الاثنين ١٦ آذار (مارس) ٢٠٢٠
بقلم محمد زكريا توفيق

كورونا، إيه حكايته

لم تكن الفيروسات معروفة حتى عام 1887م. أول من لاحظها تحت الميكروسكوب هو الجراح الاسكتلندي جون بويست. طول الفيروس الواحد منها، وجد أنه يبلغ جزء من مئة ألف جزء من البوصة. كان يعتقد أنها عفن باكتيري.

بعد ذلك بعشر سنوات، اكتشف عالم هولندي، بيجيرنك، أن عصير أوراق التبغ المصابة بالمرض، بعد ترشيحها للتخلص من الباكتيريا، لا تزال تعدي الأوراق السليمة. لم يستطع رؤية الفيروسات تحت الميكروسكوب. لابد أنها كانت صغيرة جدا.

في عام 1931م، أثبت الإنجليزي إلفورد، أن فيروسات أوراق التبغ، بعد أن فصلها عن السائل الذي تسبح فيه، هي مجرد أجسام صلبة. بعد ذلك أمكن وضعها عام 1935م في هيئة بودرة بيضاء مكونة من بلورات.

من المدهش اكتشاف مواد معدنية يمكن طبخها كيميائيا ووضعها في صورة بلورات مثل بلورات سكر النبات، أو ركنها على الرف لمدة آلاف السنين، ومع هذا لا تزال تصيب أوراق النبات بالمرض. تبين أن هذه الفيروسات مكونة من بروتين 95%، وحامض نووي 5%، "دي إن إيه"، أو "أر إن إيه".

معظم الوقت، ينتظر الفيروس في صورة بلورة، بصبر أيوب بدون حراك أو حياة، مثل حبة رمل أو ظلطه إلى أن يستيقظ. كل ما يريده، هو الدفء والرطوبة وخلية حية.

معرفة تركيبة الفيروس استغرقت 30 سنة عن طريق الميكروسكوب الإلكتروني واستخدام الأشعة السينية. الفيروس عبارة عن وحدات متشابهة من البروتين مثل قوالب الآجر، متراصة حول حامض نووي (DNA).

أصغر الفيروسات المكتشفة يتكون من بروتين و (RNA). الفيروسات تأخذ أشكالا مختلفة حسب تركيبة البروتين حول الحامض النووي. فيروس الإنفلونزا يشبه عناكب البحر أو القنافد بعد أن تتكور للدفاع عن نفسها.

الفيروس لا يسبح مثل الباكتيريا باحثا عن ضحاياه. بل يقبع ساكنا صامتا منتظرا فرصته. عندما يصطدم بفريسته عن طريق الصدفة البحتة، يهاجمها كما تهاجم الذئاب غزال شارد.

يخترق بطريقة ما سطح الخلية الحية، ويصب داخلها حامضه النووي. هذا الهجوم، هو في الواقع عدة جرائم في آن واحد: جريمة اغتصاب، وجريمتي قتل وانتحار.

لأن جينات الحامض النووي للفيروس تتحد مع جينات الخلية الحية، فتموت الخلية الضحية ويموت معها الفيروس. الجينات الجديدة بعد عدة دقائق، تنتج مئات الفيروسات التي تشبه الفيروس الأصلي. كل منها قادر على الفتك بخلية حية أخرى، وهكذا.

في أوائل عام 2020م، بدأ فيروس جديد يتبوأ مكان الصدارة في عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم بسبب سرعة انتشاره غير المسبوقة، 100 دولة حتى الآن.

أول ظهوره كان في سوبرماكت المواد الغذائية في ووهان بالصين في ديسمبر 2019م، ثم انتشر من هناك إلى بلدان بعيدة مثل الولايات المتحدة والفلبين.

أصاب الفيروس عشرات الآلاف حتى الآن، اسمه الرسمي (SARS-CoV-2). المرض الناتج عن هذا الفيروس اسمه (COVID-19). على الرغم من الذعر العالمي الذي يسببه هذا الفيروس المعدي، إلا أنه لا يصيب إلا من يحتك أو يتصل بشخص آخر مصاب به.

حتى الآن، لا يوجد لقاح ضد الفيروس التاجي الجديد، كورونا. لكن علماء العالم تتسابق الآن لإيجاد لقاح فعال وعلاجات محتملة. أعراض المرض تظهر أكثر في كبار السن الذين يعانون من مشاكل صحية أخرى. لا يصيب غالبا الأطفال. الرجال أكثر عرضة للإصابة به من النساء.

أعراض المرض:

السعال

سيلان أو انسداد الأنف

العطس

التهاب الحلق

الحمى

صداع

التعب

قشعريرة

أوجاع الجسم

كورونا تعني تاج. يسمى بالفيروس التاجي لأن سطحه تبرز منه طفرات تشبه التاج أو هالة الشمس. أربعة أنواع مختلفة من الفيروسات التاجية تسبب عدوى خفيفة جدا للإنسان كل عام مثل نزلات البرد.

فيروس كورونا آخر، ظهر في الصين عام 2003م، يعتبر أكثر خطورة من كورونا الحالي، لأنه يسبب التهاب رئوي حاد، سارز، لكن تم احتوائه بعد اصابته ل 8098 شخصا وموت 774.

لكن، ما هو العلاج المتاح حاليا للفيروس التاجي الجديد، كورونا؟ يجب معرفة أن المضادات الحيوية غير فعالة بالنسبة لجميع الفيروسات. هي فعالة فقط بالنسبة للأمراض الباكتيرية. أما الفيروسات، فجهاز المناعة بجسم الإنسان هو القادر على محاربتها.

لكن الطبيب قد يصف في حالة الأعراض الحادة ما يلي:

السوائل للحد من خطر الجفاف

دواء للحد من الحمى

الأكسوجين لمساعدة التنفس.

هناك أدلة على أن بعض الأدوية قد تكون فعالة للوقاية من المرض الذي يسببه فيروس كورونا أو علاجه. توافر اللقاحات المحتملة والعلاجات الأخرى. قد يستغرق عدة أشهر أو أكثر. تخصص الدول الآن بلايين الدولارات لهذا الغرض. فيما يلي بعض العلاجات التي يقوم العلماء باختبارها حاليًا:

رميديفير، Remdesivir، هو دواء تجريبي مضاد للفيروسات صمم في الأصل لعلاج الإيبولا. وجد العلماء أنه فعال للغاية في مكافحة الفيروس التاجي، كورونا. لم تتم الموافقة على هذا الدواء بعد. لكن تم تجربته بنجاح في الصين، ويجري تجربته حاليا في الولايات المتحدة.

الكلوروكين، chloroquine، هو دواء يستخدم عادة لمكافحة الملاريا وأمراض المناعة. ظل يستخدم لأكثر من 70 عامًا، يعتبر آمنًا. اكتشف الباحثون أن هذا الدواء فعال أيضا في مكافحة فيروس كورونا في الدراسات التي أجريت في أنابيب الاختبار. ما لا يقل عن 10 تجارب تبحث حاليا احتمال استخدام هذا الدواء في مكافحة فيروس كورونا.

لوبينافير وريتونافير، lopinavir and ritonavir،يباع تحت اسم كاليترا ومصمم لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية، الإيدز. في كوريا الجنوبية، أعطي رجل يبلغ من العمر 54 عاما مزيجا من هذين الدواءين، وكانت النتيجة هي انخفاض كبير في مستويات الفيروس التاجي. وفقا لمنظمة الصحة العالمية، يمكن أن تكون هناك فوائد من استخدام كاليترا مع أدوية أخرى.

APN01، ستبدأ تجربة هذا الدواء قريبا في الصين لدراسة إمكانات مكافحة الفيروس التاجي الجديد.

فافيلافير، favilavir، وافقت الصين على استخدام هذا العقار المضاد للفيروسات لعلاج أعراض كورونا. تم تطوير الدواء في البداية لعلاج التهاب الأنف والحنجرة. أظهر الدواء نتائج مشجعة في تجربة أجريت على 70 شخصا.

المثل يقول، الوقاية خير من العلاج. حاليا مع الانتشار السريع للمرض يجب عزل المرضى وتجنب الأماكن المزدحمة بقدر الإمكان. كما يجب توخي النظافة وغسل اليدين بالماء والصابون أو المطهرات.

في بلادنا الحبيبة، يشرب الناس من نفس القلة أو الزجاجة. يأكلون من نفس الطبق. يلقون الزبالة في الشوارع فينتشر الذباب بشكل مرعب. السجون تكتظ بالسجناء والمعتقلين.

كذلك الجوامع والكنائس وفصول الدراسة في المدارس والجامعات. إذا لم نفعل شيئا ونأخذ الأمر بجدية، قد يكون الثمن باهظا. إنفلونزا عام 1918م تسببت في موت 20 مليون نفس.

فيروس كورونا لا يفرق بين أبيض وأسود، رجل وامرأة، غني وفقير، عالم وجاهل، مسجون وسجان، حاكم ومحكوم. فيروس يعدل بين ضحاياه، وهي ميزة نفتقدها في حكامنا ومن بيدهم مصائرنا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى