الثلاثاء ١١ أيار (مايو) ٢٠١٠
بقلم يونس أحمد عفنان

أريد حلا

في أي مجلة أو صحيفة مطبوعة أو موقع ألكتروني، تجد في الغالب زاوية تحت عنوان: «أريد حلا »، وتقرأ تحته مشاكل اجتماعية يبحث أصحابها عن حلول تعذر عليهم إيجادها، ولطالما كان ما أقراه تحت هذا العنوان مثيرا لضحكي واستغرابي، ليس سخرية من المعنيين بالمشكلة، بل لما لتلك الموضوعات الاجتماعية من دلالات على المستوى الثقافي الضحل في طبقات المجتمع، بغض النظر عن المستوى العلمي أو التعليمي، فقد تقرأ مثلا مشكلة من قبيل:

(أنا امرأة في التاسعة والعشرين من العمر، متزوجة وعندي طفلين، غير أني أحب جارنا...)، وقد تقرأ عن احدهم سؤالا ملهوفا عن معنى أن يرى في المنام انه يحمل بيضة مسلوقة قبيل زفافه، ولاسيما أن ثمة مشاكل بينه وبين حماته، وتحتار في كيفية الإجابة على مثل هذه الأسئلة، وكيفية مخاطبة العقول التي صدرت عنها، والمحير أكثر، انك قد تجد في تلك المجلة من هو قادر على الإجابة على تلك الأسئلة.

على أية حال فالموضوع لا يعنيني إلاّ كظاهرة، أريد أن أشير إليها لا أن أناقشها، وذلك لأنني وبعد عراك طويل ومستمر مع مشكلتي، وجدت نفسي وبعفوية بالغة، أفرك جبيني وأنا أقول: أريد حلا....، فخطر ببالي أن ابعث بمشكلتي إلى واحدة من تلك المجلات والصحف، غير أن طبيعة المشكلة جعلتني أحتار في (نوع) المجلة أو الصحيفة التي يمكن أن أراسلها حول هذه القضية، فكما تعلمون فقد ابتلينا نحن العرب بحب (الأنواع)، وبالتالي لدينا مجلات نسائية، وشبابية، وسياسية، ورياضية، وفنية، وثقافية... إلى ما هنالك من (الأنواع)، فاحترت من أُراسل، و وجدت نفسي بعد هذا التطور في موضوعي لا أختلف إطلاقا عن تلك المتزوجة العاشقة لجارها !!، فمشكلتي ذات أصل أدبي وثقافي، غير أنها سرعان ما تصبح سياسية، وربما تتطور لتصبح قضية أمن دولة، وجل ما أخشاه أن تصبح بشكل ما قضية دعارة وتُحال إلى الأخلاقية، إذ أنني حين اكتب شعرا أو نثرا وأرسل بالنص إلى مجلة ثقافية أو نادٍ أدبي، يقولون لي: عفوا، هذا نص سياسي، ونحن أصحاب فكر وثقافة وفن، وعندما ابعث به إلى مجلة أو نادٍ سياسي، يقولون لي: هذا نص أدبي-كاريكاتوري، ونحن أصحاب عمل سياسي منهجي، تنموي، تعبوي، (شَعْبوي)... فأهرب والسجع يطاردني كالرصاص، وثم وبعد أن تُرفع العيون عن ورقي لترمقني باستغراب، ينتهي الأمر بالنص إلى خزانة الثياب، أو إلى الغسالة في ثنايا الجيوب.

ولمّا كانت الكتابة (بالعربي) في ظل القوانين المرعية للكتابة، وبين لافتات التحذير والتنبيه، وإشارات المرور مستحيلة؛ لأنك تجد نفسك خياطا أكثر منك كاتبا، جراء أدوات القياس التي تُقاس بها أبعاد الكلمة قبل كتابتها، فان الموضوع برمته صار بالفعل بحاجة إلى حل.

ولأن (الكلمة) بدورها تظل تلح عليك لتكتبها، كما يُلح المتسول، فأنك تنتقل لتعاني من السؤال المتواصل لنفسك عن الغاية من الكتابة !!، ولكنك بطريقة ما تصل لذات النهاية: ما هي مشكلة الثقافة العربية؟ ولماذا لا نقرأ؟ والحقيقة أننا لا نقدم لأنفسنا ما يمكن أو يجب قرأته، أي أن المثقف في نهاية المطاف لا يجد ما يستحق القراءة، وحين تدعي دور النشر أن مستويات الطباعة تتدنى لمستويات مخيفه، نسأل بدورنا: وما الذي طُبع أو يراد طباعته؟ كتب الطبخ، والتاريخ، والفلك، وتفسير الأحلام؟ وهل من كتب تتحدث عن (اليوم)؟، تتحدث (عني)،و(عنك) و(عنها) و(عنا) جميعا، وعن حاضرنا ومستقبلنا وحياتنا؟

ما هي مشكلة الثقافة العربية؟ الخوف؟ الممنوع؟ الهروب من (السياسة)؟ ومتى تنتهي الثقافة وتبدأ السياسة؟، ثم هل الثقافة سياسة أم السياسة ثقافة؟ ... لحظة، لقد ضعت، ومن الطبيعي أن تضيع عند هؤلاء العرب الخارجين على الطبيعة، لذلك فلنناقش الموضوع بطريقة أخرى:

أول كلمة نزلت من السماء كانت (أقرأ)، فالثقافة –بالكتابة والقراءة- هي البداية، وهي المنطلق، يعني يجب أن تكون مثقفا قبل أن تكون طبيبا أو سياسيا أو ماسح أحذية، تمام؟ وبالتالي وعلى سبيل المثال فأن المجتمع غير المثقف ينتج بالتأكيد مجلس نواب غير مثقف، ويعكس الانحدار الثقافي للمجتمع، ومجلس النواب هذا أليس (سياسة)؟ وعليه فأنني أسأل: كيف يمكن منع الثقافة في السياسة ومنع السياسة في الثقافة؟ وماذا يحدث عندما تفقد هذه وتلك؛ الحرية؟ ماذا يحدث؟ يصبح خصر الراقصة ذا تأثير يفوق تصورنا جميعا على المجتمع، إذ قد يرقص الوطن كله دون أن ينفعل مواطن واحد، في حين قد ينفعل الشعب العربي كله بمجالسه النيابية، إذا هزت راقصة خصرها!!

يا سادة يا كرام، لقد بدأ الاستعمار (بفصل) البلاد عن البلاد، والدين عن الدولة، والثقافة عن السياسة، والسياسة عن المجتمع، ثم توقف إذ لم يجد بعد ذلك ما يفصله، ولكن العرب (الكواسر) رفضوا أن يستسلموا، ففصلوا الشمس عن النهار، والقمر عن الليل، والأنوثة عن النساء، والرجولة عن الرجال، ونصف المواطن الأعلى عن نصفه الأسفل، ولقد بلغت ببعضهم الوقاحة لحد محاولة فصل الله عن أنبيائه!!.

في هذا العصر الرخيص، نعم...، لدي ما أقوله، ومنه:

فليكتب كل من لديه أصابع، ليقرأ كل من يتنفس، وهنا أرجو من النقاد أن يجدوا عملا آخرا، ومن المعنيين بالثقافة أن يرموا الصحراء بالرصاص، والسوط برحابة الصدر، ومن السياسيين أن لا يستمروا بدفننا أحياء بداع الرعب والحيطة.

وليفكر كل من تمكن من الاستيقاظ من نومه، لأن الفكر والتفكير ليسا حكرا على أحد، وكل من يدعي أنه رقيب على الفكر وأن الفكر ينتهي عنده، ما هو غير بهلول يحاول أن يعيد اختراع (الكندرة)!!، وكل من يظن نفسه غيرُ معنيٍ بالفكر والتفكير ما هو سوى ضال ينتظر بالفعل أن يعاد اختراع الحذاء.

أعرف أن مشكلة الثقافة العربية هي العرب ذاتهم، ولكنني لا أعرف ولا أريد أن أعرف متى تنتهي الثقافة وتبدأ السياسة ليبدأ المنع والخوف والحذف والتردي، ولا أستطيع أن أؤمن سوى بكون كامل متكامل يصعب فصل بعضه عن بعضه، ولكنني أخيرا أريد حلا مع هذا الشرق المعتوه الذي يريد أن يصير غربا...مع بقائه شرقا !!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى