الاثنين ١٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٦
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

في عيد الفلاح

الفلاح المصرى هو أبن هذه الأرض وهو صانع حضارتها تمكن عبر آلاف السنين من تحقيق ثورة فى عالم الزراعة واستطاع أن يجعل من مصر سلة غلال العالم القديم وعبر العصور التاريخية المختلفة ظل متفانيا فى عطائه مخلصا لأرضه رغم كل التحديات والصعوبات.

لقد عاش الفلاح المصري مُشتَّتًا بين سِياط المماليك وخراج العثمانيين ونهب الإنجليز وإهمال الحكومات.

الفلاح المصري سجلاته مشرفة وأذكر أن الفلاحين أمتد كفاحهم حينما قاموا بالإضراب عن العمل في حفر قناة السويس في شهر يناير عام 1862 بعد العمل بنظام السخرة ومطالبتهم بعمل أجور لهم نظير عملهم بسبب سوء الأحوال المعيشية واضطر المسئولون عن حفر القناة لتحديد أجر للفلاحين وتحسين معيشتهم نسبيا وتوفير مياه الشرب لهم وفي أثناء ثورة 1919 تكاتف فلاحو زفتي في تكوين ما سمي بجمهورية زفتي حيث أعلن الجميع الاستقلال عن السلطة وشكلوا مجلسا وطنيا.

جاءت ثورة 23 يوليو 1952 لتعيد الحقوق لأصحابها وكان قراراها الأسرع هو قانون الإصلاح الزراعى يوم 9 سبتمبر 1952 الذي حدد سقف الملكية الزراعية للإقطاعيين الذين سخروا الفلاحين لخدمة أراضيهم وذلك في محاولة من ثورة يوليو لإعادة الحقوق الضائعة للفلاح المصري الذي عاش أجيرا يعانى من استبداد.

قانون الإصلاح الزراعي أنصف ملايين الفلاحين وأعاد للمجتمع توازنه وفى ذلك اليوم قام الرئيس جمال عبد الناصر بتوزيع عقود الملكية للأراضي الزراعية التي استقطعت من الإقطاعيين على الفلاحين الصغار بمعدل 5 أفدنة لكل فلاح وأصبح للفلاحين حقوق كفلتها لهم الثورة ثم أنشئت جمعيات الإصلاح الزراعي من أجل استلام الأرض من الملاك وتوزيعها علي صغار الفلاحين فجاء الاحتفال بهذا اليوم كثمرة جهاد طويل بذل فيها الفلاح المصري الدم قبل العرق في سلسلة كفاحه ضد الظالمين.

أحدث هذا القانون وما تلاه من قرارات أخرى عملية تحول كبرى فى الريف المصرى ويكفى للدلالة على نتائج وتداعيات تلك القرارات على الاقتصاد الوطنى أنه خلال الفترة من 1952 وحتى 1970 تم توزيع نحو 818 ألف فدان على حوالى 342 ألف أسرة تضم 1.7 مليون فرد.

الفلاح المصري قصة كفاح ونضال طويلة علي مر العصور لقد تحدي الفلاح المصري عبر الأزمنة المختلفة كافة العوائق فقد أصر علي أن يكون منتجاً رغم فقره مناضلاً رغم ما يتعرض له من ظروف معاكسة وقد خرج من بين الفلاحين الزعيم أحمد عرابي قائد الثورة العرابية وتخليدا لدوره الوطني تحتفل محافظة الشرقية التي أنجبت الزعيم أحمد عرابي بعيدها القومى يوم 9 سبتمبر تخليدا لوقفته أمام الخديوى توفيق في قصر عابدين وعرض مطالب الشعب المصري عليه وأيضا تخليدا لعيد الفلاح وتعد الثورة العرابية بقيادة الزعيم أحمد عرابي أول ثورة مصرية في العصر الحديث وإحدى الحلقات الرئيسية في تاريخنا الوطني وإليها يرجع الفضل في وضع الدستور وقد كان شعارها (مصر للمصريين).
أحمد عرابي من مواليد هرية رزنة بمحافظة الشرقية في السابع من شهر صفر سنة 1257 هـ الموافق لآخر مارس 1874 مـ وينتمي لعائلة تعدادها يبلغ ربع تعداد هرية رزنة آنذاك.

ووالد الزعيم كان عالما فاضلا وشيخ هرية رزنة فقد تعلم وأقام بالجامع الأزهر 20 سنة ولذلك حرص على تعليم ابنه أحمد فألحقه بالكتاب وتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم وفي شهر شعبان 1265هـ توفى الشيخ محمد عرابي تاركا 3 نسوة و 4 أولاد و 6 بنات و 74 فدانا وكان ترتيب أحمد عرابي ثاني الأولاد الذكور فكفله شقيقه الأكبر السيد محمد عرابي الذي توفى في الخامس و العشرين من شهر شعبان عام 1318هـ.

التحق أحمد عرابي بالأزهر ودرس به لمدة 4 سنوات ثم عاد إلى بلدته هرية رزنة .

أنضم أحمد عرابي إلى صفوف الجيش في الخامس عشر من شهر ربيع الأول عام 1271هـ وفي سنوات قليلة وصل إلى رتبة نقيب وعمره لم يتجاوز 17 سنة وبعد عامين وصل إلى رتبة رائد ليكون أول مصري يحصل على هذه الرتبة وفي سنة 1277 سافر مع محمد سعيد باشا إلى المدينة المنورة وفي السابع والعشرين من شهر رجب 1279هـ توفى محمد سعيد باشا بمرض السرطان ووصل جثمانه من أوروبا ودفن بالمدافن المجاورة لمسجد النبي دانيال بالإسكندرية وفي عام 1863م تولى إسماعيل بن إبراهيم باشا ابن محمد علي الحكم فزاد نفوذ إنجلترا وفرنسا انطلاقا من الأموال التي جلبها منهما لشق قناة السويس ومال الخديوي للضباط والجنود الشراكسة والأتراك مما أدى إلى اصطدام بين عرابي وقائده الشركسي الذي فصله من الجيش وبعد 3 سنوات عاد للجيش وظل بدون ترقية لمدة 8 سنوات وفي عام 1291هـ سافر إلى الحبشة مأمورا لحملة مصوع وفي السابع عشر من نوفمبر عام 1869 م تم الافتتاح الرسمي لقناة السويس وصاحبه من مظاهر الإسراف والبزخ ما لا تعرفه مصر من قبل .

عاد أحمد عرابى من الحبشة وفى فبراير 1878 تواجد في رشيد وأجتمع الخديوى بالضباط وتم نقل عراي للإسكندرية ثم قام الخديوى إسماعيل بإنشاء مجلس الشورى وفى عام 1879 أصدر العهد الدستورى مما أسعد الشعب المصرى فاعترضت فرنسا وانجلترا على ذلك وتم نفى الخديوى إلى ايطاليا وتوفى عام 1895 بالأستانة وتم دفنه بالقاهرة .
عندما تولى الخديوى محمد توفيق بن إسماعيل باشا بن إبراهيم باشا الحكومة الخديوية بدأ بتسريح مجموعة كبيرة من الجنود المصريين من الجيش وقام عثمان رفقى الشركسى بحجب الترقية عن المصريين ونقلهم إلى أعمال أخرى فاجتمع أحمد عرابى بمنزله مع الضباط وكتبوا عريضة وقدموها إلى مصطفى رياض باشا رئيس الوزراء وفى ذلك قال أحمد عرابى فى مذكراته التى كتبها بعد عودته من المنفى فى ظل حكم أسرة محمد على (وفى الحال كتبت العريضة إلى رئيس النظار رياض باشا مقتضاها :

1 ) الشكوى من تعصب عثمان رفقى والإجحاف بحقوق الوطنيين والتمست فيها تشكيل مجلس نواب من نبهاء الأمة المصرية تنفيذا للأمر الخديوى الصادر إبان توليته .
2 ) إبلاغ الجيش إلى 18000 تطبيقا إلى منطوق الفرمان السلطانى .
3 ) تعديل القوانين العسكرية بحيث تكون كافلة للمساواة بين جميع أصناف الموظفين بصرف النظر عن الأجناس والأديان والمذاهب .
4) تعيين ناظر الجهادية ويعرف بوزير الحربية من أبناء البلاد على حسب القوانين التى بأيدينا.. ثم تلوت العريضة هذه على مسامع الجميع فوافقوا كلهم عليها ) وتم تقديم هذه العريضة إلى رئيس الوزراء فراوغ إلى أن جاء الأول من فبراير عام 1881 حيث تم استدعاء الضباط إلى الوزارة بقصر النيل بدعوة زفاف إحدى الأميرات ولكن تم القبض عليهم وأنتشر الخبر بين الجيش فقامت مجموعة من الجيش بمحاصرة قصر النيل وأسرع الجنود والضباط وفتحوا الأبواب وأخرجوا عرابى ورفاقه من السجن .

ووافق الخديوى على عزل عثمان رفقى وتم تعيين محمود سامى البارودى وزيرا للحربية مع وزارة الأوقاف فبدأ فى سن القوانين العادلة وإصلاح أحوال الجيش ولكن شاعت الأراجيف الكاذبة وطلب الخديوى سفر فرقة عبد العاطى حلمى إلى السودان وحفر الرياح التوفيقى فاستقال محمود سامى البارودى وتم تعيين داود باشا يكن عديل الخديوى فنفرت منه القلوب لجهله والتفت حول عرابى والبارودى ورفاقهما فقرر عرابى الذهاب إلى قصر عابدين مع الشعب والجيش لعرض مطالب الشعب على الخديوى وبالفعل وصلوا إلى قصر عابدين فى الساعة الرابعة عصر يوم الجمعة الموافق التاسع من سبتمبر عام 1881 وبلغ تعداد الجنود 4000 وجموع الشعب تجاوزت الآلاف وعرض أحمد عرابى مطالب الشعب فقال الخديوى محمد توفيق : لاحق لكم فى هذه المطالب فأنا ورثت هذه البلاد عن أبائي وأجدادي وماأنتم سوى عبيد إحساناتنا .
فقال أحمد عرابى فى شجاعة : لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا فوالله الذى لاإله إلا هو إننا لانورث ولانستعبد بعد اليوم .

وبعد ذلك شاور الخديوي مع حاشيته في مطالب الشعب التي عرضها أحمد عرابي ثم وعد بإجابتها فشكر عرابي ثم انصرف إلى موطنه هرية رزنة بمحافظة الشرقية بعد أن ودعه أهل القاهرة بالحب والتقدير والموسيقي وعندما وصل موكب الزعيم أحمد عرابي إلى مدينة الزقازيق استقبله شعب الشرقية بالتأييد فخطب أحمد عرابي خطبة طويلة نذكر منها: (أنا أخوكم في الوطنية وها أنذا واقف بين أيدي الأهل والخلان وقد بلغكم ماطلبناه من قطع عرق الاستبداد وتحرير البلاد وأهلها وبعناية الله سبحانه وتعالى منحنا الخديوي هذه الأمنية فنحن لم نخرج من القاهرة عصيانا ولا تظاهرا بعدوان وأعلموا أن البلاد محتاجة إلى الخدمة بالقوة والفكر والعمل أما القوة فنحن رجالها ولا ننثني عن عزمنا وفي الجسم نفس وأما الفكر فهو منوط بالأمير الأعظم ووزرائه الكرام وهم لا يهنأ لهم عيش إلا إذا طاب لنا ولايدركون الراحة إلا بأمننا وأما العمل فهو منوط بكم فإن القوة والفكر يعطلان بفقد ثروة تربتنا الطيبة المباركة) وبالفعل تم تعيين شريف باشا رئيسا للوزارة ومحمود سامي البارودي وزيرا للحربية وأحمد عرابي وكيلا لها كما أنشئت القوانين العادلة وتعدلت الماهيات والرواتب وتم صرف الحقوق الموقوفة وأنشئ مجلس النواب برئاسة ابو سلطان باشا وعم العدل وعرض على أحمد عرابي رتبة اللواء فرفض حتى لا يقال أنه يسعى لمصلحته الشخصية .

قال المستشرق الأجنبي ولفريد بلنت: (لم يكن عرابي يخطو خطوة واحدة بدافع الطمع الشخصي وقد تجلى ذلك في حرصه الشديد الذي هو من صفات الزعامة الصادقة على قضية مصر وهو في محنته فلكم عاش شديد الاهتمام بان يرد كل مطعن يوجه إلى الثورة دون أن يعني قليلا أو كثير بما يقال عن شخصه ولم أر في حياتي رجلا يستطيع أن يكسب إجماع القلوب من النظرة الأولى مثلما رأيت في شخص عرابي .. فقد كان واضح الإخلاص في كل قول ينطقه وكل حركة يخطوها).

أيضا قال ولفريد بلنت: (لقد كانت فكرتي في البداية عن عرابي أنه رجل جامد .. متعصب الفهم .. يحركه الحقد الأهوج فإذا بي بعد عشر سنين اكتشف فيه فطنة سياسية و تحررا فكريا وروحا إنسانية و يقظة علمية ومعرفة مبهرة لتاريخ الثورات و فهما واعيا للحرية).

في السادس و العشرين من شهر ديسمبر عام 1881 تم افتتاح مجلس الشورى مما أثار خوف فرنسا وانجلترا من هذه اليقظة الوطنية فقامتا بإصدار مذكرة المشتركة في يناير عام 1882 والتي تتضمن إخماد كل ما يربك أطماعهما ولكن الشعب المصري رفضها برغم موافقة الخديوي وفي الخامس من فبراير عام 1882 اختير محمود سامي البارودي لرئاسة الوزارة وأحمد عرابي لوزارة الحربية وتم إصدار أول دستور بحكم مصر ومنح عرابي لواء باشا وبعد تولى أحمد عرابى وزارة الحربية.

قال أحمد لطفى السيد: (لعرابى حسنات رضيت عنها الأمة وفرحت بها ورضى الخديوى بها _ توفيق باشا _ والحسنة الكبرى هى .. الدستور فالدستور المصرى من عمله ومن صنع يده ومن آثار جرأته .. طلبه عرابى لابوصف أنه عسكرى ثائر ولكن بوصف انه وكيل وكلته الأمة فى ذلك فإن عريضة طلب الدستور كانت ممضاة من وجهاء الأمة ومشايخها فعرابى حقق آمال الأمة بالدستور ولم يرتكب فى ذلك جريمة ولم يسفك دما بل كانت الحركة فى حقيقتها سلاما لابسا كسوة عسكرية).

بعد صدور الدستور سعت فرنسا وانجلترا للإطاحة بالوزارة الوطنية واحتلال مصر ففي الخامس عشر من شهر مايو عام 1882 أرسلت كل من فرنسا وانجلترا سفنهما إلى الإسكندرية فاحتج أحمد عرابي وثارت الوزارة فأصدرت فرنسا وانجلترا المذكرة المشتركة في الخامس والعشرين من شهر مايو عام 1882 وتضمنت خروج عرابي ورفاقه من مصر وإقالة الوزارة فوافق الخديوي ولكن الشعب ثار بسبب موقف الخديوي وإقالة الوزارة ولكن سرعان ما أصدر الخديوي قراره بتولي أحمد عرابي وزارة الحربية ثم منحه الوسام المجيدي الأكبر في الرابع من شهر يوليو عام 1882 .
في الحادي عشر من شهر يوليو عام 1882 قام الجنرال سيمور قائد الأسطول الانجليزي بضرب الإسكندرية واستشهد 2000 من المصريين ولذلك قرر أحمد عرابي و جنوده اتخاذ كفر الدوار خطا دفاعيا وفي الخامس من شهر أغسطس 1882 هاجمت القوات الانجليزية كفر الدوار ولكن صمد الشعب مع الجنود مما أجبر القوات الانجليزية علي العودة للإسكندرية وفي العشرين من أغسطس عام 1882 أنزلت انجلترا ويقرب من 30000 جنديا ببورسعيد وفي اليوم التالي تم الاستيلاء على الإسماعيلية فتجمع أحمد عرابي مع 13000 جنديا في التل الكبير وهاجموا مواقع الانجليز وضربوا الكثير منها وقرر أحمد عرابي تكرار الضربة ليلا فأخذ يوسف خنفس خطة عرابي وأذاعها لقادة الانجليز وبالتالي انكشفت الخطة وكانت الهزيمة بعد قتال عنيف ثم وصل عرابي إلى القاهرة للدفاع عنها وتقدم بطلب للخديوي توفيق لوقف الحرب فرفض وفي الرابع عشر من شهر سبتمبر عام 1882 دخلت القوات الانجليزية القاهرة وتم القبض علي أحمد عرابي ورفاقه وأحيل للمحاكمة في الثالث من ديسمبر عام 1882 واستمرت محاكمته 15 دقيقة ثم حكمت المحكمة بإعدام احمد عرابي مع تجريده ورفاقه من الرتب والأملاك ولكن الخديوي خفض الحكم إلى النفي وفي التاسع من شهر يناير عام 1883 وصل الزعيم أحمد عرابي ورفاقه إلى منفاهم بسرنديب ففوجئوا بحسن استقبال شعبها وحاكمها.

قال أحمد عرابي في مذكراته: (واستدام الحرب إلى أن قدر الله تعالي الخذلان في التل الكبير كما هو معلوم للجميع وتم الأمر بنفينا وخرجنا من مصر في يوم 19 صفر 1300 هـ على قطار مخصوص إلى السويس وبارحنا الثغر على مركب انجليزي اسمه مربوطة) وفي المنفى هاجت قريحة محمود سامي البارودي الشعرية بسبب قسوة الفراق والغربة والحنين للوطن والأهل فكتب قائلا:

ومن عجائب ما لاقيت من زمني
إني منيت بخطب أمره عجب
لم أقترف زلة تقضي على بما
أصبحت فيه .. فماذا الويل والحرب؟!
فهل دفاعي عن ديني وعن وطني
ذنب آدان به ظلما وأغترب؟!

وفي المنفى توفى عبد العال حلمي عام 1891 وفي 17 يوليو 1894 توفى محمود فهمي وفي أكتوبر 1900 توفى يعقوب باشا سامي ودفنوا هناك وقضى محمود سامي البارودي في المنفى 18 عاما ولما بدأت صحته تعتل وبصره يزوي قرر الخديوي عباس حلمي الثاني ابن الخديوي محمد توفيق ابن إسماعيل والذي تولى الحكم في الثامن من شهر يناير عام 1892 قرر العفو عن محمود سامي البارودي وعودته لمصر وبالفعل عاد في مطلع القرن العشرين ثم ذهب بصره وتوفى في أواخر شهر ديسمبر عام 1904.

خلال نفي الزعيم أحمد عرابي زاره الدوق كرنوال دريورك ولي عهد الحكومة الإنجليزية فطلب منه السعي للعفو عنه وعودته لمص وبالفعل تم إصدار قرار العفو عن الزعيم أحمد عرابي في الرابع والعشرين من شهر مايوم عام 1901 بعد أن قضى 19 سنة في المنفى أستطاع خلالها تعلم بعض اللغات الأجنبية وتعليم أهالي الجزيرة اللغة العربية وأمور الدين الإسلامي كما أسس المدرسة الإسلامية بالجزيرة وفي التاسع والعشرين من شهر سبتمبر عام 1901 وصل الزعيم الوطني أحمد عرابي إلى مصر واستقر ببيته بالمنيرة واهبا وقته للعبادة والصلاة حتى فاضت روحه إلى بارئها في 22 سبتمبر عام 1911 تاركا كفاحه الوطني للتاريخ يتدارسه جيلا بعد جيل.

قال أوكلند كلفن المراقب الإنجليزي: إن الأثر الذي تركه عرابي في نفسي باعتداله في كلامه وبرزانته ولهجته السليمة وهو أنه رجل مخلص ماضي العزيمة.

قال الدكتور يواقيم رزق: رغم أن الثورة العرابية لم تفلح عسكريا بسبب الضغط من الداخل و الخارج والظروف الغير مواتية لها إلا أن الثورة العرابية كانت لبنة واضحة في البناء الوطني ضد الاحتلال.. ظلت جذوتها مستعرة تحت رماد الزمن وصروحه لتهب مرة أخرى عام 1919 وتثبت وجودها بشكل شعبي أكثر إيجابية وتحبو قليلا تحت ظروف سياسية معينة لتعود للظهور بشكل حاسم ونهائي في عام 1952 لتضع نهاية لهذا الطاغوت الذي جثم على صدر مصر سنين عددا.

وتخليدا للثورة العرابية و زعيمها الوطني أحمد عرابي اتخذت محافظة الشرقية من وقفة ابنها البار ضد الخديوي توفيق يوم التاسع من سبتمبر عيدا قوميا لها وعيدا للفلاح المصري كما أقامت متحفا يحمل اسمه تخليدا لذكراه ويضم هذا المتحف بعض اللوحات التاريخية لأشهر مواقف الثورة العرابية مع مجموعة من التماثيل لوزراء و قادة الثورة هذا بالإضافة إلى بانوراما مجسمة لموقف الزعيم الوطني أحمد عرابي ضد الخديوي توفيق بميدان عابدين.

الفن تغنى للفلاح والعمل والإنتاج ومن الأغنيات نذكر أغنية يارب بلدي وحبايبي كلمات عبد السلام أمين وألحان سيد مكاوي وغناء سمير الإسكندراني وأغنية حبيت بلدي كلمات محمد فتحي مهدي وألحان محمد قاسم وغناء سيد إسماعيل وأغنية تعيشي يابلدي كلمات محمد العجمي وألحان إبراهيم رجب وغنتها المجموعة وأوبريت الأرض الطيبة ويعرف أيضا بصوت بلادي كلمات الشاعر حسين السيد وألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب وغناء محمد ثروت وإيمان الطوخي وسوزان عطية وتوفيق فريد وزينب يونس ومحمد الحلو الذي كان يدرس في معهد الموسيقى وفرقة رضا وأنتجه التليفزيون عام 1980 وأخرجه حسين كمال وأغنية زرع الشراقي كلمات فؤاد قاعود والحان سيد مكاوي وغناء المجموعة كما غنتها فرقة الثلاثي المرج التي ضمت وفاء محمد مصطفى وصفاء يوسف لطفي وسناء الباروني شقيقة سهير الباروني وهن خريجات معهد الموسيقى العربية وأغنية مليون سلام كلمات علي السوهاجي وألحان وغناء عبد العزيز محمود وأغنية فلاح كلمات حسين السيد وألحان منير مراد وغنتها شريفة فاضل تعبيرا عن دور الفلاح في بناء الحضارة واعمار الأرض وأغنية ياما زقزق القمري كلمات الشاعر سيد حجاب ولحن الموسيقار إبراهيم رجب وغناء ماهر العطار والقُمْرِيُّ اسم عربي وهو ضَرْبٌ من الحَمَامِ والجمع قَمارِيُّ وقُمْرٌ والقمري من الطيور التي تهاجر جنوباً لقضاء الشتاء في أفريقيا أما في نهاية الربيع يبدأ عودته من أفريقيا ويعد القمري من الطيور المحببة جدا للناس.

ونذكر أن فيلم الأرض عبر باقتدار عن الفلاحين وماكانوه يعانونه خلال الاستعمار والفيلم صدر يوم 10 يوليو عام 1970 وهو قصة عبد الرحمن الشرقاوي وسيناريو وحوار حسن فؤاد وبطولة محمود المليجي (محمد أبو سويلم) وعزت العلايلي (عبد الهادي) ونجوى إبراهيم (وصيفة) ويحيى شاهين (الشيخ حسونة) وتوفيق الدقن (الشيخ شعبان مجذوب القرية) وحمدي أحمد (محمد أفندي) وصلاح السعدني (علوان) وعبد الوارث عسر (عمدة القرية) وعبد الرحمن الخميسي (الشيخ يوسف) وإخراج يوسف شاهين وموسيقى تصويرية لعلي إسماعيل والعزف لأوركسترا القاهرة السيمفوني وهذا الفيلم أحد أهم أفلام السينما المصرية وفي احتفالية مئوية السينما المصرية عام 1996 تم تصنيفه في المركز الثاني ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية في استفتاء النقاد وعرض الفيلم في العديد من العواصم والمهرجانات العالمية ونال استحسان النقاد وقال النـاقد الفرنـسي جـي أنبـيل : (إن الأرض يتـمـيز بصدقـه وأمـانـته وواقعيته النقدية الراقية) وكتـب النـاقد الفرنسي جـان لـوي بورمي في مجـلة الابزرفاتور : (إن الأرض ليس حدثاً بالنسبة للسينما العربية وحدها ولكن بالنسبة للسينما العالمية أيضاً) وقال الناقد السينمائي ماريو براون : (إن فيلم الأرض المصري يتميز بالموهبة، وإنه يعكس قصة الأرض والذين يزرعونها.. الأرض والذين يستفيدون منها.. الفلاحين وأبناء المدينة الفقراء.. والأغنـياء الأقـوياء.. والضعفاء...). أما جيرارد كونستابل فقال: (إن فيـلم الأرض علامـة طريق في تـاريخ السينما المصرية، وهو جدير بإعجاب العالم مثل أفلام هوليوود وروما وباريس).

ومشهد من فيلم الأرض أدخل محمود المليجى موسوعة السينما العالمية وهو مشهد رفض الفلاح محمد أبو سويلم (محمود المليجى) ترك أرضه ينزعون منها المحصول ويدقون فيها الخوازيق تمهيدا لتحويلها إلى طريق زراعى وسحله جنود الهجانة خلف الحصان فوق أغصان وجذور نباتات حقله حتى امتلأ وجه المليجى بالدم فى مشهد لا ينسى أبدا للقهر والظلم والاستبداد والفساد فى وقت واحد‏.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى