الأحد ١٢ شباط (فبراير) ٢٠٠٦
بقلم محمد بن اعمر

آليات منهج التاريخ الأدبي ووظيفته عند حسين الصّديق

يعد الباحث حسين الصديق* من الدارسين العرب المعاصرين,الذين اهتموا ببلورة صياغة جديدة لمفهوم الأدب العربي القديم(1),وإعادة طرح مسألة الظاهرة الأدبية عند العرب,قديما وحديثا,لأنه يعتقد" أن مفهوم الأدب القديم يختلف عن المفهوم الذي تتبناه تلك الدراسات في تعاملها مع هذا الأدب:هذا المفهوم لا ينظر إلى الأدب إلاّ على أنه فعالية إبداعية,تهدف إلى التعبير عن الذات,أو عن انعكاس الموضوع في الذات,انعكاسا جماليا.على حين أن مفهوم الأدب القديم يتمحور على الثقافة والتعليم."(2)

وهو بذلك يسعى إلى وضع تصور لنظرية الأدب القديم,وهي نظرية عنده تربط الأدب بالمعرفة, وتربط الاثنين بموقف الحضارة العربية الإسلامية من المفاهيم الثلاثة:الله جل جلاله,والكون,والإنسان.(3)
ويعد كتابه الموسوم بـ:"مقدمة في نظرية الأدب العربي الإسلامي**" الوعاء الجمالي الذي سكب فيه أفكاره تلك,مستعملا في ذلك جملة من الآليات الفنية لتجسيد هذا المشروع الفكري,ومن ذلك :منهج التاريخ الأدبي.

ويعتقد د.حسين الصديق أن التاريخ الأدبي هو الدراسة الزمنية لعدد من الظواهر الأدبية,وتكمن وظيفته في معرفة النصوص ومقارنة بعضها ببعض,لتمييز الفردي من الجماعي,والأصيل من التقليدي,ولتصنيفها في أنواع ومدارس وحركات, ولتحديد العلاقة بين هذه النصوص وبين الحياة الثقافية والأخلاقية,والاجتماعية في المجتمع الواحد,وفي المجتمعات التي يمكن أن يؤثر أدبها في أدبه, ولن يكون ذلك إلاّ وفق منهج محدد ألا وهو منهج التاريخ الأدبي,وهو منهج في نظره يقوم على تكوين الخطة الملائمة لطبيعة الموضوع والباحث في وقت واحد.ولإنجاز هذا القصد بشكل صحيح يستوجب التزود بأدوات معرفية كثيرة,وهي نوعان :"الأول خاص بالأدب,كتحقيق المخطوطات,ومعرفة المراجع والمصادر,وتواريخ النصوص,ونقدها,وحياة مؤلفيها,ومكانتهم الاجتماعية,ولماذا كانوا يكتبون ولمن؟ بالإضافة إلى علوم تاريخ اللغة,والنحو والبلاغة.أما النوع الثاني فيتضمن علوما تتدخل في تكوين الأطر الاجتماعية للأدب كتاريخ الفلسفة والعلوم,وعلم الاجتماع والسياسة,والاقتصاد,والتحليل النفسي."(4)ولكن هذا لن يتم إلاّ إذا استبعد الدارس الأحكام الموروثة,والآراء الانطباعية,والموازنة بين مشاعره إزاء النصوص المدروسة وبين ما قد تحدثه تلك النصوص من آثار في الآخرين.(5)

ويرى الباحث أن تطبيق منهج التاريخ الأدبي حتما يمر بمرحلتين هما:

1/معرفة النص أو النصوص موضوع البحث,وهذا يعني تحديد إطار البحث وموضوعه,بالإضافة إلى انتقاء العلوم المساعدة والمناسبة.(6)

2/طرح عدد من الأسئلة,تكون إجاباتها أسس الدراسة,ومن هذه الأسئلة:

أ ـ هل نسبة النص صحيحة؟وإذا لم تكن كذلك,فهل النص منسوب خطأ إلى غير صاحبه,أم أنه نص منتحل بكامله؟

ب ـهل النص نقي كامل,خال من التغيير أو التشويه أو النقص؟.

ج ـ ما هو تاريخ النص؟تاريخ تأليفه لا تاريخ نشره فحسب,تاريخ أجزائه لا تاريخه جملة فحسب.

د ـ تحديد المعنى الحرفي للنص,معنى الألفاظ
والتراكيب,ويستعان في ذلك بتاريخ اللغة,وبالنحو,وبعلم التراكيب التاريخي,ثم نبحث عن معنى الجمل بإيضاح العلاقات الغامضة,والإشارات التاريخية أو الإشارات التي تتعلق بحياة الكاتب نفسه.

هـ ـ توضيح المعنى الأدبي للنص,أي تحديد ما فيه من قيم عقلية وعاطفية وفنية,وتمييز استعمال الكاتب الشخصي للغة من الاستعمال السائد بين معاصريه, والحالات النفسية التي ينفرد بها من الصيغ العامة للإحساس والتفكير,كما يُستخلص ما يرقد تحت التعبير العام المنطقي من أفكار و صور وآراء أخلاقية واجتماعية وفلسفية ودينية.

وـ كيف تكوّن العمل الأدبي؟ ولأيّ نوع من الأمزجة استجاب؟ولأي نوع من الملابسات خضع في إبداعه؟ ويعتقد د.حسين الصديق أن حياة المؤلف هي التي تنبئنا عن ذلك.

زـ أيّ نجاح لاقى المؤلف وعمله في أيامه؟وأي تأثير كان له معاصريه؟ولكن التأثير لا يتفق دائما مع النجاح.

وإلى غير ذلك من الأسئلة الهامّة التي تنتهي بهذا المنهج إلى تحديد الظروف التي أدت بهذا النص,أو ذاك إلى الانتقال من نظام إلى آخر,وكأنّه بذلك يجيب عن سؤال مهمّ,ألا وهو ما الذي تغيّر داخل الخطاب الأدبي بتغيّر الزّمكان.(7)

ولا يقصي الباحث من هذا التصور المعرفي لهذا المنهج,البعد الهام الذي يشكله المتلقي في تقويم المستوى الأدبي و في ذلك يقول:"إن تاريخية النص الأدبي لن تكون كاملة ومستوعبة إذا أهملنا البعد الهام الذي يشكله المتلقي.إن تدخل المتلقي في تقويم المستوى الأدبي هو الذي يُدخل العمل الأدبي في النشاط المستمر للحركة الأدبية.فالتاريخية الأدبية تقيم بين العمل الأدبي والجمهور علاقة تبادل وتأثير مستمرين.وإذا اعتبرنا تاريخ الأدب من خلال هذا المنظور من التتابع,الذي يخلق الحوار بين العمل والجمهور,فإننا نتجاوز هذا التمييز بين الجانب التاريخي والجمالي,وسنتمكن من إعادة الصلة المقطوعة تاريخيا بين الأعمال القديمة والتجربة الأدبية المعاصرة." (8)

ويلاحظ د.حسين الصديق أن " أبرز صعوبات المنهج في التاريخ الأدبي هي أنه يستحيل علينا أن نُنحّي طريقة استجابتنا الشخصية,كما أنّنا لا نستطيع الاحتفاظ بها.فالخصائص الحسية والفنية التي تميز الأعمال الأدبية هي مجال عملنا,ونحن لا نتمكن من دراستها من غير أن ننفعل معها شعوريا وفكريا.ولذلك فإن محو العنصر الذاتي محوا تاما أمر غير مرغوب فيه,إلا أن ماهوهام في هذه القضية هو أن لا يتخذ المؤرخ الأدبي من نفسه محورا,وأن لا يجعل لمشاعره الخاصة قيمة مطلقة"(9)

ومما تقدم نستنتج أن د.حسين الصديق يحاول أن يشق طريقا جديدا في الحديث عن المنهج الأدبي,وآلياته,ووظيفته ضمن منظومة مناهج الدراسات الأدبية الراهنة,وهو في الوقت نفسه يسعى إلى إثارة مشكلة أزمة هذا المنهج عند الدارسين العرب,وفق الطرح التقليدي المتداول فيما بينهم,وكأنه بهذا التصور يقدم المنهج البديل الذي ينطلق من تصورات مدروسة,وينتهي إلى نتائج ملموسة.

الهوامش:

حسين الصديق باحث وكاتب معاصر من الجمهورية العربية السورية.

1/ينظر مقدمة في نظرية الأدب العربي الإسلامي,د.حسين الصديق,منشورات جامعة حلب,كلية الآداب والعلوم الإنسانية,مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية,(د.ط),سنة 1414هـ/1994م,ص 139.

2/المصدر نفسه,ص14.

3/المصدر نفسه,ص15.

4/المصدر نفسه,ص 144.

5/المصدر نفسه,ص145.

6/المصدر نفسه,145.

7/المصدر نفسه,ص145,وينظر أيضا مثل هذه الأسئلة في دراسة لانسون,منهج البحث في تاريخ الأدب,الملحقة بكتاب النقد المنهجي عند العرب,د. محمد مندور دار النهضة مصر,مصر ,القاهرة 1969م,ص405.

8/ينظر,مقدمة في نظرية الأدب العربي الإسلامي,د. حسين الصديق,ص147.

9/ينظر النقد المنهجي عند العرب,د.محمد مندور,ص405.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى