السبت ٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٥
بقلم أشرف شهاب

أسامة أنور عكاشة: الواقع أغنى من خيال أي مؤلف

واحد من ألمع الكتاب الذين امتزجت أعمالهم بقلوب وعقول المشاهدين فى جميع أنحاء العالم. من يمكن أن ينسى "ليالى الحلمية" أو "أنا وأنت وبابا فى المشمش" أو "زيزينيا"؟
الحديث مع كاتب كبير كأسامة أنور عكاشة حديث لا ينتهى. فهو واحد من كتاب الدراما القلائل الذين استطاعوا أن يحفروا لأنفسهم مكانة خاصة فى قلوب المحبين والمعجبين الذين احترموا فنه، وتعايشوا مع الشخصيات التى خلقها، وأصبحوا ينظرون إليها كأنها شخصيات حقيقة، من لحم ودم.

"فلسطين" التقت أسامة أنور عكاشة، وأجرى معه مراسلها فى القاهرة أشرف محمود الحوار التالى:

 فلسطين: يقال أن الأستاذ أسامة أنور عكاشة يحاول تجنب الصحافة، ولا يرحب بالنقد؟

 عكاشة: أولا هذا القول مردود عليه من خلال وجودك معى. فلو كنت أضيق بالصحافة والصحفيين، ما كنت وافقت على هذا اللقاء. ثانيا، أنا لست معاديا للنقد الجيد والبناء. وأعتقد أن النقد هو ضلع هام من أضلاع المثلث الإبداعى، بالإضافة إلى الكاتب والمتلقى. إذا غياب النقد يمكن أن يحدث خللا فى أضلاع العملية الإبداعية. وأنا أعتبر النقد مرآة للفنان. ولكن المهم كما أشرت النقد الموضوعى الذى يستهدف البناء لا مجرد توجيه السباب والشتائم. وما أراه على الساحة حاليا هو مجرد كتابات انطباعية. لا يوجد ما يمكن أن أسميه حركة نقدية حقيقية. النقد تحول إلى كتابات سريعة فى الصحف، ولم يعد نقدا منهجيا على أصول وقواعد.

 فلسطين: أبدعتم إلى حد كبير فى مجال الكتابة للتليفزيون، لكنكم لم تحقق نفس النجاح فى الكتابة للسينما. فهل يمكن أن نصنف الكتاب تبعا لمجالات إبداعهم؟ فنقول كاتب سينما أو مسرح؟ إلى آخره.
 عكاشة: الكمال لله وحده. ولا يوجد كاتب يمكن أن يبدع فى جميع المجالات بنفس القدر من النجاح. لكل مبدع مجال يمكن أن يبدع فيه، ويستطيع من خلاله أن يحقق نجاحا لا يمكن أن يحققه فى مجال آخر.خذ مثلا على ذلك الكاتب الكبير نجيب محفوظ فهو كاتب رواية لا يشق له غبار. وهو من أهم من أسهموا فى كتابة وتأسيس الرواية العربية، وقد كتب حوالى أربعين سيناريو للسينما، ومع ذلك فمجال تفوقه الأساسى هو فى فن الرواية. كذلك الحال مع المرحوم الدكتور يوسف إدريس الذى أبدع فى مجال القصة القصيرة. وهكذا يمكن أن نقول أن لكل كاتب مجال خاص يتميز فيه، ومجالات أخرى يسهم فيها. والتفوق فى مجال لا يمنع الكاتب من المساهمة فى مجالات أخرى.وبالتالى فإن مجال إسهامى الأكبر هو التليفزيون، وهذا لا يمنعنى من الكتابة للسينما والمسرح.

 فلسطين: من خلال كلامك هل يمكن أن نقول أن التليفزيون هو الذى صنع نجومية أسامة أنور عكاشة؟
 عكاشة:المسألة ليست صناعة. المسألة ببساطة أن ينجح الكاتب فى إثارة اهتمام الناس بما يكتبه.وكل ما يمكننى قوله هو أن الناس بدأت بعد مسلسل "الشهد والدموع" تتساءل عن اسم الكاتب. أصبحوا يبحثون عن اسم الكاتب مثلما يبحثون عن اسم الممثل. و أأنا أحب أن يهتم الناس بالمؤلف. وأن يفهموا القيمة الحقيقية لإبداعه. القيمة التى تجعل من النص الذى يكتبه أساسا لكل ما يشاهدونه فيما بعد على الشاشة.

 فلسطين: هل تعتبر الكتابة نوعا من الاحتراف؟ أم أنك ما زلت تعتبرها نوعا من الهواية؟
 عكاشة: لا. أنا لا أحب أن أكون محترفا للكتابة. وما زلت حتى هذه اللحظة أعتبر أعمالى نوعا من الهواية. نوعا من الهواية التى أحب، بل، وأعشق ممارستها. ولهذا أعشق ما أكتب، وأتوحد مع شخصياتى، وأتعرف عليها بعمق، كأننى أعيش معها. وسيحزننى كثيرا أن أتحول إلى محترف. لكن يضايقنى أحيانا أننى أكون مضطرا تحت وطأة الظروف إلى الجلوس للكتابة لفترات طويلة. وأتمنى أن تتاح لى الظروف دائما للكتابة فى الجو الذى أعشقه، وبالإيقاع الذى يتناسب مع نوع العمل الذى أكتبه، وطبيعة الشخصيات التى أنسجها.

 فلسطين: وما هو الجو المثالى للكتابة عند أسامة أنور عكاشة؟
 عكاشة: أعشق الكتابة فى مدينة الإسكندرية. وأترك منزلى فى القاهرة وأسرتى وأسافر للجلوس فى شقتى وأمامى البلكونة المطلة على البحر الأبيض المتوسط. الهدوء والبحر يمنحانى التركيز والقدرة على الكتابة، والتدفق.

 فلسطين: ومن هم الكتاب الذين تحب قراءة أعمالهم دائما؟
 عكاشة: هناك الكثير من الكتاب الذين أحرص على متابعة أعمالهم، وقراءتها مهما كانت الظروف.وعلى راس هؤلاء يأتى الروائى جابرييل جارسيا ماركيز.
 فلسطين: وما هو العمل الأدبى الذى كنت تتمنى أن تكون أنت كاتبه؟
 عكاشة: بلا جدال.. رواية الأخوة كرامازوف للروائى الروسى العظيم ثيودور دويستويفسكى

 فلسطين: ككاتب متمرس.. هل يستطيع أسامة أنور عكاشة أن يكتب أكثر من عمل فى نفس الوقت؟
 عكاشة: مستحيل. لا يمكننى أن أفعل ذلك. أنا بشر. كيف يمكننى أن أتعايش فى عالمين مختلفين تماما فى نفس الوقت. وما يحدث معى هو أننى أوظف نفسى ووقتى وتفكيرى كله لقصة واحدة فقط فى نفس الوقت. وأظل متعايشا معها حتى كتابة آخر سطر فيها. وبعد أن أنتهى منها تماما أبدأ التفكير فى العمل التالى. لكن من المستحيل أن أبدأ فى كتابة عمل فبل أن أنتهى من العمل السابق له.

 فلسطين: كيف يستطيع أسامة أنور عكاشة أن يلتقط خيوط أعماله؟ وأفكارها؟
 عكاشة: أفكارى من واقع الحياة. وأشخاصي هم الناس العاديين الذين نراهم يوميا فى الشارع. فى إحدى المرات سألنى أحد القراء من أن اين أنتقى أسماء شخصياتي.. قلت له أنتقيها من الشارع. أنا لا أخترع أسماء، ولا أخترع شخصيات أو أحداث. أنا أنهل من الواقع. والواقع أغنى من خيال أى مؤلف. وهكذا فالهموم التى أطرحها فى أعمالي هى هموم شعبي، والطموحات هى طموحات شعبي. أنا مرتبط بالناس وبآمالهم وآلامهم و واقعهم. وخيالى يرتبط بالواقع الذى ألمسه كل يوم. خيالي وأفكاري لا ينفصلان عن الواقع، ولأن اقبل فى يوم من الأيام أو اسمح لنفسى بان أفكر فى غير آلام وآمال شعبي والناس الذين أرتبط بهم.

 فلسطين: حفل شهر رمضان الماضى بمجموعة من الأعمال الدرامية المتميزة فمن هم أفضل النجوم من وجهة نظر أسامة أنور عكاشة؟
 عكاشة: لقد أجبت على هذا السؤال قبل أيام فى إحدى المقابلات الصحفية.. ( شايف أهوه دليل تانى أنى مش مقاطع الصحافة) ومن وجهة نظري يستحق الفنان يحيى الفخراني لقب أفضل نجم بلا منازع. والفنانة عبلة كامل أفضل نجمة. والمخرج محمد فاضل كأفضل مخرج. ومحسن زايد ومجدى صابر يشتركان فى لقب أفضل كاتب سيناريو.

 فلسطين: وأفضل المسلسلات؟
 عكاشة: "حديث الصباح والمساء" و "للعدالة وجوه كثيرة".
 فلسطين: من الغريب أنك لم تذكر مسلسل "الحاج متولي" بين أفضل المسلسلات رغم النجاح الجماهيرى الساحق الذى حققه.
 عكاشة: للأسف أنا لا أعتبره من بين الأعمال الجيدة.

 فلسطين: لماذا؟
 عكاشة: هذا المسلسل من أخطر المسلسلات وأكثرها سلبية. ولم يحدث من قبل أن ناقش مسلسل مصري قضية المرأة بهذا القدر من التخلف فى المفاهيم. هذا المسلسل يعود بالمرأة المصرية إلى عصر الجواري والحريم. وللأسف تلقى الغرب هذا المسلسل بتغطية إعلامية واسعة اعتبرها صناع المسلسل نوعا من النجاح، بينما كان الإعلام الغربى يأخذ المسلسل دليل إدانة ضد الإسلام والمسلمين. لقد حاول الغرب إثبات صحة نظريته عن تخلف المسلمين وانهم يقتنون النساء كما يقتنون الحيوانات. هذا المسلسل قدم أكبر خدمة لأعداء الإسلام وأعداء العرب، وأعطاهم الدليل على مدى التخلف الذى نعيشه.

 فلسطين: لقد لاحظنا تكرار ظهور المرأة المصرية فى الأعمال الدرامية بصورة سلبية. وليس فقط فى "الحاج متولي".
 عكاشة: فعلا. هذا حقيقى. لقد بح صوتى من المطالبة بضرورة التدقيق فى اختيار الأعمال، وضرورة وضع منهج وفلسفة تحكم عمليات اختيار الأعمال التى يتم عرضها بالتليفزيون. وسأظل أطالب بهذا حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

 فلسطين: فى نهاية حوارنا ماذا يتمنى أسامة أنور عكاشة؟
 عكاشة: أتمنى أن يتم حل القضية الفلسطينية بشكل نهائى، وأن يتوقف السفاح شارون عن المجازر التى يرتكبها. وأتمنى أن


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى