الاثنين ١ أيار (مايو) ٢٠٠٦
بقلم تركي بني خالد

مخاطرة

حين تحاول أن تكشف عن أسنانك محاولاً الضحك.. و بعد أن تكون قد أقنعت نفسك بمزايا الضحك و الفرح و المرح، تكتشف لاحقاً أنك ربما تكون قد أخطأت في اتخاذ ذلك القرار الاستراتيجي... فالضحك في مجتمعنا قد يفسر بأنه من علامات قلة الأدب حتى لو كانت له أسباب مقنعة و مبررة.. و ربما تبدو غبياً في نظر البعض لمجرد أنك حاولت أن تترك الحرية لتضاريس وجهك و عضلات فمك من أجل أن ترسم تلك العلامة الفارقة التي يسمونها الضحك.. و إذا ضحكت أكثر من الحد المرسوم تسمع كلاماً من مثل "اللهم اكفينا شر هذه الضحكة"!

و إذا بكيت و اكتشف أمرك أحدهم أو إحداهن و أنت تمارس هذا العمل المشين.. فسيتم اتهامك ربما بأنك عاطفي و حساس و لا تصلح للمهمات الصعبة... فالرجال الرجال لا يبكون.. و الباكون هم من فئة الضعفاء فقط.. و أنت بالطبع لا تريد أن يقال عنك ضعيفاُ، حتى النساء الباكيات الشاكيات ما عدن على قائمة المرغوبات.

أما إذا فكرت في تقديم العون لأحدهم.. أن تمد يدك بالمساعدة.. لأنك شهم.. و نبيل.. فأنت تعرض نفسك لمخاطرة أخرى هي اتهامك بوجود علاقة بينك و بين من مددت يدك لمساعدتهم.. لأن الافتراض الجاهز هو أنك ربما قدمت مساعدة.. مقابل فائدة معينة.. و عليه فأنت تغامر بأن يتم وصفك بالانتهازي..

و في حالة رغبتك في إبداء مشاعرك أو التعبير عنها بحرية و صدق فإنك تغامر بإمكانية وصفك بأنك ساذج و لا تقدر العواقب.. فكيف تكون صادقاً بالتعبير عن أحاسيسك للآخرين.. و خاصة إن كانت هذه المشاعر قوية و عاطفية و جياشة.. يا لك من غبي إذا فكرت في مثل هذه المغامرة غير المحسوبة العواقب..

و فيما إذا قررت أن تعرض أفكارك أو اقتراحاتك على الملأ.. فإنك لا محالة تعرض نفسك لإمكانية وصفك بالساذج.. و الأدهى من هذا إذا فكرت بالبوح عن أحلامك و طموحاتك.. إنك إذاً تغامر.. فالكثير سيسخر منك.. في غيابك.. و ربما بحضورك.. و في أحسن الأحوال سيتم تشطيب أحلامك.. و إرجاعك إلى رشدك كي تكون واقعياً مثلك مثل الملايين من "العقلاء" في هذا الكون..

و عندما تريد أن تقدم نصيحة مجانية طبعاً لأحدهم.. أو تريد أن تتطوع و تبدي اهتماماً ملحوظاً بشخص ما.. ظناً منك أنك تقوم بعمل خير و بوحي من ضميرك الإنساني.. فإنك تجازف بأن ينظر إليك على أنك متطفل تحشر نفسك في شؤون غيرك.. و من تدخل فيما لا يعنيه لابد أن يلقى ما لا يرضيه.. أو كما قال..

أما إذا وقعت في الحب.. فالويل لك.. كل الويل.. فأنت تجازف بالكثير في هذه الحال.. و قد تؤول إلى وضع لا تحسد عليه.. ففي مثل هذه الأحوال هنالك احتمال أن لا يبادلك الطرف الآخر هذا الحب.. فتصاب بالخيبة و الانتكاس.. و قد يقودك تيار الحب إلى ما لا يحمد عقباه.. و من الحب ما قتل!

أنت تحيا.. و تحب الحياة.. و تريد العيش بسلام.. و وئام.. لكن في محاولة الحياة مخاطرات عديدة.. فكل خطوة نحو الأفضل يقابلها خوف.. و استعداد لدفع الثمن.. فكم من محاولة من أجل الحياة.. انتهت بالموت.. فأنت من أجل حياتك.. و حياة من تحب.. تدفع بنفسك إلى مخاطر قد لا تكون محسوبة.. و قد لا تتمكن من التعامل معها..حتى مع الأمل و الاستعداد لسبر أغوار الحياة هناك مغامرة.. فمع كل شعور بالأمل.. خوف من الإحباط و احتمال بالوصول إلى اليأس..فارتفاع سقف الآمال و الطموحات أو التوقعات.. مع قلة الإمكانات هو وصفة أكيدة لدخول عالم اليأس و الاكتئاب..

و مع كل محاولة هناك خطورة الوقوع في الخطأ.. فالذين يحاولون هم فقط الذين يخطئون.. و يصيبون أيضاً.. و من لا يحاول أبداً هو معصوم عن الخطأ.. لكنه محكوم بالفشل كذلك.. فكلكم خطاءون.. جميعنا يخاف الفشل حين نفكر بالعمل و المحاولة.. لكن الحياة لا تكون بغير مخاطر.. و مخاوف.. و فشل.. و نجاح كذلك..

إن أكبر مخاطرة في الحياة هي أن لا تخاطر بشيء و أن ترضى بدور المتفرج و الانتظار على قارعة الطريق.. إن الذين لا يغامرون ليس لديهم شيء يخسرونه.. لكنهم في الوقت ذاته.. لا يجدون شيئاً يربحونه في المقابل.. هؤلاء يحاولون تجنب الألم و الابتعاد عن الأسى و يرضون بالقليل.. لكنهم لا يتعلمون و لا يكسبون.. محرمون من متعة الشعور بالنجاح أو التفوق.. و ليس لديهم أعصاب يميزون من خلالها طعم الحب أو الحياة.. إن الذين يرضون بالقيود.. و يرضخون للأمر الواقع.. و يقنعون أنفسهم بما هو مؤكد و مأمون هم حتماً أولئك الذين ارتضوا العبودية و العيش على الهامش.. حريتهم مزيفة.. فالحرية هي فقط في المغامرة.. و الإقدام..

و في الختام هذه دعوة لتذكر مقولة هيلين كيلر "الحياة إما مغامرة أو لا شيء"، و في ثقافتنا العربية أذكر بقول الشاعر أبو القاسم الشابي:

و من لا يحب صعود الجبال

يعش أبد الدهر بين الحفر



و ربما قول الشاعر المتنبي:

إذا غامرت في شرف مروم

فلا تقنع بما دون النجوم

أيها القراء.. و القارئات في ديوان العرب.. غامروا.. فللمغامرة لذة فريدة لا يعرفها غير المغامرين.. لكن تذكروا.. في كل مغامرة.. مخاطرة.. و لكل شيء ثمن.. و من لم يعجبه هذا القانون الطبيعي.. فليضرب رأسه بعرض الحائط.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى