الأربعاء ٧ شباط (فبراير) ٢٠١٨
جمالیة التکرار البنائي

فی قصة «عبادتها» للقاص سعید مقدم

سماهر أسد

القصة القصیرة جداً فن إستعمال اللغة بطریقة تحمل معنی داخلیاً یوجه عبرة لجمهور خاص و معنی آخر خارجیا موجها للأشخاص المعنیین بالقول (مقدّم، 1395: 11).الکاتب سعید مقدم کتب هذا الجنس الأدبي بنکهة توازي البیئة العربیة الأهوازیة و سعی أن یعکس تماما طبیعة المجتمع الأهوازي و واقعه المریر. کما یقول شوقي ضیف "إن الأدیب لا یکتب أدبه لنفسه، و إنما یکتبه لمجتمعه، و کل ما یقال عن فردیته المطلقة غیر صحیح، فإنه بمجرد أن یمسک بالقلم یفکر فیمن سیقرءونه و یحاول جاهداً أن یتطابق معهم و یعي مجتمعهم وعیاً کاملاً بکل قضایاه و أحداثه و مشاکله(ضیف، بلاتا: 191). و من هذا المنطلق قررنا أن نسلط الضوء علی قصة قصیرة من قصص أبي شروق المفعمة بالدلالات الأدبیة التي تطابق مجتمعه.
(عبادتها)

صلت صلاة اللیل... ثم نافلة الصبح...ثم الصبح و قد صلتها أکثر من مرة!

مرة مع تلفزیون إیران..و ثانیة و ثالثة ورابعة مع تلفزة البلدان الأخری.

و کررت نفس أسطوانتها في باقي الأوقات، ثم تصوم خمسة الأیام في الأسبوع...وتتقرب إلی ربها بالتسبیح و التهلیل و التکبیر، و کم کان زوجها العجوز یضیق صدره و هو جالس ینتظرها تتم صلواتها کي تشارکه بحدیث... و لو بکلمة واحدة. (مقدّم، 1395: 134).

لا یخفي علی أي قارئ أنّ «سعید مقدّم» في قصته هذه عالج قضیة خروج المرأة عن دائرتها و الثبوت في تخلّفها و ضیق آفاقها. هذه القصة هي تعبیر عما یعانيه جنس الذکر، بل المجتمع بأکمله عن التحجر الذهني و الأخلاقيّ للمرأة. قد أراد «سعید مقدّم» تحریر المرأة من القیود الدینیة المفرطة و من الذّهنیّة السّلفیّة التي تقیّدها و تحاول تغطیتها و حجبها. الکاتب عالج قضیة المرأة بطریقته الخاصة و أراد تحریرها و إطلاق جناحیها في عالم الجمال و الأدب حتی یستفید المجتمع من حنانها و حکمتها و أدبها. «سعید مقدم» جنّد کل طاقاته الأدبیة لکي ینقل إلی المتلقي حس التضیق النفسي الذي یمیتُ القوی الحیاتیّة في الفرد و المجتمع بسبب عدم اهتمام المرأة بواجباتها. حاول القاص أن ینقل هذا الحس إلی القارئ بتقانة التکرار لأنّ هذة التقانة تدّلُ علی المبالغة و یراد بها التکثیر في الأفعال.« یُعد التکرار من الظواهر الاسلوبیة التي تستخدم لفهم النص الأدبی، و هو مصطلح عربي کان له حضوره عند البلاغین العرب القدامی فهو في اللغة من الکر بمعنی الرجوع و یأتی بمعنی الأعادة» (www.tellskuf.com).

یقول ابن منظور: الکرّ: الرجوع، یقال کرّه و کرّ بنفسه،کررالشي یعنی: اعادة مرة أخری.

فالرجوع إلی الشي واعادته و عطفه(ابن منظور: 6). هنا في هذه القصة، الکاتب باستعمال هذه التقانة استطاع أن یؤکد علی موضوع الزيادة على اللزوم في عمل العبادة.

«صلت صلاة اللیل... ثم نافلة الصبح...ثم الصبح و قد صلتها أکثر من مرة ... ثم تصوم خمسة الأیام في الأسبوع...».

تکرار کلمة «ثمّ» یوضح مدی تقیّد المرأة بقیود التطّرف والتفریط و ثبوتها في الناحیة الضیّقة. قد نری في هذا التکرار انسجاماً بین اللفظ و المعنی؛ في الواقع هذا التکرار اللغوي منبعث من التکرار المعنوي بمعنى أنه منبعث من الحیاة الروتینیة التي شکلتها المرأة بعبادتها. الکاتب سعی من خلال إستعمال کلمة «ثم» یجعل القارئ یفهم مدی تورّط المرأة في الغفلة و مبالغتها في العبادة.

التکرار لا یقوم فقط علی مجرد تکرر اللفظة في السیاق الأدبي فحسب بل تترک هذه اللفظة أثراً انفعالياً في نفس المتلقّي، فکل تکرار یحمل في ثنایاه دلالات نفسیة و انفعالیة مختلفة تفرضها طبیعة السیاق النصي (ابراهیم،1990: ص 8). فعندما أراد الكاتب أن یصوّر مأساة غفلة المرأة و خروجها عن طبیعتها تشبث بالتکرار:

صلت صلاة اللیل... ثم نافلة الصبح...ثم الصبح و قد صلتها أکثر من مرة! ثم تصوم خمسة الأیام في الأسبوع... و کم کان زوجها العجوز یضیق صدره و هو جالس ینتظرها تتم صلواتها...

ظهر التکرار في هذا المقطع من خلال حرف الصاد، هذا نوع (تکرار الحرف) لا یقتصر دوره علی مجرد تحسین الکلام، بل إنّه یمکن أن یکون من الوسائل المهمة التي تلعب دورها العضوي في اداء المضمون. الکاتب کرر حرف الصاد لکشف حالة المبالغة و الإفراط للمخاطب. في لغتنا العربیة الحبیبة لکل حرف من حروفها قیمة معروفة فحرف الصاد یعرف بالصلابة فکل شئ مادي عیني او حسي متماسک متراص بشکل قوي؛هذا الحرف یوحي بالشدة و الصلابة و قوة الشکیمة.

إستعمال حرف الصاد المفخم یوائم الشخصیة الرئیسیة في القصة لأنها متماسکة بشکل متشدّد بعبادتها و خرجت عن حدود المعقول و المقبول. (http://aljsad.org)

هکذا یحاول سعید مقدّم من وراء القصة یقول أنّ المرأة خُلقت لتکون امرأة و من طبیعة وجودها أن تکون جمیلة الخُلق و الخَلق و تظهر في عیني زوجها بمظهر البشاشة و اللطف و الأنوثة.

جمّل الله المرأة بصفات کثیرة و روح لطیفة و خفیفة و من طبیعة وجودها أن یکون قلبها قلب إمرأة و عواطفها عواطف إمرأة.

علی المرأة أن تسیرُ في طریق الحضارة الجدیدة من غیر أن تنسی أنها إمرأة و أنّ لها روحیة خاصة و شخصیة ذات مقوّمات خاصة.الکاتب یرید للمرأة عقلیة حرة منفتحة و منطلقة تحوم علی الرجل و متطلباته. کاتبنا قد استند في نصه علی تقانة التکرار بطریقة فنیة و مدهشة و استغل هذه التقانة بغیة النیل من هدفه واستطاع أن یترک شعوراً عمیقاً و مدهشاً في قلب المتلقي.

المصادر

1-ابراهیم، عبدالله،: المتخیل السردي (مقاربات نقدیة في التناص و الرؤی و الدلالة)، المغرب_ بیروت، لبنان، الدار البیضاء، 1990، 1ط.

2- ضیف، شوقي: في النقد الأدبي، القاهرة، دار المعارف، (بلاتا).

3- مقدّم، سعید ابوشروق: کبریاء(قصص قصیرة جدا)، آبادان، هرمنوتیک، 1395.
المواقع الإلکترونیة

سماهر أسد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى