الثلاثاء ٢ آب (أغسطس) ٢٠١٦
بقلم مهند النابلسي

«سايد إِفِكتس» (2013):

دراما نفسية- تشويقية متداخلة

طب نفسي وعقاقير وجنس مثلي ومؤامرات وجرائم وملاحقات بوليسية...

يطلق سراح زوج اميلي (روني مارا) مارتين (شانينغ تانوم) بعد قضاء اربع سنوات بسبب اختلاس وفساد مالي، وبعد مضي فترة وجيزة تصطدم سيارة اميلي بجدار خرساني في موقف سيارات، فيما يبدو انها محاولة ظاهرية للانتحار (حيث يقر مشرف الكراج لاحقا انها وضعت حزام الأمان قبيل ركوبها!). يتم تعيين جوناثان بانكس (جود لو ) كطبيب نفس متخصص لمتابعة حالتها النفسية، ويؤكد خشيته على سلامتها، ولكنه يرضخ لتوسلاتها، ويضطر لاطلاق سراحها من المستشفى مع تعهدها بحضور جلسات علاج نفسي في عيادته الشخصية...تجرب اميلي محموعة علاجات ضد الكآبة بلا جدوى، ثم يتصل جوناثان طالبا العون من طبيبة اميلي النفسية السابقة فيكتوريا (كاترين زيتا جونز)، والتي تقترح بدورها علاجا فعالا جديدا (ابليسكا)، ولكن جوناثان يتردد بالسماح باستخدامه، حتى تحاول اميلي الاقدام على الانتحار مرة اخرى (حيث ينقذها ضابط مترو الانفاق في اللحظة الأخيرة)، ويضطر عندئذ لوصف دواء الكآبة الشهير "ابليسكا" لها، ينجح الدواء باعادتها نوعا ما لنمط حياتها الطبيعي، ولكنها تعاني من حالة " المشي اثناء النوم" كتأثير جانبي للعقار، وفي ليلة واثناء عودة زوجها من احدى جولات عمله، تقدم بشكل مفاجىء على طعنه بسكين مطبخ حادة وعدة طعنات متتابعة حتى الموت، بحجة انها تحت تاثير حالة " المشي أثناء النوم "!

تقدم اميلي للمحاكمة ويحارب جوناثان بضراوة من اجل براءتها (بحجة عدم مسؤوليتها الواعية وحالتها النفسية )، ولكنه يلام رسميا بسبب تهاونه بمتابعة حالتها، كما يفترض المدعي العام وزملاؤه أنه اهمل نظرا لضغوط العمل المتزايدة، ولكن اميلي توافق مكرهة على خصوصية حالتها النفسية كمريضة نفسية لا تدرك نتائج افعالها، مقابل ان يطلق سراحها وتبقى تحت المراقبة في مصحة نفسية، وذلك حتى يتم الاقرار بشفائها نهائيا من قبل طبيب نفسي معتمد.

الاكتشاف الذكي للمؤامرة:

يقرر شركاء جوناثان تركه، بسبب الدعاية الاعلامية والتشويه المركز لسمعته، كما يتم اقصائه من التجارب السريرية، ويقرر النائب العام تجميده مؤقتا، ويعتقد يائسا أنه ظلم بسبب اخطاء لم يرتكبها، وعندما يتبصر في مجريات الامور، يلمس اثباتات محددة تؤكد له وجود تآمر مقصود ومخطط له...وتشرق في ذهنه تداعيات التأثير الجانبي لعقار ابليسكا، حيث أن الطبيبة النفسية السابقة فيكتوريا هي الوحيدة التي تحدثت عن تاثير " المشي اثناء النوم "، كما أن محاكمة اميلي قد تسببت بانخفاض ملموس لأسهم الشركة المصنعة، مقابل ارتفاع ملحوظ لأسهم العقار البديل المنافس، عندئذ شك جوناثان محقا بأن اميلي وفكتوريا ربما فد تآمرتا معا، ويقوم للتحقق من شكوكه باخضاع اميلي لتجربة " الحقيقة"...حيث تبدأ بالاعتراف كما لو انها تعرضت بالفعل لتنويم مغناطيسي وتنتهي نوبتها بغيبوبة، عندئذ تصدق ظنونه لأنه اعطاها محلولا ملحيا مزيفا بدلا من عقار الحقيقة المفترض! وعندما يواجه صراحة فيكتوريا بشكوكه، ترسل هذه فورا صورا مفبركة لزوجته توضح وجود علاقة غرامية مع اميلي، وتقوم زوجته بهجره مع ابنه الصبي الصغير...يعاني جوناثان عندئذ من فقدانه لعمله ومصداقيته واستقراره العائلي، فيلعب بذكاء لعبة اخيرة تتمثل بايهام كل من اميلي وفيكتوريا بأن كل واحدة قد باعت الاخرى وكشفت اسرارها لمصلحتها الشخصية! وتنجح لعبته تماما عندما تنهار اميلي امام عناده واصراره، وتكشف له انها كرهت زوجها منذ البداية لأنه تسبب بتهوره بحرمانها من الثراء والحياة الرغيدة الباذخة التي تتمناها، وتوضح له تفاصيل علاقتها مع فيكتوريا، وكيفية توافقهما معا نظرا لأن هذه الأخيرة كانت تعاني ايضا من هجران زوجها واهماله لها، ثم تتطرق لتفاصيل انغماسهن معا بعلاقة مثلية آثمة، بعد ان وقعت فيكتوريا بحبها بحجة أنها كانت تنتظرها بلهفة منذ سنوات! عندئذ تنغمس المرأتان بتعلم اسرار البورصات المالية وكيفية تزييف عوارض الاضطرابات النفسية، وخاصة فيما يتعلق بالتأثير الجانبي لعقار " ابليسكا " المتمثل بالمشي اثناء النوم، وعندما تتجمع لدى جوناثان كافة تفاصيل المؤامرة، ينجح بمنع اتصال المرأتين، كما يسمح بقصد باطلاق سراح اميلي من المصح العقلي بالتعاون مع المحقق العام، هادفا بقصد لايقاع فيكتوريا بكمين محكم عندما تقابلها اميلي بعيادتها دون موعد مسبق، وهي مزودة بجهاز تنصت، وحيث نفاجىء بوجود والدة زوج اميلي الراحل ومحاميها والمحقق ضابط الشرطة خارج العيادة، وقد تنصتوا على كامل اعترافات فيكتوريا (وجدت هذا المشهد تحديدا ساذجا ويشبه لحد بعيد مشاهد النهاية البائسة في السينما المصرية! )...عندئذ يتم القاء القبض على فيكتوريا بتهمة التزوير والتآمر بجريمة قتل، مقابل اعفاء اميلي جنائيا لتعاونها وباعتبارها مضللة وغير مسؤولة بوعي عن قتل زوجها. لكن جوناثان ورغبة بالانتقام يخدعها ويتنصل من تعهداته تجاهها، ويطالب باعادة اعتقال اميلي مجددا وارسالها للمصحة العقلية!

نلاحظ في المشاهد الأخيرة جوناثان وقد استرجع علاقته العائلية السعيدة مع زوجته وابنه الصغير، وحيث تقبع اميلي في المصحة العقلية، وتبحلق بحزن من خلال النافذة ، وعندما تسألها الممرضة حول شعورها، فتجيب بسخرية معبرة:
"أفضل... أفضل بكثير"!

الجمال الفتاك والشخصية الشريرة:

هنا اود ان اشير لتناقض شخصية اميلي مع النمط التقليدي لبطلات هيتشكوك الشقراوات، فهي هنا لم تكن ضحية، وانما ذات جمال فتاك جاذب، أدى أولا لتورط زوجها المسكين باختلاس المال ارضاء لأهوائها في الحياة الباذخة، ومن ثم انخرطت بمؤامرة أدت لقتله بهذه الصورة المرعبة، كما تمكنت ببراعة من التأثير على جوناثان لاطلاق صراحها ومعاينة حالتها في عيادته الشخصية... وحتى جمالها الفتاك فقد كان بمثابة المصيدة لفيكتوريا التي انجذبت لها جنسيا بلا مقاومة... لذا فقد كانت محور الشر في الفيلم، لذا اجد أن عودتها للمصحة وتعبيرها الأخير ربما كان نوعا من "المغفرة والشعور بالذنب"، وكان مبررا تماما وكأنه النهاية الطبيعية لشخصية مرضية مؤذية!

قصدت تماما أن استعرض بهذا العرض اللاهث المركز معظم مجريات هذه القصة السينمائية اللافتة الذي اتحفنا بها سودربيرغ باسلوب اخراج متميز عصري وشيق يذكرنا بنمط اخراج الراحل هيتشكوك، والذي تطرق فيها لخليط مدهش من الأحداث والتداعيات السيكلوجية الخاصة والطبية (التجارية) العامة، وباسلوب "بوليسي" متصاعد و متماسك وحابس للأنفاس في عمل سينمائي سيخلده ربما لسنوات عديدة قادمة.

دراما نفسية- تشويقية متداخلة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى