الاثنين ٢٠ حزيران (يونيو) ٢٠١٦

موسم الدراما الرمضانية 2016 المزيد من الهوس

لمياء مختار

مسلسلات هذا العام أغلبها في رأيي "خانكة" حقيقية مثل عنوان إحداها، فهم يلعبون على المضمون منذ ظهور حالة الانبهار الرهيب المبالغ فيه بأداء نيللي كريم للأدوار التي تتطلب أداء نفسياً صعباً، ومنذ ظهور حالة الانبهار تلك صار هناك سباق محموم بين المسلسلات على إظهار الحالات النفسية المرضية باختلاف أنواعها، ويبدو أنهم يلجأون لأطباء علم النفس بعد أن اكتشفوا أن الحالات النفسية والشرود والتحديق في الفراغ يأتون بنتائج جيدة مع الناس وإن لم تصرخ انبهاراً بها فأنت لست عميقاً، ويبدو أنهم قرروا أن يعرضوا كل عام حالة من حالات المصطلحات الطبية في عالم الطب النفسي و كل سنة هيشتغلوا على حالة نفسية معينة، كويس والله هنلاقي نفسنا كلنا أطباء علم نفس وحافظين شوية مصطلحات بعد كام سنة..
والاقتباسات تتصدر بعض المسلسلات : أفراح القبة مقتبس من رواية نجيب محفوظ، وجراند أوتيل مقتبس من مسلسل إسباني كما تقول صفحات النت، وونوس كما يبدو تنويعة على قصة فاوست الشهيرة.. شاهدت منه مشهداً فوجدت من يسأل يحيى الفخراني : هل أنت مؤمن ؟، فأجاب أنا مؤمن بنفسي، أليس هذا الحوار ما تكرر في عشرات الأعمال المقتبسة من نفس القصة ومنها أفلام مصرية كسفير جهنم وموعد مع إبليس ؟، ما الجديد الذي يمكن أن يقدم في هذه القصة التي قتلت وطحنت في مئات الأفلام الأجنبية والمصرية ؟، بغض النظر عن أداء يحيى الفخراني المتمكن دائماً من مفاتيح كل أدواره.. ولكن أيكفي هذا التمكن لإحياء قصة قتلت بحثاً وعرضاً ؟..

ويبدو أن العرض الحصري سلاح ذو حدين، ففي كثير من الأحيان لا يتمكن المشاهد من رؤية مسلسلات العرض الحصري كما حدث هذا العام لمسلسل " شهادة ميلاد " للممثل المجتهد الموهوب طارق لطفي الذي لم يتمكن الكثيرون وأنا منهم من متابعة مسلسله الذي قيل إنه بذل جهداً كبيراً في تصويره، ربما يكون للمسلسل فرصة أخرى في العرض بعد رمضان..
مسلسل هي ودافنشي لا بأس به حتى الآن وإن كان أقل من المتوقع، ليلى علوي متشنجة قليلاً في بعض المشاهد.. كما أن تحولها الغريب المفاجيء في الحلقة الرابعة من محامية شريفة إلى محامية مستغلة تلعب بالبيضة والحجر غير مفهوم، وعموماً فالنقلات الدرامية في المسلسلات سريعة وغير مفهومة، هذا إن لم تفسرها الأحداث فيما بعد، وأرجو أن يقدم مسلسل هي ودافنشي تفسيراً منطقياً مقبولاً لأحداثه وألا يخيب ظننا فيه..
وهذه انطباعات عامة سريعة عن بعض الأعمال التي شاهدتها حتى الآن :

أفراح القبة :

أفراح القبة كما كتبها الرائع نجيب محفوظ، تشبه في بنيتها الظاهرية فقط بنية " ميرامار " من حيث أن كل شخصية تحكي ما حدث من وجهة نظرها هي، ولكنها في جوهرها تقترب من روح فيلم " الاختيار " الذي كتبه أيضاً نجيب محفوظ وأخرجه يوسف شاهين، فهي تنويعة على نفس الفكرة حيث الصراع العارم المحتدم ما بين رغبات الكاتب أو الفنان الحقيقية والدفينة في أعماقه وبين الهيئة الأخلاقية المحافظة التي ينبغي أن يظهر بها أمام المجتمع والتي يطالبه المجتمع بأن تتصدر روح أعماله الفنية، بينما هو يريد أن يطلق في أعماله الفنية أقصى رغباته الدفينة مهما كانت شريرة أو غير مسموح حتى التفكير فيها، وكيف يمكن أن يتحول إلى مدان بقوة إذا ما حاول إخراج هذه الطاقات الدفينة من محبسها كالعفريت من القمقم، كما أن " أفراح القبة " كما كتبها محفوظ لا تخلو من تلك السخرية المشابهة لسخريته من تناقضات المجتمع والحياة التي بدت ظاهرة في " ثرثرة فوق النيل "، فأفراح القبة ليست لغزاً بوليسياً بقدر ما هي تشريح لنفس الكاتب أو الفنان ودائماً ما ينتهي ذلك لدى نجيب محفوظ باتهام المجتمع للكاتب بالجنون أو بارتكاب الجريمة فعلياً..

لم تبرز هذه الفكرة حتى الآن في أحداث مسلسل أفراح القبة، الذي أراه حتى الآن يبدو في صورة لغز بوليسي بطيء الإيقاع، لو كنت مكان مخرج العمل محمد ياسين أو الكاتب الموهوب محمد أمين راضي الذي اعتذر عن استكمال كتابة الحلقات بعد أن كتب أكثر من نصفها وأكملت كتابتها نشوى زايد، لو كنت مكانهم لجعلت الإيقاع أكثر سرعة وسخرية، ولكن ما زالت الحلقات لم تكتمل ولو كان لدى طاقم العمل المزيد في جعبتهم كإضافة لما كتبه محفوظ مما سيظهر فيما بعد – وإن كنت أشك في ذلك - فسأرفع لهم القبعة..

كملاحظة صغيرة : لاحظت في أيدي ممثلي أفراح القبة دبلاً فضية، وهي على حد علمي لم تكن منتشرة في السبعينات حيث تدور أحداث المسلسل، وكذلك السبحة الكبيرة المعلقة على الحائط كديكور أعتقد أنها لم تكن موجودة في تلك الحقبة أيضاً.. فهي أشياء حديثة إلى حد ما على ما أعتقد..

الخروج :

مسلسل شيق ومحكم الكتابة والإخراج والتمثيل حتى الآن فهو مباراة جيدة تستحق المتابعة، أرجو أن يستمر كذلك حتى النهاية وألا يخيب الآمال كما يحدث أحياناً في مثل هذه النوعية من الألغاز البوليسية..

وعد :

أؤمن دائماً بالفرصة الثانية، ولا أحب الأفكار المسبقة التي تحكم على الشيء من قبل وجوده، ومن هذه الأفكار المسبقة التي خلقها جمهور الفيس بوك : أن نيللي كريم ممثلة عبقرية بينما نيللي كريم في الحقيقة صارت ممثلة جيدة ولكنها ليست عبقرية، وأن درة لا تمثل جيداً بينما أراها لا بأس بها وأداؤها لا يقل عن مثيلاتها، وأن إياد نصار فاتن وساحر للنساء وأي كلمة ينطق بها في أي عمل فني هي عبقرية منه.. ولا أدري بصراحة من أين جاء كل هذا السحر الذي يتحدثون عنه فهو ممثل جيد فحسب ولكنه ليس بهذا السحر ولا بهذه العبقرية، هذه الأفكار المسبقة تشبه تماماً ما كان يحدث أثناء دراستي للهندسة المعمارية حيث كان يتم اختيار بعض مشروعات الدفعة الهندسية ليـُكتب عليها كلمة Kept ، ومعناها أن الكلية ستحتفظ بهذه المشاريع لجودتها، وبالتأكيد كان الكثير من هذه المشاريع جيداً بالفعل، ولكن جميعنا كان يعلم أن اختيار هذه المشروعات بالذات كان يتم على أساس الواسطة والمجاملة والأفكار المسبقة، فمن حصل على كلمة kept مرة يحصل عليها بعد ذلك كل مرة مهما كان ما قدمه بعد ذلك متوسطاً وأقل من المتوقع، هذه الفكرة غير العادلة هي ما يسود كل ميادين الحياة بما فيها الفن..

من هذه الأفكار المسبقة المنتشرة فيسبوكياً : أن مي عز الدين لا تجيد التمثيل وأن من الأفضل لها الاعتزال، ولا أعرف لماذا كان هذا الحكم القاسي ولكني أظنه نشأ بسبب تقديمها لبعض الأعمال ذات المستوى المتواضع فيما مضى، ولكن ألا يحدث هذا لجميع الممثلين ؟.. فلماذا نذبحها هي وحدها ؟.. أنا أراها ممثلة لا بأس بها ومطلوبة، وأرى أن مسلسلها الجديد " وعد " مسلسل جميل برغم أنه لا يحتوي على أفكار لوذعية متحذلقة مثل باقي المسلسلات، بل هو اجتماعي هاديء ومشوق في نفس الوقت، مختلف في كتابته وإخراجه وتصويره، ولا أرى بأساً في التصوير في تايلاند بدلاً من مصر فهذا هو مزاج المؤلف والمخرج وهو حقهما.. فعلى سبيل المثال البعيد بدأ موتسارت حياته الفنية بأوبرا تظهر الحاكم التركي طيباً ومتسامحاً في فترة كانت فيها النمسا وتركيا في قمة عدائهما، فالفنون مزاج وميل وشغف أولاً قبل أي شيء..
أرى أن مي عز الدين مختلفة ومتألقة في هذا المسلسل، والأكثر تألقاُ منها هو أحمد السعدني الذي كتب لنفسه شهادة ميلاد جديدة فيه، أعجبني المسلسل كنمط هاديء لطيف يلتقط فيه المرء أنفاسه ما بين لهاث الصراعات والقتل في بقية المسلسلات، وحسناً فعل المؤلف محمد سليمان عبد المالك والمخرج إبراهيم فخر باختيارهما لموضوع اجتماعي في خضم هذا الهوس من مسلسلات الأمراض النفسية والسفاحين..

أيمن بهجت قمر وعمرو محمود ياسين :

أرجو ألا يتم ذبح عمرو ياسين بالذات بعد الفشل الذريع الذي منيت به حلقات ليالي الحلمية الجزء السادس كما كان متوقعاً، فقد أبدى عمرو ياسين موهبة جميلة في كتابة حلقات مسلسل " نصيبي وقسمتك "، فهو كاتب يعرف كيف يلتقط زوايا إنسانية منسية من الحياة فيبرزها ويبلورها، تماماً كما يفعل كاتب القصة القصيرة، وليس من المطلوب من كاتب القصة القصيرة أن يكتب رواية، يمكن للكاتب أن يكون أعظم العظماء بكتابة القصة القصيرة فقط كما فعل تشيكوف أو يوسف إدريس أو غيرهما، أما الرواية بتعدد شخصياتها وتعقد مواقفها فهي جنس أدبي مختلف، ولكل كاتب ساحته ومجاله، فليركز عمرو ياسين بعد ذلك على كتابة الحلقات القصيرة المنفصلة الأشبه بالقصص القصيرة فقد أثبت براعة فيها..
أما أيمن بهجت قمر الموهوب بشدة في كتابة الأغاني، فلا أدري لماذا يصر على كتابة الأعمال الدرامية ؟.. فهو أقل موهبة فيها من كتابته للأغاني سواء في الأفلام التي كتبها أو في ليالي الحلمية، وهو لا يعيبه أن يكتب الأغاني فقط، فقد فعل بيرم التونسي ذلك واكتفى بكتابة الأغاني والأشعار بينما كان معاصره بديع خيري يكتب الأغاني إلى جانب الأفلام والمسرحيات، إلى أن توقف بديع خيري عن كتابة الأغاني واستمر في الكتابة الدرامية بينما أكمل بيرم التونسي كتابة الأغاني والأزجال ولم يجرب الكتابة الدرامية على حد علمي، فكل يكتشف نفسه شيئاً فشيئاً لكي يركز جهده في المنطقة التي يبرع فيها أكثر من الآخرين، وليس من عيب في ذلك بل هو عين الصواب..

نيللي وشريهان :

مسلسل أقل بكثير من المتوقع، كتابة وتمثيلاً وإخراجاً، الكتابة عادية ليست شديدة التميز في الكوميديا بل على العكس تتضمن أحياناً بعض الاستظراف وبعض العبارات البذيئة تلميحاً، مجموعة الكتاب يحاولون إلى حد ما تقليد الروح الكوميدية للفيلم الجميل " سمير وشهير وبهير " ولكنهم لم ينجحوا في ذلك، وأرجو أن تسلم دنيا سمير غانم الموهوبة في التمثيل الدرامي بأنها ليست موهوبة في التمثيل الكوميدي، بعكس شقيقتها إيمي الموهوبة بشدة في هذا المجال، فلماذا لا يلزم كل مجاله الذي يبرع فيه وساحته التي لا يباريه فيها أحد ؟

إعلانات النوستالجيا : عفواً.. لقد نفد رصيدكم :

دأبت شركات المحمول منذ عامين أو ثلاثة على تقديم إعلانات في رمضان كل عام تتسم بالنوستالجيا أو الحنين للماضي خاصة لفترة الثمانينات، وهو استغلال ذكي لاتجاهات شباب الفيس بوك الذين طالما عبروا عن حنينهم لتلك الفترة التي كانوا فيها أطفالاً بكل مفرداتها الفنية من عمو فؤاد إلى فطوطة إلى بوجي وطمطم إلى بكار وغير ذلك، فهذا الجيل هو الذي أصبح شاباً الآن في مرحلة الثلاثينات من العمر أي القوة المحركة لأي مجتمع، ولهذا جاء اللعب على هذا الوتر من شركات الاتصالات أملاً في جذب عدد أكبر من المشاهدين، كان إعلان العام الماضي " زمن الشقاوة " ربما هو " آخر الرجال المحترمين " في هذه النوعية من الإعلانات فقد كان إعلاناً لطيفاً وذكياً، أما إعلان هذا العام فقد جاء مسخاً لأوبريت الليلة الكبيرة بلا طعم أو روح، وأعتقد أن هذا الكم من إعلانات النوستالجيا ينبغي أن يتوقف وأن تبدأ شركات الإعلانات في ابتكار أفكار جديدة طازجة بدلاً من هذا المط في فكرة واحدة بشكل عبثي..

بالمناسبة : سامحك الله يا ماما نجوى فقد اهتزت قليلاً صورتك الجميلة مع بقلظ التي كانت في أذهاننا جميعاً بسبب إعلان الصابونة هذا العام، وأنا لست ضد استخدام العرائس المحببة للأطفال في الإعلانات فهذا لا بأس به، ولكن ينبغي أن يكون هذا في إطار إعلان ذكي وطريف ومبتكر، أعجبني على سبيل المثال إعلان cookie monster أو وحش الكعك الذي يعلن فيه عن أحد تطبيقات الموبايل في القنوات العربية، فاستخدام العرائس الشهيرة في الإعلانات يجب أن يكون حذراً وذكياً ولطيفاً ومبتكراً..

همسة أخيرة :

دائماً حين أشاهد عملاً فنياً تخطر ببالي هذه الجملة التي قالها فريد الأطرش – أو بالأحرى كاتب السناريو يوسف عيسى – في فيلم لحن الخلود: " الناس بيحكموا ع اللحن وهو جاهز.. لكن مش ممكن يتصوروا كان ممكن يكون ازاي "..

لمياء مختار

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى