الجمعة ٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم مفلح طبعوني

ناكر ونكير ومن معهما: ابتعدوا عن محمود درويش!

عندما انتهيت من قراءة الكتاب الثاني للباحث الفلسطيني ابن الجليل أحمد أشقر "التوراتيات في شعر محمود درويش (من المقاومة إلى التسوية)"، الصادر عن دار قدمس في دمشق الشام قبل عدة أشهر، عدت للمرة الثانية لكتابه الأول "التدمير الذاتي- الناصرة نموذجا (جذور الصراع وخفاياه في ساحة شهاب الدين)"، ومن ثم تابعت العودة إلى مختارات من مقالاته؛ نُشرت في صحف ومواقع إلكترونية مختلفة، ومنها: الكادر، والتجديد العربي.. ونساء سوريا.

الحقيقة أنني لا أعرف سببا لهذه العودة لقديم الباحث الأشقر، إلا حالة تتملكني كلما قرأت جديدا جيدا. فأعود إلى تابعه القديم لأتعرف عليه أكثر، وأفهمه بعمق وثبات، يمكنناني من التعرف على مفاهيمه وطروحاته بوضوح ألمع.

أما الإنكار وبتشنج بعدم وجود باحث باسم أحمد أشقر، فقد دفعني للبحث عن الأشقر، خوفا من يكون الناكر على حقّ. وإن كان أحمد فقد لا يكون باحثا ولا علاقة له بالأدب والأدباء، أو النقد والإبداع. فحملتُ الزاد والماء، وهدفت قرية إكسال التي تبتعد عن مسكني في الناصرة مسافة خمس كيلومترات تقريبا. وما أن وصلت دوّارها- ساحة الجامع- حيث سألت عن الأشقر، تجمع حولي من تجمع من اليافع حتى الشيخ. أخذني الشيخ من يميني حتى سلّمني للأشقر- شاب في عينيه شرر هزيمة 67، مصدره نكبة 48، زفيره من غاز الاحتلال. ولأحمد أم مثلنا جميعا، انتقلت إلى الدار الثانية قبل فترة قصيرة. وتبين إضافة إلى ذلك، أن لأحمد أشقر أخوة وأخوات، منهم من يصوم رمضان ومنهم من يدفع الكفارة، ومنهم من يلحد أيضا، هذا غير الحفيدات والأحفاد منهم المبرزات ومنهم المبرزون بالدراسة. والأهم أنه يتعامل مع الحاسوب ويتواصل يوميا تقريبا مع بقاع العالم في المجالات التي تهمه. يتواصل من غرفته الكائنة في قرية إكسال بلدته، والتي لا تزال تحرس مرج ابن عامر، رغم المدافع المنصوبة فوقها من مستعمرة "نتسيرت عليت" التي أقيمت على أراضي الناصرة وقراها لاستيعاب المهاجرين الجدد وغيرهم.

فتبين لي أيضا بأن للأشقر أصدقاء في الجليل، وفي القدس، ورام الله، ويقال أيضا في عمّان وبعض العواصم العربية.

نسيت أن أذكر، وأقسم بالسبع سموات، بأني رأيت بأم عيني شهادات: الولادة، والتطعيمات المختلفة، والدراسة الابتدائية والإعدادية والجامعية واحدة واحدة.. وأقسم بجميع الرسل والأنبياء أنها غير مزوّرة!!

على كل حال نعود إلى ناكر ونكير: لا حاجة لإثبات بأن مثل هذه الأفكار- أفكار الإنكار- من المبكيات المضحكات، والإدعاء بوجود أصوات وراء بحث/ كتاب "التوراتيات..." ما هو إلى بدعة أو أكذوبة اخترعها صاحبها/ أصحابها. وتفاعل/ تفاعلوا مع تصديقها واندفع/ اندفعوا إلى نشرها وكأنها دعوة لدخول الجنّة، أو العودة لأرض الوطن، كأنها شدّ الرحال إلى باب الواد.. أو صفد!

ترى هل يعرف/ يعرفون هؤلاء حالة اللاحالة التي نعيشها، نحن الباقين بعد نكبة 48، ومن ثم الباقين مثلنا بعد هزيمة 67، بأنها حالة لا مثيل لها في التاريخ البشري القديم والحديث، وتفرز على مدار السنوات الهاربة من إسقاطات الحاضر حاضرنا- الذي لا مثيل له أيضا- تعطينا طاقات للاستمرار العيش بين الأنياب السامة بصلابة وصمود، وتدفع بعضنا خصوصا أصحاب الحساسية العالية إلى "طفشات جنونية"، تدفع بدورها الوطن للصمود وإعطائه جرعات الخروج من حالات الركود القاتلة التي نعيشها..

وهل يعرف/ يعرفون أنها، أي "الطفشات الجنونية" تركز وتكثف الحقائق الإبداعية الصادقة، البعيدة عن التلون والانتهازية. تقوّي التصدي لأوسلو وطروحاته الرخيصة والركوع المذلّ.

لم يكن ولن يكون التخلي عن فلسطين نوعا من أنواع العبقرية- المعاكسة للجنونية- ومحاولة تقميص فلسطين، أو أي قسم منها، حتى لو كان شارعا أو خيمة من خيامها الكثيرة المبعثرة بشخص فرد كائن من كان، رئيسا أو شاعرا.. ساحرا، أو فتّاحة ما هو إلا نوع من أنواع التسويقات الرخيصة لأرباح شخصية مذلة.

والدفاع عن المرتد بحجة العولمة وعالم القطب الواحد ما هو إلا خدمة لمخابرات- بمعرفتنا أو عدم معرفتنا- القطب الواحد وسيده الصغير في الشرق الأوسط. وإلا ماذا يعني الدفاع حتى الذلّ – عن المرتد الذي حصل على جائزة إسرائيل الأدبية، خاصة بعد أن غادر السفينة تلاطم عواصف المحيطات وحدها بعد أن قادها علّها تغرق؟ ماذا يعني الدفاع المستميت عنه وقد قال فيه/ له الشاعر الوطني الكبير توفيق زيّاد:

يهرب المرتد من كل المبادئ
ويسمي قفصًا كل التزام بالحقيقة
ويسمي الردة النكراءَ
عتقا وانفتاحا
يهرب المرتد.. نحو الغاب،
نحو القسمة الضيزي وحكم السيد المالك
حكم الغاصبين
حَرَفته شرعة الغاب إليها
علّه يصبح ذئبا (أو ذؤيبا)
ذات يوم
عائدا نحو القديم العفن البالي
وأصل النكبات
عائدا يطلب "حقّا"
حصّة المرتضى عنه،
من فتات المائدة

ماذا يعني زجّ اسم عضو كنيست- دافع عن إخلاصه للمؤسسة الصهيونية الإسرائيلية بتصريح مشفوع بالقسم- مع ياسر عرفات وحيدر عبد الشافي وأبو علي مصطفى؟ إن مثل هذا الزجّ إلا سماد للمخابرات وطروحاته، مخابرات القطبين الكبير هناك والصغير هنا. وأسلوب الإدعاء بأن وراء "التوراتيات..." تقف مجموعة من الكتاب لهو أسلوب مخابراتي أقل ما يقال فيه بأنه معيب.

أعود وأكرر بأن المحاولات التي تدعي بأن كتاب "التوراتيات..." كتبها أكثر من واحد وأنه لا وجود للباحث أحمد أشقر، ما هو إلا الغباء بعينه، غباء مخابراتي ليس في المدارس المخابراتية بعالمنا الثالث وإنما بمخابرات عصور الانحطاط!

إن محاولة الدفاع عن محمود درويش، باستعمال كاتم الصوت "الأدبي"، لهي أخطر بكثير من كاتم الصوت الذي استخدم ضد ناجي العلي ورفاقه الآخرين..

إنني أحذر من الأقلام والكلمات الحاقدة، الكاتمة فهي أخطر بكثير من غيرها..

ورغم كل المسالك الوعرة والروائح الكريهة، سيظل المغني الذي يغني لفلسطين على وتر الإبداع حقيقيا.. أما.. الضعفاء أولاد "المؤسسات"... فلهم الذلّ والخنوع- وله المستقبل النيّر بعد الصمود. وسيظل محمود درويش، محمود درويش؛ فابتعدوا عنه أيها الضعفاء أولاد "المؤسسات" الهرمة!


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى