الأحد ٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٧
بقلم لحسن الكيري

رِسَالَةٌ إِلَى بْرِيَّانْ

تأليف: كَارْلُوسْ كَارَّاسْكُو*

في عشية يوليوز تلك، عندما كانت الشمسُ الدافئةُ تسخن فصل الربيعَ الباردَ، خرجتَ إلى الوجود أنت. كنت صغيرا جدا وصورةً طبق الأصل عني. لا أدري إن كان يحدث مع باقي الآباء نفس الشيء فيما يتعلق بإحساسهم تجاه فلذات أكبادهم. لكن برؤيتك، اهتززت من الفرح وشدة التأثر والدموع. في نفس ذلك اليوم وضعتُك بين ذراعيَّ. لقد تدرجتَ في النمو دون أن أنتبهَ إلى ذلك الأمر. عندما وصلتَ إلى مرحلة الحضانة، كان علي أن أحمِلك باكرا كل صباح إلى هنالك وبعدها أذهب إلى العمل. لكن كنت آخذك في المساء قبل أن يحين الموعد كي أبقى معك وقتا أطولَ. كنتُ أستبدل حفاظتك وأعد لك رضاعتك وأسهر على استحمامك يوميا لأنه كان يُرضينِي فعلُ ذلك. وكي أخفف من بكائك ليلا كنت أضعك في صدري. إذ كان ذاك الحل المناسب لمشكلتك. ولتهدئتك أو لكي تنام عندما أكون غائبا، كنتَ تأخذ قميصًا لي إذ كنتَ تجد فيه بلسمًا لك. هي عادةٌ داومتَ عليها في مرحلة الدراسة.

حسبما أتذكرُ، فإنه عندما كان عمرُك ثلاث سنوات ذهبتُ بلباس بطل أسطوري إلى حفلة تنكرية نظمتها دار الحضانة بينما كنتَ أنتَ تتنكر في لباس الرجل العنكبوت. أتذكر أني نزعتُ ساعتي اليدوية كي لا تتعرفَ إلي لكن بفضل حذاقتك اكتشفتَ أمري من خلال حذائي.

عندما كنتُ أذهب للبحث عنك في حديقة (كيندر) كنت أُعايِن شهامتَك من خلال مُساعدتك لرفيقاتك الصغيرات بحقائبهن أو معَاطِفِهنَّ. لقد كان أمرا مثيرا للإعجاب مقارنة بعمرك، بل حتى معلماتِك خلبتَ عقولهُن. عندما كنت أعلم أختك جدول الضرب وبينما أنت تلعب بأشيائك، كنتَ تجيبني مكانها. وهكذا في سن الخامسة كنتَ قد أنهيتَ حفظه.

وبعدها حانت مرحلة الدراسة الابتدائية، اليوم الأول في المدرسة، إذ لم أتخلَّ يوما عن مرافقتك إليها إلى الآن رغم أنك لا تريدني أن أفعل ذلك لكن على الأقل أذهب حتى الباب. أنت صديقي الناري، و الولوع بالألعاب النارية السحرية، أضع في البال أنك إلى الآن أنت من يضع اللحم في المشواة. كيف تمر الأيام بسرعة! كم من اللحظات قضيناها ثلاثتُنا، كم من المغامرات والأفراح كما الأحزان، سوية أيضا بكينا. كم مرحنا في تلك الآحاد مع (م. د. ك.)، البرنامج الأثير للثلاثة، ضحكاتنا المجلجلة، شكرا لإِيُوخِينْيُو و كُولِينِي، هذان الرائعان مثل أمهما، لكن لا يمكن ألا نشير إلى دِيبِي، سكرتيرتِها الرائعة.

عندما ستُصبحُ موظفًا، لا تنس مساعدة من قد يحتاج مساعدتَك. أنت تعرف جيدا أن أهم ما يعجبني في شخص ما هو تواضعه وبعد ذلك ما يتمكن من الوصول إلى أن يفعله. يحق لك أن تتبين أنني أخطأتُ في غير ما مرة لكنني كذلك اعتذرتُ لك في مرات أخرى. لقد سعيت دوما إلى أن أغرس فيك العادات الحسنة، فلا تنس ذلك. إنك عظيمٌ حقيقةً و فوق كل الأشياء أنت فلذة كبدي. اليوم قد جاوزتَني طولًا، كنايةً عن مرور السنين. عندما تحتاج إلى نصيحة فأنت تعرف أنك ستجدنِي دومًا بجانبك؛ رغم أنني لم أتوفق في مسألة الحب، فقد تعلمت من أخطائي. ولهذا فلا تشكنَّ في هذا الأمر. حتى النهاية، سنبقى معا، لا تنسَ هذا. أحبك يا بريان.
مع وِدِّي: أَبُوكَ.

*كاتب أرجنتيني مزداد بمدينة سان فيرناندو. مُرَبٍّ و مُوسيقيٌّ متميز. يعزف على عدة آلات أبرزها الأكورديون. حصل على بعض الجوائز بفضل كتاباته السردية بصفة خاصة. يدرس الموسيقى و يواصل في نفس الوقت تكوينا مهنيا كي يتخرج أستاذا لمادة التاريخ. هو بصدد الانتهاء من كتاب سردي جديد و مفاجآت أخرى. يتعلق الأمر بكاتب شاب و خلوق و تواصلي بامتياز. و هذه الرسالة التي عكفنا على ترجمتها من الإسبانية إلى العربية مُسْتَلَّةٌ من كتابه الأول الذي يحمل عنوان "حكايات كاتب" و الصادر بالأرجنتين سنة 2015. و هذه الرسالة تذكرنا بطريقة أو بأخرى برسائل أحمد أمين إلى ولده.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى