الأربعاء ٥ أيار (مايو) ٢٠٠٤
بقلم أشرف شهاب

"إن كبر ابنك خاويه"

يقول المثل المصرى: "إن كبر ابنك خاويه"، والمقصود أن على الآباء أن يدركوا أن الأطفال لم يعودوا أطفالا، وأن على الآباء أن يغيروا من طريقة معاملتهم لأبنائهم عندما يكبرون. وهكذا، يتحول الإبن إلى منزلة الأخ، فيحترمه الأب، ويتعامل معه على أنه شخصية ناضجة.

لكن الحقيقة تقول أن العديد من الآباء يصرون على معاملة الأبناء، حتى بعد أن يكبروا على أنهم ما زالوا أولئك الأطفال الذين يجب اتخاذ القرارات بالنيابة عنهم، وأنهم لا يعرفون مصلحتهم، وأن الأب هو الوحيد الذى يعرف مصلحة ابنه.

وفى بعض الأحيان تمتد وصاية الآباء إلى الأبناء المتزوجين. فنجد الابن المتزوج يعانى من محاولات والده السيطرة على شئون حياته بداية من اختيار العروس المناسبة له، وصولا إلى التدخل فى كافة تفاصيل حياة الأبناء، وحتى علاقاتهم بزوجاتهم. وذلك على الرغم من أن لكل زمن أفكاره، وتقاليده، وعاداته التى تتغير. وليس المفروض أن يتحول الأبناء إلى نسخة طبق الأصل من الآباء.

فلماذا يتدخل الآباء بالرقابة، وفرض الأوامر والتعليمات على الأبناء؟ ولماذا لا يترك الأب لأبنائه حرية التعبير عن رأيهم؟ ولماذا لا يسمح لهم بحق الاختلاف معه فى الرأى؟ خصوصا وأن الظروف التى نعيشها فى هذا الزمان تتطلب نوعا من لأنواع الانفتاح فى التربية، والتعاون والتفاهم لضبط سلوكيات الأبناء حتى لا يحدث الإنحراف، أو يحدث نوع من العناد، والإصرار من جانب الأبناء على فرض آرائهم حتى لو كانت خاطئة لمجرد أنهم يريدون إثبات شخصيتهم المستقلة، والتمرد على وصاية الآباء؟

عن هذه المعاناة يقول أسامة عبد الخالق (طالب) من الواضح أن هناك اختلاف كبير بين العادات والسلوكيات التى نمارسها كشباب اليوم عن عادات وتقاليد الآباء. وهذه التغيرات فى العادات تؤدى إلى حدوث نوع من التصادم بين الأب والإبن. الأب يريد أن ينفذ الإبن كل أوامره ولا يخرج عن المسار الذى يحدده له. وهو يريد أن يختار للإبن أصدقاؤه، وحتى طريقة تسريحة شعره، ولا يراعون أن زماننا مختلف عن زمانهم. لهذا أشعر أننى مقيد من والدى، ومن تعليماته المستمرة التى لا تنتهى.

وهو لا يريد أن يعطينى الفرصة لكى أخطىء، وأتعلم من الخطأ، حتى أكتسب الخبرة. أبى يريد أن أسير على خط مستقيم لا أنحرف عنه. رغم أننى متأكد أنه هو أيضا كان يخطىء فى شبابه، وكان أيضا يثور على على قيود والده. ويعلق أسامة على سؤال حول كيفية استخدامه للحرية لو منحها له والده يقول: عندما يعيطينى أبى حريتى سأبدأ فى تحمل مسئولية نفسى، وبالتالى ستتاح لى الفرصة للتجربة، وللناجح والفشل. والفشل أو الخطأ ليس عيبا، ولكن العيب هو عدم التعلم، والعيب هو الاستسلام لإرادة غيري حتى لو كان الأب. لأن هذا الاستسلام سيحولنى فى النهاية إلى شخصية ممسوخة، لا تتحمل المسئولية، ولا تمتلك القدرة أو الجرأة على اتخاذ القرار المناسب.

الفتيات من جانب آخر يرفضن سلطة الأب والأم. وتقول نادين حمزة (طالبة) إنها ترفض أن تتحول إلى مجرد أداة تتحرك بتوجيهات عليا صادرة من الأم والأب. وتستنكر مصادرة والدتها لآرائها، بل وتسفيه رأيها فى بعض الأحيان. وهو ما يضايقها، ويجعلها تثور دائما فى وجه أمها. وتواصل نادين حكايتها بالقول: إن والدتها تتدخل دائما فى طريقة ملابسها، وفى بعض الأحيان تجبرنى على الجلوس مع صديقاتها. أى أن والدتى تريد منى أن أتحول إلى نسخة طبق الأصل منها. وحتى إذا تدخلت فى الحوار تقوم بتسفيه رأيى، ولا تسمح لى بالتدخل فى المناقشات. وردا على ملاحظة بأن هذا يعتبر خوفا من الأم عليها، تقول إن المفروض أن تكون هناك ثقة بين الأهل والأبناء. فقد ربانى أهلى بطريقة محافظة. وبالتالى فكل تصرفاتى ستكون فى حدود، ولن أخون ثقة الأهل لأننى تربيت على الأخلاق. ومن هنا فلا مجال للخوف بل المفروض ترك الحرية لى حتى أمارس حياتى بشكل طبيعى.

أما أمجد رسلان فيطالب بالحوار بين الأهل والأبناء. وأن يحاول الأباء أن يفهموا طبيعة أبنائهم، خصوصا إذا كان الإبن قد كبر ووصل إلى المرحلة الجامعية. أما أن يصر الأهل على التدخل فى كل كبيرة وصغيره فهذا يؤدى إلى اهتزاز الشخصية، وتنعدم ثقة الشاب فى نفسه. وبالتالى ستصبح كل تصرفاته سلسلة من الأخطاء المستمرة. والعيب هنا ليس على الشاب بل على طريقة تربيته التى أدت لانعدام شخصيته. ويؤكد أمجد ضرورة منح الأبناء فرصة للخطأ، والتدخل بالنصيحة فقط. ومن خلال التجارب ستتكون شخصية الأبناء، ويصبحوا أشخاصا ناضجين.

أما حمدى حسين فله تجربة مختلفة إذ يقول أنه يتمتع بحرية كاملة، فهو يختار أصحابه بنفسه، ويخرج فى الأوقات التى يحبها، ويقوم الأب بدوره بمتابعة تصرفاته بطريقة تعتبر عن الصداقة بينهما. فالأب يعتبره صديقا له. وحمدى يثق فى رأى والده، ويستشيره فى أحيان كثيرة. وتعليقا على سؤال حول إمكانية إساءة استخدام هذه الحرية يقول حمدى إن والده يعرف أن الرقابة الشديدة لن تؤدى إلا إلى العناد، وتخلق المشاكل. ولهذا يتعامل معه بثقة حتى لا تحدث توترات فى العلاقة بينهما.

ويقول إنه فى بعض الأحيان يرتكب بعض التصرفات الخاطئة كأى شاب، مثل الدخول إلى المواقع الإباحية على شبكة الإنترنت، ولكنه يعرف أنه مخطىء فى هذا التصرف. وينوى التوقف عنه حتى لا يعرف والده بهذا الموضوع على رغم من أن والده لا يجيد التعامل مع الكومبيوتر. ولكن الدافع الذاتى فى نفسية حمدى هو الذى يدفعه لمحاولة التخلص من تلك العادات السيئة.

ومن الواضح أن هناك ضرورة لتدخل الأهل عبر تقويم الأبناء، وإرشادهم إلى الصح والخطأ. ولكن لا يجب أن يتم ذلك بأسلوب فرض الرأى، وإعطاء الأوامر خصوصا فى المراحل العمرية التى يريد الشاب أن يشعر فيها باستقلاليته، وبأن له كيانه المستقل. خصوصا أن الابن يمكن أن يتعرض لمضايقات من أصحابه إذا ظهر أمامهم أنه ضعيف الشخصية، أو إذا عرفوا أنه ما زال يخشى والده أو والدته. وينصح خبراء علم النفس الآباء بمحاولة الاستماع لآراء ابائهم، ومحاولة مد جسور الثقة معهم. كما أن هناك ضرورة لتعزيز ثقة الأبناء فى أنفسهم، وإشعارهم بالثقة فى أنفسهم، حتى تنمو بداخلهم الرقابة الذاتية التى ستصحح فيما بعد من سلوكياتهم. أما اسلوب الرقابة الشديدة، وفرض الرأى فلن يثمر إلا عن أشخاص مريضين نفسيا، غير قادرين على اتخاذ قرار خوفا من نقد الأهل لهم. وبالتالى يتزايد اعتمادهم على الأهل. وفى بعض الأحيان نجد الابن غير قادر على اتخاذ قرار الزواج أو الحب أو حتى الصداقة إلا بعد الرجوع للأهل، وهذا بسبب أسلوب التربية الخاطىء.

وعندما يفتقد الابن الثقة فى المنزل فإنه سيبحث عن من يعطيه هذه الثقة فى نفسه، وبالتالى يصبح فريسة سهلة لأصدقاء السوء، الذين يجدون فيه تربة خصبة لتقبل العادات السيئة لمجرد الرغبة فى الشعور بالاستقلال عن سلطة الأب.

أما الأهم من هذا كله فهو أن يكون الأهل قدوة للأبناء من خلال تصرفاتهم، وعندما يرى الابن أن والده أو والدته يعاملانه بطريقة جيدة، ويتصرفان بأسلوب لائق فإنه سيصبح مثلهما، لأنه سيصبح محصنا ضد أى أفكار أو سلوكيات شاذة أو غربية على المجتمع. خصوصا وأننا نعيش فى عصر تتزايد فيه المغريات، وتتنوع فيه الثقافات التى يمكن أن تؤدى إلى الانحلال الخلقى، وما يتبعه من جرائم.

ولهذا، فعلى الأهل أن يدركوا أن أفضل أسلوب للتربية هو أسلوب مصادقة الأبناء، والتفاهم معهم، والحوار، ومنحهم الثقة فى تصرفاتهم، مع هامش للحرية. وباختصار تطبيق أسلوب المثل القديم: إن كبر ابنك خاويه".


مشاركة منتدى

  • موضوعك جمليل جدا يا اشرف
    ولكن المثل( اذا كبر ابنك خاويه) ليس مثل مصري فقط ... بل هو مثل عربي.
    فهذا المثل يقال عندنا ايضا في فلسطين وعلى ما أعتقد انه ايضا يقال في جميع الدول العربيه.

  • سيدى الموقر تحية طيبة وبعد
    في موضوع عن الولد وقد اختصرت لقرائتك لاني عندى مبدع نظرية اذن اقول عن الولد ويبين في القران الكريم يقول عزوجل يا بني اصبر علي ما اصابك هذه الفكرة لابد ان تحتاج التفسير من الاية ومن اسبابها ومن ثقافتها ذلك ان الولد مكان الاب في صلاحيته كما يبين في صورة القصص يقول سبحانه اني اريد ان ... علي ان تاجرني ثماني حجج وبعدها وافق موسي عليه السلام ان يعملها دون صلاحيات للنفس ولما كان الاوضاع منتهي منه اصبح يلازم لنفسه ان يكون مستقبله كالتالي وياخذ اجيال له اذن بالنسبة فكرتك الماضي والحاضر والمستقبل هو تشكيل الابداع لاحتفاظ نفسك لاى تطوير علي ان يمثل مستقبلك عندما تتحرر من والديك مع ذلك لا يمكن لخاصيتك ان يتكون محررا من والديك دون مصالح نفسك وحتي لو يخاصمك الناس علي كفر لوالديك.
    ذلك التبكير لي العلم وهو القران وغيرها من الكتب لابد ان يكون شمولية فهو الحل لك علي ان يكون فرصة بدلا من اخبار للناس.
    مع فائق الاحترام والتقدير والشرف
    محمود النجار - غزة

  • لا زم الاباء يتفهمو مشاعر اولادهم وان يتصرفو معهم تصرف لاءق لاعمارهم واحترام ا راءهم لكي لاينحرفو. . .. .. .

  • أتفق مع سيادتكم فيما قلتوه و لكني اضيف
    علي الابناء مهما كبروا ان يستفيدوا من تجارب الاباء فالاب يعطي النصيحة الخالصة لابنه و يا حبذا لو قص عيه تجربة مماثلة وعلي الابن البار ان يقتنع بكلام ابيه لأن الاب لا يرضي ان يسقط ابنه امام عينيه في تجربة تقوده الي الفشل ويقف يتفرج
    فعلي الابناء مهما كبروا ان يتشاوروا مع ابائهم و يأخذوا بالنصيحة
    شكرا لكم

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى