الأربعاء ٢٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
بقلم عزت السيد أحمد

أنا ضد حماس ولكن

أنا أعرف وأعترف أنَّ هناك يمين ويسار، وأتفهم أنَّ اليسار لا يحب اليمين ولا يعترف به، وأن العكس أيضاً قائمٌ، ولدينا من الأمثال على ذلك ما يسدُّ عين الشمس.

هذه حقيقة لا يمكن نكرانها ولا جحودها ولا إلغاءها. ولكنَّها حقيقة يمكن قبولها في كلِّ شيءٍ مهما كان إلا فيما يتجاوز المنطق وقوانين التفكير. عندما يتجاوز المرء في فهمه وقبوله ورفضه... قوانين الفكر فإنَّهُ لا يعدو أن يشبه القرد الذي يثب فوق الأغصان ظانًّا أنَّهُ يثبت فوق التَّاريخ والزَّمان... بل لا يزيد عن أن يكون ذلك الأحمق الذي يعيد عقرب السَّاعة ساعةً إلى الوراء ويظن أنَّ الزَّمان قد عاد فعلاً ساعة إلى الوراء، ويظنُّ أنَّهُ إذا أدار عقرب السَّاعات بضع دوراتٍ إلى الوراء فإنَّهُ أعاد الزَّمان بضع أيام إلى الوراء.

تجاوزاً وتيسيراً يمكن نقول إنَّ ما قبل مجزرة غزَّة شيء وفي أثنائها شيء آخر، على الرَّغْمِ من أنَّ الحق حقٌّ قبل البيرينيه وبعدها، وقوانين الفكر هي ذاتها فوق الأرض وتحتها وعلى يمين الأرض وعلى يسارها.

منذ باشر الكيان الصهيوني مجزرته في حقِّ أهلنا في غزَّة يوم السبت 27 كانون الأول 2008م وحَتَّى توقف المجزرة بعد تمام ثلاثة أسابيع بعدما حصدت أرواح أكثر من 1300 شهيد، وكان من ضحاياها نحو سبعة آلاف جريح، ناهيك عن الزرع والحرث والأرض والمساكن والمدارس...

طيلة المجزرة ونحن نفاجئ كل يوم بهذا المفكر وذاك من فطاحل الفكر العربي وفحول والصِّحافة والإعلام العرب، يبدأ تحليله بقوله: «أنا ضدَّ حماس ولكنَّ نحن في ظرف لا يحتمل النَّقد...». وكذلك قول بعض آخر بالمعنى ذاته: «أنا لست مع حماس ولكنَّنا أمام ظرفٍ لا يحتمل عرض الانتقادات...».

أنا أريد أن أسأل هنا أمثال هؤلاء الفحول:
ـ لماذا أنتم ضد حماس؟
ـ لماذا أنتم لستم مع حماس؟
ـ ما الفعل المشين أو السَّفيه أو الرَّذيل أو الصَّفيق الذي فعلته حماس حَتَّى تقفون ضدها؟

بل دعونا نسأل:
ـ ما الذي فعلته حماس بالإطلاق مما يوجب عليكم هذا الإنكار والرفض لها؟

إذا نظرنا في تاريخ حماس منذ نشأتها وحَتَّى السَّاعة، ولا نغض النظر عن شيء حَتَّى لا نترك ذريعة لأحد بزعم ما يريد، وجدنا أنها حركة مقاومة قبل أيِّ شيء، ولكنَّها حركة ذات بعد ديني إسلامي. وحركة المقاومة الإسلاميَّة حماس ليست على التَّطرف في شيء إلا إذا عُدَّ التدين ذاته تطرفاً وهذا ما سيدخلنا في متيهٍ لا حدود له من النقاش والجدل.

فلماذا يقف هؤلاء ضدَّ حماس: هل لأنها مقاومة أو لأنها متدينة أم لأنها مقاومة متدينة؟

رُبَّما يوجد سبب أو أسباب أخرى لا أعرفها. ولكن لأنه لا يودد إلا هذه الأسباب فإني أناقش الأمر في فضائها.

أعود إلى مطلع المقال لأقول أنا أفهم وأتقبل أن لا يؤمن (اليساري) أو الإلحادي بعقيدة حماس الدينيَّة أو تدينها. ولكن حماس ليست حركة دينية وإنما هي حركة مقاومة صبغتها العقيدية هي التدين، ولا تختلف في ذلك عن حركات المقاومة الفلسطينية أو غيرها التي تدين باليسارية أو الإلحاديَّة عقيدةً لها... وهذه مسألة قد يكون فيها نقاش. ولكن ما لا نقاش فيها أنَّ حركة المقاومة الإسلاميَّة حماس قدمت نفسها حركة مقاومة مارست المقاومة والنضال ضد الكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين ورفضت الاعتراف به. ومن ثمَّ فإنَّ من يرفض حماس لأنها حركة مقاومة للكيان الصهيوني فإنه خائن ولا شكَّ في ذلك، لأنَّ العربي الذي لا يؤمن بمقاومة أي احتلال للأرض العربيَّة، مهما كانت ذرائعه، يعني أنه يقبل الاحتلال، من يقبل الاحتلال خائن لوطنه.

ينسحب هذا الحكم على أي رفض لحماس بوصفها حركة مقاومة أو حركة مقاومة إسلاميَّة. أما رفضها لأنها متدينة فأمر فيه نظر.

نقطة الانطلاق في هذا النظر هي أنَّ حماس طيلة ما مضى من تاريخها لم تقدم نفسها بوصفه حزباً دينيًّا أو حركة دينيَّة، وإنما قدمت وتقدم نفسها بوصفها حركة مقاومة للاحتلال الصهيوني، وهي لم تفاوض ولا تفاوض إلا بوصفها حركة مقاومة، حَتَّى الانتخابات التي خاضتها خاضتها بوصفها حركة مقاومة وليس بوصفها حركة دينيَّة. ومن ثمَّ فإنَّ رفض حماس حَتَّى مع تدينها لا يعني إلا رفض مقاومتها، ومع ذلك سنتجاوز الأمر إلى ما بعده ونسأل هل يجوز أن نرفض حماس لأنها حركة دينيَّة؟

إنَّ رفض حماس لأنها حركة دينية أو الوقوف ضدها يعني أساساً وصراحةً عدم الاعتراف بالآخر. فلماذا يُطلب من حماس الاعتراف بالآخر فيما الذي يطلب منها الاعتراف بالآخر يحرمها حق الوجود؟! ويمكن أن نسحب الحكم على أي يمين ويسار بالإطلاق.

أنا أخاطب العرب تحديداً وأخص منهم من لا يحاورون الكيان الصهيوني، وأسألهم ثانية: لماذا إذن نرفض حماس ولماذا نقف ضدها؟ لماذا يحق لنا نحن اليساريون أن نوجد وأن نعبر عن رأينا وموقفنا وعقيدتنا، ولا يحق لحماس أن توجد وأن تعبر عن رأيها وعقيدتها وموقفها؟

ومن جهة أخرى: ألا يعني قبولنا حماس بوصفها مقاومة ورفضنا لها عقيدة أننا نطلب منها أن تضحي وتعمل وتحقق النصر لنأتي ونشاركها النصر أو نسلبها إياه بعد أن بذلت هي الأرواح وبذلنا نحن الصياح حَتَّى النُّباح؟

ألا يعني ذلك انتهازيَّة يصعب وصف صفاقتها؟!

أعود من جديد لتأكيد أن الكلام موجه لمن لا يحاورون الكيان الصهيوني ولا يعترفون به من العرب. أما الصهاينة ومن يعترف بهم من شركائهم وأصدقاءهم فإنَّنا لا نعتب عليهم لأنهم أعداء والعدو لا يرى في العدو إلا عدواً مهما كانت عقيدته وطبيعته.

ولكن لا بد هنا من التَّوجُّه إلى الغرب الذي نفترض منطقيًّا على الأقل أنَّهُ شبه حياديٍّ على الرَّغْمِ من عدم حياديته فعليًّا، ونسأل هذا الغرب: بأي قدرة ساحرة خارقة أمكنكم الجزم بأنَّ التدين الإسلامي إرهاب، والمقاومة الإسلاميَّة إرهاب وتطرف وأصولية على الرغم من أنهم يقاومون ضدَّ الاحتلال باعترافكم أنتم؟

وفي الوقت ذاته أسأل: أيُّ عمى ضرب على عيونكم حَتَّى تعجزون عن رؤية الجنود الصهاينة الذين يرتكبون المجازر وهم يؤدون صلواتهم قبل إسالة أنهر الدِّماء من الأبرياء، ويتابعون صلواتهم وتراتيلهم فوق رؤوس الضحايا؟

لماذا العرب مسلمين كانوا أم مسيحيين أم شيوعيين... الذين يدافعون عن أنفسهم ضدَّ الاحتلال إرهابيون، فيما الصَّهاينة الذي يرتكبون المجازر بدوافع عقيدتهم بإقرارهم يعاملون معاملة الأبرياء والضحايا؟؟!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى