السبت ٩ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم محمد البوزيدي

قراءة في ديـوان أطياف مائية للشاعر أحمد زنيبر

1- تقديم

يعتبر ديوان أطياف مائية باكورة الأعمال الشعرية للكاتب أحمد زنيبر، وقد صدر بحلة أنيقة عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر سنة 2007، ويتكون من 81 صفحة تتوزع عليها قصائد الديوان الخمس عشرة.

تعتبر اللوحة التشكيلية التي زين بها الغلاف اختزالا عميقا لرؤية خاصة في الحياة تجد تجلياتها في منطوق القصائد؛ فاللوحة اقتسمتها أشكال هندسية مختلفة من المستطيلات والمثلثات والمربعات والدوائر المختلفة بألوان زاهية داكنة ومغلقة، يهيمن عليها الأحمر والأزرق والأخضر، فهل الحياة فعلا واحة غير منسجمة الأشكال والألوان وأفق مفتوح على كل الأشكال الهندسية المختلفة!

2- الماء والشاعر

يعتبر أطياف مائية عنوان أحد قصائد الديوان نفسه، ومن خلاله نجد أثر الماء واضحا في عناوين القصائد: ماء الروح / مثل غيمة / نهر الهيام/ ماء البوح.... فلماذا التركيز على الماء؟ أم أنه يشكل رمزا لاستمرار الحياة نفسها؟

ومن خلال النصوص تتضح أهمية الماء وطيفه، فقد كان غائبا وعندما رجع إلى ذات الشاعر احتفي به وبعودته الخاصة

هوذا الطيف عاد
لست أنساه
..عاد في رحلة
لذلك يدعو الجميع للاحتفال حتى لمصدره وهي السماء
هللي ياعيون السماء
واحتفي بالمطر

3- الحزن والألم في الديوان

لقد جاءت عودة الماء في وقت قاس على الشاعر ناهيك عن غياب خليل يبث له أحزانه وأسراره وخوالجه الخاصة ولم يتبقى رغم ذلك إلا الليل والبحر.

شكرا لليل يداري أسراري
ثمة قبلتي وملاذي
للبحر الهادر
أشكو أساي
وبالهمس المنتقى
احتمي

فهما الوحيدان اللذان ينصتان لأنين الشاعر، ويعوضانه عن الفراغ الداخلي الذي أحس به في لحظات تأمل للواقع حيث الحزن يهيمن على كل مكان والعبء يقتحم الأجواء، أنين وصل درجة خاصة حيث توزع على مختلف القصائد بألفاظ مؤثرة

تمادى الأسى.. انثالت عليه الجراح...الغيوم كطير أبابيل
والصدر ضاق
يرميه باليأس المرير
معطفا من رما د الدمار والحصار
الضجر...
حروفا بائسة..الأوهام
وجه القمر
لم يكتمل
أمسى عليلا مذ ظهر أيدي المحن كلت وما كل الزمن هل من مفر؟

فمالعمل إذن؟

حين يغيب الأحياء
عنا تباعا
كلمح البصر
تاركين بياضا مريعا
بهذا الوطن
يعتري الكون حزن
يهد الجبال
ويطوي البحار
فتقصى الظلال
كرسم بعيد
هناك بطعم مرير

لكننا نكتشف في أمكنة أخرى من الديوان أن اعتصار الألم تجاوز الفردي ليصبح ألما جماعيا يقض مضجع الجميع بل يبهرنا باكتشافات لم نكن ندركها من قبل

فحياتنا انكسار.....
وليس عرسنا سوى احتضار
وعيدنا انتفاضة
لذكريات بلبل بكى وانشد
فمن سديم جرحنا
نقود مركبا مضى إلى السراب
بل وصل مستوى الألم درجة أن
تذوب أمنياتنا
ويملأ السحاب صمتنا
على مدى الغياب
تعثر السلام والكلام والغضب

4- تيمة الموت

إن تيمة الحزن والألم ناتجة عن الأوضاع المختلفة التي تعيشها البلاد، فالكاتب يكتب بنبراس المتأمل والملاحظ والواصف، وقد نجح لحد كبير في توضيح الرؤية أكثر،فالحزن والألم المتراكم وصل أقصاه حين تحدث عن صيغ الموت المختلفة التي تتنوع بين الموت المادي والمعنوي، حينها يصبح المواطن البسيط أمام وضع لا يعلو فيه صوت سوى صوت وحيد وخارق للمعتاد ينادي على رؤوس الأشهاد:

أنا الموت
قاهركم
وأنا من يحاصركم

وقد تمكن الموت فعلا من تحقيق أمنيته فاختطف الأحبة، لذلك انتقل الكاتب لمرحلة التأمل في هذا الوضع عبر الوصف، فكيف لشاعر يرى المشاهد المفزعة لموت القوارب المهاجرة أو موت طفولة البرد في خنيفرة أن يصمت؟؟ بل سيوصل الرسالة دون توضيح أسبابها والمسؤول عنها، لطبيعة العمل الإبداعي المفترض فيه إن لا يقدم كل شيء.

فهل الموت أنتج نفسه أم ساهم الآخرون في إيجاد موطئ قدم له ضمن فئة نعول عليها لبناء الغد نظريا؟

لذلك نجد الكاتب يتغنى بتيمة الموت لكن قبل بيان آثاره المختلفة يصر على السؤال الفلسفي التاريخي المشهور مالموت؟ فيجيب بلغة أدبية بليغة واضحة وبنفس الفلسفي خاص

هو الموت
هازم أحبابنا
لا يبالي حدادا
هو الموت
سارق أحلامنا
لا يراعي ودادا
كغزو البغاة
تحاصر نجما وديعا
بكل الجهات
فيغدو السهاد بلون الرماد
نشيد وداااااااااع
أخير
فيا موت مرحى
لنا الله فيمن فقدنا بهذا الزمان البكيء
لكن خلفية حزن الكاتب من الموت تجد جوابها في حب الوطن والحزن على فقدان مختلف طاقاته
هذا الوطن
نجمة في العيون
نبض دائم
في الصدووور

لكن المفارقة أن هذا الوطن يفقد كل يوم شبابه وأطفاله ثمنا لسياسات ترقيعية لا تمل من اجتذاب يومي لفزاعات خاصة لذلك نجد الكاتب يتغنى به مع التأسف على الحال الذي وصل إليه من طرف حكامه.

فيا وطن الأبرياء تكامل
أيا بلسما للمحبين قوت
تركنا المراثي للشعراء
هو الوطن أضحى فضاء للسؤال
ورغم كل ماسبق يصيح الكاتب
هذا الوطن
يحيى وإن غام الكلام

5- شهداء البيضاء والحسيمة

إن نبرة الحزن تستمد مرجعيتها من إدراك خاص لما يعتمل في المجتمع لذلك حرص الشاعر على إعادة التذكير بأحداث أليمة كان الشعب المغربي عرضة لها واختار حدثين متقاربين زمنيا لكنهما مختلفين في المسؤولية والآثار وهما أحداث 16 ماي، وزلزال الحسيمة، بل حرص على إهداء القصائد لأرواح ضحاياهما

يقول عن أحداث 16 ماي:

بكى الفقراء على الفقراء
ولم يفقد العزم فيهم جواده
دنا الشهداء من الشهداء وغنوا بصوت وديع
ألا فاشهدي يا دماء حزينة
تعالى الهدير الأمير
بتلك المدينة
تأرجح
بين الحقيقة والارتياب
وحين ارتضى الموج بحره
وأرخى السحاب سحابه

إن رثاء شهداء 16 ماي يأتي ضدا على موجة الإرهاب التي تعرض لها هؤلاء الأبرياء، كما تدخل في إطار التصدي للمجرمين حفاظا على الوطن الذي تغنى به وفي نفس الوقت وتأسفا على الطاقات التي فقدها ذلك اليوم الأسود.

وفي نفس الإطار يبكي بحسرة على الذين قضوا نحبهم في أحداث زلزال الحسيمة، فهل إثارة الموضوع ناتج عن تفاعل الشاعر مع الموت، وتأثيراته وتعامله معه على أساس الأحداث والوقائع، لكن بنظرة الوصف دائما والحسرة على ما وقع

تعالى الدمار
شمالا
بزلزلة أوقدت نارها
في الحشا والمساكن..
ومد الهدير ظلالا على الكون
يدك المباني وينثر أشلاءها
وحين بدا الموت
قصفا سريعا
بأطراف تلك البهية
تداعت لذلك الخراب
على غير موعد
جميع القرى والمدائن
وخبت لنجدتها مسرعات
عساها تخفف عنها لهيب القيامة..؟
وداعا
اهيل الحمى
لم تزل
خلفكم
موجة حائرة

6- دعوة للصمود

إن استدعاء هذه اللحظات والمآسي والذكريات وتوظيف معجم خاص يحيل على الحزن المتنوع المظاهر والأشكال بشكل كبير الكفن ثوب حداد يجب ألا يكون سببا للارتكان والخمول والانهيار، بل بعدما قد يبدو أن الشاعر يركن إلى الحزن واليأس من التغيير يؤكد أن على الإنسان المثقف المغربي أن يصمد ويتصدى ليكون نموذجا ينهل منه لاستنهاض الهمم والتذكير بأن بعد الانهيار إقلاعا من نوع خاص لذلك نجده يصدح فينا

لنا أن نقاوم
قد اشتعل القلب غيظا
وعزما رهيبا
لنا أن نقارع
صهد التتار
برغم الدمار
وعنف الحصار
بغير اتجاه
لنا أن نقاوم
بثوب حداد
مسالم
لنا أن نقاوم دفعا
لنبض حقود
وناقم
.....
لنا أن نقاوم
كطير مشاكس
تنامى بأجنحة ماردات
يباغث خصمه جرحا
فلا
يقربن البلاد
إلى النصر دوما
بصبر جميل
أيا بلدة
لا تموت

لكن المقاومة عند الشاعر اتخذت منحى خاصا وبعدا آخرا، لذلك حاول تحديد مفهومها و إطارها، لذلك لا يمل من الصراخ من داخل الذات بلسان جمعي وبشكل قوي

أبحث عن معناي
أبحر في العبرات
بيد أني لم ألف غير غيوم
تكتم بالأنفاس وما من جدوى
سوى رغبة الصمت
في ماء البوح
أريد أن أغازل القمر
أريد أن أغادر الإطار
أداعب السيول بالمحار
أريد أن أشاطر الملاك فرحته
وحيدا هناك

فهل يقدر الشاعر على البقاء وحيدا كما كتب؟؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مقدمة للرجوع إلى ملاذه الخاص، وهو الاحتماء لدرجة الحلول والذوبان وسط القصيدة والتوغل في أتون رموزها الخاصة العصية على التفكيك، مما يدل على علاقة خاصة تربطه بها حيث تمده بأكسير خاص للحياة، لذلك أبى إلا أن يختم الديوان بهذه الكلمات التي تصدرت الغلاف الأخير.

تكتبني القصيدة
حين
يجف الكلام
حينما
ارقب..نجمك
يتماهى
بي
في المرايا....
تنتفض القصيدة
بين يدي
كالشرر
تخرج من مربدها الوردي
تلهث خلف صبح جديد
يشبع جوعها
لا مفر
هل أنا الشاعر
أم صرت أنا الغاوي
اتبع رسمك؟

7- ختاما

إن الديوان يعتبر بمثابة موزاييك متميز يغري بالقراءة والتحليل، خاصة أنه يمزج بين تأمل الماضي ونقذ الحاضر واستشراف المستقبل بنظرة نقدية، رغم أن الكاتب قد يهمس في آذاننا باختلاط كل الأوراق أحيانا في هذا الزمن الرديء

هام السؤال في السؤال
وارتمى بين المخاض
والمدار

فما العمل إذن في وضعنا المغربي الخاص الذي...

ما عادت الأشياء تغري بالمقام
فضاق المكان

إنه السؤال المفتوح والمطروح على كل واحد منا للجواب عليه بدقة أكثر.
فمتى نجد فضاء رحبا متسعا لأحلامنا؟! فضاء تسقط فيه الأطياف المائية التي تخيم أحيانا وتهرب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى