الاثنين ١٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٥
بقلم محمد ملكاوي

ارهاب جمال الساحر؟

وصلت مكان عملي متأخرا على غير ما عادة، فيما لم يكن بنيتي الدوام مطلقا، فالمدير لدينا مزعج لا يطاق يجعل لنا دائما الشيء السهل صعبا و هو يعسر ولا ييسر و لا يعجبه العجب ولا أن يمتدح احد دونه أمامه حتى و لو كان المراسل، و كي اخلص من دون توجيه لوم أو عتاب أو عقاب، يكمن في نطاق الصلاحيات المتاحة له، اختلقت قصة تبريرية غريبة عجيبة.

أستاذ محمد ليش متأخر عن الدوام، شو بالك عينوك وزير! ولا عاده جديدة بدك تتعودها، ما بكفي بتوصل ألمؤسسه بالشبشبة، و دايما لابس بين الموظفين برنيطة خواجات، حتى بقية الموظفين صاروا مثلك، يوصلوا المؤسسة بالبيجاما و الشبشبة ايضا، أجبته: يا حفيظ ألسلامه، فيك تصلي على النبي؟، أجاب: عليه الصلاة و السلام، احكي شو في عندك!

قلت له باني رأيت البارحة فيما يراه النائم، أنني وحين كنت متوجها إلى مقر عملي، و أنا في موقف السرفيس بنية التوجه إلى الموقف الرئيسي، و في وقت الذروة الصباحية الذي يصطف فيه الناس طوابير خلف بعضهم البعض انتظارا لدورهم في ركوب سيارة السرفيس، كان هناك (جمال الساحر)، طبعا لا تعرفه؟؛ جمال الساحر هذا متسول معاق حركيا، دائم التجوال و بيده قطعة غير مشذبة من الخشب يفرض الخاوة على كل من لا يعطيه أي مبلغ من المال؛( بدت علامات الذهول على محيا المدير الغاضب)؛ أكملت : و يا سيدي النهفة كانت انه مع وصول دوري للركوب في السيارة كنت على موعد آخر و دور آخر مع جمال الساحر، و الذي كانت يده ممتدة نحوي آملا أن أعطيه مما تيسر، فيما لم يكن معي غير قيمة أجرة المواصلات للذهاب و العودة، فكما تعلم نحن في أواخر أيام الشهر، و لما نقبض راتب الشهر الجديد بعد و المال الذي معي اقترضته من البقال؛ (هز المدير رأسه مقرا بذلك، مخرجا زفرة ألم، و استرخت عيناه الغ! اضبتان قليلا، و اطرق رأسه لهنيهة؛ و بعدين، سألني منسجما مع التفليمة)؛ و بعدين يا حفيظ العمر و السلامة، أصر جمال على أن ادفع له، و حاول دفعي بعيدا عن السيارة التي كانت تنتظرني ليرغمني على أن ادفع له، لكن ربك حميد لقيت من الركاب من أزاحه عن طريقي، و بسرعة و ثبت إلى السيارة موصدا الباب و النافذة معا، تاركا سائق السرفيس ينطلق بنا و كأنما هو في مضمار سباق؛( أطلق المدير تنهيدة ارتياح و كأنما انتصر على الساحر، و أشرق وجهه بابتسامة و ضحكة بريئة، طيب)؛ لكن الوقعة يا سيدي كانت انه و خلال توجه السرفيس إلى موقف الحافلات، لاحظت احدهم يقوم بحركات مضطربة، في سيارة تاكسي تسير مسرعة بموازاة السيارة التي أقلتني، و حين خرجت من نافذتها قطعة من الخشب علمت انه جمال الساحر بعينه، يحاول فرض الخاوة علي عنوة، حتى وصل به الأمر إلى أن استأجر سيارة تاكسي ليتبعني!.

(حك المدير رأسه و ابتسم ابتسامة ساخرة و تغيرت معالم وجهه، ووضع يده على ذقنه، سكت برهة فيما كان وجهه يتحول إلى اللون الأحمر القاني و اخذ يرمقني بنظرات غير المصدق)؛ ثم انفجر صائحا بغضب و هو يقول : أتريدني أن اصدق كل هذا التهريج، تتأخر عن الدوام و السبب أن مجنون يلاحقك بسيارة ليتسول منك، يعني يدفع أكثر من نصف دينار ليرغمك على دفع بضعة قروش! من سيصدق هذا الهراء؟.

عندها أحسست بأنه لا مناص سيوقع بي عقوبتين بدلا من واحدة، الأولى لكوني تأخرت و الثانية لكونه شعر بأني أهزأ به، و بسرعة أجبته: إذا كيف تصدق أنت و العالم من خلفك أن رجلا يعيش حياة الرجل الأول في الكهوف يهدد دول العالم! و كيف تصدق عالما يجازي أمة و شعوبا كاملة بدعوى تجريم هذا البدائي! أجبني؟ كيف تصدق إن هنالك من يتعلم قيادة الطائرة بواسطة كتيب جيب، و من يتعلم في مدارس اللغة العربية لغير الناطقين بها علوم الذرة، و صناعة الأسلحة الجرثومية، و كيف تصدق أن امريكا بحاجة الى الاموال و المساعدات؛ أوقفني عن الاسترسال ؛ و أجابني بأن كل ذلك لا يعنيه بشيء.

عندها استخدمت معه أسلوبا ارعابيا مثل جمال الساحر، فقلت له و بصوت خافت و أنا اخرج بعض الأدوية من جيبي؛ ( غلبتني، استمع لديك الآن أحد ثلاثة خيارات، إما أن أضربك و أقدم هذه المهدآت لمن قد يحقق، و حين يكتشف باني مجنون لن يحصل لي شيء فيما قد تنتابني الحالة عدة مرات في الشهر الواحد بحسب تكرار إزعاجات جمال الساحر؛ أو أن اضرب نفسي بنفسي و أدّعي بأنك ضربتني و اشتكي عليك و تدفع مقابل العلاج و الأضرار و الصلح و غيره و القائمة جاهزة، أو أن تتعاون و تتعامل بلطف زائد، و لا تنظر إلى الساعة إن أتيت إلى العمل أو لم آتي)، بعدها ابتسمت ابتسامة ماكرة و أدرت له ظهري خارجا.

اليوم هو موعد قبض راتب الشهر الثالث بعد الحادثة، صدقوني حين أقول لكم بأن الجلوس في البيت بدا يصبح مزعجا لي، فيما بت اشتاق لمشاكسة المدير من جديد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى