نحن سكان هذه القرية مصيرنا ونختار حكامنا…أتريدون السكوت على السجن، السجن والقتل والتعذيب وأنتم صامتون مؤيدون! أيمكن أن نسمح لهم بإذلالنا دون أن نوقفهم عند حدهم
  …إنني أعلن في هذه الساعة كرهي لهؤلاء الحكام كرهي لهم جميعاً
  …إنني وكلبي نرفض أي حاكم جاء بلا شيء ويريد كل شيء…ونرفض من جاء بدون حق شرعي…وأنتم تعرفون أن كلبي يكره ويحقد على من ظلمكم مع أنه يجد طعامه وشرابه…نعم كلبي يرفض أن يأكل وينام فقط ولا يحلم بحريته وكرامته.
وقال صديقي عن شقيقه الأكبر:
أن الراعي أنهى كلامه فتقدم إليه المختار فتصدى له الكلب مكشراً عن أنيابه…وصاح الناس:
نريد المختار منا
…ورضخت سلطات الوالي وفاز المختار نفسه بالانتخابات.
ويقول صديقي:
أن الراعي قال للمختار وهم جلوس في مضافته:
  وفزت يا مختار!
  لأن الناس تخاف ربها.
  لأن الناس تخاف المختار.
ويقول صديقي أن المختار نهض ليضرب الراعي فقال له أحد الرجال الجالسين:
إنه في بيتك والراعي مجنون،
وقال الراعي مغيراً اتجاه الحوار:
  هل تصدقون أن علي خطيب مريم ما زال حياً يرزق.
قال المختار: أنت فعلاً مجنون!!
  كلكم تعرفون بالمحبة بينه وبين وكلبي …وقد سمعت أول أمس كلبي ينبح في منتصف الليل نباحاً غريباً.
  وهل أصبحت تفهم لغة الكلاب.
قال المختار:
 من عاشر القوم أربعين يوماً صار منهم.
ضحك الجميع وقال الراعي :
 هذا النوع من النباح كان مخصصا لخطيب مريم.
فقال المختار:
-كلبك يحلم أحلاماً مزعجة.
قال الراعي يريد التأكيد على كلامه:
اليوم، كنا أنا وكلبي بعد صلاة الفجر قرب أحد البيوت وعندما صرنا بمحاذاة الشباك سمعت لكم تأوهات امرأة فاقتربت من الشباك أكثر والكلب يفهم فلا ينبح في مثل هذه المواقف بل يلتزم الصمت وعندما اقتربت من الشباك أكثر نبح الأجرب بصوته الغريب ولم يسكت حتى ذكرت له اسم خطيب مريم وكاد يكشف أمرنا.
  اتق الله تنظر للبيوت بعد أن صليت الفجر!
  هذا الشيء ليس بيدي…صوت النسوان يقتلني.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى