السبت ٢٨ نيسان (أبريل) ٢٠١٢
بقلم سهاد جادري

الإنسان فی أدب میخائیل نعیمة

بسمِ الله الرّحمن الرّحیم

 الدكتورة سهاد جادری: استاذة في جامعة آزاد اسلامی فرع آبادان قسم اللغة العربیة وآدابها
 فاطمة عباسی: طالبة ماجستیر في جامعة آزاد اسلامی فررع آبادان قسم اللغة العربیة وآدابها

المقدمة:

الحمدلله رب العالمین والسلام والصلاة علی خاتم الأنبیاء والمرسلین سیّدنا ونبینا محمد وعلی آله. یشّرفنی ویسعدنی أن أضع بین یدی طلاب فرع اللغة وآدابها رسالة ولو ضئیلة تبحث عن الإنسان ومكانته فی حیاة الأدیب الكبیر میخائیل نعیمة. فمن الأحری أن نسمیه «حكیم» أدیب.

یستهدف هذه المقال الكشف عن تساؤلات نعیمة بالنسبة إلی الإنسان، من هو الإنسان؟ وأین كان قبل أن یبصر النور علی هذه الارض؟ وكیف خلق؟ وكیف نشأ؟ وما علة حیاته ومماته وعودته للتجسد غیر مرة؟ وتساءل أیضاً عن علاقة الإنسان بخالقه وحاول أن یجد الحلول لتلك التساؤلات الغامضة فی هذا الوجود. لكنه أدرك أن سر الحیاة أعمق من أن یفهمه البشر العادیون.

برأی نعیمة فی الإنسان تكمن القوة التی ندعوها الله، وما علی الإنسان، لیغدوقویاً كتلك القوة الشاملة الكاملة، سوی بذل الجهد المضنی لبلوغ الحقیقة، فهذه المسألة لا یرقی لها عقل أومنطق أوبرهان فی أن یهتدی كل إنسان إلی المنظم والنظام، بنفسه، وفی نفسه. ولكل إنسان أوانه. هذا المذهب واضح، فی كتاب « مرداد » حیث بذل نعیمة، جهده لیتخلص كل أشواقه وأفكاره وكتاباته السابقة، وحیث جسد فكره الغلبة النهائیة، التی هی غلبة الإنسان علی ذاته الفردیة لیتسنی له الإتحاد بالذات الكونیة. یمكن للإنسان أن یكتشف بالمعرفة أنه عالم غنی، تجمعت فیه كل العوالم من منظورة وغیر منظورة، ولا وجود لها إلا فیه. والناس كلهم برأی نعیمة، شركاء فی الوهیة الحیاة. وتمكن سعادتهم فی إدراك تلك وتحقیقه.

فتطرقنا فی هذه المقالة إلی فكرة وحدة الوجود فی كل من «مرداد»، «مذكرات الأرقش»، «همس الجفون»، «زاد المعاد»، و... وهكذا تحدثنا عن ظاهرة التقمص وكیفیة تكوینه عند نعیمة وعن أثر هذه الظاهرة فی « مرداد»، وفی قصة «لقاء»، وفی دیوان «همس الجفون» و... وهكذا تطرقنا إلی مسئلة الحیاة والممات والثواب والعقاب و...

فحسب ما تطرقنا إلیه فی هذه المقالة، نستنتج أن نعیمة ربما یرید یبنی الإنسان ویعطیه إیماناً بأنه معد لتاج الألوهیة. فالحقیقة أن ناسك شخروب قد مثل مدرسة روحیة، أثرت فی الأدب العربی المعاصر. لم یخل الأدب العربی من التاملات العمیقة كما رأینا فی أدب نعیمة. لقد تلون هذا الأدیب بالنزعة التأملیة، ونتیجة التأمل الطویل إنشغل بما إنطوی فی أعماق نفسه من المخبات والودائع. فالواقع أن میخائیل نعیمة فی طلیعة المفكرین العرب الذین نظروا إلی الماورائیات المرتبطة بالإنسان وبتكوینه الشامل. فیعتبر أدبه نقطة تحول فی مجری الأدب العربی الحدیث. فنسجل فی هذه المقالة أن الإتجاه الماورائی فی أدب نعیمة ذوقیمة أدبیة روحیة سامیة، وأنه لذلك یستحق الدراسة.
.

حیاته من الولادة حتی الوفات:

ولد ميخائيل نعيمة في بسكنتا سنة 1889، قد دخل نعيمة في طفولته مدرسة «بسكنتا». كان المنهج الدراسي في هذه المدرسة علی أنه یختار كل عاميين من الطلاب المتفوقين في الدرس والسلك، ليسافروا إلي روسيا، ثم يواصلوا دراستهم في إحدي الأكادميات الروحيه. وكما كان نعيمة مبرزاً في المرحلة الأولي في بسكنتا، كذلك ظل علي تفوقه في الناصرة. وقد استطاع نعيمة بجده ودأبه وحسن سلوكه، خلال دراسته بالسمنار، أن يكسب احترام زملائه وتقديرهم، وينال رضا أساتذته وكان ناجحاً كما حاله فی دارالمعلمین. فحدث إضراب عام بين الطلاب فی السمناراستهدفوا من ورائه المطالبة بحرياتهم السلبية، وحقوقهم المهضومة، وقد أثار ذلك الإجراء قلق نعيمة وتفكيره، لذلك ضاق ذرعاً بما آل إليه حاله في روسيا، وود لويؤدي الامتحان النهائي قبل موعده ليعود إلی وطنه، وقدم ملتمساً إلی إدارة السمنار بهذا الشأن، وقد أجيب إلی طلبه نظراً لما كان يتمتع من حب أساتذته، وأدی امتحانه بنجاح في مارس من عام 1911، ثم قفل راجعاً إلی لبنان في أوائل مايومن العام نفسه ]][ نعیمة، میخائیل، الطبعة السابعة1987،صص 25 [1]]. ففي اوائل نوفمبر من عام 1911 وصل نعيمة في صحبة أخيه إلي الولايات المتحدة، وفي عام 1912 التحق بجامعة واشنطن وتسجل في فرعي الآداب والحقوق وحصل علي شهادتيهما عام .1916

وما إن وصل نعيمة إلي لبنان حتي إستقر في قريته بسكنتا، حيث لازم «الشُخروب»، لأنه رأی حياة التأمل والتأليف تستدعي خلوة، ينصرف فيها بكل جوارحه عن شواغل العالم المحيطه، وينطلق مع سبحات الفكر والخيال، لذلك ابتني لنفسه خيمة من أغصان الشجر «في فسحة من الأرض تكتنفها الصخور العالية في القسم الشمالي من الشُخروب»، وصار يقضي فيها سحابة نهاره، ولا يغادرها إلا في الأوقات الأكل أوالنوم أوإستقبال الزائرين، أومشاركة ابيه في أعمال الزراعة بما تتحمله قدرته، وحین لا تكون لديه أعمال كتابية.

آثارنعیمة:

صدّر لميخائيل نعيمة أكثر من خمسة وعشرين مؤّلفاً، في موضوعات مختلفة فكانت له القصه ، والسير‌‌ة الذاتية، والمقالة الأدبية، وكتب في النقد الأدبي والنقد الإجتماعي، وطرق فن المراسلة، والأمثال ونظم الشعر [2]].

الخلاص فی فكر نعیمة:

إن غایة الغایات للإنسان لیس فقط أن یقدم الخیر لنفسه ولغیره ولیس فقط أن یرتفع عن الآلام والنكبات، والخلاص من جاذبیة مشاغل الحیاة الدنیا لیس بالموت والفناء. بل یمكن الحصول علی هذه الغایة والإنسان مازال حیاً عن طریق الأعمال الصالحة والتضحیات حتی یحصل علی رضوان الخالق [3]]. غیر أنه الخلاص لیس نعمة تهبط علینا، وهولیس فعلاً مكانیكیاً. بل الصحیح أنّ فعل وحركة وكفاح. والزمان كلّه فسحة للإنسان یجتازه علی مراحل.

لیس الخلاص، بمفهوم نعیمة، هبة تمنح لمطلق إنسان دونما مجهود منه، بل الحقیقة أنّ الخلاص هونتاج وتحصیل فی نهایة درب آلام وشقاء، وكفاح، وأن خمیرة هذا الكفاح الأساسیة هی المعرفة والوعی، حیث تصب إرادة الإنسان فی مجری الإرادة الكلیة، فیكشف بذلك إرادته وذاته وحقیقته، وتنتهی أوهام فردیته وعزلته.

الوعی الكامل یؤدی إلی الخلاص ویفضی إلی الحریة الكاملة. الخلاص إذاً إرتفاع عن ظاهر الأشیاء، وعن التناقض، وعن كل ما یدخل فی الزمان والمكان. إنه إرتفاع عن كل ماله وجهین ولونین، هوتجاوز الأسود والأبیض، العقلی والجسدی، المادی والروحی [4]].

وإذا كان التعالی عن عالم المحسوسات هوالخطوة الأولی فی الخلاص فإن درجته هی الأدنی، حیث االخطوة التالیة هی أن تصبح أنت والأشیاء كائناً واحداً، فلا هی، هی فقط، بل أنت هی، وهی أنت فی الحقیقة. هذا الإرتفاع عن الأشیاء، والتوحد البالغ، هوالخلاص، من الإزدواجیة، "من الشعور بالإنفصال عن بحر الحیاة اللامتناهی ومما یرافق ذلك الشعوركربر ونغص ووجع، كلما حاولنا دن نتمسك بذلك الإنفصال، ونعطیه صفة الدیمومة الأبدیة [5]].

الخلاص من الإزدواجیة یكون بإستعادة توحدنا:

«لذلك أقول لكم أیها الغربان إنكم إذا سمعتم إنساناً یقول، أنا وعرفتم أنه یعنی بذلك نفسه دون العالم، فافتحوا عینیه لعله یبصر عالماً واحداً حیث یبصر الآن عالمین. اما إذا سمعتم إنساناً یقول أنا وعرفتم أنه یعنی نفسه والغراب وكذلك كل ما فی العالم الذی لا بدایة له ولا نهایة فخروا أمامه ساجدین، ذلك الإنسان – الإله» [6]].

فالخلاص هوالوحدة مع الأشیاء، والناس، والعالم برأی نعیمة. فهذه الحالة یتمثلها فی اللغة: «المجد القائل أنا – هو. هو– أنا» [7]].

فالخلاص یكون یوم تحس بأن هذا ال «غیر أنا» هوفی ذات الوقت «أنا» وتلك خطوة أخری إلی الإمام. فاذا كان الإنسان یصبح بالخلاص: الأشیاء، والعالم، فهویصبح – بكلمة اخری – صیغة إلهیة أوربما الإله ذاته: «ألا إعلموا أنّ هناك لیس إله وإنسان بل هناك الإله – الإنسان، والإنسان الإله» [8]].

فالسؤال هنا هل یمكن تحقیق الخلاص فی دورة واحدة؟ فحسب تفكر نعیمة یمكن لنا أن نقول هناك أكثر من دورة واحدة. والخلاص لا یتم فی تلك اللمحة من الزمان التی تعوّد الناس أن یدعوها عمراً. وإن هذا الذی یدعونه عمراً لیس إلا لمحة فی عمر الزمن، وهوغیر كاف لتحصیل الخلاص. فهناك اذاً عدة دورات یعبرها الإنسان فی رحلة الخلاص، ویعود بعد كل دورة حاصل دورته السابقة فی هذه البذرة الصغیرة التی ندعوها ال «أنا» والتی هی ذاتها فی كل الدروات. فلم یعد الموت تحطیماً للحیاة، بل أصبح إستكمالاً لها. فحین یحقق الإنسان الخلاص، یفنی فی الله، ویخرج من دائرة الزمان والمكان. وعلی الإجمال یمكن القول: إن نعیمة یعتبر أنّ الخلاص یتأكد، ویزداد عبر التقمص الذی یقهر الزمن والموت. عبر تجدد الولادات یزداد وعیناً، وإزدیاد الوعی یفضی إلی الخلاص یفضی بنا إلی الوحدانیة والإنعتاق.

معرفة الحقیقة ووحدة الوجود:

وها هومرداد فی العالم ولیس من العالم، لأنه بشوقه إلی الإنعتاق عرف كیف یخترق غلاف الزمان ویجتاز تخوم المكان، وأراد لكل إنسان أن یتوق إلی فهم المقدس، عندما سأله الرهبان عن أبی الآباء، فدعاهم إلی التركیز فی (أناهم)، فإن عرفوها وركزوا فیها، ركزوا جمیعهم فی (أنا) واحدة شاملة وهی وجود الله الذی لا وجود غیره. وهذا ما یعنی إلی ان لازمة معرفة الحقیقة الأزلیة هی معرفة الإنسان.

فنجد أن أقرب الطرق الی معرفة الله هی معرفة النفس الإنسانیة. كما صرح الله سبحانه وتعالی فی القرآن الكریم:

«وفی أنفسكم أفلا تبصرون» [9]].

وأیضاً فی الحدیث الشریف: «من عرف نفسه فقد عرف ربه»

فمن الصعب فهم إیمان نعیمة بالله بدون الایمان بالانسان، فالله والإنسان یمثلان الحقیقة فی إیمان نعیمة " لولا إیمانی بالله لما كان إیمانی بالإنسان، ولولا إیمانی بالإنسان لما كان إیمانی بالله، فالإیمانان واحد" [10]]. الإنسان برأیه یمتد إلی اللانهایة لأن جذوره فی الأزلیة والأبدیة، فقال مرداد: " تمتدوا إلی أن تلاقوا الله" [11]].

هناك الواحد الذی مهما تكرر وتجزأ أبقی ابداً واحداً. وهذا ما یدل علی أن تلك ال " أنا " الذی یدعومرداد إلی معرفتها هی واحدة وبتعبیره تتحول من" الله أنا " إلی " أنا الله " وهذا ما یشبه إلی كلام الحلاج عندما قال " أنا الحق" فتقطع إرباً إرباً عقب هذه الكلمة الجریئة الصریحة.

ویمكن لنا أن نقول الله بهذا المعنی ظاهر فی جمیع المظاهر، لكنه منزه عنها جمیعاً وهوغیرها. وأقرب تشبیه للأمر هوتجلی الوجه فی المرآة، فأنت تری نفسك فی المرآة ومع ذلك فما یبدوفی المرآة هوأنت وایضاً لست أنت. وأنت موجود فی المرآة دون حلول ودوإ اتحاد ودون إنتقال وإنما مجرد ظهور أوتجل. وبمثل هذا یتجلی الله فی المظاهر المختلفة دون أن یحل فیها أویتحد بها أوینتقل إلیها، فهوحیث كان ولا شئ معه، وهومازال علی ما علیه كان دائماً تتجلی كنوزه وأسراره فی عالم الممكنات كما تظهر صورتك متعددة فی مرایا متعددة تبدوفی كل مرآة بزاویة خاصة ووجه مختلف.

«« وما الوجه إلا واحد غیر دنه
إذا أنت عددت المرایا تعددا»» [12]].

والحدود المشاهدة هی بسب المرآیا ونوعیاتها كل منها یعكس جانباً ویجلوزوایة بعینها ولكن الأصل غیر محدود.
ركز نعیمة كما إستنتجنا من نظرة مرداد، إنّ غایة الإنسان من وجوده هی التحول من المخلوق إلی الخالق. وقد أنصب جهده علی إبراز الإله فی الإنسان. فأهم ما فی " مرداد "، أن " الإله الجرثومة "، الإنسان، یحوی فی ذاته كل قوی الألوهة الشاملة. فحقیقة الله عند نعیمة لیست میتافیزیقیة، بل هی نظام تخضع لإرادته كل المخلوقات وإرادته كلیة تقبض علی الأشیاء والنفس وتیسرها. "وكل ما فی الكون مسوق ومنظم اتم التنظیم بإرادة الكلیة التی لا تخطئ فی شئ ولا تسهوعن شئ" [13]].

كانت لنعیمة صلة بالبیئة الطبیعیة، فتأمل فی جمالها وأسرارها وخفایاها. فهذه الصلة أدت به إلی اتخاذ الطبیعة طریقاً لوصوله إلی خالقه. كان منذ حداثته یمیل إلی الوحدة لیراقب الطبیعة ویفرح بكائناتها، متبهجاً بأشعة الشمس المنیرة وغروبها، وبالنجوم الغامزة، وبالقمر الذی یملأ الأرجاء نوراً. وقد عاشر جمیع الكائنات، فشعر بالظلال السحریة التی عانقته، وقد مشت الطبیعة بأسرها لتلاقیه مهللة.

یتساءل " ناسك الشخروب " عن حقیقة نفسه، ومادة الوجود، من خلال علاقته المتینة الأصول بالطبیعة، ویحار هل من الأمواج أتت؟ أم من الشمس هبطت؟ أم من اللحن جاءت؟ كما نجده فی قصیدة " من أنت یا نفسی "، فهویقول فی قصیدته موجّهاً الحیث إلی نفسه:

" أیة نفسی! أنت لحن فیّ رنّ صداه، أنت ریح ونسیم، أنت موج انت بحر، أنت برق، أنت رعد، أنت لیل، أنت فجر، أنت فضل من اله" [14]].

إن إیمان نعیمة بوحدانیة الحیاة وإحترامها جعله ینجذب إلی أحضان الطبیعة التی نشأ فیها، وإن حبه لها هداه إلی توحده فیها، فهوكان یمضی معظم أوقاته فی " الشخروب " ویتأمل فی الطبیعة.

ونجد الأرقش أحد شخصیات آثاره فی " المذكرات " یتكلم عن حب الطبیعة والتأمل فی مظاهرها، والإستغراق فی هذا التأمل إلی درجة تذوب فیها النفس حتی تصل إلی وحدة الوجود. الأرقش یبین " أنا القسم الإنسانیة الساكت وما بقی متكلمون ... أدركت حلاوة السكوت ولم یدرك المتكلمون مرارة الكلام، لذلك سكت والناس متكلمون" [15]]. یجد الأرقش السكوت مجالاً للتأمل والمعرفة وهذا السكوت هوالذی دفعه إلی مناجاة شعریة هادئة عمیقة یقول فیها: " یا بحر، یا مهدی ومهد الحیاة، یا بحر، یا صوتی وصوت الدهور، یا بحر، یا فوارة لا تغور، یا بحر، یا قلبی وقلب الإله و... " [16]]. الأرقش فی هذه القطعة یمثل التشابه الموجود بینه وبین الطبیعة فهما یدعوان إلی الوجود الواحد، ویعلنان عن كائن واحد، وهوالله ( جل جلاله ).

نجده ایضاً فی " همس الجفون "، له شوق عمیق إلی الإتصال بالعالم الخارجی، والولوج الیه، ویتراءی هذا الشوق من خلال إیمان كامل بوحدة الكائنات والأشیاء، یقول نعیمة فی قصیدة " إلی دودة " یستصغر الناس قدرها:

« لعمرك باختاه فی حیاتنا
مراتب قدروا تفاوت اثمانٍ
مظاهرها فی الكون تبدولناظرٍ
كثیرة اشكالٍ عدیدة الوان
واقنومها باقٍ من البدء واحداً
تجلت بشهب ام تجلب بدیدان»

 [17]].

فهویری أن هناك وحدة وجودیة، موجودة بین الدود والإنسان، وهویدرك هذه الأسرارعن طریق قلبه لا عقله، هذه الفكرة ایضاً موجودة فی قصیدة " من أنت یا نفسی " كما أسلفنا، حین یحس بصلة عمیقة بین نفسه وبین أمواج البحر، ویحس الإحساس نفسه إزاء الرعد والبرق فی السحب. فیشعر أنه یتحد مع كل هذه المظاهر الطبیعیة اتحاداً وجودیا ً كاملاً، وهوإتحاد تتجلی فیه أضواء الذات الإلهیة.

كذلك یری أن الله والعالم شئ واحد، فإنه یشهد بأن تلك المظاهر، ظواهر لحقیقة واحدة، هی حقیقة الذات الإلهیة التی تتجلی فیه، وفی صوره وأشكاله المختلفة، كما نری فی قصیدة الإبتهالات:

" كحّل اللهم عینی، بشعاع من ضیاك، كی تراك:
فی جمیع الخلق، فی دود القبور، فی نسورالجو... » [18]].

فنعیمة یری حلول الله فی خلقه كله، لا خارجاً عنهم بل فیهم وفی علیِّهم ودنیّهم. هكذا نری الله فی كل شئ، حتی فی المتناقضات التی یظن المرء أنها علی طرفی نقیض لا جسر بینهما. إنطلاقاً من هذا الإیمان الذی یوحد بین الكائنات والأشیاء ویمزج بینها، نجد أن إنسان نعیمة یری نفسه فی كل كائن اومظهر من مظاهر الطبیعة البادیة أمام ناظریه. تتفرع سائر آراء نعیمة، وفكرته التقمصیة، والإنسانیة، والإلهیة، والطبیعیة عن هذه النقطة الأساسیة، فما دام الوجود كله واحداً غیر منفصل فلیس هناك إله، وإنسان، فالله هونحن ونحن الله لإننا منه الجسد، وهوفینا الروح. وفی هذا یقول:

"كما انّ بزرة الأرز الصغیرة تنطوی كل أسرار الأرزة الكبیرة التی ولدتها. هكذا إنطوت فیكم كل أمجاد القدرة التی بعثتكم من اللاوجود إلی الوجود. فانتم سرمدیون كالقدرة التی من رحمها انبثقتم، وفیكم كل أسرارها" [19]].

فهكذا نری أن الوجود عند نعیمة، كله وحدة متماسكة، مترابطة الأطراف، لا إنفصال لها ولا تجزئة، ولا حدود. تلك الأجزاء، الحقیقة الكبری التی ندعوها الوجود، أوالحیاة، أوالطبیعة، بالتالی ندعوها " الله " الأزلی الأبدی غیر المحدود. فالله هوالوجود، والوجود هوالله. هذه هی حقائق الحیاة التی تركز علیها فلسفة نعیمة " وحدة الوجود " أو" وحدة الإنسانیة " التی یشترك فیها الإنسان بألوهیة الخالق، كما یجعل له شركة فی كل ما فی الوجود.

وهكذا یمضی نعیمة متتبعاً مظاهر الطبیعة من حوله مازجاً بینه وبین نفسه بما یوحی بأنها لیست إلا صدی.

فلسفة الموت عند نعیمة:
یعرف نعیمة الموت علی طریقه قائلاً: «لو... كان الموت تلاشیاً واضمحلالاً كما یتوهم أكثر الناس، لكان للحیاة ان تتلاشی وتضمحل من زمان، ولكنها تتجدد بالموت، ولأنها تتجدد بالموت، فالموت لیس النهایة التی تتوهم، بل هودرب من دروب الحیاة. الموت درب من دروب الحیاة ولا نهایة للحیاة» .

هذا هوالرأی الغالب عند نعیمة فی الموت ونراه یكرره فی مواضیع مختلفة وبطرق متنوعة، ثم یأتی الموت فیفرق بین الروح والجسد. أما الجسد فیعود الی أصله، الی التراب. وأما النفس فلا علم لأحد بما تصیر الیه بعد مفارقة الجسم، فیصور نعیمة هذه الحالة، قائلاً فی قصیدته « أوراق الخریف »:

«عودی إلی حضن الثری
وجددّی العهود
وانسی جمالاً قد ذوی
ما كان لن یعود
فلا تخافی ما جری
ولا تلومی القدرا
من قد أضاع جوهرا
یلقاه فی اللحود
عودی إلی حضن الثری»

 [20]].

فتلك سنة الحیاة التی نحیاها، واللحود لیست فناء، وإنما هی دورة جدیدة من دورات الحیاة الغیر متناهیة. وهوینظر هذه الدورة بدوره قریر العین، ولا یشعر نحوها بأی خوف، بل یملؤه الأمل بأنه یستخلص من ثیاب حیاته وهمومها وأحلامها، ویستقبل حیاة جدیدة ... . فهوینظر إلی الموت وكأنه وقت الخلاص أووقت التحرر من سجن الطین أوسجن الجسد.

الحیاة والموت مسألة شغلت تفكیر میخائیل نعیمة منذ حداثته: ما هی الحیاة؟ وماذا بعد الموت؟ وهل من حیوات أخری بعد هذه الحیاة؟

كلها مسائل كانت تقلق راحة « ناسك الشخروب » إلی أن إلتقی یوماً بشاب إسكتلندی فی أمریكا، إسمه « بل »، فجری بینهما حدیث عن التقمص، ولم یكن نعیمة قد سمع بالتقمص من قبل، علی حدّ قوله، أما « بل » فقد شرح له ذلك بأن « كل من یموت یعود بعد فترة من الزمن فیولد من جدید كما تفعل الحبة بالتّمام، فهی تموت لتولد حبّة من جدید» [21]]. یقوم إیمان نعیمة بوجود حیاة بعد الموت، علی فكرة العودة الی التجسد « التقمص »،

فیجب هنا أن نقوم بتعریف التقمص وما هومعنا التقمص؟

معنا التقمص أنّ كل من یموت یعود بعد فترة زمنیّة فیولد من جدید. فهذا لیس بمعنا أنّ كل من یموت یعود فی مثل جسده وظروفه التی كان فیها، لا بل یولد فی جسد جدید یهیأ له حسبما تقتضیه أعماله وإستعدادته وعلاقاته التی حملها معه عند الموت من حیاته. فنجد هذه الفكرة فی كتاب لقاء التی نتطرق إلیه فی التالی.

هكذا بدأ نعیمة یؤمن بأنّ الموت الذی یفاجئ الإنسان، إنّما هودعوة الی حیاة جدیدة، من هذا قوله: « أنا سأموت، وكل حی علی وجه البسیطة سیموت، والأرض ستموت، والنجوم ستموت، وما من شئ علی الإطلاق إلا سیأتیه یوم یتحول فیه شیئاً آخر، وتبقی البوتقة العجیبة التی فیها تنصهر الأشیاء القدیمة، وتولد منها الأشیاء الجدیدة، وحدها التی لا تموت » [22]]. فأصبح بعد إعتناقه عقیدة التقمص، لم یعد یحزن علی الموتی حزن الناس العادیین، بل أصبح علی یقین أنه سیلقاهم یوماً، كما شعر بالتمام عند وفاة أخیه، الذی قال عن موته: إنه كان « حلقة فی سلسلة حیاته، وسلسلة حیاته لم تبدئ ساعة ولد، ولم تنقطع ساعة مات» [23]].

مرداد والحیاة والموت:

الإنسان بمنظور، نعیمة لا یمكن أن ینتهی بلمحة بصر، وإذا كان جسده ینحل بعد الموت إلی التراب، فلكی تكتمل روحه مسیرتها فی جسد آخر نحوما یسمیه " اللانهایة " كما یظهرفی قوله:

" لا تستطیع الشجرة أن تمتد بأغصانها أبعد من مدی جذورها، أما الإنسان فیمتد الی اللانهایة لأن جذوره فی الأزلیة والأبدیة" [نعیمة، میخائیل الطبعة الثامنة 1991 صص 91][.

فالإنسان إذاً خلق یبقی ویستمر، والله، الذی أنعم علی هذا الإنسان بخلقه علی صورته ومثاله، جعله لا یعرف العدم، وحتی ولوتعرض جسده للإنحلال لأن الإنحلال، فی رأی نعیمة، ملازم للنمو، والإثنان معاً یتعاونان علی إستمراریة البشریة. إذاً لیس للحیاة حدود فی نظر نعیمة، والموت لیس نهایة وخاتمة للحیاة لأن سبیل الموت والحیاة واحد. ویلمح نعیمة إلی أن الحیاة قد لا تستفیق فی الإنسان بعد موته مباشرة، وقد تتطلب وقتاً لتنضج أكثر، فالبذرة لاتحول إلی ثمرة بین لیلة وضحاها " فمن البذور ما یبقی دفیناً فی التراب سنة بعد سنة، ولكنه سرعان ما یتململ إلی الحیاة حالماً تتاح له ظروف مؤاتیة" [ نعیمة، میخائیل 1947صص 219 ].

إذاً لا داع للخوف من الموت برأی نعیمة، لأنه لیس الا وسیلة، للعودة مجدداً إلی حالة أفضل، واللحد الذی یغمر الإنسان ساعة موته لیس بعیداً عن المهد، الذی یستقبله لدی عودته، والعالم كله فی رأی نعیمة، عالم مهود. وفی هذه المرحلة، یتحول الإنسان المیت ذلی نور تمیزه العین المجردة، إلی ظل حاضر وغیر مرئی، فشكل الإنسان وظله لا یندثران بل یتحولان ویتبدلان.

یشبه نعیمة ظل الإنسان بظل الارزة، التی تتعرض للتحولات، فظلها وهی تزین الغابة لیس كظلها وهی تنتصب عموداً فی هیكل، وظل الأرزة فی الشمس یتمیز كذلك عن ظلها فی ضوء القمر، ومع ذلك ورغم كل التبدل فی أحوالها، " تبقی أرزة وإن أنكرتها أخواتها اللواتی كانت وإیاهن فی الغابة" [ نعیمة، میخائیل الطبعة الثامنة 1991صص 155]. هكذا الإنسان، یمثل أدواراً مختلفة بین دورات الحیاة والموت، شكله وظله یرافقانه فی تحولاته، وهویبقی الإنسان ذاته ویقول مرداد: " لهامبال ":ولإن والدك الیوم فی نور ما تعودته عیناك، وفی شكل لا تستطیع ان تمیزه، وتقول إن أباك غیر موجود، ولكن ذات الإنسان المحسوسة، مهما تبدلت دشكالها، وكیفما تقلبت أحوالها، « وستبقی كذلك إلی أن تتلاشی فی ذات الإنسان الالهیة" [ المصدر نفسه صص 155- 156].

فالموت إذاً ضرورة الإنسان كی ینتقل من مرحلة الی أخری، وهویستمر فی التنقل من جسد إلی آخر إلی أن یتلاشی فی الله.
الحیاة والموت فی لقاء
قصة " لقاء " لنعیمة، هی أول قصة طویلة كاملة له. یقدم فی هذا الكتاب التفكیر التقمصی، والإتجاه التقمصی هوالذی یملأ جوالقصة یسیطر علی أهم مواقفها، وعلی خاتمتها.

یدور موضوع " لقاء " حول فنان بارع جئ به لیعرف فی حفلة خطوبة إبنة سلیم الكروم صاحب الفندق، فسحرت به، وسحر هوبجمالها. ولكن لم یتصارحا بشئ من حبهما، وإن شعر كل منهما بأنه یتمم الآخر. ولم تكن ولادتهما الأولی علی الأرض، بل سبقتها ولادة أخری قبل آلاف من السنین، وكانت إبنة صاحب الفندق هذه بنت أمیر حینذاك ولیوناردوعند والدها. وكان یعزف علی شبابته، وقد تحابا منذ ذلك الوقت ثم ماتا قبل أن یحققا حبهما الشدید، فعادا فی هذه المرة لیحققاه، لكنهما فشلا ثانیة وقضایا قبل تحقیق أحلامهما.

وهذه هوموجز القصة فإن نعیمة ذوهدف وعقیدة، فهولا یكتب بلاغایة، وأن غایته فی هذه القصة لیست سوی توكید النظریة التقمصیة [ الناعوری، عیسی الطبعة الثانیة 1967صص 159 ]. القائلة أن الارواح تظل تنتقل علی مدار الزمان من جسد إلی جسد، ساعیة فی كل ولادة جدیدة إلی تحقیق كل ما یمكن من الكمال الإنسانی. هذه النظریة أوقع فی النفس من سواها، لذلك نطمئن إلیها، ونری فیها التعزیة والأمل، والبقاء المتجدد المفضی إلی الكمال، الی الله [ صیدح، جورج الطبعة الثالثة1964 صص246].

مسألة الثواب والعقاب:
إنّ تناول نعیمة للفكرة التقمصیة والحیاة والموت جعلته یتساءل عن مبدأ الثواب والعقاب المستمد ومواهبه ومیوله وعلاقاته، وكیف یرجع إلیه كل ما یقوم به من أفعال وأقوال؟ هذا المبدأ یقضی « بأن تحصد ما تزرع. فمن زرع الزوان حصد الزوان ومن زرع القمح حصد القمح، والخیر بالخیر والشر بالشر» [ غوش، قیس الطبعة الأولی 1999 ج 8 صص 8 ].

قد حلّت فكرة العودة إلی الحیاة مشكلة الموت عند نعیمة كما یقول: « ما یصیبنی من لذة وألم هوحصاد ما أزرعه فی هذه الحیاة وما زرعته فی حیوات سابقات من بذور صالحة أوطالحة. وذلك هوالعدل كل العدل: أن یكون ثوابی فی یدی، فلا أعاقب الله، ولا الدهر ولا الطبیعة، ولا أی إنسان فی ما یصیبنی من وجع. فأنا قضاء نفسی، وأنا قدرها، وأنا السبب الأول والأخیر. یقوم الإسلام علی نظام الثواب والعقاب كما جاء القرآن بقوله:

« فمن یعمل مثقال ذرة خیراً یره ومن یعمل مثقال ذرة شراً » [ سورة الزلزلة آیة 7 ].

وهذا یعنی إلی أنّ النظام الحاكم فی الكون، نظام عادل یعاقب كل من یخرج عن الطریق السوی، فالناس یجعلون الأوجاع لأنفسهم بأعمال یعلمونها أوبأفكار یفكرونها، أوبشهوات یشتهونها وهذا ما تعنی علیه الآیة المباركة القرآنیة.

فیؤمن نعیمة بالنظام الذی یحكم الثواب والعقاب فی الوجود، ویذكر أن هذا النظام هوما عبر عنه الإنجیل بقوله: « كل ما تریدون أن یفعل الناس بكم فافعلوه أنتم بهم» [ السید، شفیع صص322 ]. وهذا منطق سوی یتفق علیه العقلاء من الناس، فمن الإنصاف والعدالة أن یكون الجزاء من جنس العمل، فالخیر جزاء الخیر، والشر عقاب الشر.

یفسر نعیمة نظام الثواب والعقاب بما یتفق مع عقیدته الأساسیة التی تقوم علی عماد وحدة الوجود والتقمص، فحسب هذه العقیدة لیس بلازم أن یثاب الإنسان أویعاقب من جزاء عمل إرتكبه هو، لأنه یعتقد فی كثیر من الأحیان أن تنزل الكوارث والأمراض بإنسان برئ لم یدنس الاثم حیاته، لم یكن بسبب وقوع الخیر والشر أوالثواب والعقاب فی هذه الحیاة فإنهما قد یكونان نتیجتین لأعمال النفس البشریة فی حیاتها لأعمال الحاضرة، أویكونان نتیجتین لأعمالها السابقة فی حیواتها الماضیة، حیث إنها ما تزال تتقلب فی أجسام متباینة الهیئة والصورة، عبر أحقاب طویلة، حتی تتطهر وتصفوتماماً من الشوائب المادیة، ثم تعود الی مصدرها الأبدی، وهوالذات الكبری لتتحد بها.

فلیس من الضروری دائماً أن یكون نزول الألم بالإنسان عقاباً له علی ما إقترف من جرائم وآثام قد یكون فی بعض الدحیان تجربة أوذمتحاناً لإیمانه بعدل ذلك النظام وثباته. وهذا الإمتحان تفرضه علی الممتحن إرادة غیر إرادته. إلا أنها إرادة تعرف أن هذا الإنسان أوذاك أصبح أهلاً لأن یمتحن الإمتحان النهایی. وهذا ما یبدوبوضوح فی مسرحیة أیوب، التی نتطرق إلیها فی ما بعد.

ایوب:
نقرأ فی مسرحیة أیوب أنّ نزول الكوارث والأمراض به لم تكن بسبب ما إجترح من سیئات وشرور، فقد كان خیراً، باراً، تقیاً، ومن ثمّ فإن إبتلاءه بهلاك أمواله وممتلكاته، وموت أبنائه وبناته، وسقم جسمه وتقرحه، إنما كان إمتحاناً لصلابة إرادته وقوة إیمانه بالعدل الإلهی. فأیوب عندما أختبر بنهب البقر، وإحتراق الغنم والغلمان، ونهب الإبل وقتل الغلمان، وموت أولاده الا تلیدة. حینذاك شق ردائه ثم جثی علی ركبتیه وقبّل الارض متمتماًً قائلاً، « عریاناً خرجت ... وعریاناً أعود ... . الربّ أعطی، والربّ أخذ، فلیكن اسم الربّ مباركاً» [ نعیمة، میخائیل الطبعة الثالثة 1988 صص 73 ]. فنجد أنّ أیوب نجح فی هذا الإمتحان بصبره علی الآلام، فالصبر مفتاح المعرفة. أیوب رجل مصفّی، وقد صفته خبرته الطویلة فی خلال أعمار كثیرة عاشها علی الأرض. فبات یعرف أنّ كل ما تعطیه الأرض تستردُهُ الأرض. ویعرف أن هذه المعرفة هی وحدها الجوهرة الثمینة التی یكسبها من حیاته علی الأرض ولا تستردها منه الأرض.
دروب:

یعتقد نعیمة فی دروب أن لیس له أن یشكومن الله، أومن القدر، أومن أیّ إنسان آخر بل علیه أن یراقب نفسه، وكلّ ما یصدرعنها من أقوال، وأفعال ونیّات، لذا نری نعیمة یقول: « ما من كلمة أوحركة، وما من نیة أوشهوة، وما من فكرة أونظرة الا ونتائجها مرتبطة بها إرتباط النور والحرارة بالنار. وما یأتیك من خیر أوشر لیس سوی نتیجة لازمة لما تقوله وتفعله، وما تفكره وتتخیله عن وعی منك أوعن غیر وعی. ومهما حاولت أن تهرب من تلك النتیجة فهی لاحقة بك بل لا محالة مهما تباعد بها الزمان»[ نعیمة، میخائیل الطبعة الثالثة 1963صص 119-120]. فحسب هذا نعلم أن كل ما نعمله له نتاج فی حیاتنا بعد الموت ینبغی علینا أن نطبق قانون الزرع والحصاد . لأنه قانون الهی، یحكم بالعدل. وان أقصی ما نحاسب علیه هوأن نزرع بضمیر حیّ، ونیات نقیة، وأفكاره.

مراحل:
یشبه نعیمة الأعمال والأقوال، والنیات بالنساء اللواتی یحبلن ویلدن فإن حبل العمل الصالح بالعمل الصالح ولد عملاً صالحاً. وإن حبل الفساد بالفساد ولد فساداً. فنجد أن هذا النظام لا یخطئ فی أحكامه، ولا یقبل الزلل، أوالإنحراف أوالخلل، فالخلل یعنی التفككف والتفكك ینتج الفوضی. الفوضی هی أن نزرع بلوطة فتنبت وردة، أوحبة قمح فتنبت وردة، وأن تطلع الشمس من المغرب، ویغیب القمر من المشرق.

هذا النظام مسلم به فی إطار جمیع الظواهر الطبیعیة. وكل قوی الطبیعة الفیزیقیة والعقلیة تخضع له، فكل حادثة تمثل طاقة منظورة تعمل فی تناسق مع قانون السبب والنتیجة. النظام الكونی ممییز بعدله، وثبوته وصرامته. یقول نعیمة « فی الكون نظام واحد ثابت لا یتغیر ولا یتبدل. ومن میراث ثباته انه یتمم نفسه بنفسه. فهوالحاكم والمحكمة. وهویصدر الحكم فالحال، وهذا النظام یشمل كل ما فی الكون من الأنظمة. فهی ضمنه لا خارجة عنه، تتكیف به ولا یتكیف بها » [ نعیمة، میخائیل الطبعة التاسعة 1989 صص 32].

فهذا النظام یعنی أن كل یجری علی الإنسان لیس الا صدی اعماله ونیاته و افكاره السلبیة الایجابیة الذی یرتكبها خلال حیواته المتعددة حتی أن یتلاشی فی الذات الأزلی.

المنابع والمصادر:
#- ابراهیم، السید علی: أعلام الشعر والأدب، دار منشورات احمد بیروت، الطبعة الأولی 1974.
#- الأشتر، عبدالكریم: فنون النثر الهجری، ج 8، دار الفكر الحدیث لبنان 1965.
#- بدوی، عبدالرحمن:الانسانیة والوجودیة فی الفكر العربی، دار القلم بیروت.
#- بدیع ابوفاضل، ربیعة: الفكر الدینی عند ادباء المهجر،ج2، دار الجیل بیروت، الطبعة الاولی 1992.
#- خفاجی، عبدالمنعم: دراسات فی الادب العربی ومدارسه، ج 2، دار الكتاب اللبنانی بیروت 1986.
#- السید، شفیع: میخائیل نعیمة منهجه فی الادب واتجاهه فی النقد، عالم الكتب القاهرة 1972.
#- الشعراوی، محمد: الحیاة والموت، دار اخبار الیوم1985.
#- شیا، محمد شفیق: فلسفة میخائیل نعیمة، منشورات بحسون الثقافیة بیروت، الطبعة الأولی 1979.
#- صیدح، جورج: أدبنا وأدباؤنا فی المهاجر الأمریكیة دار العلم للملایین، الطبعة الثالثة 1964.
#- ضیف، شوقی: دراسات فی الشعر العربی المعاصر، دار المعارف مصر، الطبعة السابعة 1989.
#- عبود، مارون: مجددون ومجترون، دارالثقافة بیروت، الطبعة الاولی 1968.
#- غنیمی هلال، محمد: دراسات ونماذج فی مذاهب الشعر ونقده، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزیع القاهرة.
#- غوش، قیس: میخائیل نعیمة الادیب العملاق، الطبیعة فی ادب میخائیل نعیمة،الطبعة الاولی، الاشرفیة بیروت 1999.
#- "، ": " ، الانسان الماورائی عند میخائیل نعیمة، الطبعة الاولی، الاشرفیة بیروت 1999.
#- الفاخوری، حنا: تاریخ الأدب العربی، دار الجبل بیروت، الطبعة الأولی 1986.
#- "، ": الجامع فی تاریخ الأدب العربی، الأدب الحدیث، دار الجبل بیروت، الطبعة الأولی 1986.
#- "، " : الموجز فی الأدب العربی وتاریخه، دار الجبل بیروت، الطبعة الأولی 1986.
#- كیال، باسمة: فلسفة الروح (1) اصل الانسان وسر الوجود، دار المكتبة الهلال بیروت، الطبعة الاولی 1983.
#- "، ": فلسفة العقول (2) اصل الانسان وسر الوجود، دار المكتبة الهلال بیروت، الطبعة الاولی 1983.
#- محمود، مصطفی: الوجود والعدم، دار العودة بیروت 1986.
#- "، " : ماذا وراء بوابة الموت، دار العودة بیروت 1999.
#- مندور، محمد: النقد والنقاد، دار المكتبة المصریة قاهرة 2002.
#- "، " : فی الأدب والنقد، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزیع القاهرة، الطبعة الثانیة 1988.
#- "، " : الأدب ومذاهبه، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزیع القاهرة، الطبعة الثانیة 2002.
#- نعیمة، میخائیل: آباء وبنون، مؤسسة نوفل بیروت، الطبعة التاسعة 1989.
#- "، ": ابعد من موسكووواشنطن، دار صادر بیروت، الطبعة الثالثة 1966.
#- "، ": ابوبطة، مؤسسة نوفل بیروت، الطبعة العاشرة 1997.
#- "، ": اكابر، مؤسسة نوفل بیروت، الطبعة الخامسة عشر1999.
#- "، ": إبن آدم، مؤسسة نوفل بیروت، الطبعة الثانیة 1973.
#- "، ": ایوب، مؤسسة نوفل بیروت، الطبعة الثالثة 1988.
#- "، ": البیادر، دار صادر بیروت، الطبعة السادسة 1966.
#- "، ": جبران خلیل جبران، مؤسسة نوفل بیروت، الطبعة التاسعة 1981.
#- "، ": دروب، مؤسسة نوفل بیروت، الطبعة الثالثة 1963.
#- "، ": زاد المعاد، مؤسسة نوفل بیروت، الطبعة السادسة 1986.
#- "، " : سبعون، المرحلة الاولی والثانیة والثالثة، مؤسسة نوفل بیروت، الطبعة السابعة 1987.
#- "، ": صوت العالم، مؤسسة نوفل بیروت، الطبعة السابعة 1986.
#- "، " : غربال، الطبعة التاسعة، مؤسسة نوفل بیروت 1971.
#- "، " : فی غربال الجدید، الطبعة الرابعة، مؤسسة نوفل بیروت 1988.
#- "، ": فی مهب الرهیب، الطبعة الخامسة، مؤسسة نوفل بیروت 1988.
#- "، " : كان ما كان، الطبعة العاشرة، مؤسسة نوفل بیروت 1972.
#- "، " : كرم علی درب، الطبعة السادسة، مؤسسة نوفل بیروت1972.
#- "، " : لقاء، الطبعة السابعة، مؤسسة نوفل بیروت 1971.
#- "، " : مجموعة الكاملة، دارالعلم للملایین بیروت 1947.
#- "، ": مراحل، مؤسسة نوفل بیروت، الطبعة التاسعة 1989.
#- "، ": مرداد، مؤسسة نوفل بیروت، الطبعة الثامنة1991.
#- "، " : مذكرات الارقش، مؤسسة نوفل بیروت، الطبعة العاشرة 1988.
#- "، " : نجوی الغروب، مؤسسة نوفل بیروت 1973.
#- "، ": النور والدیجور، مؤسسة نوفل بیروت، الطبعة السادسة 1979.
#- "، ": همس الجفون، مؤسسة نوفل بیروت، الطبعة السادسة 1981.
#- "، " : ومضات: شذور وامثال، مؤسسة نوفل بیروت، الطبعة الثالثة 1988.
#- "،": الیوم الاخیر، مؤسسة نوفل بیروت، الطبعة الثامنة 1996.
#- نجم، محمد یوسف: الشعر العربی فی المهجر، دار الثقافة بیروت، الطبعة الثانیة 1967.


[1[ فلما عاد ميخائيل من روسيا عام 1911، كان يعتزم السفر إلي فرنسا ليتم دراسته، وراح يعد عدته في اوائل سبتمبر من ذلك العام ليتم دراسة الحقوق في السوربون، أملا في اتخاذ المحاماة مهنة له؛ لأنها – كما كان يري - أكثر المهن كسباً للمال ومن ثم يمكنه معاونة أسرته.

وبينما نعيمه يفكر في مستقبله، أقبل أخوه من أمريكا لزيارة أسرته في بسكنتا، وكانت هذه الزيارة كما يقول نعيمة « نقطة تحول عظيم في مجري حياتي، فقد أقنعني أخي أن أسافر معه إلي أمريكا، وأدخل هناك جامعة من جامعاتها الكثيرة... وهكذا بين ليله وضحاها انصرفت أفكاري عن فرنسا إلي أمريكا وعن السوربون إلي جامعة واشنطن» [[[المصدر نفسه، صص 282

[2[ السید علی، ابراهیم، الطبعة الأولی 1974 ،صص173

[3[شیا، محمد شفیق، الطبعة الأولی 1979،صص263و270

[4[ نعیمة، میخائیل، الطبعة الثانیة1973 ،صص 143و144

[5[ نعیمة، میخائیل، الطبعة التاسعة 1989،صص 139

[6[ المصدر نفسه ،صص 78

[7[نعیمة، میخائیل، الطبعة الثامنة 1991 ،صص 68

[8[ المصدر نفسه ،صص 73

[9[ سورة الذاریات، آیة 21

[10[ نعیمة، میخائیل، الطبعة الثامنة1991، صص 76

[11[المصدر نفسه، صص 46

[12[ محمود، مصطفی 1986،صص56

[13[ نعیمة، میخائیل، 1947 ،صص628

[14[نعیمة، میخائیل، الطبعة السادسة 1981 ،صص21

[15[ نعیمة، میخائیل، 1947، صص 349

[16[ نعیمة، میخائیل، الطبعة العاشرة 1988، صص71

[17[ نعیمة، میخائیل، الطبعة السادسة 1981 ،صص86

[18[ المصدر نفسه ،صص 35-36

[19[ نعیمة، میخائیل، الطبعة السادسة 1986 ،صص 87

[20[ ضیف، شوقی، الطبعة السابعة 1989، صص 163

[21[ نعیمة، میخائیل، الطبعة السابعة 1987،صص46

[22[ المصدر نفسه ،صص82-91

[23[ المصدر نفسه ،صص96


مشاركة منتدى

  • هذا هراء. باحث لكنه يحتاج إلى سنتين لتعلم الإملاء. يا أخي لا تنشروا هذه المساخر و لا تشغلوا الشبكة بهذه الفكاهات التي لا تسمن و لا تغني عن جوع بل تكدر مزاج القارئ و تعبث بسليقته.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى