السبت ٢ آب (أغسطس) ٢٠٠٨
بقلم تغريد كشك

أنصاف دوائر..أنصاف حلول

إليكَ فاروق طوزو لأننا نقف معاً داخل مربع الدائرة

عزيزي:
ها هي دوائر الليل الصغيرة تزداد اتساعاً، وكلما ازداد اتساعها تصبح أكثر اقتراباً من هالة شيء ما كان يبدو في الماضي مضيئا.

الآن يزداد اتساع الدوائر، أراها تكبر، تتشابك، ثم تتلاقى أنصافُ الدوائرِ حلولاً لأنصاف مشاكل.

يبدو هذا عادياً في الليل؛ عندما ينام من حولك الضجيج ويتناثر ضوء المساء شعاعات من أحلام خفية، شعاعات تنتظر في مساراتها المختلفة شيئاً ما يكون مضاءً بسواد حبر الطباعة المسافر إليك عبر الكتابة الآلية.

فجأة يزداد اتساع الدوائر، تتلاقى لتتلاصق إلى الأبد ولتصبح دائرة واحدةً كبيرة مركزها ضياع وأوتارها رسمتها يد فنان مجنون تائه، وكنتُ حينها مثل عبقري ترك أحلامه غافيةً فوق غطاء سريرٍ جميلٍ وحيد.

بعد منتصف الليل بقليل تتدحرج الدائرة ببطء لكنها ما زالت لا تعرف اتجاه الدوران في زمن الهروب، وأدركُ فجأة من خلال يأسي أن الدائرة تحوي أرقاماً وأزمنةً وعقارب منحنية وأنها لا بدّ وأن تعرف اتجاه دورانها يوماً ما؛ وأنها ستحمل معها اتجاه أسفاري ومتاهاتي وتكون تماماً مثل ذاتي تدور حول نفسها كل يوم، أنطلق منها أحياناً وتنطلق نحوي دائماً.

الساعة الآن تقترب من الثالثة فجراً، أحس بأن اتساع الدائرة ما هو إلاّ اهتزازُ أمواجٍ عاتيةٍ تتلاطم في داخلي وتتسع كالمدّ والجزر، تقترب من رمالٍ دافئةٍ وتعودُ لتصطدمَ بصخور الخوف الباردة من جديد.

ما تزال الدائرة آخذة في الاتساع، وها هو شعاع الشمس الدافىء قد بدأ يخترق زجاج نافذتي وبدأ الدفء يهمس لأطرافي الباردة طالباً منها التوجه إلى المطبخ لإعداد شيء ما.
تزداد الدائرة اتساعاً واقتراباً وتتداخل الدوائر في عقلي بالتتابع حيناً وبالافتراق أحياناً،لأدركَ في لحظةٍ أن رغيف الخبز دائري الشكل، والصحنُ كذلك وقاعدة زجاجة الزيت، طاولة الطعام أيضاً دائرية الشكل والمضمون.

أيقنتُ أخيراً أنني يجب أن أكون الآن قد سقطتُ داخل دائرةٍ دائرية أخرى، ضحكتُ وعدتُ لأبحث عن دائرتي الوطنية وعن دائرتي الحزبية وعن دائرتي العقائدية ودائرتي الشعورية ودائرتي الفكرية وعن دائرتي الجغرافية ودائرتي الاتصالية.

ولكن، أيمكن أن يكون للشكل الهندسي المجرد كل تلك الدلالات؛ بحيث يكون الكون مجموعة من الاشارات والدلالات، وأن تحمل كل شارة دلالةً معينة لا يدركها إلاّ من كانت بصيرته يقظة؟
وهل يمكن أن يكون لكل منا دائرةٌ تحيط به وتتحكم به فتكون بمثاية قيدٍ أو حاجز؛ أو قد تتشكل لتظهر له على شكل دستورٍ أو نظامٍ يسير بموجبه؟
عزيزي،
الدوائر الموجودة في حياة كل منا كثيرة وليس لها ما يضبطها أو يحكمها دائماً، ونحن نرفض وضعنا ضمن تصنيف مذهبي أو عقائدي أو فكري معين، بل قد نجد في ذلك انتقاصاً لفرديتنا وتحجيماً لحركتنا وإلصاقاً لصفة العمومية بنا.

انا لست امرأة عادية، أفكاري قد لا تحمل صفة الخصوصية المطلقة لكنها في ذات الوقت مميزة وفريدة، أي أني قد أكون صاحبة انطلاقة لامحدودة الى آفاق وأماكن غير مسبوقة، أي بمعنى أنني استطعت أن أنتقل بنفسي من الدائرة الجغرافية إلى الدائرة الفكرية ومن ثم إلى الدائرة الاتصالية، ومن هنا لا أحب أن يتم تصنيفي مع الآخرين في منظومة أو دائرة واحدة، هذا ما لا أرضاه لنفسي، ولكن تعددَ الدوائرِ هذا المساء جعلني أرى نفسي معك داخل هذه الدوائر جميعها، فأنا لستُ خارج دائرة التصنيف الواسعة، أي أن الناس يستطيعون أن يقولبوا معتقداتي وآرائي داخل دائرة واحدة أو ضمن مجموعة من الدوائر المتداخلة حيناً والمتباعدة حيناً آخر والمغلقة أبدا.

الدائرة مغلقة دائماً؛ إذا فتحناها تغيرت معالمها وفقدت أهمَ ما يميزها وهي الاستدارة، ضمن نقطة البداية تنتهي، ومن نقطة النهاية تبدأ من جديد.
الخير والشرّ حكاية دائرية الملامح، النور والظلام حكاية دائرية الملامح، العدل والظلم حكاية دائرية الملامح أيضاً، أنا وأنت قد نكون حكاية غريبة لدوائر عديدة ؛ فنحن عزيزي نقف الآن معاً داخل مربع الدائرة الكبيرة.

تحياتي أرسلها لك إلى حين الخروج من مأزق الدائرة الكبيرة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى