الاثنين ٥ شباط (فبراير) ٢٠٠٧
بقلم محمد المهدي السقال

الإضــــراب

شاركتَ في الإضراب ؟ واستنهض همته لتغيير نبرة صوته البارد , فوجئتُ بالسؤال , فقد انتهيت للتو من تقديم درس النصوص ,على مدى ساعة كاملة , عشت لحظة بلحظة مع الإحساس بالانزعاج المفرط من زيارته, سأبقى مدينا لهؤلاء التلاميذ الذين لم يعيروا لوجوده أدنى اهتمام , تفاعلوا كعادتهم مع حكاية , " انتحار بلبل " ,

نجحت في تمهيرهم على التساؤل عما يستيثرهم في النص , يميلون إلى تحليل تفاصيل ظروف انتحار البلبل , فأميل بهم إلى تحليل اللغة التعبيرية , وأجد العذر في ضرورة الاهتمام بالنص في كليته شكلا ومضمونا , ظللت باستمرار أحرص على عدم الزج بهم في مطلق الحقائق المؤلمة في الواقع المعيش , وظلوا بإلحاح حريصين على مكاشفة مظاهر ذلك الواقع اللعين :

ـ إضرابِ الأمس ؟

تحاشى التقاء عينينا , واصل كتابة جملة امتدت لآخر السطر بدون فواصل , كم وجدت خطه رديئا , لكنني تذكرت قولة معلمي , وهو يعلق على فشلي الدراسي , حين لم يجد بدا من الاعتراف بجمال حروفي على الورق:

ـ الخط فن الحمير , عليك أن تهتم بدروسك , وزاد , الخطوط تُزيَّن بها الحيطان , أما الدروس فتبقى خالدة في الذاكرة .

ـ لا لم أشارك فيه .

استعدتُ حضور ذهني , نظرت إلى أصابعه الممسكة بالقلم في ارتعاش غير واضح , فهمت سياق السؤال الاستفزازي , كدت أباشره بالاستفسار عن المناسبة , فهو مفتش يقوم بزيارة , وليس ممثل نقابة , ثم تذكرت انتماءه السياسي , جرت العادة أن نسأل عن هوية السيد المفتش الجديد , قبل أي سؤال عن تجربته أو مؤهلاته, أعرف أنه من يمين اليسار الذي دخل لعبة التوافقات الخشبية تحت موائد الحوار, لكنني أعرف أيضا مما شاع عنه , أنه لم يكن دائما راضيا على توجه حزبه , سُمع عنه أنه قال بوجود انحرافات وخروقات تنظيمية ما أنزلت بها القوانين الداخلية أو الأدبيات من سلطان ,غير أنه بعد هذا وذاك , ظل من دعاة الانضباط لقرارات القمة,

ـ ولماذا لم تنخرط في الاستجابة للدعوة إلى إضراب أمس ؟

لم يرفع بصره بعد , لعله في سطره الخامس أو السادس, يزداد خطه رداءة , صارت السطور أشبه بمنعرجات , هل كانت عينه على ما يكتب , كيف يواصل الدوران بالحروف غير المتناسقة الأحجام ؟

ـ لم أشارك ,فضلت هذه المرة أن يكون لي رأي شخصي , ودون طلب منه , وجدتني مسترسلا في تبرير موقفي ,بصراحة , للمرة الأولى في حياتي , أحس أنني قمت بشيء فكرت فيه ونفذته , انتظرت أن يسألني عن هذا الخروج المفاجئ عن الجماعة , وتخيلت أن يقول لي بأن الجماعة لا تتفق على ضلال , لكنه ظل يكتب , لعله انتهى , وضع النقطة ورفع القلم , عادة ما يكون إيذانا بالانتهاء ,

ـ كل ما في الأمر أنني استغربت عدم مشاركتك , و أنتَ الذي ..

لم يكمل الجملة ,أخذ يستعد للمغادرة , كنتُ أعرف الباقي, وحتى لا يخرج من غير الجواب عن سؤال ألح علي , استعجلته بالاستفسار عن هذه الزيارة المفاجئة , ولم تمر على زيارته الأخيرة إلا أيام معدودات على مجموع أصابع اليدين والرجلين , كم حزنت لحاله , حين أخبرني بأنه يزورني بأمر من السيد النائب عن السيد الوزير النائب عن السيدة الحكومة , كلهم يتساءلون عن تخلفي هذه المرة في مجاراة الدعوة إلى الإضراب , كان يتكلم بصوت خافت غير الذي اصطنعه في مفتتح حديثه وهو يسألني :

ـ شاركت في الإضراب ؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى