الخميس ٨ آذار (مارس) ٢٠٠٧
بقلم حسين الهنداوي

سارتر والحرية كتراجيديا

يندر في كل تاريخ الفكر أن عرفت فلسفة ما حظا كذاك الذي عرفته الفلسفة الوجودية السارترية: سرعة في الحضور كثيفا في الحياة الثقافية العالمية، ومؤسسها في خضم الحيوية، ثم سرعة في الغياب عالميا ايضا حال ـ بل وحتى قبل ـ توقف قلبه عن الخفقان.

من جهة سرعة النجاح اولا، لم يكن سارتر حتى مطلع الثلاثينات سوى متفلسف مغمور، لا يتخطى عالمه باقة صغيرة من افراد تتحلق في مقاهي الحي الاتيني، غير واجدة ما تغري به او مايغرى بها بين الخيارات الفلسفية وشبه الفلسفية الجاهزة التي كانت تتقاطع في الثقافة الفرنسية والعالمية آنذاك من ماركسية الى برجسونية ومن صوفية الى فوضوية. وهكذا، ففي ظلال تلك الخيارات، ومن فكرة ضد هذا او ذاك وفكرة من ذاك وهذا، اسست هذه الجماعة، متمحورة حول سارتر، مناخا خاصا بها ذا نكهة وجاذبية لا تنقصهما الاصالة والترف. ثم فجأة، وبموازاة تقدم ذلك العقد الثلاثيني نحو احتضاره، راح هذا العالم الصغير يتكشف عن تيار فلسفي لا يقل قوة واغراء عن الكبار، محققا فتوحات عمودية وافقية في الحياة الفكرية والفنية وحتى العامة في فرنسا من غير جيوش ولا مؤسسات ومن دون التلويح بمشروع أو بأمل. هذا الامتداد الذي ادهش حتى سارتر نفسه، لم يلبث، بعد الحرب العالمية الثانية، ان وجد اصداء له خارج فرنسا هذه المرة وفي بلدان غربية وغير غربية بما فيها بعض البلدان العربية.

ففي العديد من عواصم هذه الاخيرة بالفعل، بدت السارترية اغراء ملموسا لدى كم من الشباب المثقف.ففي بيروت ظهرت لها مؤسسات التسويق ووكالات الترويج الضرورية التي راحت تقصف السوق بالجيد وخصوصا بالغث من النصوص الوجودية او التي تزعم ذلك. وفي بغداد ـ نتذكرـ كان للوجودية مريدون يدهشونك بمثابرتهم على التهام نصوصها المتوفرة، كما يعجبونك بروحيتهم نصف المرحة-نصف القلقة في الوسط الادبي والفني البغدادي الخانق بجديته والمضجر بتقليدية حتى المبشرين بالتمرد من اعضائه. وبفضل اولئك الوجوديين تحول ذلك الوسط من حالته الاولى كنوع من الارستقراطية البدوية المتعثمنة الى حالة جديدة اكثر مدينية بمعنى اكثر حيوية وتناقضا. ومشهورة حتى شعبيا "مقهى الوجوديين" في الباب الشرقي حيث لا يحتسي أحدهم جرعة الشاي إلا متدافعة مع مفردات "العبث" و "العدم" و "الحرية" و "الالتزام" وغيرها من مفاهيم كانوا يرددونها بمناسبة وغالبا بغير مناسبة...

كل هذا هاجر وكما الحلم من كل مكان. وها هي السارترية تغط في غياهب النسيان،وكأنما منذ عصور بعيدة، عندما جاءت اجهزة الاخبار تذكرنا قبل ايام، وبنبرة غير احتفالية، بمرور عشر سنوات على موت سارتر. فعشر سنوات فقط، يوما بيوم، كانت كافية لتحويل الفلسفة الوجودية الى ما يشبه الآثار الرومانية.

كيف نفسر تراجيديا السارترية هذه؟ وكيف نفهم انعدام، بعد موت سارتر، من يتعهدها بالرعاية لا بين المؤسسات ولا بين النخب ولا حتى بين الافراد؟ ثم كيف نعلل مغادرتها مسرح الوجود كما لو كانت كرة هائلة من رغو؟

كرة هائلة من رغو فعلا، يجب ان يجيب الكثيرون بين الماركسيين. فبالنسبة لهم ليست السارترية بفلسفة الا ظاهريا، انما هي مجرد "صرعة" من الصرعات الدورية التي يحبل بها النظام البضاعي الرأسمالي في سعيه الدؤوب لمحاربة الفلسفة الماركسية، والتي يوفر لها سبل الازدهار والانتشار ويضخم من مشروعيتها واصالتها مستفيدا، في حالة الوجودية، من الحيوية الادبية وثراء الشخصية المجتمعين في سارتر الفرد. بيد ان هذا التفسير المنطقي ظاهريا، سرعان ما يكشف عن اصفراره لتبسيطيته اولا ولجاهزيته ثانيا ولجهل هؤلاء، المطبق عموما، بالسارترية. ويزداد هذا الاصفرار يقينا عندما تعرف بان هذا الموقف مؤسس على اسس ايديولوجية، وبالتالي دوغمائية، وان الماركسيين الفرنسيين هم صاحب الحق باختراعه وعنهم جرت ترجمته حرفيا الى كافة الثقافات الاخرى.

لكنه ايديولوجي ودوغمائي ايضا التفسير المضاد الذي يقدمه المثقفون المدافعون عن النظام "الليبرالي" حول نفس الموضوع. فالوجودية السارترية بالنسبة لهم ليست بفلسفة انما هي مجرد "فورة فكرية" او "ردة فعل مشروعة" جاءت أساسا لتعبر عن نزوع "الذات الانسانية" نحو الحرية في لحظة كانت هذه بمواجهة الاخطار التي يمثلها عليها نموذج الجدولة النموذجي ويقصدون به الستاليني. وما عدا ذلك فهي بنظرهم لملومة من الافكار الظاهراتية والفرويدية والهيغلية والماركسية، نسقت ببعض الاصالة والعبقرية. ولا يتردد البعض من التأكيد بان سارتر ظل ماركسيا في الجوهر كما يدل على ذلك منظوره المادي في تفسير التاريخ ومواقفه السياسية االتي بدأها بتأييد الستالينية وانهاها بتأييد المادية...

وهكذا، فاذا كان الماركسيون يعتبرون الوجودية السارترية "افرازا من افرازات الرأسمالية"و كان المثقفون الراسماليون يعتبرونها "افرازا من افرازات الماركسية". لكن هذا التناقض الشكلي بين الموقفين يخفي تطابقا جوهريا بن مضمونهما ونقصد به الميل الى نبذ كل ما هو لا ايديولوجي. والسارترية تتميز اكثر ما تتميز بكونها ليست بايديولوجيا بل بكونها ضد-ايديولوجيا، اي فلسفة. لكن هل يمكن اعتبارها فلسفة فعلا كما يرى البعض، ام انها مجرد ادب يتقمص الفلسفة كما يرى كثيرون؟

ان المشكلة التي يثيرها هذا السؤال هي مشكلة وهمية تشبه تماما المشكلة البيزنطية حول الاسبقية بين البيضة والدجاجة. فما دام التعريف الموحد للفلسفة معدوما لا يمكن حل هذه المشكلة نهائيا لحسن الحظ. بلا شك ان الاكاديمين يتفقون جميعا تقريبا، حتى في فرنسا الى حد ما، على رفض اعتبار سارتر فيلسوفا بالمعنى التام كما يرفضون تسمية منظوره بالفلسفة. لكن متى كان الاكاديميون على حق حتى نقبل بفرمانهم في هذا المجال والذي ينكوي على الكثير من الغيرة والشكلية؟ فالماركسية وقبلها الهيغلية ظلتا لفترات طويلة لا تؤخذان كفلسفة من لدن هذه الاوساط التي لا تحتمل منظر كل من يخرج عليها وعلى اجوائها الميتافيزيقية الشرسة ومفاهيمها الباردة كالمومياءات. وسارتر-كما في القرن الماضي ماركس-هو المفكر الكبير الوحيد في القرن العشرين الذي خرج على هذه الاجواء.

اما برأينا، فالسارترية هي فلسفة بلا شك شريطة ان نتعامل معها في الهواء الطلق. فقط في الهواء الطلق حيث لا نشعر باننا مقيدون بقيد، اي قيد، نستطيع تلمس اصالتها كفلسفة ونستطيع استجلاء مكوناتها التي تندرج ضمنها، وتتبرر، حتى التناقضات والفضائح التي ارتكبها سارتر وهي كثيره بلا شك. فالسارترية، كما يقول جيل دولوز، هي "تيار من هواء" وكأي تيار من هواء فانها تغريك دون ان تقدم لك شيئا وتجذبك دون ان تجعلك أسيرا، تماما كما الحلم. لكن السارترية لا يمكن فهمها جيدا إلا متموضعين في القرن العشرين. هذا القرن الذي بدأ بالحروب بين القبائل الاوربية وينتهي بوحدتها. افتتح بقيام الثورة الاشتراكية كوعد وامل واختتم بانهيارها ككابوس. لهذا القرن بالتحديد، وله وحده، تنتمي السارترية مما يجعل موتها فيه علامة من علامات اصالتها كفلسفة. فما الذي يعطي السارترية اصالتها كفلسفة ويميزها عن الفلسفات التي سبقتها؟

ان الاطار العام الذي تتموضع فيه السارترية هو، برأينا، اطار فلسفة الحرية الذي تتموضع فيه ايضا الهيغلية والماركسية وتفرعاتها كالفوضوية والسريالية. لكن ما يميزها عن غيرها داخل هذا الاطار هو المشروع الذي تقدمه وهو "اللامشروع". بمعنى أخر.

واذا كان مشروع الهيغلية هو الحرية كهدف لتاريخ العقل كمطلق، ومشروع الماركسية هو الحرية كهدف لتاريخ العقل كملموس ومشروع الفوضوية هو الحرية كهدف لتاريخ العقل كفوضى، ومشروع السريالية هو الحرية كهدف لتاريخ العقل كلا شيء، فان مشروع السارترية هو الحرية كهدف لتاريخ العقل كحلم. بلا شك ان السارترية قاطعة في اسبقية الوجود في الوجود, إلا انها قاطعة ايضا في عبثية الوجود. فسارتر يرفض للوجود الانساني كل عقلانية: انه موجود دون ارادة منه-في عالم ملغوم بالزلازل والنهايات-ومع ذلك مسؤول في وجوده.

وهكذا اذن فامتيازالوعي الذي يتباهى به الانسان على الاشياء يتحول هنا الى محنة بالقدر الذي يرفض فيه سارتر اعطاء الوجود الانساني اي بعد ميتافيزيقي متخيل او مدرك او مراد، سواء ذلك الذي تقول به الاديان (الله) او ذلك الذي تقول به الماركسية (الانا الجماعية)، وبالقدر الذي لا يعود فيه الانسان شيئا آخر سوى ذاته، اي سوى "الانا" المباشرة.من هنا تتأتى الى مجرد تمرد، كما يأبى من شدة النبل والترف ان يتسطح فيقع في اغراء القطيعة. انه موقف كما هو حالة.. موقف يتجاوز التمرد تمردا لانه بلا غاية وتسامى على المغامرة شبابا لانه بلا امل. "انت موجود كهبة ريح" تقول لنا سيدوري صاحبة الحانة في ملحمة جلجامش كما لو كانت تختصر لنا العبثية الرهيبة التي هي حظ الوجود. وسارتر لا يقول شيئا مختلفا.

لكن تراجيديا الوجود هذه العبثية، انما ايضا وخصوصا من وعي "اننا مدانون بان نكون احرارا". فالحرية كتراجيديا هي انبل اشكال وعي الحرية، الا انها تعرف نفسها كمحنة قبل ان تكون امتيازا او حقا، محنة مصدرها الشعور بعدم وجود أي شيء جدير بان نستند له خارج الـ"انا" المباشرة.

وطارئة ولا ضرورة، ومجرد مملكة مظلمة داخليا، ينبغي على الذات الفردية عندئذ ان تتشبث بفرديتها وبحريتها باقصى ما يمكن كما لو كان هذا التشبت هو القيمة الوحيدة التي امامها، وبالفعل لقد رفع سارتر الحرية الفردية الى مقام القيمة الاخلاقية والكونية المطلقة التي تحتم عليها تجاوز كافة الحدود سواء تلك التي ترتئيها الايديولوجيات والروحانيات أو تلك التي تضعها العلوم. لكن هذا المنظور الذي يستلهم الفلسفة الفينومينولوجية الى حد كبير سيدفعه سارتر في اتجاه خاص، وهنا تكمن اصالته الفلسفية، بفعل استلهام المنظور الماركسي الخاص بموضوعية العلاقة بين "الأنا" المباشرة وعلمها الانساني الخارجي. فاصالة السارترية تكمن اساسا في محاولتها حل هذه الاشكالية او التناقض بين موضوعية العلاقة بين الذات ونظيراتها من جهة، ومن لازمية مطلقية الحرية الفردية من جهة اخرى: كيف انا كذات استطيع ان اكون حرا في الوقت الذي لا استطيع الا ان اكون في علاقة مع الذوات الاخرى؟

هذه هي المشكلة المركزية التي كرست لها السارترية كل جهد من اجل تلمس حل لها، اي مشكلة التوافق بين الضرورة الموضوعية التي تفرض على الجذرية الفردية ان تقف عند حدود ما، وبين كون هذه الحدود تعيقها عليها التحقق كجوهر حر، وامام استحالة الوصول الى هذا الحل فان السارترية اختارت الانحياز الى الحرية الفردية بشكل مطلق بغض النظر عن النتائج والمغالطات، مؤكدة بعناد ا ن الحرية هي القيمة الوحيدة التي تصدر عنها القيم الاخرى، رافضة المؤسسات بجميع اشكالها الدينية او السياسية او الاجتماعية او الاخلاقية او غيرها. فالمشروع الذي تبشر به هذه المؤسسات هو مشروع عبودية على الدوام مهما زعمت عكس ذلك، نظرا لان المؤسسات لا بد ان تحجر الافراد وتحولهم الى اشياء، وانها كاذبة قطعا عندما تدعي الدفاع عن الحرية لان المؤسسة هي نقيض الحرية بالضرورة. لكن المؤسسة لدى سارتر لا تقتصر على الاحزاب والكنائس، انما تمتد الى مجمل نظم الحياة.

من هنا لا يمكن القول مطلقا بان فكرة كهذه كفيلة بخدمة الايديولوجيات اليبرالية والليبرالية الجديدة أو يمكن ان تؤدي وظيفة كهذه. انما بالعكس ان تحقق الحرية الفردية قد يدفع البعض الى الركون الى هامشيتهم الاجتماعية الا انه قد يدفعهم الى الانتفاض وحتى الثورة ضد الأنماط السائدة، وسارتر نفسه لم يتردد في النزول الى الشارع في 1968 ضد ديغول. وعموما فان هذه الايديولوجيات تدرك كغاية اخطار السارترية عليها ومن هنا تجنبها كليا.

ان مجد السارترية الوحيد، هو أنها عرفت لحظة حياتها، فاغتنمتها بنشوة، وادركت لحظة احتضارها، فانسحبت بهدوء. من يدري ربما ماتت هذه الفلسفة لأنها فشلت في حل هذه المشكلة التي هي ماتزال على قيد الحياة، وربما الى الأبد.


مشاركة منتدى

  • يتحدث الدكتور حسين الهنداوي في المقال أعلاه عن ظهور الوجودية وسرعة اختفائها ، وتعرض لاسباب الظهور والاختفاء من وجهة نظر كل من انصار النظام الليبرالي و خصومهم الماركسيون ، واعتبر ان تفسيرات كل من الاتجاهين سطحية دوغمائية تحكمها اغراض اديولوجية و سياسية ، وارتاى ان الوجودية ليست ايديلوجية بل فلسفة اصيلة، تجد اصالتها في الحرية الفردية المطلقة التي حاول سارتر ان يجعل منها القيمة الأخلاقية المثلى والكونية المطلقة. فخرج عن كل من الحريات الليبرالية اوالماركسية او الهيغيلية ،فماتت الوجودية لكن موتها يعبر عن عدم انحيازها لكل من المئسسات التي تكرس العبودية، ومن تم القوة والاصالة التي تميزها عن باقي الفلسفات والتيارات الفكرية .
    كان هدا هو مجمل قول الدكتور في المقال . ماذا نفهم من هذه العرض المقتصب لقول الدكتور حسين الهنداوي؟ نفهم ان إشكالية سارتر هي إشكالية الاختيار بين الحرية الفردية والحرية الموضوعية. وان سارتر فضل الحرية الفردية ((الانا المباشرة)) على حساب الحرية الموضوعية. يقول الدكتور عن سارتر(( كيف انا كدات استطيع اكون حرا في الوقت الدي لا استطيع ان أكون في علاقة مع الدوات الاخرين؟ ويرى ان عدم حل سارتر هده الإشكالية المركزية ،مشكلة التوفيق بين الضرورة الموضوعية وبين الحدود المعقية الحرية ))الجوهر)) ،فاختار سارتر للانحياز للحرية الفردية.
    ومن هنا السؤال الواجب طرحه. هل بالفعل كما اعتقد الدكتور، ان سارتربقي مؤمنا طيلة حياته بالحرية المطلقة وظل وفيا لوجوديته ومناهضا لكل التيارات الاخرى؟
    نرى من وجهة نظرنا ان سارتر كان وجوديا في المرحلة الاولى من نشاطه الفكري ، المرحلة الماقبل نهاية الحرب العالمية الثانية. فامن بحرية الفرد ودافع عن أطروحة الحرية المطلقة في كتاب الوجود والعدم. بينما في المرحلة المابعد الحرب، تغير تفكيره وتطور ولم يعد وجوديا، بل حاول ان يصالح بين الوجودية والماركسية في الكتاب نقد العقل الجدلي . لكنه استدرك بعد تجربته الفكرية والسياسية (( الانتماء للحزب الاشتراكي)) ،استحالة التوفيق بين الحرية الفردية والحرية الموضوعية ،فتخلى عن وجوديته واعتنق الماركسية، وتخلى عن ولائه للنظام السوفياتي الأحزاب الاشتراكية، لتخليها عن الجدل بين الجانب النظري والجانب العملي (( البراكسيس)) دون الكفر بالفلسفة الماركسية.
    واذا اردنا ان نصيغ فلسفة سارتر من خلال ،قاموسه اللغوي وجهازه المفاهيمي يمكن القول ان سارترا ميز بين الوجود لداته والوجود في داته، وبين الوعي الانفعالي(( الحضور للذات)) والوعي الظهراتي (( الموضوعي))، واعتبر في مرحلته الأولى ان الوجود لداته هو وجود في داته، ،اما في المرحلة الثانية اعتبر الوجود في الذات هو جود للغير.

    تنطوي نصوص كتاب الوجود والعدم لسارتر على أفكار ومفاهيم مجردة في غاية التعقيد، تجعل قرا ئة فلسفته جد صعبة. بحيث ان المصطلحات التقنية ،تشترط بعض من الاضواء الكاشفة لجعل فلسفنه سهلة المنال وخاصة للقارئ المبتدئ. غير ان المفاتيح لفتح الالغاز المجردة والمعقدة هي الأمثلة التي تتجسد في اشخاص من الوافع المعيشي. وهكذا نجد بجانب المستوي التجريدي ،مستوى واقعي عملي مستوحى من التجربة اليومية التي تشخص أفكار سارتر. الشيء الذي يزيل الغموض والضبابية التي يحتويها الجانب النظري.
    ينطلق سارتر من الحضور الخالص للذات، فالحضور او اشكال الحضور تتزامن مع العدم. فالعدم هو قدرة الانسان على احتواء الجوهر. فالوجود والعدم هو وجود الذات والامكانيات او القرارات التي يمكن للمرء ان يتخذها. فالوجود الذي يسبق الماهية بهذا المعنى ، هو الانسان وحريته . انسلخ سارتر عن الوجود الظهراتي(( المكتسبات))، مثلما تجرد ديكارت عن العالم، بالعودة الى الذات والحرية، منعزلا عن الوجود وموجوداته وثقافته . انتهج ذيكارت الشك المنهجي ،بينما اعتبر سارتر ان الوجود معطي بديهي لا يقبل النقاش .وهنا تقف أوجه المقارنة بين ذيكارت وسارتر. فالقاسم المشترك بين ذيكارت وسارتر هو العودة الى الذات والحرية. وهذه النقطة بالذات هي سر العودة الى يكارت ونقطة الخلاف بين سارتر وكل الفيمينولوجيون من هوسرل وهيذغر وإيمانويل ليفناس ومير لوبونتي.
    تخلى ذيكارت عن الأفكار المسبقة. فرفضه للأفكار السائدة ، يعنى رفض الحلول الجاهزة و البحث عن امكانات من العدم . فالعدم هو العودة من الدات والحرية والإمكانات التي قد يختلقها الانسان بواسطة الحرية. وهذا هو ما يعنيه أيضا سارتر بالعدم.
    فالوجود والعدم بهدا المعنى هو الانسان وحريته والإمكانات الماثلة امامه ،نقطة الالتقاء بين الماضي والحاضر والرؤية الى المستقبل. يسمي سارتر الوجود والعدم، الحضور الخالص للذات. فحضور الذات شعور ذاتي مستقل((حر)) للعدم. فهده النقطة هي نقطة الانطلاقة لسارتر و التي تقوده الى التحليل الانطولوجي. تحليل يميز فيه بين انماط الوجود، نمط الوجود الظهراتي ، ونمط الوجود الغير الظهراتي. فمثلا المائدة هي مائدة .فالوعي لايعرف ماهية المائدة او المائدة في داتها بل يستشكل صورة المائدة من خلال ملكات العقل . فالوعي بالمائدة بذاتها شيء واستشكالها بوعينا شيء اخر. و من هنا يستنتج سارتر ان الوعي ليس جوهر.(( راي سارتر هنا فيما يتعلق بالوعي ، هو نفس راي التجريبون ان الوعي صفحة بيضاء)).
    يميز سارتر بين الوعي التلقائي الانفعالي والوعي الظهراتي (( هوسرل)).فعندما يتحدث سارتر عن الوعي ويقول الوعي وعي بداته يتحدث عن الوعي الانفعالي ،وعي وحضور للذات ،يسبق الوعي الظهراتي ((الوعي الفنولوجيي الهوسرلي، الدي يتعالى على الذات بالانا الخالص او الانا المتعالي)) . فانطلاقا من هدا التمييز بين الوعي الظهراتي والوعي الانفعالي حاول سارتر ان يعمق فكرة العدم. فالوعي عدم ،أي مجرد من كل الصفات والاشياء ،لكنه في نفس الوقت منفتح على الأشياء. فالوعي منسلخ عن كل شيء و مسلوب من كل مادة ، فهو صفحاء بيضاء شفافة. ومن هنا يجب التمييز بين الوعي وكل تفكير. يرى سارتر ان الوعي التلقائي وعي انفعالي. وهكدا فوجودية سارتر هي فيمينولوجيا التجربة التلقائية عكس فينمينولوجيا هوسرل، القصدية.((كانت القلسفة الكانطية تحمل بكل ثقلها على التمييز بين المعرفة والتفكير اصبح مركز الثقل الوجودية هو الفصل بين الوعي والمعرفة)).
    يصطف سارتر بجانب التجريبيون ، في تحليله للوعي و هذه نقطة تحسبه له ،لأنها موقف اصيل، ادا ما قورن مع موقف ما هيدغر وهوسرل وتحليلهم للوعي)). فبتاصيل الوعي يعمق فكرة العذم. على اعتبار ان الوعي الانفعالي التلقائي إمكانات لكل القرارات المتعلقة بالمستقبل. فمن خلال التحليل للوعي الانفعالي والعدم ، حاول سارتر ان ينظر الى التجربة الإنسانية وفهمها و من تم معرفة أنماط الوجوذ الإنساني والوقوف عليها. .
    يقدم لنا سارتر تحليل أنماط الوجود الإنساني، من خلال مثال يتعلق بنادل يشتغل بمقهى. يصف سارتر وصف دقيق وظيفة المضيف الخادم بالمقهى. من حيوية ونشاط . ينتقل من مائدة الى مائدة وهو بزيه الرسمي، الجيد والنظيف، مظهره ،في غاية الرشاقة وحسن الاستقبال ،يتعامل مع الزبناء بخبرة عالية ونشاط حيوي في منتهى اللباقة. حريص على الابتسامة والترحاب. حسن الحديث، يحل المشاكل المتعلقة بالطلبات في اسرع وقت لاحضار المشروبات. فالمرح والبهجة وحسن الاستماع ترتسم على محياه . يقف سارتر على حركات النادل ويرى ان حركاته تشبه حركات الالة الميكانيكية. فكل عضو من أعضاء جسمه من يد ورجل وصوت يتحرك بطريقة الية ميكانيكية يبدو من خلالها النادل كالالة المتحركة. ومن هنا يتسائل سارتر أي دور يلعب هذا النادل الذي يتحرك اتوماتيكيا كالالة الميكانيكية؟ أي دور يقوم به؟
    لكن سرعان ما يطرح السؤال ، يكتشف سارتر ان الخدمة التي يقوم بها نادل المقهى ، تستلزم توظيف كل الصفات المدكورة من خلال اللعب بجسمه بهدف تحقيق الدور المسنج اليه. .فالدور الذي يلعبه النادل هو اللعب بشخصه لتحقيق وضعيته . فاذا كان الطفل يلعب بجسمه لاكتشافه ومعرفته ،فالنادل يلعب بجسمه للاستجابة للأوصاف المطلوبة او الشروط الضرورية، لتجسيد الصورة المطلوبة منه. فالحركات التي يقوم به النادل، تتميز بنوع من الافراط في الحركات،، ويرى سارتر ان هدا النوع من التصرفات هو نوع من سوء النية، فسوء النية مفهوم محوري عند سارتر.
    قد ترتفع أصوات متسائلة قائلة، فادا كان النادل يتقن مهنته فما العيب في دالك؟ ،فلمادا يصف سارتر اللعب الدي يقوم به النادل بسوء النية؟ ولماذايصف العمل بسوء النية؟
    ملاحظة
    الواقع ان تحليل الدور الدي يقوم به النادل ،يدخل في اطار عمل سارتر ،التحليلي التلقائي للواقع المعاش ، الشيء الذي قد يتناقض أحيانا مع التحليل التجريدي. لكن هناك أشياء كثيرة يمكن الحديث عنها بشان هدا المقطع من نص الوجود والعدم ، مقطع ساهم بشكل كبير في نجاح وانتشار هدا النص . يلاحظ ان سارترلا يفكر لا من قاعة الدرس اوفي خزانة ،بل يفكر في وضعية عابرة. علما ان المقهى في تلك الوقت الدي كتب فيه النص ،كان ينظر اليها كماوى للانحلال الأخلاقي ، وان مثل هده االاماكن لا يجلئ اليها الا المتشردين ، الأشخاص المنعدمي الضمير او من غير اهل او من دون اصحاب . وبخلاصة لم يكن ينظر الى المقاهي بعين الرضى. بينما سارتر كان ينادي بهده الأماكن. يرى سارتر ان الاصالة تاتي من الحالات العابرة. وما ان المقهى مكان عابر، وثق صلته بالمقهى وظل يتردد عليها .
    هذا من جهة اما من جهة ثانية، لا يرى سارتر في الوظيفة التي الذي يقوم به النادل، أي ادنى سوء النية، بل اتخد من النادل مثال ، فقط كمحاولة لتحليل التجربة الإنسانية. يحاول من خلال وصف النادل ان يوضح ان الواجب الإنساني(( الوعي الظهراتي)) ، يختلف عن الوعي الانفعالي. فالادوار الاجتماعية والوظائف التي يقزم بها الانسان بما فيها عمل النادل، تحاول دائما القيام بسلوكات وافعال مع الاستحضار الدائم لللاخر في الادهان(( الاخر جحيم)). فكل دور يقوم به الفرد في المجتمع هو مشروع يحمله صاحبه، وهو تحت عذسة كاميرا الاخرين والتي هي نظرة الاخر.
    فالعمل الذي ل يقوم به النادل مشروع يسكن وعيه. ان النادل يتواجد في مثل الوضعية للقيام بهدا الدور، غير ان حقيقية الامر تكشف العكس، بحيث ان النادل ليس بنادل (( ماليس هو وماهو ليس))، ذالك انه بمجرد انتهاء العمل ،يتقمص دور اخر دور، رب البيت او الزوج او مزاولة نشاط اخر الخ. فأثناء العمل يلعب الدور الدي يقوم عيله وجوده الدي ليس هو. يؤثث وعيه بكل الاوصاف التي تتماشى مع السلوكات التي تشترطها مهنة النادل. أي القواعد الاجتماعية من اخلاق وغيرها . فهدا المثال مثال دور النادل يصدق على جميع المواقف في الحياة الاحتماعية.
    من هدا المنظور ، يعتبر سارتر ان النادل ليس حر، يتصرف تحت انظار الاخرين. فحركاته تخضع لكاميرا الاخرين. فبتمثله للاخرين الذين يتفرجون عليه ،يصبح كممثل . ونجد مثلا التمثيل نفسه في فضاءات أخرى تتعلق بالحياة الاجتماعية . فالشخص الحزين وحده في قاعة الانتظار في عيادة الطبيب ، تكون ملامحه منكمشة. اد سرعان ما يدخل شخص اخر للقاعة، يمسح شعور الحزن ليترك شعور اخر يحل محله، يمر من الوعي الانفعالي الى الوعي القصدي. فالتصرف تحت انظار الاخرين والمبالغة هو فيه ما يجعل من حركات الانسان حركة الالة الميكانيكية. ويصبح جسم الانسان كالالة النشيطة.

  • تابع
    فالواقع الدي يعيشه النادل والمبالغة في الحركات التي يقوم بها تفقده التعالي (( الترانسندنتال)). بحيث تصبح حرية وجوده مرتبطه بدور النادل. فهروبه من التعالي، والخروج منه، يمنعنا من ادراك حقيقة النادل. فمن خلال تحليل النادل تبدو أهمية سوء النية عند سارتر.
    هناك امثلة أخرى تتجلى في سوء النية. فالشخص المريض مثلا الدي لا يريد ان يفصح عن مرضه، فهدا نوع من سوء النية. قد يكون نفس الشخص المريض، الدي يريد ان ينظر اليه فقط كمريض ،فهدا ايضا نوع من سوء النية. وهكذا فسوء النية تتخد اشكالا مختلفة . لكن سوء النية عند سارتر لا يجب ان ننظر اليها من منظور أخلاقي، بقذر ما يجب النظر اليها من جانب التعالي، الذي يمنع الانسان من الحرية الاصيلة. فسوء النية عائف امام الحرية الاصيلة.
    كيف ؟
    فالشخص المريض في كلتا المثالين (( المريض)) الذي لايرى نفسه مريض والمريض الذي لا يرى مفسه الا كمريض. فالمريض الذي يخفى بعد من ابعاد شخصيته يتهرب ، . لكن الهروب من التعالي، قد يتخد نوعين من الهروب . فاما ان يكون الشخص في وضعية وقريب من الأشياء ويتجاوز حريته. ينغلق على نفسه بمعزل عن الوضعية التي يعيشها ويفكر في التعالي، ناخد مثلا مريض، ييتناول الادوية كل يوم وينكر مرضه، فهذا سوء نية فادا ،اعترف بمرضه اصبح اصيل وان لم يعترف بها فهو غير اصيل.
    لكن المثال الأبرز هو فمثال اللقاء الغرامي والدي يعبر بوضوح عن سوء النية .فالفتاة التي تلتقي بشاب في اول موعد غرامي ، تفهم جيدا من خلال السلوك وكلام الشاب المرشح لنيل قلبها، ان الايحاءات والتلميحات التي يعبر بواسطتها الشاب عن مشاعره لا تخلومن اثارة اغراءات جنسية . فنظراته وحركاته ونبرات صوته كلها توحي الى الرغبة في علاقة حميمية. فالفتاة، تعرف جيدا ان انه لابد من اخد قرار، اذ لابد من الحسم ، اما بالقبول او الرفض،عاجلا اما اجلا. .

    غير ان المكان الممتع والحديث الشيق والجلسة الجنب للجنب ، ترفض الحسم ، و تضع بين قوسين القرار الذي سوف تتخذه. ذالك انها تريد الاستمتاع بالسكينة والهدوء وبالفضاء والزمان، والحديث الدي تجود به اللحظة رفقة الشاب.
    فالألغاز والاقتراحات التي يتضمنها كلام الشاب بالمناسبة ،تاخدها على ظاهرها ولا تنظر الى الباطن أي النوايا التي يقصدها الشاب. تقتصر على ما يقدمه الحاضر ولا تريد القراءة من بين السطور الموجهة اليها. بل تنظر فقط الى المعنى الظاهري ولا الباطني .فعند سماع كلمات ،من مدح واعجاب وتغزل، تسلب كل المضامين التي تنطوي عليه جمل وفقرات الشاب .. تتجاهل المقاربة الغزلية ولم تعير الاهنمام، للمسة من لمسات اليد او الجسم. فاللمسة تفرض الحسم في الموقف، ذالك ان هذا النوع من السلوك يعني القبول والرضى بما تستلزمه العلاقة بين الطرفين ،أي الانغماس في علاقة جنسية او الرفض. فبترك اليد تعني القبول وبسحبها الرفض. غير ان سحب اليد قد يفسد الجو الحميمي الممتع الذي يجعل من الظرفية ممتعة وشيقة. لكنها تترك اليد للمداعبة بدون وعي منها.
    فهدا النوع من السلوك هو ما يسميه سارتر بسوء النية. بحيث نجد تنافض بين القول والفعل فمن جهة نجد كلام الفتاة يقول شيء لكن جسمها يقول شيء اخر. فهي من جهة تقاوم مقدمات الشاب يالكلام ،لكن جسمها يعبر عن رغبة ملحة في الارتماء بين أحضان الشاب. فهي تغريه بدون الإفصاح عن نواياها.
    هنا نجد انفسنا امام موقفين, فسوء النية نمط من تجربة الحياة التي نعيشها. فهدا التحليل يحدد إشكالية وجودنا. فالوعي بسوء النية يتمظهر بنوع من الجهل (( عدم المعرفة)) ، فسوء النية يطرح إشكالية الوجود. بحيث لم نريد الاعتراف بوضعيتنا. نحن امام سلوك تتشكل من خلاله النفسية . تكوين الموضوع. ومن الحرية ينعكس التعبير الذات.
    لهدا يبدو من الصعب العثور على سوء النية. فسوء النية ليس كذب على الاخر، بل كدب على الذات نفسها. فاذا قال قائل في وضعية من الأوضاع انكم لم تفهمونني على الوجه الصحيح فهويظطر الى اختلاق خطاب الحقيقة. فالخطاب النفساني هو الدي يضع الانسان في إشكالية الاصالة. وهكدا فالوعي بسوء النية لا يتعلق بالكدب او الصدق، بل الوعي بإشكالية الوجود. فالصدق يستلزم ان يكون الانسان متماهيا مع داته غير ان هدا مستحيل، و غير ممكن. يبقى الوعي بالتناقض،.
    فالوعي بالتناقض يعني ان يكون الانسان بصيرا وحدقا ، فتبصره للاشياء يمكن من ممارسة النقد الداتي باستمرار ..(( ولما لم يستطع الانسان التماهى مع داته ،بحيث هدا شيء مستحيل يبقى الوعي بإشكالية الوجود أي ما اريد وما يجب ان أكون)). فسوء النية من منظور سارتر ليس حكما أخلاقي بل تحليلي يهدف لفهم الوعي الانطوولوجي عن طريق تحليل مفهوم سوء النية. فالامر يتعلق هنا فقط بالوصف لا الحكم. بحيث نصف الطريقة التي نكون بواسطتها موضوعيين. هدا من جهة ثم هناك الجانب الأخلاقي(( يجب التمييز يميز بين الجانب التحليلي الانطولوجي والموضوعية وبين الحكم الأخلاقي)).

    ما الحل في إشكالية الوجود بين ما نريد وما يجب ان نكون ؟
    فالاصالة هي التي تساعد الفرد على الهروب من هدا الجانب الموضوعي. ذالك ان النادل ليس نادل وحسب بل يمكن ان ينطوي على مشروع العلو، يعلوبه عن الوقائعية. مثل الفتاة ، قد تدرك في يوم من الأيام الخداع والمكر من خلال لباس الموضوعية،وتغير مشروع الكدب والنفاق.
    كيف التحرر من الأدوار او الوظائف التي نلعبها في المجتمع.؟ كيف البحث عن مشروع ووسائل تساعد الهروب من الوقا ئعية ؟ كيف الهروب من الوقائعية ومن سوء النية والبحث عن الاصالة.؟
    سارتر مثله مثل كانط يعتبر ان الاخلاق ذاتية وتنجم عن الحرية، بحيث ان الحرية هي اختيار فالانا تختار معنى، و يكون دالك الاختيار للخير لا الشر، ومن تم القيم الإنسانية،.يعتبر سارتر الانسان مثله مثل الفنان ويراهما على مستوى واحد. فبقدر ما يبدع الفنان اشكال والوان جديدة وباستمرار، بقدرما يخلق الانسان الحر قيم واخلاق جديدة . وبما ان الانسان يسبق الماهية فهو الدي يحدد الصفات من العدم ، عن طريق عملية الاختيار، يعتبر سارتر ان الانسان ليست له صفات في البداية بل يبدا من الصفر. بمعنى انه يبدا من العدم .
    يلاحظ ان هناك تمييز بين البعد الانطولوجي والبعد الأخلاقي. فمن المنظور الانطولوجي كل الأوضاع والظروف متساوية متكافئة بحيث ان وضعية سوء النية تبقى حرة. ذالك ان الوعي هو الدي يشرع لمشروعه.. لكن من المنظور الأخلاقي، فالظروف والأوضاع ليست على مستوى واحد. وهده الأوضاع هي التي يجب التشجيع عليها. يجب التملص من الموضوعية في اقرب وقت ممكن. لكن هدا لايتسنى الا عبر تساؤلات.
    قد تساعد الفلسفة في بعض المواقف ،لكن هناك ظروف أخرى من التجربة الخاصة والتي تتعلق بالقلق. بحيث ان النظام المعيشي المحيط الدي يعيشه الفرد. قد ينهار الشيء الذي يؤدي الى التطلع الى التعالي. وبالتعالي نغير المشروع ونستشكل صور جديدة قد تؤدي الى سلوكات اصيلة. بحيث تصبح الدوافع تحث على اعمال وسلوكات متعالية في الوعي(( دوافع متعالية اصيلة)). فالدوافع المتعالية تكون من وراء التصرفات والسلوكات التي ننتهجها. بوما ان الانسان محكوم بالحرية فبالتعالي يجد الحرية داتها. وبعبارة أخرى لسنا احرار للحد من الحرية.فما دام الوجود لداته ، يجسد الوجود في داته. فالانسان حكم عليه بالحرية .
    يلاحظ من خلال هدا المقطع من نص الوجود والعدم. تمييز بين الانطولوجي والأخلاقي. بحيث يتمثل مشروع من العدم. الأصيل. فالقلق (( الوعي بالتناقصات)). فالقلق هو الدي يحد من سوء النية بحيث ، وبواسطته يمكن القضاء على سوء النية. بهدف إيجاد نمط اصيل. نحن محكومون بالحرية. هناك الحرية الوقائعية (( الموضوعية)). ثم الحرية المليئة بالاختيار. لكن هدا لاختيار غير محدد. فالحرية التي ترتبط بالأوضاع ترجع الى مواقف لايمكن دائما الجواب عليها. لكن يحب دائما ان نتسائل عن معنى الموقف او الوضعية علما ان كل اختيار او الاختيارات تبقى وقائعية. و هو ما يجعل من الحرية مقلقة ،بحيث تخضع دائما لواجب الوجود الاجتماعي. ففي الاصالة التي تكون هي الأفق البعيد للوجود والعدم. اد تحاول تغيير العلاقة مع الوجود. فالقلق حاضر على الدوام. لكن هدا القلق هو الدي يحرر. فهو عائق (( يجب التمييز بين الوصف الانطولوجي والوصف النفسي)). فالحرية تعني ان الانسان هو الذي يخلق المعنى ومن هنا لابد من إيجاد وجود معنى للوجود. قد يبدو القلق متعب ومؤرق. لكنه يبقى من منظور سارتر الامكانية الوحيدةالتي تعطي معنى غير موجود. فالمشروع يجعل من الحرية الأصل والهدف ، وفي نفس الوقت يندرج تحت المنظور الأخلاقي الدي رسمه سارتر. ندهب من الحاضر الى الماضي. لسنا وليدي الماضي بل نحن هم من يخلق الماضي. فتغيير المنظار وعن طريق الحرية الغير المشروطة ،الشيء الدي يتعارض مع النظرة المعتادة ،بحيث نجدر الناس يعيدون انتاج نفس الجوانب النفسية. فالحرية لا تتعلق بالوجود (( العالم المحيط)) وحسب بل أيضا بالجانب النفسي الدي تشكل مند الطفولة. فالبحث في خبايا التجربة النفسية .(( الجانب التحليليلي الوجودي)). هو الدي يمكن من شرح هده الجوانب. الشيء الدي يعني لسنا محددين بالماضي.
    وهنا سؤال لمادا الغثيان ولماد لم يتصالح صاحب الغثيان مع نفسه ومع العالم (( الغثيان كتاب صدر قبل الوجود والعدم))؟
    الواقع ان الانسان لا يمكن ان يتصالح بصفة تامة مع نفسه. فهدا النوع من التصور مثالي ،لا يدخل في تصور سارتر. فالاصالة عند سارتر تتجلى فقط في الوعي بإشكالية الوجود الإنساني. يقول سارتر في هذا الباب انا انسان متسائل.. وبما ان الانسان محكوم بواجب الوجود الاجتماعي فالمشروع هو موضوع التساؤل.
    فاعادة النظرمثلا في المشروع (( الطفولة))، يساعد الوعي على وجود معنى للحياة . فالظروف ليست هي المحدد لمشروعي . صحيح نرث تكويننا ، لكن بفضل التعالي نستطيع ان نغير المشروع المرسوم اللحظي الاني. لا يجب على المرء ان يظل انتاج تاريخ او ثقاقة صنعته، بل هو انفتاح. ((نحن وقدرتنا)). نغير الواقع الغير المحتمل بالتعالي. ونستطيع بواسطة دالك إعطاء معنى للوجود. وهدا المعنى لاياتي من الاخر بل من الانا المسؤؤل، انا المسؤؤل عن معنى لوجودي. فالاصالة هي المعنى فادا كان معنى سلبي فانا المسؤول عنه.

    كانت هده هي اهم أفكار سارتر المتضمنة ضمن كتاب الوجود والعدم. وكانت الإشكالية التي يحاول سارتر الإجابة عليها إشكالية الحرية الفردية والحرية الموضوعية (( ما ليس هو وماهو ليس))، واستعمل مفهومي الوجود لذاته (( الحرية الموضوعية)) والوجود في ذاته (( الحرية الفرذية))، واعتبرالوجود لذاته (( االحرية الموضوعية))هو وجود في داته (( الحرية الذاتية)). أي بين الحرية الفردية والحرية الموضوعية ذافع عن أطروحة الحرية اللفرذية المطلقة ومن تم المفاهيم والمقولات المتعلقة بالوجودية. وكان هدا راي الدكتور من خلال مضمون كلامه في المقال. لكن الدكتور اعتمد فقط الفترة الأولى من النشاط الفكري السارتري،فترة الماقبل الاربيعينات من الفرن العشرين، فترة كان فيه سارترلا يوالي اية اديوجية ولا مناصرا لحزب من الأحزاب السياسية ، لكن بعد الحرب العالمي تطور فكره بشكل كبير. فالى جانب مفهومي الوجود للذات والوجوذ في الذات انضاف مفهوم اخر الا وهو الوجود للغير او الوجود في سبيل الغير، وبعبارة أخرى لم يعذ سارتر يؤمن بالحرية الذاتية المطلقة التي كان يغرذ بها في المرحلة الأولى ، بل أصبحت الحرية الفردية تندرج ضمن حرية الجماعة ولم تعد الإشكالية إشكالية بين الحرية الفردية والحرية الجماعية . بل أصبحت الحرية الفردية ضمن الحرية الجماعية، فانتجت إشكالية أخرى وهي كيف يمكن التوحيد بين الوعي داخل الجماعة وهدا التغيير في التفكير هو ما نجد في نصوص نقد العقل الجدلي. الكتاب الدي وعلى ما يبدو ان الدكتور لم يطلع عيله.

  • تتمة
    كان الوجود لذاته هو وجوللذات (( الحضور الخالص للذات))ومن تم التنظير في الحرية مما انتج كل المقولات الوجودية، لكن في المرحلة الثانية لم يعد سارتر يرى الوجوذ لذاته وجود في ذاته بل اصبح وجود للغير او وجود في سبيل الغير. اراد سارتر ان ينتقل من الحرية الفردية الى النظر الى الحرية في اطار الجماعة . فهي محاولة لمصالحة الحرية الفردية و الحرية الاشتراكية في ظل النظام الراسمالي ، وبعبارة غرامشي حاول ان يحد من الهيجيمونيا الراسمالية بنزعها من البرجوازية ووضعها في يد البروليتارية.
    ان التحول الذي عرفه فكر سارتر نجد ه في كتاب نقد العقل الجدلي. فالمسافة الزمنية التي تقذر بخمسة عشر سنة ،والتي تفصل بين الكتابين الأول والثاني ،مليئة بتجارب عاشها سارتر من انخراطه في الحزب الاشتراكي الفرنسي ومساندته له ثم انسحابه من الحزب و متابعة التطورات العالمية للحزب الشيوعي السوفياتي جعلته يعيد النظر في الكثير من ارائه. فكتاب نقد العقل الجدلي كتاب جد صعب لكن رغم هذه الصعوبة نجد الاشكالية واضحة.
    نرى منذ البداية محاولة سارتر تسوية حساباته مع الحزب الاشتراكي الفرنسي والأحزاب الشيوعية بصفة عامة.((بقدر ما تعتمد التقنية على العلوم ،بقدر ما يجب على الاحزاب الاشتراكية ، ان تتحاور مع الفكر النظري. لكن في غياب هدا الحوار ،تحولت الماركسية من فلسفة العالم، الى عالم الفلسفة. فهذا الفصل بين الفكر الموضوعي والبرا كسيس هو الذي اثر بشكل سلبي على فكر قادة الحزب في الاتحاد السوفياتي. أرادوا ان يأخذوا مسار التصنيع، لكن الخوف من الحقيقة، جعلهم ان يستبدوا بالأمور. فكانت التجريبية المتهورة ،التي لا تقوم على مبادئ وقواعد هي ما ادي بهم الى العزلة. ومن تم البيروقراطية التي لا تريد الاعتراف بأخطائها . وهدا عنف يمارس على الواقع ،الشيء الذي حول الفلسفة الماركسية الى ايديولوجية مثالية مطلقة)).
    واضح ان الانطباع الدي يوحي به هدا المقطع من نص نقد العقل الجدلي، هو الإعلان عن قطيعة بين سارتر و الاديولوجية الماركسية، ونجد نفس الفكرة في نص اخر الشيوعية والسلام. لكن سارتر يتفق مع ماركس في نقطتين اسا سيتن . الأولى بما ان الانسان كائن عضوي يحتاج الى عمل لتلبية حاجياته، فالخصاص يدفعه لمواجهته للمادة (( الطبيعة ،العمل نالتقنية)) . رغم قلة الموارد، فالجميع يواجه المادة للحفاظ على حياته. نحن في نفس المركب والمغامرة نفسها،. ،ب. فالطبيعة هي الوسيط بين الانسان والحياة ويجب استغلالها.لكن في مواجهته الانسان للطبيعة (( المادة)) اصبح مسلوب، الاستيلاب يظهر على جميع المستويات ، البيولوجي منها والثقافي وغيرها، ويرجع هدا الى التناقض الاجتماعي بين مالكي وسائل الإنتاج والعمال(( صراع الطبقات)).
    يتفق سارتر مع ماركس في الوصف الذي حلل به الطبقة ،نظام الإنتاج،و المحددات الاقتصادية،و الاستيلاب والاثار الناجمة عن الرأسمالية ،لكنه يرفض غياب مكانة للقرد وحريته في التحليل الماركسي، ومن هنا محاولة سارتر اقحام مقولات الوجود والعدم.
    ولمادا هدا التحول من الوجودية الى محاولة تحليل النظام الراسمالي عن طريق الماركسية بمقولات الوجودية؟
    الواقع ان سارتر ادرك انه من المستحيل العودة الى الوراء. ولا يمكن تجاوز المسافة التي قطعها التاريخ ، هناك انتقال من نقطة الى أخرى في هدا المسار. لكن هدا لا يعنى هدا ان القدر محتوم. أي كل شيء صروري ولازم. حتمي ميكانيكي. يعتبر سارتر ان الحتمية مرنة. صحيح لا نختار المجتمع و الاجسام العضوية، في مواجهة الخصاص (( المادة، العمل التقنية)).فالتناقضات الاجتماعية موجودة مند البداية. بحيث ان توزيع الثروات لم يتم بطريقة عادلة. علاقة القوى ، صحيح أيضا ان التقدم التقني موجود عند الجماعات الانسانية ،اخترعت الجماعات الإنسانية تقنيات لتجاوز المعيقات فوسائل النقل و أجهزة منزلية وأخرى تساعد الانسان في حياته اليومية. لكن هناك نوع اخر لمعنى التاريخ هو وحدة الزمن ووحدة عضوية، بحيث الكل مرتبط بعضه ببعض في مركب واحد (( العالم)). يلاحظ ان سارتر أراد ان يحلل التاريخ من منظور مادي، بارغماتي اكثر من تجريدي.
    وبما ان الاستيلاب مرن يمكن العمل عل توحيد الوعي (( الوحدة العضوية)) للقضاء على التناقضات. لكن كيف؟ أراد سارتر ان يضع مشكل الوحدة العصوية في اطار نظري تجريدي، ليصف الشأن الفكري من الفرد الى الجماعة مقدما بعض الأمثلة. يبحث عن نمودج يمكن اعتماده لتوحيد الوعي الشيء الذي أدى به الى دراسة الثوراث.
    وقف سارتر على الثورة الفرنسية وتمعن في كل بعد من أبعادها ، و استنتج ان الثورة الفرنسية ليست بالثورة الحقيقية التي يتوحد فيها الوعي، بل ثورة تلقائية، ليست النمودج الأفضل للوحدة العضوية التي يبحث عنها. ويرجع هدا الرفض لعدة اعتبارات. لم يكن الوعي موحدا بين الجمهور والبورجوازيون. انتهز البورجوازيون، الغليان الشعبي، فركبو على الموجة الاحتجاجية وقرروا الهجوم على القصر الملكي للويس السادس عشر. فالمتظاهرون لم يكن يجمع بينهم أي وعي، فالاعتصام امام القصر سببه الجسم الدي لم يعد يطيق الجوع، كان الكل يهتف و يردد كلمة الخبز الخبز، هتاف وصل الى اذان ماري انتوانيت زوجة الملك ،التي قالت (( ان لم تجدو خبز ،ا كلو البسكويتة))، هدا من جهة . ،اما من جهة ثانية، فالحشد من جنود الحرس الملك، طوق جميع الجهات، ولم يعد من سبيل للهروب المتظاهرين من ساحة الباستي .لم يكن من خيار امام المتاظهرين ،فالجوع يمزق امعائهم والبندقية تحيط بهم من كل جهة. فلا فائدة من الحديث هنا عن اللحمة العضوية،فالوحدة مردها الجوع، وحافزها الخوف.وفلا ترجع الى مشروع مدبر،. فالثورة الفرنسية هي ثورة جسم لم يعد يطيق حالة الجوع ، جسم انتفض لوجود طريق اخر ينقده من الموت بالجوع. لفغريزة البقاء والحفاظ على الحياة ،كانت هي العامل الأساسي للقيام يالثورة. .
    برهن سارتر على ان وتوحيد البنيات الاجتماعية المختلفة، يرجع فقط الى الخوف والجوع ، الكل كان يعيش نفس الوضعية في اطار العنف ،ولهدا فبعد الاستيلاء على ساحة الباستي، ساد نوع من والتضامن والتلاحم والمساوات والإخاء. ولما لم تكن الثورة الفرنسية النمودج الدي يحتد ي به للتغيير الاجتماعي .
    ادا لم تكن الثورة الفرنسية قامت على وحدة عصوية ممنهجة، فاي جماعة يجب الاعتماد علي منهجيتها للقيام بثورة حقيقية قادرة على اسقاط النظام البوجوازي المهيمن؟
    يرى سارتر ان مثال لاعب كرة القدم صمن الجماعة،افضل سبيل لكل جماعة ثورية ادا اريدت التغيير والوصول الى نتجية براغماتية . لاعب كرة القدم
    يرى سارتر ان كل جماعة ، تبحث دائما عن هدف مشترك. ففريق كرة القدم مثله مثل كل كتلة، يبحث عن هدف مشترك ، هدف يرضي جميع الأطراف، اللاعبون والمدرب من جهة والطاقم التقني والمسيرون من جهة ثانية. ، فالانتصار في المباريات في كل دورة من دورات البطولة ، والارتقاء الى احسن المراتب في نهاية الموسم الرياصي او الحصول على لقب الطولة يعتمد على المؤهلات التي يتميز به اللاعبون . غير ان الحركات التي يقوم بها اللاعبون، يحدده المشروع المستقبلي. فالهدف من الاستعدادات البدنية و التمارين التقنية هو صيانة المؤهلات الفردية لكل لاعب او تطويرها.
    فالحركات التي تتجلى في المهارات والتقنيات ،لا ينظر اليها في داتها بل من زاوية الهدف المستقبلي.فالوظيفة التي يقوم بها اللاعب والهدف من التداريب اليومية والتمارين التقنية تخدم وظائف اللاعبين الاخرين. فكل عمل فردي يخدم العمل الجماعي(( الفريق)).
    فاثناء المبارة،يحاول كل لاعب ان يطبق أوامر المدرب، فحركاته داخل الملعب تخضع، لتعليمات المدرب وتوجيهاته. تتغير التعليمات والنصائح وفق الظروف التي يواجهها الفريق من أرضية الملعب و حالة الطقس ومستوى الفريق الخصم. بحيث ان معرفة الظروف و مميزات الخصم هي التي تحدد التكتيك الذي ينهجه المدرب . فكل مبارة لها خصوصيتها ومن تم الاستعداد للقيام بكل مبارة على حدة. فهده العملية المركبة تتحقق انطلاقا من الجماعة ومن موقع كل لاعب ووظيفته داخل الفريق . فبعد انطلاقة المبارة وبداية الصراع الحقيقي، لم يعد للحركات الفردية أي معنى، ان لم تنسجم مع حركات اللاعبين الاخرين. فكل حركة من مراوغة او تمريرة لا تاتي من الوظيفة نفسها، بل من قواعد اللعبة التي لا يمكن اختزالها في القواعد المجردة ،بل ضمن قرائة الملعب من جميع جوانبه وبعين بصيرة يهدف وتطبيقها . فضمن المجموعة، فكل حركة من حركات اللاعبين لاتجد موضوعيتها ومعناها الا في الاطار الحركة العامة(( موضوعية عامة)). فالوعي الفردي والوعي الجماعي مشترك وواحد. فالتناسق والتناغم بين الحركات مهم.

  • تابع
    ماهي اول ملاحظة تتبادر الى الدهن بعض قرائة هدا المقطع؟ ان اول ما يلفت الانتباه في هدا التحليل ان سارتر لم يعذ يعتبر التعليمات المفروضة على اللاعب من منظور الاستيلاب. بحيث وكما يلاحظ ان اللاعب ضمن الفريق وفي ارضية الملعب اثناء المبارة، لا يتمتع بالحرية الفردية المطلقة، اذ باحترامه تعليمات المدرب والخضوع لتوجيهاته، تسلب حريته الفردية.
    لم يعد سارتر يعتبر حرية الفرد المطلفة هي ماهية الفرد ووجوده. فاذا رجعنا الى خمسة عشر سنة من قبل صدر نقد العقل الجدلي، وقرانا التعليمات المفروضة على اللاعب، من منظور الحرية المطلقة، نستنتج في اخر التحليل ان القواعد المفروضة على اللاعب ، تعتبر استيلاب. غير ان سارتر من خلال هدا المثال يحاول ان يبرهن على عكس ما كان يدافع عنه في كتاب الوجود والعدم.
    م يرى سارتر ان الاستيلاب متبادل. فبقدر ما يمار س على اللاعب الاستيلاب بقدر ما يمارس هو بدوره الاستيلاب على الاخرين. صحيح ان اللاعب لا يتمتع بالحرية المطلقة في كل من حركاته، لكن اللاعبين الاخرون أيضا. فحركات الكل لا تجد معنى الا في اطار التعليمات التي يقرضها المدرب، فكل تمريرة او مراوغة او اشتباك وتدافع مع الخصم تدخل في الاطار العام الدي يقره المدرب. فكل حركة لاتكون جيدة الا ادا تم استغلاللها من طرف اللاعبين الاخرين.
    يرى سارتر ان هناك ارتباط وثيق وتلازم بين كل افراد الفريق . فكل حركة يقوم بها اللاعبون الاخرون، يجب ان تتوافق مع مؤهلات الفرد الواحد. يجب اسثمارها واستغلالها بطريقة جيدة. ومن هنا يجب احترام أوامر المدرب وتعليماته، ومن وفي جميع الاتجاهات. بحيث ان الابداع الفردي يستلزم هده المنهجية لخدمة الهدف المشترك. يصبح الهدف الفردي هدف مشترك داخل الملعب. صحيح ان جماعة كرة القدم تختلف عن جماعة ثورية، لكن هناك قاسم مشترك يجمع بينهما. ففريق كرة القدم يحدده الهدف المشترك الذي رسمه مند البداية، ربح المباريات والحصول على احسن المراتب ان لم نقل الفوز بالبطولة، وفق منهجية خاصة وطريقة منظمة. اذ يعنى هدا تفادي التلقائية الجماعية ،مثلما حدث في الثورة الفرنسية التي استولت على الأسلحة للهجوم على القضر الملكي والسيطرة على ساحة الباستي. فكرة القدم تعتمد على قواعد صارمة الواجب احترامها لمواصلة المشوار. فوجود المدرب يفرض التكتيك(( الاسترتيجية)) لكل لاعب. يحدد المكان المناسب لكل لاعب داخل الملعب. يختار اللاعبين وفق مؤهلاتهم ومميزاتهم التقنية واستعداذاتهم البدنية. ثم ينتهج طريق في اللعب .
    لم يريد نسخ فريق كرة القدم على الجماعات البشرية، بل فقط للتاكيد على ان وحدة الهدف تستلزم الاتفاق والانسجام. .لم يعد يفكر في الحرية الفردية بل في الحرية ضمن الجماعة، وان الإشكالية لم تعد إشكالية الحرية الفردية والموضوعية بل أصبحت إشكالية التنظيم بين الافراد بهدف التغيير الاجتماعي. فإشكالية تغيير تستلزم توحيد الوعي. وهنا نرى تاثير غرامشي على سارتر. درس غرامشي الثورات وبرهن على نجاح الثورة البلشفية كان رهينا بضعف الطبقة المهيمنة، واعتبر ان الطبقة الحاكمة ولو كانت مرتبطة بالمجتمع المدني ارتباط عضوي لما انهارت. فبتقوية القاعدة يمكن القضاء بسهولة على النظام المهيمن. ولهدا نجد سارتر يطرح نفس السؤال الذ ي طرحه غرامشي ، كيف توحيد الوعي.، كيف يمكن للوعي الفردي ان يصبح وعيا جماعيا للتغيير.اشكالية يصعب حلها.
    فشل سارتر في التنظيرللوجودية وفشل في مصالحة الوجودية مع الماركسية ، وهنا نطرح السؤال لمادا؟
    صياغة ومناقشة؟ ان إشكالية توحيد الوعي من الناحية العملية بمنظور سارتر تعني ، وضع خطة ممنهجة على غرار فرق كرة القدم، بحيث الهدف المشترك الدي يخدم الجميع يفرص التنازل عن الحرية المطلقة .
    لكن في أي اطار كان يفكر سارتر.؟ بالطبع في ظل النظام الراسمالي. اد يعني هدا ان سارتر كان يبحث عن دولة مثلى في اطار دولة الحداثة ، دولة الحرية والعقلانية . ولهدا نرى ان سارتر لم يتعمق في دراسة الدولة وتحليلها نظريا من منظور التاريخ العام، كما حللها عبد العروي .
    يقول العروي . (( -ان كل دولة بدون اخلاق ليست بدولة، - إضفاء الاخلاق على دولة القهر والاستغلال غبن – تحرير الدولة من ثقل الاخلاق حكم عليها بالانقراض .
    تثبت النظرية ان الحرية خارج الدولة طوبى خادعة، وان الدولة بلاحرية ضعيفة متداعية. السؤال المطروح كيف الحرية في الدولة والدولة بالحرية؟ كيف الحرية بالعقلانية في الدولة؟ كيف الدولة للحرية بالعقلانية.؟

    يرى العروي ان المطلوب هو التامل بجد و ليس الاتيان بالحلول الجاهزة ،بل النظر في هده المتلازمات. وان تحقيق المفاهيم الثلاث في ان واحد صعب لكن الحكم المسبق يجعل من تحقيقها مستحيلا.
    غير عدم تحقيق هده المتلازمات، لا يمنع من وضع صيغة نظرية، نظرية تكون الأفق الدي يمكن وضعه كمعيار للدول والنظر اليها ما ادا كانت الدولو تسير في المسار الصحيح او لا. فاما النظرية التي يراها العروي التي تعبر عن هده الصيغة هي نظرية هيغل للدولة. ويعلل هدا الاختيار باعتبار ان كل تعريف للدولة لابد من ان يندرج تحت نمودج ما،وبما ان النظرية الهيغيلية هي النمودح ويعتبرها ليست مثالية عكس ما يقول ماركس .فهي نظرية رياضية معيارية ، تاخد التاريخ من بدايته الى اخره، دون التلميح لاي دولة من الدول التي عرفها التاريخ ،عكس دولة الحداثة او دولة ماركس او طوبى الوجودية. والى جانب كل هدا ،تجتمع في النظرية شروط التحقيق. ويرى العروي ان كل الانتقادات التي وجهت الى الهيغيلية لم تنل من النظرية في شيء.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى