الأحد ٤ آب (أغسطس) ٢٠١٩
بقلم سلوى أبو مدين

شاعر العزلة والصمت

بين فيض من الشعراء يستوقفني الشاعر المتمرد كما يصفه بعض الكتاب أنسي الحاج الذي ولد في بيروت عام 1937م تعلّم في مدرسة الليسه الفرنسية ثم في معهد الحكمة.

وعمل في مجال الصحافة في زمنٍ مبكر. كتب في جريدة الحياة، ثم في جريدة النهار القسم الثقافي.

وفي عام 1964م أصدر الملحق الثقافي لجريدة النهار، ولن تتقافز سطوري حتى اذكر مجموعته الشعرية الأولى ( لن )، التي أثارت معارك شعرية شارك فيها الكثير من الشعراء.

ترجمت له قصائد إلى الانجليزية والفرنسية، وفي عام 1960 أصدر مجموعته الشعرية (لن)، وفي الستينيات ترجم مسرحية لشكسبير (كوميديا الأغلاط)، التي استطاعت أن تكون همزة وصل بين الجمهور والمسرح.

هذا وقد ترجم مسرحيات كثيرة مثل (احتفال بزنجي مقتول) لأرابال، ومسرحية (العادلون) لألبير كامو والعديد منها.

وبعد الحرب انطوى على ذاته فكتب تحت اسم (سراب العارف) وآثر العزلة والصمت توفي في 18 فبراير 2014

من مؤلفاته: - لن -، الوليمة، كلمات كلمات كلمات، ماضي الأيام الآتية، ماذا فعلت بالوردة.
أنسي الحاج شاعر اللغة الصامتة النقية، ينسج عامه من الخيال، فحمل شعره أمانة الخلاص من بشاعة الزمن الذي يحاصره، كما كشف جمالية اللغة، وجسّد معالم القصيدة الحديثة. ومن أجواء ديوانه (الوليمة): قصيدة في أحد الأيام سيرجع الكون جميلاً.

ولدتُ لأنك النبتة الصبيّة في الأرض العجوز

ولدتُ لأنكِ ماء الصخور الُمغلفة

في أحد الأيّام سيرجع الكون جميلاً

بوجوه ناسه وعيونهم

بصدأ صحاراه الذهبيّ

وظلام غاباته النائم على ذكرياتنا

في أحد الأيّام سيرجع الكون جميلاً

بعد أن يرى تماماً أنَّ القسوة هي الموت.

ومن ديوان (لن) قصيدة حوار:

قولي: بم تُفكّرين؟

أفكر في شمسك التي لا تنيرني يا عاشقي.

قولي بم تفكرين؟ أ

فكّر فيك، كيف تستطيع أن تصبر على برودة قلبي.

قل: بم تفكر؟

أفكرُ كيف كنتُ وأحزن من أجلكِ حبيبتي.

أفكرُ في المراثي يا حبيبتي.

أفكرُ في القتل.

يرى في قصيدة الغيم ماء وحياة وخلاص الإنسان فيقول :

في قصيدة غيوم
غيوم

غيوم، يا غيوم

يا صُعداء الحالمين وراء النوافذ

غيوم، يا غيوم

علِّميني فرَحَ الزوال!

هل يحِبّ الرجل ليبكي أم ليفرح،

وهل يعانق لينتهي أم ليبدأ؟

لا أسألُ لأُجاب، بل لأصرخ في سجون المعرفة.

ليس للإنسان أن ينفرج بدون غيوم

ولا أن يظفر بدون جِزْية.

لا أعرف من قسَّم هذه الأقدار، ومع هذا فإن قَدَري أن ألعب ضدّها.

هـلـمّـــي يا ليّنتي وقاسيتي

أنسي الحاج يطرز قصائده بلغة فريدة في مضمونها تجلت في البناء دون تكلف، ولا أقنعة ولا زيف ناسجا عالمه الصامت، أخرج مفرداته من العتمة، تمرد على القيم البالية، وحول قصيدة النثر إلى ثوبٍ يرتدى.في شعره ليس ثمة قصيدة واحدة تعبّر عن أي قضية ينتظر جمهورٌ تعبيراً شعرياً عنها، بل ليس ثمّة قصيدة واحدة فيها صدى لما يجري من أحداث اجتماعية، سياسية
يعدّ أنسي الحاج من روّاد "قصيدة النثر" في الشعر العربي المعاصر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى