الخميس ٦ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم محمد أربوز

أوراق ليلة أرق

1. المشهد داخلي. منزل خالد/ المكتب. ليلا

 
المكتب غرفة صغيرة مؤثثة بمكتب بسيط فوقه آلة كاتبة قديمة وبعض الكتب المبعثرة، فنجان قهوة، وخلفه مكتبة صغيرة من أربعة رفوف بها بعض الكتب مختلفة الأحجام. الجدران مزينة بإطارات صور المخرج صلاح أبوسيف، هتشكوك، المفكر مالك بن نبي، والعقاد.
 
في مقابل المكتب وقف خالد(شاب في الثلاثين، أسمر، بشنب أسود كثيف ولحية قصيرة بها بعض الشيب، متوسط القامة، يرتدي بذلة رياضية ونعل صيفي) مستندا على حافة نافذة مطلة على الشارع، وهويتأمل الشارع مدخنا سيجارة.
 
يسمع صوت حركة الشارع.
 
يلتفت خالد. ينظر إلى آلة الكتابة متأملا.
 
الآلة الراقنة تحوي ورقة بيضاء كتبت عليها فقرة صغيرة.
 
يدخن خالد مفكرا. ينظر إلى ساعة يده.
 
الساعة تشير إلى التاسعة وخمس دقائق.
 
خالد
 
(متحسرا)
 
ساعتان.. ولم أضف حرفا.. ما الأمر
 
يا خالد؟ هل جمدت أفكارك أم ماذا؟
 
يدخن خالد ما تبقى من اللفافة. يلقيها أرضا ويسحقها بحذائه ويقصد المكتب.
 
يقتعد الكرسي. ينظر إلى الورقة قارئا ما كتب في صمت.
 
نقرأ في السطر الأخير من الفقرة.
 
"كل الدلائل تشير إليه، هو، الحائر في وضعه، التائه في محيط لم يخطر بباله أن يترك وحيدا في لججه يغرق ببطء."
 
خالد
 
(بصوت مسموع،
 
وهويتمطط)
 
أن يترك وحيدا في لججه يغرق
 
ببطء.. ببطء.. وماذا بعد يا خالد؟ هل
 
ستتركه يغرق أم تنقذه؟
 
يسمع دق على الباب.
 
خالد
 
(وقد ارتخى في جلسته
 
وشبك أصابع يديه خلف
 
رأسه)
 
أدخلي، الباب مفتوح!
 
يفتح الباب. فتدخل زوجته سعاد (25 سنة، متوسطة القد والجمال،
ترتدي تنوره شتوية فضفاضة وخمارا) وفي يدها فنجان قوة ساخن،
خلفها طفلها الصغير فريد (4 سنوات) وهويمسك بتنورها.
 
سعاد
 
(متوجهة نحوالمكتب)
 
لابد أن قهوتك قد بردت!
 
خالد
 
(مبتسما، دون أن يغير
 
وضعية جلوسه)
 
ومنذ زمن.. المشكل أن فكري بذاته برد!
 
تلتفت سعاد وتقف بجانب خالد محدقة في الورقة.
 
سعاد
(مستغربة)
لم تضف حرفا.
يستلم خالد الفنجان من يد زوجته، يرتشف جرعة.
خالد
(ناظرا إلى فريد، وهويفتح كتابا من فوق المكب ويتصفحه)
أجل.. كأن الكلمات رحلت بعيدا، بعيدا!
تنتقل سعاد خلف خالد، وتشرع في دلك كتفيه.
سعاد
(مبتسمة)
تحتاج لبعض الإلهام.. أعتقد أني أتيت في الوقت المناسب
الطفل فريد يترك الكتاب، ويقترب من خالد وعينيه تقع على الآلة الكاتبة.
فريد
(متسائلا)
أبي هل ستشتري لي دراجة؟
خالد
(مبتسما)
غدا، أشتري لابني (يمد يده، ويحمل الطفل، ويوقفه فوق فخذيه في مواجهته.) دراجة!
فريد
(فرحا)
مثل دراجة كمال!
خالد
(مقبلا فريد)
بل أجمل منها.. لكن بشرط ألا تكسرها!
سعاد
هذا ما لن يستطيع الوفاء به يا عزيزي.
يحضن خالد ولده. ويقوم متجها صوب المخرج.
سعاد
(مستغربة)
ماذا تفعل؟ ألا تكمل قصتك؟
خالد
(ناظرا إلى ساعة يده)
لا.. إنه وقت الأخبار، ثم إني جائع!
 

2. المشهد داخلي. منزل خالد/ الصالون. ليلا

 
الصالون قاعة واسعة مؤثثة بديكور مغربي.
خالد مستلق عل سرير يشاهد التلفاز، وبجانبه الطفل فريد جالس القرفصاء مشغول بتفكيك مسدسا بلاستيكيا. صوت جرنيك الأخبار بقناة الجزيرة.
المذيعة تذيع خبرا عاجلا عن قصف العاصمة بغداد.
مشاهد القصف.
تلج سعاد الصالون وفي يدها أدوات حياكة صوفية.
تجلس بجانب رجلي خالد مشاهدة التلفاز.
سعاد
(بتأثر وأسف)
بدأت الحرب إذا.. يا للمأساة!
خالد
(متابعا الأخبار باهتمام)
أجل، الأوغاد بدؤوا بالقصف!
على شاشة التلفزة تبث صور للقصف.
سعاد
قلت لك أن الحرب واقعة لا محالة.
خالد
(يقتعد السرير بحنق)
هذه المرة لن تسلم الجرة.. الحرب لن تضع أوزارها إلا بسقوط بغداد.. إنهم عازمون على ما بدؤوه من قبل.. الملاعين!
الهاتف فوق التلفاز يرن.
يرفع الطفل فريد رأسه منتبها لرنينه، فينهض مسرعا نحوه.
الطفل فريد
الهاتف يرن يا أبي.
ينهض خالد. يتجه صوب الهاتف. يرفع السماعة.ينظر إلى زوجته ويشير لها بخفض صوت التلفاز.
تحمل الزوجة علبة التحكم عن بعد، وتخفض الصوت.
خالد
ألو.. نعم خالد معك.. من.. علي.. أهلا بك.. كيف حالك!
علي
(صوت)
كيف تريد أن يكون عليه حالي يا أخي يا خالد وأنا أشاهد الفاجعة!
خالد
لقد كان توقعك صائبا يا صاحبي.. كل المظاهرات والاحتجاجات لم تثن الأنذال عن عزمهم.
علي
(صوت)
يقولون أنهم استهدفوا صدام بستة صواريخ.. هل تعتقد أنهم نالوا منه؟
خالد
(متحصرا)
لا أدري.. ربما!
علي
(صوت بنرفزة)
لن ينالوا منه بهذه السهولة.. لابد أنه أخذ كل احتياطاته..
خالد
(متابعا شاشة التلفاز)
هذا أكيد.. ثم حتى وإن تمكنوا منه، فهذا لا يعني أن العراقيين سيستقبلونهم بالأحضان كما يتوقعون.. سترى كيف سيكون الرد.. إنها العراق يا صاحبي.. أولا تعلم ما تعنيه العراق!
علي
(صوت)
ماذا ستكتب غدا في عمودك؟
خالد
(ملتفتا إلى زوجته وهي تتابع الحوار)
سأكتب عن ما سيكتب عنا في صفحات التاريخ.
علي
(صوت بتحسر)
إنها مأساة.. حسنا نلتقي غدا في الجريدة.. سلام.
خالد
سلام.
يضع خالد السماعة.
ويسرع إلى موضعه. يحمل علبة التحكم عن بعد ويرفع صوت التلفاز.
قناة الجزيرة تبث آخر الأخبار.
يقترب الطفل من أمه، وفي يده مسدسه البلاستيكي.
الطفل
ماما.. أريد الذهاب إلى المرحاض.
تضع الأم معدات الخياكة جانبا، وتنهض مرافقة طفلها إلى الخارج.
 

3. المشهد داخلي. منزل خالد / البهو. ليلا

 
تخرج سعاد مصحوبة بطفلها فريد وتقصد المرحاض.
تفتح باب المرحاض، وتنير الكهرباء.
يسمع صوت جرس الباب الرئيسي.
تترك سعاد طفلها يدخل المرحاض، وتقصد هي الباب مستغربة.
تقرب من الباب.
سعاد
من الطارق؟
عبد المجيد
(صوت)
عبد المجيد.. هل خالد موجود؟
سعاد
(وهي تنظر من العين السرية)
أجل.. لحظة..سأناديه.
تتجه سعاد نحوالمرحاض.
سعاد
(بصوت عال)
خالد.. عبد المجيد يسأل عنك.
يخرج خالد من الصالون قاصدا باب المدخل، يمر بسعاد وهي تغلق سروال طفلها.
سعاد
يظهر أن اندلاع الحرب في العراق خلق حالة استنفار بينكم.
خالد
إنه العراق يا سعاد..
يفتح خالد الباب، فيظهر عبد المجيد (شاب في الثلاثينات، ملتح، يرتدي قميصا أبيض وطاقية) علامات التأثر والغضب بادية عليه.
عبد المجيد
(توثرا وبلكنة عراقية)
السلام عليكم أخ خالد.. آسف على الإزعاج.
خالد
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. في الحقيقة كنت أنتظرك.. تفضل بالدخول.
غير أن عبد المجيد يحتضن خالد ويجهش بالبكاء.
عبد المجيد
لقد فعلوها يا خالد.. قصفوا بغداد..
خالد
(محتضنا عبد المجيد، ومواسيا)
ليست المرة الأولى يا أخي.. فقد قصفوها من قبل وبقيت بغداد هي بغداد.
عبد المجيد
(مبتعدا قليلا)
لكن هذه المرة الحال يختلف!
خالد
(رابتا على كتف عبد المجيد)
لن يكون أسوء من سنوات الحصار.
عبد المجيد
(بتوتر، وهويمسح عينيه المبتلتين)
القصف شديد.. وكما تعلم أهلي هناك!
خالد
أعلم..لنكمل حديثنا في الداخل.. تفضل بالدخول.
يتردد عبد المجيد قليلا. ثم يهم بالانصراف، وتوتره وقلقه يزداد.
عبد المجيد
بارك الله فيك.. أعتقد أن الوقت متأخر.. الأفضل أن أنصرف.. أجل، سأحاول الاتصال بوالدي.. أوبأخي، ربما أفلح في مكالمتهم.
خالد
اتصل بهم من هاتفي.. أرجوك تفضل بالدخول..
عبد المجيد
(منصرفا في توتر)
لا شكرا..الهاتف العام لا يزال يعمل..آسف على الإزعاج.. نلتقي غدا في النادي.
خالد
حسنا، ستجدني إنشاء الله في انتظارك.
يختفي عبد المجيد نازلا في الدرج. يدخل خالد متأثرا غالقا الباب من ورائه. تقبل نحوه زوجته مستفسرة.
سعاد
يظهر أنه قلق جدا!
خالد
(متجها في حزن نحوالصالون)
أجل، فوالديه وكل إخوته تحت القصف الآن.
سعاد
(وهي تحمل طفلها وترافقه)
كان الله في عونهم وعونه.
قطع
 

4. المشهد داخلي. منزل خالد / غرفة النوم. ليلا

 
غرفة نوم خالد يعمها الظلام. لا يسمع غير صوت عقارب الساعة الحائطية.
إنها الثالثة والنصف.
الطفل فريد في سريره نائما في الاتجاه المعاكس وقد تعرى. الزوجة تغط في النوم وهي مستلقية في اتجاه خالد. نور قمري خافت متسلل من النافذة يكشف عينا خالد المستيقظتان تحدقان في الساعة بشرود.
ببطء ينهض خالد. ينير مصباح الطاولة الخافت. يقترب من سرير طفله. يحمله بعناية ويعيده إلى وضعيته العادية مدثرا إياه جيدا. يرتدي نعليه ويطفأ المصباح.
يخرج من غرفة النوم منيرا البهو. يتجه صوب المطبخ متثائبا.
يفتح الثلاجة. يتناول زجاجة حليب منتصفة ويفرغها في جوفه كلية.
قطع
 

5. المشهد داخلي. منزل خالد /غرفة النوم. ليلا

 
سعاد منكشفة الوجه، نائمة تتمتم بكلمات غير مفهومة وهي تتصبب عرقا. تنقبض عضلات وجهها بانفعال. إنها تحلم بكابوس. فجأة تقتعد السرير مفزوعة.
سعاد
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. اللهم إني أعوذ بك من كل طوارق الليل ونهار إلا طارقا يطرق بخير. إلا طارقا يطرق بخير.
تمد يدها إلى مصباح الطاولة وتنيره.تتناول قنينة الماء المتواجدة بجانبه والكأس ثم تملأ الكأس. تشرب ثلاث جرعات متتاليات. تعيد الكأس إلى مكانه. تنظر إلى الساعة.
إنها الخامسة إلا ربع..
تلتفت إلى مكان زوجها الفارغ. تحك رأسها وكتفها الأيسر. تتأب.
يتناهى إلى السمع صوت دقات الآلة الراقنة خافتا. تنهض مستغربة.
تتفقد طفلها، وتخرج إلى البهو.
صوت الآلة الكاتبة يقوى.
تتبعه سعاد في كسل. تقترب من باب المكتب المغلق. تدير المزلاج. تفتح الباب، وتطل برأسها إلى الداخل.
خالد جالس إلى مكتبه في ثوب نومه، سيجارة منتهية في فمه، منهمك في الرقن دون أن ينتبه لشيء آخر.
 
قطع
 

6. المشهد داخلي. منزل خالد / المطبخ. صباحا

 
ساعة الحائط تشير إلى الثامنة والنصف.
سعاد في لباس نومها بشعر مضطرب تنهي تحضير وجبة الإفطار.
عند الباب يظهر خالد مرهقا في ثوب نومه وهويسعل. يده اليمنى تقبض على ورق مرقون.
تلتفت إليه سعاد، وهي تقضم كعكة.
يحدق إليها خالد في صمت.
يمد يده اليمنى نحوها مبتسما.
سعاد
(مبتهجة)
وأخيرا أتممتها.. تهانينا..
 
نهاية

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى