الخميس ٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٩
بقلم وفاء شهاب الدين

أشرف العشماوي ..عن الحياة والكتابة الروائية وما بينهما

هو واحد من الروائيين العرب المهمين في الألفية الجديدة الذين يطورون من الكتابة ويعملون على مشروعهم الأدبي بجدية بالغة، بدأ الكتابة منذ سنوات طويلة لكنه لم ينشر سوى من عشر سنوات فقط، وبعد عامين في 2012 صار نجما من نجوم الأدب العربي بعد وصول روايته الثانية تــويا لجائزة البوكر العالمية كواحدة من افضل الروايات بالوطن العربي ثم توالت الجوائز في روايات المرشد والبارمان وكلاب الراعي، وحققت رواياته مبيعات هائلة حتى صار واحدا من الاكثر مبيعا في مصر والوطن العربي بالاف النسخ كل عام ، لم يتعامل العشماوي مع الشهرة مثل غيره ممن سبقوه اليها، بل بدا وكأنه يتهرب منها، جلس بالصفوف الاخيرة متفرجا كما يقول ليرى أفضل، فهو مقل جدا في ترتيب الندوات لنفسه ونادرا ما يظهر بحفلات التوقيع لأخرين، ويبدو فعلا أنه لا يحبها ويفضل عليها ندوة ثقافية جادة للاستماع لرأي القراء والذي يوليه اهتماما خاصا في كل حواراته الصحفية وندواته، العشماوي الذي بدأ الكتابة الروائية بعد ما تجاوز الثلاثين من عمره ونشر أولى رواياته في الاربعين يبدو شابا في فكره وملابسه البسيطة وطريقته الودودة في التعامل مع القراء والجمهور بالندوات والتي لا تخلو من خفة ظل طوال الوقت رغم طبيعة عمله الصعب وسنه الذي تجاوز الخمسين ببضع سنين، وفي حواره معنا بدا كعادته متواضعا مبتسما ابتسامة واسعة كالتي تظهر في معظم صوره الفوتوغرافية لكن الأغرب قوله بثقة انه لا يرى نفسه كاتبا متميزا حتى الأن ولا يزال يحتاج وقتا لتقديم الافضل الذي لم يأت بعد، فكان هذا الحوار عن الحياة والكتابة وأشياء أخرى..

بدأت الكتابة متأخرًا ربما عمرك تجاوز الثلاثين بعامين أو ثلاثة ثم نشرت وأنت في الثالثة والأربعين من عمرك تقريبا فهل أنت نادم على ذلك وهل تندم في حياتك على محطات كان يتعين عليك التوقف بها؟

أن تأتي متاخرًا خير من ألا تأتي على الاطلاق، أنا عادة لا اندم على شئ في حياتي لانني وقت اختياره فكرت واخترت وببساطة تحملت المسئولية تعلمت من اخطائي واستفدت من مغامرتي وتجربتي لا احب كثيرا مقولة لوعاد بي الزمن لفعلت كذا وكذا لأنها غير منطقية، فلو عاد بي الزمن لن يعود وانا في سني الحالي بل سيعود إلى ما كنت عليه وقتها بثقافتي وخبراتي وتجاربي وتفكيري وقتها، وسأختار نفس الاختيار بالتأكيد. هذه مقولة تدفع لليأس وللنظر للوراء وانا لاأاجيد ذلك والحمد لله. أما محطات حياتي فأنا توقفت بكل محطة رأيتها مهمة ونزلت وأديت مهمت ثم ركبت القطار لمحطة أخرى. لا لست نادما الحمد لله على أي شىء.

عملت مستشارا قانونيا لهيئة الآثار المصرية سنوات طويلة استعدت فيها آلاف القطع الأثرية المهربة للخارج ونجحت في وضع قوانين جديدة للحفاظ على الاثار المصرية بالداخل وعملت مع اليونسكو ولك اياد بيضاء كثيرة وانجازات مشرفة أشاد بها كثيرون في هذا المضمار بما لم يحققها من كان قبلك او من جاء بعدك في نفس منصبك والان هناك اصوات من وزارة الاثار تطالب بعودتك لاستعادة الاثار المسروقة واخرها رأس الفرعون توت التي بيعت في مزاد لندن فهل تلبي النداء؟

انا مؤمن ان لكل منا مرحلة يؤدي فيها دوره على أكمل وجه يكون موفق جدا فيها بل ومحظوظ وأنا كنت كذلك على مدار اكثر من ثماني سنوات ونصف عملت فيها بهيئة الاثار لكن التجرية لا تستنتخ ابدا بنفس الجودة. ما تم استعادته من اثار كان نتيجة لعمل جماعي منظم كل شخص يعرف دوره ولا يتدخل في عمل الاخرين منظومة أشبه بفرقة موسيقية لو صحت تنجح ولو كل واحد منا عزف في غير وقته لتحول الامر الى ضوضاء ولا شئ أكثر. أنا اديت دوري واستكملت ما بدأه من كانوا قبلي وهم اساتذة لي. كل ما في الامر انني عملت مع الدكتور زاهي حواس وهو يجيد جذب الاعلام حوله فسلط الضوء علينا جميعا في اطار المنظومة التي قلت لك عنها. الان انا ابتعدت برغبتي منذ سنوات قليلة، ولم تعد لدي اللياقة الذهنية والقدرة البدنية على مواصلة العمل الشاق الذي اديته ولا اضمن نجاحا في منظومة مختلفة عما اعتدت عليه في العمل، ايضا الكتابة الروائية تستغرق وقتي مع عملي في المحكمة فلا يوجد لدي رفاهية الوقت لعمل اضافي. واخيرا انا ضد استعادة روح قديمة من المخازن لاعادة استنساخ النجاح. انا نجحت في ظروف معينة بتوقيت معين مع اخرين. هذا كله غير موجود الان بالنسبة لي كل شيء تغير عما نجحت فيه من مناخ وظروف، هذه سنة الحياة كلها، ولابد من اتاحة الفرصة لاخرين بالتأكيد منهم من هو افضل مني واقدر على الانجاز. كل منا له دور وتوقيت محدد وتجاوزه والعناد فيه يؤدي لهلاك الروح ومذلة النفس والفشل ويصير المرء عبئا على من فرض نفسه عليهم حتى لو استجاب لدعوتهم بالعودة او الاستمرار في غير اوانه ووقته.

هل تعتبر الكتابة عملا احترافيا وأنت الأن الاكثر مبيعا في الوطن العربي وأحد الذين يحققون دخلا كبيرا من الكتابة الروائية؟

لا على الاطلاق انا لا زلت أرى الكتابة لعبة ممتعة أمارسها بانتظام كطفل كبير ولا شئ أخر.

انا احب الحكي المسرود على ورق انا استمتع بما افعله ولا افكر في اي شىء أخر وتزداد متعتي عندما يعجب الناس بما كتبت، مثلما يبني طفل منزلا من قطع الليجو اللعبة الشهيرة فيصفق له من حوله. أما الدخل من الكتابة فانا لا اتعامل مع الموضوع بهذه الحسابات، صحيح لا احد يكره المال لكنني استمتع بانفاقه ايضا وطبيعي ان المبيعات الكثيرة تحقق دخل اكبر لكنه ليس بهذه الصورة التي تسمح بالاعتماد على الكتابة كمصدر وحيد للدخل ربما هي مشكلتنا هنا، ففي الغرب يعيش الكاتب مما يكتبه اما هنا فلابد من مهنة أخرى لكي يستطيع الكتابة وهو مطمئن بأنه سيجد ما يعيش به، الامر مختلف تماما عما قد يظنه الناس بشأن الدخل من الكتابة في مصر.

معروف عنك أنك لا تحب تقديم النصح للكتاب الجدد ولا تقدم ورشا لتعليم الكتابة بل ايضا مقل جدا في حضور ندوات ثقافية لزملائك رغم أن الكاتب أنيس منصور هو من قدم لك النصيحة وساعدك ومن بعده ابراهيم عبد المجيد ومكاوي سعيد حسبما هو معروف عن مسيرتك الادبية فهل ترتبط هذه العزلة بفكرة أنك لست الافضل وانك لم تقدم ما يرضيك حتى الان ام أنها أنانينة المبدعين؟

لا ليست أنانية المبدع اطلاقا، النصيحة صعبة فانا لا اعرف ظروف الناس بالكامل لكي اقول لهم ما يجب ان يفعلوه لكنني اقول رأيي في كتابات الاخرين اذا ما طلبوا مني ذلك قبل النشر لا أتأخر عن الغالبية وفقا للوقت خاصة انني مريض بالتهاب مزمن بعيني اليسري لا يسمح لي بالقراءة لفترات طويلة ايضا عملي عائق كبير في اتاحة وقت لندوات او حفلات توقيع ومع ذلك احاول قدر الممكن المجاملة، وما لا ادركه اكتب عنه اذا ما اعجبني، ثم أن النصيحة وفقا لما رايته بالوسط الثقافي لا تلقى قبولا وترحيبا. في مرات عديدة قلت رأيي ونصيحتي لأخرين فيما كتبوه فقاطعوني وابتعدوا عني وغضبوا من كلامي مع انه كان بيني وبينهم وتحت الحاح منهم. زمان كانت الناس ترغب في التعلم وتبحث عن من يعملها ، الان الكل صار معلما من اول سطر ولا يريد سوى الصبيان لتصفق له. الدنيا تبدلت كثيرا والعزلة افضل في حالات كثيرة وتفيد الكتابة والكاتب اكثر من الانتشار والفلسفة الفارغة على وسائل التواصل الاجتماعي.

على الاقل هذا رأيي واطبقه على نفسي ولا انصح به احدا غيري. اما ورش الكتابة فأنا غير مؤهل لها مع كل تقديري لمن يقوم بها تلك ملكة وموهبة ليست عندي وكما قلت انا لا ارى ان الروشة تصنع كاتبا انما تساعده كي يكون افضل فقط. فلابد أن يتقدم لها ويقبل القائمين عليها من يتوافر لديه الموهبة لا من يقدر على دفع الرسوم فقط. فن الرواية موهبة انا احببته وفعلته ومستمع به واراه سهلا لطيفا مناسبا لي ويرضي طموحي ورغباتي ولا شئ اخر هكذا اراه فكيف اعلمه لاخرين يفتقدونه هذا مزاجي الخاص وتسليتي الوحيدة تقريبا منذ عشرين عاما كيف افرضها على اخرين؟!، اما ان الافضل لم يأت بعد فهذا امر يخصني وحدي لا ارتباط بينه وبين النصح. لكني راض عما كتبته وان كنت ارى ان الافضل من وجهة نظري لم اكتبه ليمكن القول بأنه عمل فارق أو لم يأت به غيري. كلنا يبحث عن الخلود والكمال في الفن، وهناك كتاب افضل مني بالطبع وموهوبين جدا لدرجة انني اغير من كتاباتهم الجميلة المبهرة. أنا في منطقة أعلم حدودها واقول يارب تعجب رواياتي الاخرين وتسعدهم وهذا يكفيني جدا الأن وأتمنى استمراره.

هل توجد مشكلة بمجتمعاتنا العربية في التعامل مع القاضي الذي يكتب الرواية؟

لا توجد مشكلة قانونية مع عملي على الاطلاق، فقانون السلطة القضائية يسمح لي بممارسة هوايتي، وعملي قدم فنانين من قبلي روائيين ورسامين ومؤلفي موسيقى هذا امر مطلوب لأن الفن مرأة المجتمع وعمل انساني بحت يتقاطع مع القضاء ويفيده ويؤثر عليه بالايجاب، ثم انني لا اخذ قضايا منظورة امامي لاضعها في روايات ولا انظر قضايا لأناس أعرفهم، وبالطبع قيود مهنتي كقاض تحتم على الالتزام فيما اكتبه او اقوله بالندوات كما انني لا اكتب مقالا سياسيا لأنه محظور علي ابداء أراء سياسية وانا احترم ذلك جدا، ولا ادخل في معارك كلامية مع اخرين ولا أرد حتى على من يهاجمني، ولدي وكيل ادبي يتولى عني مشكورا تعاقدات الروايات المحولة لاعمال درامية او الترجمة ويختار لي ندواتي بالوطن العربي الامر محكوم والتقاليد والاعراف اراعيها بالطبع لكن احيانا توجد هذه المشكلة لدى البعض ربما بسبب الجهل وربما بسبب حب الظهور بمهاجمتي لا اعرف سببا محدا. مؤخرا هاجمني احدهم في جريدة المصري اليوم ونشر مقاله على صفحته ومن التعليقات فوجئت بتشوش المفاهيم لدي متابعينه لدرجة مؤسفة لكني لا انزلق للرد ابدا وتولى الناقد الكبير دكتور صلاح فضل الرد نيابة عني ثم اتبعه رئيس تحرير الجريدة فشكرا لهما. في مصر مئة مليون حكيم وفيلسوف وقاض لا أحد يقول لا ادري ابدا، مع اننا لا ندري في اغلب الاحوال ومعرفتنا محدودة. انا شخصيا ليست لدي مشكلة تلك هوايتي وامارسها وساظل افعل ذلك حتى اموت او اتوقف عن الكتابة لسبب او اخر رغما عني ارجو الا يأتي هذا اليوم فلا اريد ان ارى كوابيسي امام عيني كل صباح وهي تتحرك امامي.

وإذا ما خيرت بين القضاء والكتابة فأيهما ستختار؟

كلنا يختار أن يعمل ما يحب، ويعيش ليستمتع بما يفعله وأنا مثل كل الناس في هذا الأمر.
لديك غضب مكتوم دائما من النقاد رغم عشرات المقالات التي كتبت عنك وغالبيتها أشاد بموهبتك فلماذا؟

لا يوجد لدي أي غضب معلن أو مكتوم من النقاد ، وانا بطبعي شخص غير كتوم وأقول ما اشعر به بغض النظر عن النتائج. المهم او المعيار عندي ان يكون ما اقوله له جدوى . ارى أن النقد الحقيقي في مصر ضعيف والنقاد الحقيقيين عددهم لا يتجاوز أصابع اليدين على أحسن تقدير والباقي ليسوا نقادا انما يقولون انطباعات شخصية فقط لا غير وهذا ليس نقدا أدبيا. من أشاد بكتاباتي أسعدني ومن انتقدها بموضوعية أفادني ومن شتمني تجاهلته. الحياة بسيطة وقصيرة لا تحتمل أن أدفع فاتورة حرق أعصابي لحساب أخرين لا يبالون.

ما أكثر شئ يجذبك في الحياة؟

مستحيل الاجابة بشىء واحد خاص وإلا كانت اجابتي عامة أن أعيشها بمتعة. الحياة رغم قصرها ممتعة في بساطتها بغير تعقيد او وقوف على تفاصيل لا جدوى منها مثلها مثل الحشو في الرواية تصبح رتيبة مملة، لكن يمكنني القول بأن البحر والسفر والاقتراب من الأصدقاء الحقيقيين والجلوس مع أولادي وعائلتي من متع الحياة، ايضا الكتابة الروائية واحدة من أحلى المتع. عملية خلق عوالم وبعث شخصيات من لحم ودم تتحرك أمامك على ورق شئ ممتع جدا. هناك قبل ذلك كله الحرية وتحقيق الحلم والطموح والأمل كلها معاني في الحياة لا تستقيم بدونها ولا طعم لها من غيرها، لكني لا احب عادة اختيار شئ واحد لان الحياة نفسها اختيار من مجموعة بدائل وليست مقصورة على امر وحيد كما في السؤال.

وما هو الشيء الذي يخيفك في الحياة؟

المرض ولا شىء أخر. اتمنى أن أموت بلا ألم وأن يظل عقلي سليما، لكني أسير في الاتجاه المعاكس صحيا فأنا لا اتبع نظاما غذائيا جيدا ولا زلت اتناول اطعمة غير صحية ووجبات غير منتظمة واعمل لأكثر من 12 ساعة يوميا وقليل الحركة جدا ومدخن شره واحب الكثير من القهوة للاسف الشديد.

لا يمكن أن يمر حوار معك دون السؤال التقليدي عن العمل الجديد الذي ستقدمه للقراء ومتي؟

في علم الغيب، ربما في نهاية العام الحالي فأنا لا زلت أكتب وأنقح وأراجع منذ أكثر من 18 شهرا بصورة شبه يومية وان توقفت مؤخرا رغما عني لضغوط العمل، لكني لا احب الحديث عن تفاصيل عمل لم يظهر وكل ما يمكنني قوله أنه سيكون مختلف تماما عن الروايات السبع الماضية مثلما كان كل منها في وقته واتمنى ان تلقى الرواية الجديدة قبولا لدي نسبة كبيرة من القراء لأن لا يمكن ارضاء الجميع بالطبع.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى