الأحد ١١ أيلول (سبتمبر) ٢٠١١
بقلم أمينة زوجي

الانترنت وثورة الشباب العربي

لم تعد الانترنت بالنسبة للشباب المغربي على غرار نظيره في العالم العربي، مجرد أداة للترفيه واللهو والبحث عن العلاقات العاطفية فقط، بقدر ما أصبحت أيضا أداة للتعبير عن الرأي، والتواصل لمناقشة مختلف المشاكل والقضايا الاجتماعية والسياسية، والتحسيس والتعبئة لحشد الطاقات البشرية من أجل إحداث التغيير، فهذه التقنية الحديثة أفرزت منذ ظهورها في القرن الماضي تحولات عميقة داخل مختلف المجتمعات سواء الغربية أو العربية، وقد كانت الانترنت حجر الزاوية في اندلاع سلسلة الثورات والانتفاضات الشعبية التي شهدها العالم العربي بقيادة الشباب أواخر سنة 2010 ومطلع سنة 2011، حيث انطلقت شرارتها الأولى من الفايس بوك، لتتبلور من خلال باقي وسائط التواصل الاجتماعي كتويتر، اليوتوب والمدونات الشخصية، ضد قمع واستبداد الحكومات وسياسة الاستخفاف بقضايا الشعوب، فلم تتوقع الأنظمة العربية يوما، ومعها أغلب المحللين والباحثين المهتمين بالحراك الاجتماعي والسياسي في العالم العربي، مدى قدرة الشباب على ممارسة التأثير واتخاذ مواقف جادة وجريئة يهاب لها في هذه الظرفية بالتحديد، من خلال تسخير شبكات التواصل الاجتماعي، عوض الانتماء إلى الأحزاب السياسية.

هذا التغير المفاجئ في ذهنية الشباب العربي وثقافته، يستدعي جملة من التساؤلات التي تفرض نفسها بشكل ملح، فالأسئلة التي تتبادر إلى الذهن تتمحور حول كيفية انتقال الشباب من مجرد مستهلك لمواقع ومنتديات التواصل الاجتماعي من أجل الدردشة والبحث عن علاقات عاطفية، كما تشير إلى ذلك بعض الدراسات السوسيولوجية المعاصرة، إلى منتج لأحداث تاريخية عبر استثمار نفس هذه المنتديات لتحقيق رهانات ثورية، والكيفية التي ساهمت بها هذه الوسائط في تخليص الشباب من العزلة والخوف السياسي، ومدى أهميتها للدفع بهذه الثورات الشبابية باتجاه تحقيق جميع أهدافها، ومدى قدرتها على مواكبة عملية التغير وتحقيق الديمقراطية التي يسعى إليها الشباب، وكيفية تعامل الحكومات الناشئة مع الانترنت في المستقبل، إنها تساؤلات تتطلب القيام بدراسات ميدانية جديدة حول الشباب لا تعتمد على وسائل كمية كالاستمارات التي لا تعتمد إلا على النسب المئوية، بقدر ما تعتمد على وسائل كيفية تتمثل في المقابلات و المجموعات البؤرية من أجل الإحاطة بعالم الشباب وتمكينه من التعبير عن نفسه والتعبير عن ما يحمله من خلال قيم وأفكار.

وقديما، قال الفيلسوف اليوناني هيروقليطس: التغير قانون الوجود والاستقرار موت وعدم، وأعطى مثلا على ذلك بالنهر الذي لا يمكن الاستحمام بمائه مرتين، لان مياه النهر دائمة الجريان تتجدد باستمرار، إنها حقيقة عجزت الأنظمة العربية عن إدراكها، وظلت لعقود تعول على نفس الوسائل التقليدية في التعاطي مع مختلف قضايا الشباب، وعاجزة عن صياغة برامج قادرة على احتواء تطلعاته، لهذا لم تستوعب أبعاد معظم هذه الثورات، وأصرت على تفسير انتفاضتهم بنظرية المؤامرة، معتبرة اندلاع هذه الثورات ناتج عن تدخلات أجنبية بطرق غير مباشرة، تستهدف الإخلال بتوازن الدول العربية، وبث بذور الشك في نفوس الشباب اتجاه حكوماتهم لزرع الفتنة بين أفراد المجتمع، وهذا الاعتقاد الخاطئ هو ما أدى إلى تصعيد الموقف في كل من تونس، مصر وليبيا واليمن، وسوريا، عوض التفاوض مع هذه الحركات للوصول إلى حلول منطقية.

إن ثورة الشباب في العالم العربي وإن كانت تستعمل وسائل تكنولوجية غربية للتعبير عن نفسها، فهي وليدة ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية داخلية وتراكمات نفسية وتاريخية، لم تجد لها من متنفس داخل الأحزاب السياسية التي تعمل تحت قيادات غير شابة ظلت تعيد إنتاج نفس القيم ونفس الأساليب، وتحتكر عملية اتخاذ القرار لسنوات عديدة من دون تجديد هياكلها أو إتاحة الفرصة للشباب، فهي لا تدعوهم للمشاركة في الانتخابات إلا قصد الاستفادة من أصواتهم، واستغلال طاقاتهم في الحملات الانتخابية وتوزيع الأوراق وترديد الهتافات والشعارات في الشوارع والأحياء.

إن نسبة الإقبال على مواقع التواصل الاجتماعي قد ارتفعت بشكل ملفت للنظر، ويأتي الفايس بوك على رأس هذه الوسائط بنسبة 75% حسب دراسة أعدتها كلية دبي حول الإعلام الاجتماعي في العالم العربي سنة 2011، ومن المرجح أن السر في هذا الارتفاع يأتي على خلفية فقدان الشباب الثقة في مؤسسات الدولة، وخصوصا وسائل الإعلام سواء السمعية البصرية أو المكتوبة، فالحكومات ظلت وإلى عهد قريب تتحكم في الإعلام الرسمي، وتتدخل لتوجيه الرأي العام بما تبثه من مواد إخبارية وتقارير لا تعبر عن الحقيقة ولا تعكس الواقع، وتمارس جميع أنواع التضييق والرقابة على الإعلام الخاص وتشهد على ذلك معظم التقارير الدولية التي تصنف الدول العربية في أذيال القوائم فيما يخص حرية التعبير من خلال وسائل الإعلام، في حين تتميز الانترنت بكونها الوسيلة الأكثر تحررا من جميع أشكال الرقابة الأمنية، فقد استعملت في السنوات الأخيرة كقناة لفضح المستور، وهنا لا يفوتنا الإشادة موقع ويكيليكس الذي أحرج العديد من الحكومات أمام مواطنيها، بنشر تقارير ووثائق رسمية تفضح ما يطبخ في الخفاء، إضافة قناصة تاركيست ودورهم في فضح الفساد والرشوة وغيرهم.
فالانترنت تمنح لكل مواطن بسيط في إطار ما يعرف بالصحافة المواطنة، فرصة للتغلب على ثقافة الخوف والتعبير عن آرائه بحرية ونشر جميع المعلومات المهمة على شكل وثائق أو شرائط، من دون التعرض للمساءلة القانونية عبر استخدام أسماء مستعارة، وقد كان لتلك الشرائط التي نشرت على اليوتيب والفايس بوك من طرف مواطنين عاديين، وقع كبير على المجتمع في العالم بأسره، فلولا الانترنت لما تحول البوعزيزي إلى رمز من رموز الثورة، وما علمنا بما يجري في العالم العربي من سخط ومقاومة.

إن الشباب في العالم العربي الذي ظل لسنوات مديدة متهم بالسطحية، والعزوف عن القضايا الاجتماعية والسياسية، لصالح الانشغال بالقضايا العاطفية والجنسية، والإقبال على المهرجانات واللهو وقضاء الوقت فيما لا ينفع، إلا أنه من خلال الثورات الأخيرة عبر عن حضوره القوي داخل قلب الأحداث، وأبان على أنه على درجة كبيرة من الوعي بعالمه، إلا أن ما ينقصه هو التأطير والتوجيه لكي يتمكن من المضي قدما في مسار تحقيق الحرية والديمقراطية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى