السبت ٨ تموز (يوليو) ٢٠١٧
بقلم عايدة نصرالله

مقطوعة من كتاب أيامي مع مليكة‎

حوار معها

الساعة الرابعة وأربعون دقيقة صباحًا.

الثانية وأربعون دقيقة صباحًا بتوقيتكم.

المؤذن ينادي للصلاة..

أخدش وجه الصمت بحوار معه.

"تُرى كيف هو نومك الآن... هل جاء بعد نقاش حول أوضاعكم السياسية.. أم بعد رجفة ماء ليلية"؟

تُرى هل دخلت الحمام قبل نومك، واستخدمت ليفة ناعمة ذكرتك برائحة وطن آخر سكنك ذات ليلة؟

تُرى...تُرى..تُرى...؟

تتوالد الأسئلة كالجراد في ذهني، دون أن تتمكن أية مادة كيماوية من إبادتها.

ترى كيف كان برنامجك السياسي اليوم؟!

هل لبِستَ جبة عمر وتجولت في شوارع مدنك وحواريها لترى الذين يبحثون عن اللقمة ؟!

أتخيلك ببدلتك الرسمية بعد اجتماع طوييييييييييل تعرضون فيه مشاكل الحزب، المخاصمات السياسية حول من سيكون المرشح الأول للانتخابات، التحالفات... التناقضات... و"الوضع الراهن"

ما هو "الوضع الراهن"؟!

تعبير خرم الآذان حتى الصديد!.

"حادث سير يودي بحياة عائلة، شهداء في فلسطين كالعادة، في العراق كالعادة!

نأكل أعداد الشهداء كل يوم على طاولة مقهى، على وجبة سمك!.

 هل تحبين السمك؟

 نعم،

 وتحبين الشموع؟.

أيضا!

إذن لنأكل وجبة سمك مصحوبة بالشموع ونعد الشهداء.!!.

حسنًا، ستكون وجبة خاصة تشبه وجبة السياسيين على طاولة انتهاك عرض بائعة حلوى مشردة!.

وجبة عشاؤك في قصة "موت" يا مليكة كانت وجبة عائلة عادية، لكنك قلت نفس المقولة.. اليس كذلك؟

يا ملييييييييييييكة... أين أنتِ؟ هل ما زلت على السرير والدم يجري في عروقك بطيئا؟!
اليك هذه الحكاية:

كان يا ما كان، في قديم الزمان.. في بيت قديم، هناك، اجتمع رجال جديون جدا يبحثون "الوضع الراهن"، بعد أن تعبوا من مظاهرة النهار، آن لهم ان يتناولوا وجبة العشاء! وكنا فرقة من المناضلات تطوعت خصيصا لتحضير الطعام لمن يناضلون من أجلنا، وفي طريقي الى الغرفة أحمل العشاء مع رفيقاتي..

سمعت:

"...ونكحتها"!!؟

قال آنذاك "عضو" مهم جدا على وجبة العشاء .

ضج الرجال على طاولة الطعام بالضحك يطالبون بإكمال الحكاية، واستمر "العضو" و"الأعضاء" في سهرة ليلية يحكون مذكراتهم بعد يوم شاق من مظاهرةالإحتجاج على مصادرة أراضينا! لكنهم بعد أن أثقلوا بالشرب، انتابتهم حمية عربية ذات حمى من نوع آخر!!

أحاول كتابتك ...

هل سأنجح؟

هناك سياسي ما الآن نائم بعد ضجيج ما! شكرا له سيبحث مشكلتك في البرلمان.
إضحكي!

نعم جلجلي، سيمولون لك العلاج المجاني، وسيكون لك ولأصحابك ملاعق سكر، وحبوب شوكلاتة.

أخيرا...أخيرا لن يطرحوا "الوضع الراهن" على بساط البحث؟!

نعم... لن يطرحوه... هكذا قال لي (الهدهد)!

عزيزتي مليكة، لا أعرف لمن أشكو غضبي، كنت قبل ذلك أفضفض لك والآن لمن؟

لا تغيبي.. تأخرت اليوم.

سمعت قهقهتها.

"أطللت عليك من كوة الشباك، رأيتك جالسة للحاسوب تكتبين، قلت لن أزعجها الآن، لا بد أنها تجهز الكتاب واللوحات لمعرض ألمانيا. لم أزعجك لأني أردت أن تنجزيها بسرعة. الم تعديني أنك ستأخذني وستدلليني؟

ابتسمت.

"طبعا سآخذك. وهناك سألبس ثوب سهرتك، رغم انه يلمع ولونه يميل للأصفر، لكن ربما ألبسه لأجلك، ما رأيك؟

ووووووووووووووووووووواووووووووووو، فكرة تجنن.. عندها فعلا سألبسك"

وماذا أيضا؟ وهذه كانت عبارتها التي عادة ما كانت تنهي لها رسائلها.

 الطقس هنا ماطر، الأخبار مشروخة، مذيعو الجزيرة يتبارون في طبخة "المفتول" الفلسطينية، البنات يتسارعن في تضخيم الأثداء ونفخ المؤخرات لصالح الشموخ السياسي، الشباب حائرون مابين اللثام والفياغرا! لجان حقوق الإنسان عندنا في ازدياد من يوم ليوم، فرخت كثيرا من الصيصان الذكور، وستكبر وتصير ديوكا، ومن ثم تتزاوج بدجاجات... و...و.. وستعم بلادنا الإنسانية ونصدرها إلى جميع الشعوب المنكوبة!!

هل وصلك شيئا من تضخمنا الإنساني؟

مليكة، أعترف لك بان هذا الكلام لا يعدو هاجسا اعتراني، وقد بعثته إلى صديق لك..

 تذكرين يا عايدة عندما قلت لك أني كنت أهرب من الأخبار، لم اكن أستطع رؤية الموت. وكأني لا دخل لي؟

نعم..أذكر.

"وهنا ايضا، لا دخل لي، لا دخل لي بالسياسة فليذهبوا لـ(...) أريد أن اسمع أخابرك أنتِ، هل من جديد"؟

 لا.. لا جديد، (رغدة) الساكنة في العمارة المقابلة لغرفة نومي ما زالت تجر حبال الغسيل في الخامسة صباحا، خالتي بديعة تعرجُ على رجل ونصف لتفتح أبواب الحديد في السادسة! سمير بائع الحليب ابتكر طريقة جديدة لبيع الحليب، ركبّ (مايكروفون) على عربته بدل أن يصيح بصوته.. سجل صوته على (كاسيت) تصيح كل الوقت "حليب يا بقر"! طالباتي في مدرسة "عتيد" يحلمن بالعريس لينقذهن من التعليم، وما زال ذلك المنام يطاردني.. أنزل درجا.. أعتلي درجا، وأبحث عنه! وما زلت لم أنه المقال عن أورلان.

"أعوذ بالله يا عايدة.. لم أطق النظر إلى صور اورلان وهي تشوه نفسها"

في وقت ما أردت لمليكة أن ترى (أورلان) الفنانة الفرنسية، كنت أكتب بحثًا طويلا عنها ما زال مركونا في الدرج، مثله مثل غيره من المقالات التي لم أتفرغ للعودة إليها، في تلك الفترة كنا قد تحدثنا أنا ومليكة عن رؤية الجسد، وكانت تعاني عقدة الوشم القسري على يديها، ومن اضطرارها لحمل العكازيين، فتكلمت معها عن اورلان، وحاولت من خلال صور لها أن تكتشف أن المسألة ليست في الشكل الخارجي، وإنما في الثقة الداخلية.. مليكة لم تحتمل شكل أورلان وقالت، إنها مجنونة، لكن أورلان كانت طريق عبور للحديث لإمرأة عانت من شروخ جسدها القسري. .ثم بعثت لها بصور الفنانة (جوان بن نون) التي كانت مريضة بالسرطان، والتي وظفت مرضها بأعمالها الفنية، حين أخذت صور الأشعة لرأسها وقد بدا فيه الورم ككتلة بحجم حبة برتقال! أخذت جوان الصور وطبعتها على قماش وطرزتها بألوان رائعة، واضافت للشكل المدور أوراق خضراء فتغيرت الأورام إلى حبات تفاح!!

ضحكت يومها مليكة، لكن الحديث لم يفارقها عن حسرتها على الضفائر، على اللون، على اللعب الطفولي، كانها بالضبط ما زالت في السادسة عشرة! ومن هنا جاءت فكرة الرواية.
قلت لها: ما دام المرض موجودًا، وظّفيه في الكتابة! أبدعي من خلاله. فقررت أن تكتب روايتنا المشتركة..التي كانت ستغوص في داخلها من خلالي.

عايدة أين سرحت؟

 بلا شيء، تعرفيني دائما محلقة.

 وما أخبار صديقنا المشترك؟

 المسكين نعاك ووصفك بطفلته.

- كيف يتقن الكذب هذا الرجل؟ كنت قد نسيت اسمه ورسمه. لقد نسيت حتى أعواد الند والكندورة المذهبة وشعره الذي كان يمسح عليه بالجل"

قالت نفس الجملة التي كتبتها في الرواية. على النحو التالي:

"يشعل سيجارته، اتأمله، يبدو وسيما، شعره اسود لامع، طويل بعض الشيء يدهنه ب "جل"،يرتدي كندورة بيضاء بها خطوط ذهبية، صدره مليء بالشعر، احب هذا ولا استسيغ رجلا بصدر املس!! لماذا تخور مقاومتي امام صدر مشعر؟ احاول ان اقنع نفسي انه مجرد شعر، حتى القردة لديها شعر...سنحتفل الليلة! احاول ان اعصر ذاكرتي ..هل هو عيد ميلاده؟
يا الهي اخبرني اكثر من مرة بتاريخ ميلاده وانسى بسرعة صاروخية...اجل نحتفل.. اكتب له وانا احاول ان اتكهن سبب الاحتفال.

ينفث دخان سيجارته ويبتسم.. آه لديه ابتسامة جميلة ...اسنانه ليست بيضاء تماما..هل تعرفين بماذا سنحتفل؟ حصلت... ماذا ساقول له ؟..اذا لم اعرف سبب الاحتفال ساتعرض لاستنطاق جديد واتهامات و...و...

قلت له: كل يوم اراك فيه هو مناسبة للاحتفال بالنسبة لي.

صفق لي بفرح: برافو هذا هو سبب الاحتفال سنحتفل كل ليلة بحبنا.. تنفست بارتياح اذ استطعت أن أعثر على الجواب المناسب..."

تضحك مليكة، وتقول:

وماذا أيضا؟

 يا مليكه الآن اسمحي لي..."

 هل تريدين شرب الماء.؟

 ها أنت تعرفين عاداتي. أريد الآن أن أرتاح قليلا ونلتقي غدا...

 روحي ارتاحي حبوبة.

 إلى اللقاء غدا في الحادية عشرة والنصف بتوقيت المغرب

وغاب عن بالي انها تماحكني حيث تظهر لي في التوقيت الذي تحدده هي!.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى