الجمعة ١٠ تموز (يوليو) ٢٠١٥
بقلم
عَوْدَةٌ لِلْبَسيطِ - نثيرة
قالَتْ: خُذْني إِلى حَيْثُ لا أَنْسى وَلا أُنْسى،إِلى عَناصِرِ اسْتِعْصاءِ الْخَدَرِ الطَّويلِ وَسَطْوَةِ النَّوْمِ الْـمُرَفَّهِ الْعَقيمِ.قالَ: يَمِّمي صَوْبَ الْبَسيطِ مِنَ الْكَلامِالَّذي يَأْتي لِيَبْقى، لا لِيَمْضي كَالْغُبارِ عَنِ النَّوافِذِ حينَ تَمْسَحُ رَبَّةُ الْبَيْتِ بِفوطَتِها النَّافِذَهْ..إِلى عَناصِرِ تَكَوُّنِ مِقْلاعِ الطِّفْلِ في وَجْهِ تَفْكيكِ الْحَياةِ وَنَقْضِها.إِلى طابونِ جَدَّتِكِ قَبْلَ عَصْرِ الصِّناعَةِ وازْدِحامِ الْأَرْغِفَهْ..وَحِفْظِها كَالْـمَوْتى في ثَلاَّجَةٍ بَعْدَ عَصْرِ الْـمَلْحَفَهْ..إِلى شَجَرَةٍ في حَقْلِ جَدِّكِ الْقَديمِ، ما زالَتْ تَدورُ بِها الْحَياةُ، وَتَفْرُشُ ظِلالَهالِلْعابِرينَ يَغْفونَ ساعاتٍ وَيَمْضونَ إِلى حُضورِهِمْ في غِيابِها، فَيَغيبونَ فيحُضورِها، وَلَمْ تَزَلْ كَعَهْدِها، وَلْمْ تَهْضُمْ ما يُفَرِّخُهُ عَصيرُ الْأَسْئِلَهْ.وَدَعي الْحَداثَةَ وَعَبَثها الْحَديثَ بِالْحَديثِ الْقَديمِ بِحُجَّةِ النَّقْضِ، وَبِدْعَةِ تَفْكيكِها، فَلَمْتَنْقُضْ وَلَمْ تُفَكِّكْ سِوانا وَتَعَطَّلَتْ مَصاعِدُ الْبِناءِ بَعْدَ نَقْضِنا وَلَمْ تَبْنِ مِنْ بَقاياناما يَكونُ.. وَغادَرَتْنا جَزْرًا كَخُصومِ عَنْتَرَهْ.. دَعي أَشْقِياءَ الْكَلامِ وَأَطْفالَ التَّأْويلِ وَلَهْوَهُمْ فيأَوْهامِهِمْ، فَهُمْ عَبَثٌ تَناسَلَ مِنْ عَبَثٍ وَلا نِظامَ يَنْتَظِمُ الْعَبَثَ، وَما كانوا يَوْمًا حَديثَنا وَكُنَّاأَحاديثَهُمْ، لَنْ يوصِلوكِ الْعَيْنَ الْحَمِئَةَ وَلَنْتَبْلُغي مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَلَنْ يَهَبوكِ قَرْنَيْنِ وَلا أَحْجارَ طِفْلٍ في آخِرِ الزَّقاقِ يَرَقْبُ الدَّبَّابَةَ،وَسَتَكونينَ حَجَرَ شَطْرَنْجِهِمْ وَتَموتينَ دِفاعًا عَنْ مَلِكِهِمْ..لَنْ يَهَبوكِ حَقَّ السُّؤالِ عَمَّا وَراءِ الْأَسْئِلَةِ إِنْ أَتى الْجَوابُ نَقيضَ مَنْطِقِهِمْ في الْـمُحَصِّلَهْ.قالَتْ: لَمْ أَسْتَسِغْ هذا الطَّعْمَ في سِواكَ،وَأَراكَ تَطْبُخُ طَبْخَهُمْ في ذاكِرَتي، وَأَرى أَنْ سَيَطولُ جوعي كَراهنِ الْـمَرْحَلَهْ..قالَ: لِـماذا نَظَلُّ عَلى حُبِّنا لِلنَّسيمِ صَيْفًا؟وَهُوَ لَمْ يَعْدُ كَوْنَه عابِرًا لا نَراهُ، وَمُخْتَلِفًا لَيْسَ كَالْعابِرينْ..لكِنَّنا دَوْمًا نَتَعَرَّضُ إِلى مَواقِعِ عُبورِهِ لِنَصْطَدِمَ بِهِ في ما نَتَوَهَّمُهُ ثَباتَنا وَعُبورَهُ.فَارْجِعي نَحْوَ الْبَسيطِ كَهذا الْبَسيطِ وُضوحًا، فَالْحَياةُ تُحِبُّ الْبَسيطَ الْباقيوَلا تُرَحِّبُ بِمَنْ يَأْتي لِيَذْهَبَ كَالذَّاهِبينَ الْأَوَّلينَ، فَهِيَ تَنْفي أَحْيانًا نَفْيًا لِلنَّفْيِ،فَإِنْ شَعَرْتِ بِهذا فَقْدْ تَحَقَّقْتِ فيها وَاعْتَنَقَتْكِ.اِنْطَلِقي إِلى جَدَّتِكِ تُعَلِّمْكِ ما نَسِيَ الْكِتابُ، وَأَغْفَلَ الْقاضي، وَسَها عَنْهُ الْـمُفَسِّرُ، وَشَطَبَالْـمَيِّتونَ، مِنْ أَثَرِ قِطارِ مَعْزِنا أَصيلًا يُثيرُ عَجاجَهُ فَوْقَ حُقولِ الْحَياةِ، تُعَلِّمْكِ أَنْ ساحَةَ الدَّارِأَهْنَأُ مِنْ جَميعِ فَنادِقِهِمْ وَأَبْسَطُ صُنْعًا وَأَقَلُّ تَكْلِفَةً.اِنْطَلِقي إِلى الْكَلامِ الْبَسيطِ نَقيضِ الْبَلاغَةِ وَالطِّباقِ الْقَديمِ، فَالْبَلاغَةُ مِمَّا جاءَلِيَذْهَبَ إِلى مَساكِنَ لا تُشْبِهُ أَكْواخَنا حَوْلَ الْـمُسْتَنْقَعاتِ.. وَالْبَسيطُ مُؤَصَّلٌ فيكوخِنا الَّذي ظَلَّ مُنْتَصِبًا في مَلاعِبِ الرِّيحِ كَقاماتِنا..لا تَعْشَقي مُضافَ الْكَلامِ وَلا مُضافَ الْحَياةِ، فَهُما فُضْلَةٌ في تَفْسيرِهِما غَيْرُ قابِلَيْنِ لِلْحَياةِوَحْدَهُما.. فَلا قيمَةَ لَهُما مُنْفَرِدَيْنِ، إِذا نَطَقَ الْبَسيطُ وَأَشْرَعَ سُفُنَهُ فَوْقَ بَحْرٍ مُضافٍ إِلَيْهِكُلُّ مُضافٍ.. ما قيمَةُ الْـمُضافِ بِلا مُضافٍ إِلَيْهِ، يَحْيا بِهِ وَلا يَحْيا عَلَيْهِ، يَأْتي إِلَيْهِ وَلا يَأْتيعَلَيْهِ،وَهَلْ حَياةٌ لِلْمُضافِ إِلَّا في الْـمُضافِ إِلَيْهِ؟، كِاسْتِشْهادِنا الَّذي يُفَرِّقُ بَيْنَ مَوْتِ الْـمُحْتَلِّوَمَوْتِ الْـمُحْتَلِّ، فَكِلاهُما مَوْتٌ، لكِنَّ أَحَدَهُما أَتى لِيَذْهَبَ وَالثَّاني اقْتَضىالْبَقاءُ حُضورَهُ فَأَتى. فَهَلْ كانَ لِلشَّهادَةِ مَعْنًى قَبْلَ إِضافَتِها لَنا؟؟أَلَمْ نَمْنَحْها كَمُضافٍ إِلَيْنا تَفْسيرَها الْبَسيطَ الْبَليغَ؟ أَلَمْ تَكُنْ قَبْلَ إِضافَتِهالَنا مَعْنًى لُغَوِيًّا مِثالِيًّا، دُمْيَةً يَتَلَهَّى بِها الْبَلاغِيُّونَ في أَسْمارِهِمْ، وَكانَتْ بَيْنَهُمْ مَيِّتَةً؟لَقَدْ وَهَبَها الطِّفْلُ الْحافي في شَوارِعِ الْـمُخَيَّمِ قُدومَهاإِلى حَياتِنا فَفاقَ كُلَّ أَساطينِ الْبَلاغَةِ وَتَفاسيرَها الْـمَيِّتَةَ، لَقَدْ وَهَبَها الْحَياةَ بِإِضافَتِها إِلَيْهِ.قالَتْ: كُلُّ آتٍ إِلى ذَهابٍ، فَكَيْفَ تُريدُني أَنْ آتي الذَّهابَ؟أَنْتَ تُقْصي غَنَمي عَنْ مَراعي الْـمَعاني الْخَصيبَةِ، أَنْتَ تَمارِسُ نَفْيي لا نَفْيَهُ.قالَ: فَهْمُكِ لَمْ يُغادِرْ حَيِّزَ الرَّحيلِ حَتَّى وَأَنْتِ عَلى الْعَتَبَةِ الْأُولى لِلْقُدومِ، تَطْلُبينَالْأَمْرَ بِضِدِّهِ، وَلا حَياةَ لِلضِّدِّ في الضِّدِّ.. كَالْفِرارِ وَالتَّصَدِّي.. وَالْاِسْتِسْلامِ وَالتَّحَدِّي..أَرَأَيْتِ مَيِّتًا يُقاتِلُ عَلى مُلْكِ بَيْتٍ يَسْكُنُهُ سِواهُ؟..أَرَأَيْتِ الْحَياةَ تَحْيا الْـمَوْتَ أَمْ تَنْفيهِ عَنْها وَعَنْ حَرَكَتِها إِلى السُّكونِ؟؟أَرَأَيْتِ مَوْتًا عانَقَ الْحَياةَ أَمْ تَغَذَّى بِها لِيَبْقى وَتَزولَ؟؟قالَتْ: تُعْييني بَساطَتُكَ لِدَرَجَةِ التَّعْقيدِ، كَأَنِّي لَمْ أَقْرَأْكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ أَعْرِفْكَ..فَاخْرُجْ بي مِنَ الْبِئْرِ إِلى الظِّلالِ وَالْحُقولِ..قالَ: وَهَلْ نَعَفْتُ عَلَيْكِ كُلَّ هذا الْهَواءِ الْبَسيطِ إِلَّا لِتُبْصِري الظَّلالَ حَوْلَكِ وَتَشْعُري بِالنَّسيمِ؟فَقَطْ، اُنْظُري في الْاِتِّجاهاتِ وَالْفُصولِ لِتُدْرِكي ظِلالَنا فيكِ،لِأَنَّكِ كُنْتِ قَبْلُ تَنْظُرينَ في اتِّجاهِ الْخَريفِ، وَكانَ ظَهْرُكِ إِلَيْنا.