الاثنين ٢٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
بقلم عبدالوهاب محمد الجبوري

أميرة النساء

من قصار الصور
(1)
 
على ضفافِ ربيع الصنوبر
كنا نتسامر
أنا وهي وضوء القمر
وكان معنا قنديل يتدثر
أتى كعادته كل مساء
يبعث الدفء في السنابل
يزرع في الصحراء واحة من بذور الشمسْ
وأمسيات تطلّ في الدروبْ
تسامر الهمسْ
تحاور الغروبْ
تحث الرياح على الهبوبْ
وشفق يهيم في صمتها
يتثر الأعياد في شفاهها
يداعب المشاعلْ
يُغرق صفحات الليل
بأحلام تبحر في كل ساحلْ
ينسج في الأفق ألحانا وأجنحة
يحفظ في أعماقه قصيدة العناء
شعاع من لهيبْ
يحمل حزنه كشاعر غريبْ
يتوكأ خلف ظلال من قامات الشموع
نضحتها رعشة كاس على كف الحبيبْ
يطير بأجنحة الشوق إلى
ظلٍ ممدود في وعدها
يتدفق في ربيعها
كشلالٍ من المطرْ
يحن إلى بريق عينيها وقت السحرْ
 
( 2)
 
مضت أيام تعانق فصولها
ولم يبق لي غير زاد من ربيع
وشطان أقبلت تفتح الأبواب في كل هجيع
عن أميرة حاصرني شوقها
علّمني عبيرها
كيف يستقي الورد طلّ الصباحْ
وخدود أَهتدي بها إذا الليل لاحْ
وشفاه أهجع إليها إذا هبّت على الثغر الرياحْ
 
(3)
 
ودارت الأيام تعطر الزهور والفراشاتْ
أسلمت كفي لرقيق اللمسات ْ
أيقظتني رعشةٌ بعد سباتْ
غسلتْ عقم قلبي
من صديد الزفراتْ
رحت أُلوّحَ بمنديل طرزته الذكريات ْ
فإذا الجُدبُ ربيعٌ وإذا الموت حياة
 
(4)
 
دنتْ مني أحلام الشبابْ
كقطاةِ حقلٍ تجوب السرابْ
وجاءتني( تمشي على استحياءْ )
تبحث عن مطرٍ ناءْ
عن غدير يفتدي ظمأي
عن ظلٍ يقتفي اثري
هبّ ارتعاش الروح في جسدي
واستفزّ صمتها لغتي
فراحت قصائدي تزحف لتمنحها البراقْ
عبر شفقٍ يتلصص الضوء في الأفاقْ
ورسولٍ سار بالوصل بيننا دون رسول
يبحث عن شوق تُكحّله العيون
نجوى وشجون
وظلٌ تحت جناحٍ مدّه ربٌ حنون
 
(5)
 
وأنت يا أنت
هذه تعويذتكِ
علقتها على صدري
فقد تعب مني الشقاءْ
يود لو أن عيونكِ تُعلّق أهدابها في خطاي
كي تتنفس أحداقها
فتوقظ فيها السخاء ْ
 
(6)
 
أرنو إلى عرشها
ميمّماً وجهي شطر نسائمها
اسأل الأزهار عنها
والكروم
والدوالي
هكذا طبع الليالي
تغني في أمسياتي :
أقبلي يا نسمتي
اقبلي يا أميرتي
 
(7)
 
أهاتٌ .. وأي أهاتْ
أَطلقها خليلٌ مشتْ تتبعه الخطواتْ
وقلب يهيم في كل وادْ
يطوي السهد على السهادْ
يهبّ من رقدةٍ أثقلتها السنونْ
على حلم يخضلّ بين الجفونْ
 
(8)
 
ثم حطّمتُ كأسي
وحرّمتُ خمري
دفنتُ ما تبقى من بصيصٍ في مجا مري
وقطعت الأشواط أفتحُ باب جنتي
أيقظت عشبي
نشرت عيوني جناحا
ورحتُ اصطلي لهيب الشوق
وحدي
 
(9)
 
على ضفاف ربيع المطر
رحنا نتسامر
أنا وهي وأمواج البحر
شمعة عذراء تتبختر
توقد فوانيسها تحت المطر
شفتاها بركانان من لهب
 
وجْنتاها إعصاران من غضب
صار قيدها فضاءً في جنا حاتي
وصمتها أبرق :
 
قد حان ميقاتي
 
(10)
 
اطلَّ الربيع ….
ورحتُ أقرا ما تيسر من سور القصيدْ
لحبيب في الانتظار كل يوم لا يحيدْ
قالت : ليتك لم تسرفْ حتى في غمغمات القلبْ
قلت : إنما دروب الحياة شرق ودروب العشق غربْ
والأحلام ليلٌ ، وثواني الحبِ برقْ
ليس أشهى من وصال , ولا منه ارقْ
يا طيبَ كاسات الهوى
يا ويلَ رحيل بلا منتهى
 
(11)
 
صوت من النبض مرهون بقافيتي
آلهة الحسن والدلال يمامتي
أميرة النساء أغنيتي
عشتا ر أهزوجتي
تراودها أشرعتي
تريد أن تغرق في عينيها
تريد أن أُصغيَ لضجتها وحدي
(كفها كالحمامة حطت على كتفي )
أخذتني على خدها شامة
أخذتني بين شفتيها ابتسامة
شيدت لي قصرا للهوى فوق الفضاء
ونسجتْ من الغمام برقا يطيب فيه اللقاء
نادتها الشمس فلم ترحل
وناجاها القمرْ
فإذا هي المغنى والوترْ
 
(12)
 
كنا ثلاثة …..
عيون مبللة بالصمت والأسفارْ
وصايا أشرعة
ونوافذ تنتظر الإبحارْ
رحت أرقب ملامح وجهها
وهي تطفو فوق رحيل يديها
تجمع النجوم تحت مقلتيها
فاستخارت شفتيها
 
...........
 
أوقدتْ وجنتيها فنارْ
 
(13)
 
كنا ثلاثة …
وكان معنا زورق من (أحلام الشباب )
يرنو إلى شاطئها بعد عذاب
غدا ستعود صبية الأحلام
تزفها المرايا على كحل مستثار الظلال
تبكي وتضحك , تطرب وترقص أنى شاء لها الخيال
رسمتْ للحب خدودا من شهد ورحيقْ
فرايتُ فيه : خسوفا
ونجوما
وبريقْ
ثم رحت أبحث في السلالات
عن نجم يشعّ ساعة السحر
( فرأيت شمعة تهتز في ضوئها
كل الطفولات التي في الكبر )
 
(15)
 
العطر والألوان والوتر
أحداق سمّاري
فلا وتر ناءَ بالحاني
ولا عطرٌ أذاب في سحر الناي أسراري
مرة آوي لجارحةِ القلب
ومرة اصطلي كل اللهيب وحدي
كالصائم إلى الغروبْ
فهل من شكوى تطوف على الشفاه
(وهل من وعد بريء كالطفل رؤاه )
 
(16)
 
قلت : لا تحزني يا أميرة النساء
ولا تُبرمي عقدا مع نعاس الغابة
أو ميثاقا يُعير البحر نصف سحابة
فمراسيك ستسرج جياد الشوق إن تغنّتْ بأشرعتي
وعيونك ستصول بأحداقها أن رتلّتْ لغتي
 
(17)
 
كل من رأى تحليقنا
يزفه حرفان من قاموس الجسدْ
وترانيم للعشق تنشدْ
ظن هوانا بدعة
أو صنما يعبد
قلت : إن لمُتنا
فان لَوم الصبّ مُتعة
ثم زاد وزاد
…..
وحسب أننا جنينا
فألقى اللوم في مقلتينا
كان صديقا وصار في الحب علينا
ثم رحت ابحث عن نجم
يشع في أفق الغرام
ورأيت فيما يرى النائم
أطيافا سمراء
وأحلاما
وليالي صيف
وسروة عذراء
تحن إلى اللحاء
 
(18)
 
لأنها الأحلى والأجمل
وهبتها القلب ولم ابخل
 
ولأنها الابهى والأنبل
 
وهبتها الروح ولم اسأل
ولأنها الحزن والحلم
 
ومطاف دمعي وابتسامتي
 
والذكريات وآهتي
بحت بأسراري لعينيها ولم أحفل
ولأنها أول نهدة للشمس
كتبت لها سورة الوعد الذي لا يخون
ولأننا رغم القنديل الحزين
لسنا بثلاثة
أو ثلاثة بذات الحنين
يحترقون
من قصار الصور

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى