الخميس ٤ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم ليلى كوركيس

زحلة عروس البقاع

هي عروس البقاع حين تتألق بمفكريها، بشعرائها وبكَرْمَتِها.

هي أم البقاع عندما تعبث بترابه جحافلُ الشر، فترفع زحلة عينيها الى السماء وتلف ذراعيها زناراً من نار بوجه الغرباء.

هي عاصمة «الكَتْلَكَة» إذ تضم أكبرَ تجمُّع كاثوليكي في الشرق من حيث العدد السكاني.

ثلاثةُ أقانيم توحدوا بـزحلة لتصبح معبداً للدين وللدنيا، ونموذجاً مصغّراً عن لبنان.

في الواقع، أنني ممن يسمونهم بـ«جيل الحرب». عشتُها وتآخيتُ معها الى أن هاجرتُ قسراً في بداية 1990. مضت عشرون سنة على رحيلي، لكن صوت الراديو بـفلاشاته الإخبارية المرعبة وأغنياته الوطنية الحماسية، ما يزال يبث أحياناً، ولو بنبرة عميقة وبعيدة، في زاوية ما من دماغي. حتماً، هذا ما يُسمىَّ بـالذاكرة الجَماعية التي تحفرُ الأحداثَ في ذاكرةِ الإنسان، وحتماً أن اختياري لمدينة زحلة لم يكن صدفة إنما رغبة جارفة فجَّرتها صورٌ لماضٍ ليس ببعيد، مستقر في ذاكرتي .. ذاكرة حرب 1975-1990.

لا، لستُ من زحلة ولكني زحلية الرؤيا، من أمٍ وأبٍ بقاعيين تمتد بعضٌ من جذورهما الى زحلة.

نعم، إني اؤمن بأن جميع المدن تَتَقَوْلَب في مساحات محددة، الا زحلة. تعلمنا من آفاقها الثقافية ومن معاركها أنها مدينة تجاوزت حدودَها ومساحتها لتكون رؤيا نستشرف منها لبنان الخالد في ايمانه بتاريخه وبإنسانه. كانت هي الرمز الذي علَّق عليه مسيحيو لبنان آمالهم في منطقة حُرِّمت على الكثيرين منهم لسنوات طويلة. ومثلما كانت هي الحلم والرمز والمستقبل أثناء الحرب هكذا غدت أيضاً في إنتخابات 2009.

أطلَّ صباحٌ مبتسمٌ حملتني إشراقتُهُ الى «جارة الوادي» فطربتُ بالمشوار. تراءى لي أن السيارة تحلِّق، تصعد بنا نحو الشمس ! هو يومٌ واحدٌ أمضيته فيها برفقة قريبتي (المصورة الهاوية) ميليسا نعيمة، وعدت نفسي فيه أن أكتب نصي بأمانة لينقل تراتبية جدول زيارتي مثلما تمت في الواقع، بدءاً بتجوالي في أهم مرافق المدينة وصولاً الى مسك ختامها ولقائي بنائب زحلة د. طوني أبو خاطر.

استقبلنا تمثال «الخمر والشعر» على مدخل المدينة. وكان في انتظارنا الأستاذ جورج قاصوف إبن زحلة (مشكوراً) ليرشدنا الى أهم معالم المدينة ويزوّدنا ببعض المعلومات عنها، لا سيما وأنه أحد المشاركين في عدة لجان منظمة لنشاطات زحلة الثقافية والفنية.

زحلة .. عروس البقاع

متألقةٌ هي دائماً، مثل عروس في يوم زفافها. تسندُ ظهرَها الى جبل صنين، وتتمدد كحسناء رامقةً سهل البقاع حالمةً بمواعيد كثيرة مع الفرح. هي مدينةٌ منفتحة على التطور مع دورة الحياة. تكبر ولا تشيخ. جيلٌ بعد جيلٍ يَهِبون لزحلة نبضاً جديداً ومخزوناً أكبر من الإبداعات الأدبية. تغنّى بها أهم الشعراء اللبنانيين والعرب. برع أبناؤها في شتى الميادين الفكرية، الثقافية والسياسية وساهموا في نشر صورة لبنان الحضارية في الوطن والمهجر.

البارك البلدي

بدأت جولتي مع الأستاذ قاصوف بزيارة " البارك البلدي" الذي صُمِّمَ بالتعاون مع مهندسين من مقاطعة كيبيك الكندية. لدى سؤالي عن ظروف هذا التعاون، شرح لي بأن عضوية بلدية زحلة في "التجمع الدولي للبلديات الفرنكوفونية" هي التي ساهمت في تحقيق هذا التعاون مع كيبيك.

يقع البارك في نقطة مهمة تطل على زحلة والمنطقة. وُضِعت فيه "ماكيت" كبيرة لأهم معالم وبيوت المدينة، فأعطَت حياة للبارك المزروع بأشجاره فتية. بدا بتصميمه مثل حدائق كيبيك تماماً. يزور البارك 5000 شخص تقريباً في اليوم الواحد. تُقام فيه المهرجانات السنوية والموسمية. يتوسطه مدرجٌ مسرحي يتسع لـ 2400 مقعد. فيه صالة كبيرة للمعارض الفنية والنشاطات الثقافية مثل مهرجانات صيف 2009 الذي تميز بتنظيم أسبوع للنحت، كان الناس على موعد يومي مع الفنانين، يشاهدونهم وهم يخلقون منحوتاتهم الفنية التشكيلية أمامهم.

بعد البارك توجهنا الى مركز "البلدية"، مبنى السراي قديماً. هو بناء هندسي فريد. لم يتمكن الحجر فيه من إخفاء السماء التي ترنو الى رحمه عبر سقف زجاجي مثبَّت على قناطر متماسكة كسلسلة تحتضن جدار المبنى من الداخل.

المركز الثقافي

يدير شؤون البلدية 250 موظف تقريباً، إضافة الى عدد كبير من عمال الصيانة. إنضمت مدينة "معلقة" الى زحلة، جغرافياً وإدارياً، بعد إعلان دولة لبنان الكبير في عام 1920. لبلدية زحلة – معلقة أدوار عديدة، منها الإداري، الإنمائي، الإجتماعي والثقافي. المشاريع كثيرة ومن أهم ما سيُنَفَّذ في المستقبل القريب، هو المركز الثقافي الشامل الذي سيحمل إسم الشاعر والمفكر الزحلي سعيد عقل.

المكتبة العامة

يصطف ما يقارب 30000 كتاب على الرفوف، تحت سقف مدعمٍ بخشبٍ معتَّق بعبق التاريخ. هي كتب ومجلدات منوعة بالعربية والفرنسية والانكليزية، مبوَّبة في أقسام مخصصة للكبار والصغار. يوجد فيها أيضاً قسم للأفلام والسي دي لجميع الأعمار. تعتمد المكتبة على تبرعات بعض المؤسسات الثقافية، التربوية والسفارات الأجنبية. على سبيل المثال، ذكرت لنا السيدة كاتيا مشعلاني السفارتين الأميركية والفرنسية ومكتبة "السبيل" التي تنظم سنوياً أسبوعاً ثقافياً في المكتبة، حسبما شرحت لنا.

زحلة الفتاة

ما لفتني هو أرشيف الصحافة المحلية الموضوع في غرفة كبيرة من المكتبة. أشهر تلك الصحف هي "زحلة الفتاة" التي لا تزال تصدر حتى اليوم منذ أن أطلقها شكري بخاش عام 1910 . وأنا أتصفحها، تراءى لي للوهلة الأولى اني أعيش في زمن ماضٍ يدور حول بداية القرن الفائت .. ملمسُ تلك الصفحات الصفراء أيقظت في داخلي حنيناً غافياً لـ"خربشات" أوراقي وتمزيقها أحياناً وإعادة كتابة نصوصي من جديد، وذلك قبل أن يحتل "الكمبيوتر" مكاتبنا في كل المجالات.

من المعروف جداً، أن الصحافة الزحلية قد لمعت في لبنان والاغتراب. من أهم الصحف المحلية: "المهذب"، "البردوني"، "الصحافي التائه"، "الخواطر"، "الوادي"، "البلاد" وغيرها. أما الصحف الإغترابية فقد واكبت القرن الفائت في أميركا الجنوبية ومصر. من أهم الأسماء التي برزت، قيصرالمعلوف الذي اعتُبِر رائداً للصحافة العربية في أميركا الجنوبية بعد أن أسس جريدة "البرازيل" في سان باولو، وكذلك جميل وابراهيم المعلوف. سليم بالش الذي أصدر جريدة "صوت الفيحاء" في الأرجنتين. يوسف نعمان المعلوف وجريدة "الإصلاح" في نيويورك. نقولا شحادة في مصر حيث أسس جريدة "الرائد المصري" عام 1896.

حديقة الممشية

باحة مسوَّرة تظللها أشجارٌ خضراء وتزينها مختلف أنواع الزهور الملونة. في وسطها مسرح دائري صغير (روماني الطابع) تقام فيه حفلات موسيقية وسهرات ثقافية محلية.

كان حر الظهيرة قد اشتدَّ فدعانا مراقب الحديقة السيد جان مطلي الى شرب القهوة والإستراحة في المكان الأحب الى قلبه، تحت ظلال أجمل شجرة في أفضل موقع في الحديقة. بعد استراحتنا القصيرة، تجولنا في أرجاء "الممشية" المزروعة بنصب تذكارية لكبار أدباء ومثقفي زحلة الذين أبدعوا في شتى المجالات الثقافية وكانوا رواداً في ميادينهم أينما حلوا.

دردشة مع مراقب الحديقة السيد جان مطلي

في نهاية زيارتي "للممشية"، كانت لي دردشة مع الأخ مطلي، حدثني فيها عن عمله في الحديقة وعن لجوء السريان الى زحلة، كونه سرياني الأصل، فقال :

اختار السريان زحلة لأنهم في الأساس مزارعون وللمدينة تربة خصبة. مثلما استقبلت في الماضي عائلات نازحة من عدة مناطق ودول، كذلك لجأ اليها السريان الذين تهجروا في الأساس من تركيا، بعد المجازر التي ارتُكِبَت بحقهم. يدخل الحديقة يومياً بين 10 و15 زائراً من مختلف الأعمار، أما زوارها الدائمين فهم مجموعة من متوسطي وكبار السن الباحثين عن الهدوء، يلتقون ويسترجعون ذكريات الماضي في فيء أشجارها. أكثر ما يعجبني في الحديقة هو "الخَضار" والأشجار ولو خُيِّرْتُ بينها وبين البارك الكبير لاخترتها هي خاصة وان بيتي قريب جداً من هنا. أود أن انتهز الفرصة كي ألفت نظر المسؤولين حول أمرين مهمين. أولاً، مشكلة إهمال المصاريف الصحية (المجارير) واحتياجها الى صيانة جديدة. ثانياً، في الحديقة نبع، يا ليتهم يبنون خزاناً لمياهه التي تجري هدراً، بذلك نستخدمها في ري الحديقة والجوار.

فندق القادري الكبير

مختصر ما قرأته عن الفندق يروي أنه حين دخل جمال باشا مدينة زحلة في عام 1914، اختاره مقراً له وحوَّله الى مستشفى للجيش التركي. منه أيضاً أعلن الجنرال غورو في عام 1920 ضم الأقضية الأربعة، البقاع بعلبك حاصبيا وراشيا لدولة لبنان الكبير.

أما اليوم فهو من أفخم فنادق زحلة والمنطقة. ما ان دخلنا اليه حتى راحت جدرانه الداخلية "تُوَشْوِشُني"، تهمس في أذني ما لم تطبعه الكتب عن اختصار الزمان والمكان في روح هذا المبنى العريق وأهميته في حقبة من حقبات لبنان التاريخية المصيرية. مع الأسف، كانت زيارتنا له خاطفة وسريعة، فلم أتمكن من مقابلة أي من المسؤولين أو الحصول على المزيد من المعلومات عن تاريخه.

تمثال أحمد شوق ومحمد عبد الوهاب

بعد القادري، وصلنا الى الوادي.. على مدخله، حيث يجري نهر البردوني، تمثالان يستقبلان الزائرين، واحدٌ للشاعر أحمد شوقي صاحب قصيدة "يا جارة الوادي"، وآخر للموسيقار محمد عبد الوهاب الذي لحَّنَ وغنى القصيدة، فخُلِّدَت ذكرى زحلة في المكتبة الفنية الطربية في مصر وجميع الدول العربية.

في الحقيقة، أكثر ما استوقفني هي تلك التماثيل التذكارية المنتشرة أينما ذهبنا. معظمها، تحمل ملامح شخصيات أدبية رحلت عنا، لكنها لم تَغبْ. وفاءً لعطاءاتهم الكثيرة وحبهم الكبير لزحلة وللبنان، كرَّسَ الزحليون ذكرى هؤلاء الكبار بتشييد النصب التذكارية لهم كي لا ننسى أولئك الذين أسَّسوا مكاناً وخلقوا روحاً ثقافية، تاريخية ووجدانية في جسد مدينة تدعى "زحلة"

كتب أهم الشعراء عن زحلة. أذكر منهم الأخطل الصغير، خليل مطران، الياس أبو شبكة، الجواهري، باسمة بطولي، جوزف حرب، جورج زكي الحاج، أحمد رامي، هنري زغيب وغيرهم...

أما الشعراء الزحليين فلو عددنا أسماءهم لتدفقت مياه البردوني مثل أيام زمان ولارتوى الوادي بعد عطش دام طويلاً. أبدأ بـ"المعالفة" قيصر وشفيق وفوزي ونجيب وجورج وموسى ورياض معلوف، سعيد عقل، حليم دموس، موسى نمور، ميشال طراد، جان زلاقط، خليل فرحات، أنيس خوري، جوزف أبي طعان، جوزف جحا، جوزف صايغ، نقولا يواكيم، خليل سخط، جوزف غصين، ريمون قسيس، الياس حبشي، جورج كفوري ... الأهمية لا تكمن فقط بلائحة تلك الأسماء إنما بتوارثها لهوية زحلة الثقافية.

تعددت في زحلة المدارس، الجامعات، الجمعيات الخيرية والأندية الرياضية. بالإضافة طبعاً الى الكونسرفاتوار الوطني الوحيد في البقاع. تتنوع النشاطات في زحلة لتشكل باقة ثقافية فنية تتعانق أوراقها وتداعب سماء المدينة وأزقتها. مثل سائر المدن اللبنانية، تقيم زحلة مهرجانات سنوية تلون فصول لبنان ومواسمه السياحية. تفردَّت زحلة على مدى السنين بحدثين مميزين:

 مهرجانات الكرمة: يقام هذا المهرجان منذ عام 1920. تدوم الاحتفالات اسبوعاً كاملاً، تتخللها نشاطات منوعة أدبية، فنية ورياضية، بالإضافة الى معرض للكتاب ومعرض حرفي وآخر تراثي. خلال المهرجان تُنتَخب "فتاة الكرمة" وتُختَتَم الإحتفالات بـ "مهرجان الزهور" حيث يطوف موكبٌ من عربات مزينة بالزهور ناثرةً الجمال والفرح في شوارع المدينة.

 خميس الجسد الإلهي: تعود تقاليد هذا العيد الزحلي الى عام 1825 حين تفشى مرض الطاعون في المدينة، فقرر مطران زحلة اغناطيوس عجوزي التجوال في شوارع المدينة حاملاً "القربان المقدس" داعياً الى الله ومصلياً لشفاء وخلاص المدينة من المرض. منذ ذلك الوقت، يحافظ الزحليون وكنيستهم على هذا التقليد السنوي حتى أصبح عيداً مسيحياً زحلي الايمان وعيد أعياد المدينة.

زحلة .. أم البقاع

لم تُذكَر زحلة في أي مصدر قبل سنة 1711 التي تؤرخ حرب القيسيين واليمنيين. أُحرِقَت المدينة ثلاث مرات في عام 1777، 1791 و1860. شهدت عمراناً إدارياً، سياسياً وإقتصادياً بعد أن تم إنشاء المجلس البلدي في عام 1858 وأنجِزَ في عام 1885 خط سكة الحديد رابطاً زحلة ببيروت وحوران. نشطت التجارة فيها لتصبح مرفأً برياً ومركزاً سياحياً مهماً في البقاع. وَهَبَها هذا النشاط نزعة إستقلالية، سيما وأن اكتفاءها الذاتي و"بورجوازية" أهلها كانا يؤهلانها لأن تمنح نفسها فرصة حكم ذاتي متاخم لشكلٍ من أشكال الإستقلالية. قد تختلف الآراء والمراجع والكتب، الا ان ما تؤكده الأحداث هو سِجِل زحلة السياسي الذي يزامن مراحل مصيرية من تاريخ لبنان القديم والحديث.

كلما تذكرت سنوات الحرب وأحداثها الصعبة والمهمة التي حددت ملامح لبنان السياسية المضطربة، تذكرتُ "نيسان 1981".. تاريخٌ منقوش في ذهني .. هو وثيقة خلَّدت صمود زحلة حينذاك، ليس فقط بوجه النزاعات الوطنية إنما أيضاً بوجه الصراعات الإقليمية السورية-الإسرائيلية والدولية. إجتاح الخوف قلوبنا واحتل كل الطرقات والكواليس السياسية ومسارحها. حلَّق غراب "السقوط" طويلاً في السماء وتحت الأرض حيث كان الناس يختبئون من جنون القصف، غير أن مكانة زحلة الدفاعية بجغرافيتها السياسية وموقعها الاستراتيجي، حولت المدينة الى رقم صعب في الحسابات الإقليمية. كانت هي الأقوى وكلمتها مثل حَد السيف في المواقف الحاسمة. أما لبنان، صاحب أغرب ميزان سياسي في المنطقة (مثلما كتب تيودور هانف عن "توازن الضعف" الذي فُرِضَ عليه) فكان وما يزال يواجه أغرب التحالفات وأصعب الاختلافات بين الطوائف والأحزاب، إضافة الى القضية الفلسطينية والدور السوري والإسرائيلي في إشعال النيران على أرضه كلما اقتضت مصالحهم ذلك.

وسط "عجقة" التحضيرات والتغطيات للحملات الإنتخابية في شهر حزيران 2009، أعاد التاريخ نفسه فكانت زحلة في واجهة التحديات والحسابات الإقليمية من جديد. مثلما كانت أماً حنونة قوية وصلبة في الماضي، ظلت أماً أيضاً في الإنتخابات الأخيرة متحمِّلةً مسؤولية كلمتها كقبلة للحياة أو للإنتحار. إما أن يكون لبنان وطناً للبنانيين أو لا يكون الا حلبة لمعارك الغرباء على أرضه. .. وأتت نتائج الإنتخابات لتؤكد على أن زحلة قادرة أن تُسَيِّر القافلة، لا أن تسير وراءها.

زحلة .. عاصمة الكَتْْلَكَة في الشرق

مباركةٌ هي .. بكرمَتِها ونواقيسها التي لم تتكاسل ولم تصمت لا في الحرب ولا في السلم.

مرتفعةٌ هي .. مثل غيمة على كفَّي سيدتها .. حارسة التل، السهل والوادي.

منارةٌ هي .. تضيء اليابسة وتنير الجَـلَدَ كلما اشتد السواد. تصيح "ليكن نورٌ"، فتعلو الصلوات وتتضرع لـ "خالق السموات والأرض".

توزعت الكنائس في أرجائها حتى بلغ عددها 50 كنيسة تقريباً. فيها أربع أسقفيات للروم الكاثوليك، للروم الأرثوذكي، للسريان الأرثوذكس وللموارنة. على مدى السنين ومنذ عام 1720، بدأت الأديرة والكنائس تنبت في أحياء زحلة مثل الأشجار. فكانت كنيسة مار الياس المخلصية في حي مار الياس هي الأولى ، من ثم تلتها كنائس عديدة لمختلف الطوائف المسيحية إضافةً الى الأديرة والمدارس والكليات. لم تقتصر دور العبادة على الطوائف المسيحية فقط إنما بُنِيَ في المدينة ثلاثة جوامع في حوش الأمراء، في الكرك وقرب مستشفى المعلقة.

سيدة زحلة

آمن الزحليون (بتعدديتهم الدينية وأكثريتهم الكاثوليكية) بأن "سيدة زحلة" هي التي حرست المدينة طوال سنوات الحرب. نفذ النحات الايطالي "بياروتي" تمثال العذراء البرونزي الذي يعلو المقام. ارتفع برج "العذراء" 54 متراً لتشرف "سيدة زحلة" على المدينة وسهلها، فتطال بذلك السحاب ناثرةً في الفضاء أدعية وأمنيات زوارها المؤمنين.. هكذا أصبحت كل ليلة من ليالي زحلة "ليلة قدر" تفتح فيها السماء أبوابها ولا تغلقها.

نسبة كبيرة من العائلات التي التجأت الى زحلة هرباً من الاضطهاد، كانت من الطائفة الكاثوليكية مما جعل من المدينة أكبر تجمع كاثوليكي، لا بل عاصمة الكتلكة في الشرق. كعادتها، في الانتخابات الأخيرة، حملت المدينة مسؤولية تمثيل الزحليين، إضافة طبعاً الى الحفاظ على الطائفة الكاثوليكية وتأمين حقوقها في التشكيل الوزاري والإداري، فغدت "زحلة في القلب" وفي العقل. كان فرح الفوز كبيراً بحجم حكمة زعمائها الفائزين وغير الفائزين، إذ مهما تفاوتت وتجاذبت واختلفت وجهات النظر، تظل زحلة هي الأهم وهي الأحب وهي الفائزة الحقيقية. وكل ما يُحَقق ويُنَفَّذ من إنماء في المدينة هو لجميع الزحليين. في النهاية، يجب الا ننسى بأن زحلة مدينة تمسك مصيرها بيدها وتسير الى الأمام، نقطة.

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى