السبت ٢٣ آذار (مارس) ٢٠١٩
بقلم جميل السلحوت

عندما تقطف فاتن مصاروة صمت التراب

صدر عام 2017 ديوان "وأقطف صمت التّراب الجميل"للشّاعرة الفلسطينيّة فاتن مصاروة، ويقع الدّيوان الذي يحمل غلافه الأوّل لوحة للفنّان محمد نصرالله، والصّادر عن مكتبة كل شيء الحيفاويّة في 112 صفحة من الحجم المتوسّط، وقدّم له الشّاعر محمد دلّة، وصمّمه ومنتجه شربل الياس.

الشّاعرة فاتن مصاروة حسناء فلسطينيّة من كفر قرع في المثلّث الفلسطينيّ، صدر لها عام 2014 عن دار الشّروق للنّشر والتّوزيع ديوان "فرس المجاز".

من يقرأ ديوان شاعرتنا قراءة متأنّيّة سيطرب لكلماتها الرّقيقة، وإذا ما تمعّن في معانيها سيرى مدى حزن الشّاعرة الدّفين؛ بسبب الواقع الذي تعيشه، والذي جعلها هي وأبناء جلدتها في غفلة من التّاريخ أقلّيّة مغلوبة على أمرها في وطنها وطن الآباء والأجداد، وهذا يقودنا إلى الغوص في دواخل الشّاعرة الباسمة دوما، رغم ما تختزن من آلام تؤرّقها. وتناقض الحياة هذا قادها لتوبيخ من لا يفهمونها فتقول في خاتمة ديوانها:

"متّهم بتهريب الحياة إلى الحياة
ويحكم
كلّكم تحملون المقصلة."ص104.

لكنّ الشّاعرة فاتن مصاروة تفتح ديوانها بعنوان "وأقطف صمت التّراب الجميل" وهو عنوان قصيدة وردت في صفحة 41 في الدّيوان. فهل يصمت التّراب؟ وكيف؟ مع التّأكيد هنا أنّ الصّمت ليس علامة للرّضا، بل هو صمت المغلوب على أمره، لكنّه رافض لواقعه.

ولكي نقف على معنى القصيدة وجماليّاتها وما تحمله من رموز دلاليّة، لا بدّ من العودة إلى بعض منها، فتقول:

"أنا من عرائس حيفا
وبسمتها
قمحها لوني المستحيل
أمرّ على جرحنا في الحقول
وأقطف صمت التّراب الجميل."ص42.

ونلاحظ في هذا المقطع أنّ الشّاعرة تعود بنا إلى الزّمن الجميل، حيث كانت حيفا سعيدة بأهلها الحقيقيّين الأصليّين، وفي صورة جماليّة وبمحاولة منها لإثبات صحّة قولها، ترى أنّ لون بشرتها مستمدّ من لون قمح حيفا، وهذا يذكّرنا بقول محمود درويش: "لو يعرف الزّيتون غارسه لصار الزّيت دمعا". وأبناء حيفا المشتّتين لا ينسون ديارهم، فقلوبهم معلّقة بها لذا فهم يقرئونها السّلام:

"سلام من الغائبين
سلام من العائدين
سلام من العالقين بدمع القرى".ص42.

والشّاعرة الموجوعة بحبّ الوطن، موجوعة أيضا بالعشق، فتقول في قصيدة"رؤيا": "ويرسم وجهكَ نايا
وأشجار عشق
على باب قلبي وقلبي مريد" ص 60.

إذن وجه الحبيب ناي يعزف الألحان الجميلة الحزينة الموجعة، ويغرس أشجار العشق على باب القلب، وهذا دلالة على الاستمرايّة، وهذا ما يريده قلب العاشقة المتيّم.

والقارئ لهذا الدّيوان سيرى الصّور البلاغيّة الجميلة التي يرقص القلب لها، وتشرئبّ لها الأذن، وهذا يعيدنا إلى بعض من عرّفوا الأدب "بأنّه ذلك الكلام المنمّق الجميل الذي إذا قرأه الجاهل" ظنّ أنّه يحسن مثله.

يلاحظ في هذا الدّيوان الذي اعتمد التّفعيلة الشّعريّة الرّاقصة التّكثيف اللغويّ، الشّبيه بفنّ الأقصوصة أو الومضة.

ملاحظة: فاتحة الكتاب التي حملت كلمة الشّاعر محمّد دلّة هي تقديم لدّيوان، وليس مقدّمة، فالمقدّمة يكتبها كاتب النّصّ ، وغيره يكتب له تقديما.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى