الخميس ١٥ آذار (مارس) ٢٠٠٧
بقلم محــمد أنـقار

التلميذ . القصة . القارئ

التلميذ

ثمة فرق بين اصطلاحي التلميذ والطالب في العملية التعليمية المغربية والعربية وحتى الدُّولية. ولقد جرى العرف وحتى القانون على أن يُقصد باصطلاح الفرد الذي يتابع دراسته في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية، أو الثانوية، في حين يُقصد بالطالب ذاك الذي يتابع دراسته في الجامعة أو الكلية أو المعهد العالي. ومنذ الوهلة الأولى يتبادر إلى الذهن أن الفرق بين الاصطلاحين مرتبط بعامل السن؛ لكنّنا سنرى لاحقا أن ذلك غير صحيح. لذلك يظل السؤال عن المعايير المتحكّمة في التفرقة قائما. ومن دون دخول في التفاصيل البيداغوجية الدقيقة يمكن القول إنَّ كلاّ من المصطلحين يغّطي مرحلة تعليمية بعينها تتسم بخصائص عقلية وسلوكية مخالفة بصورةٍ واضحةٍ لخصائص المرحلة الأخرى. ذلك أنّ التلميذ يتفاعل مع المادة المعرفية المقدّمة له بطريقة مبانية لطريقة تفاعل الطالب.

ويمكن القول إنّ التلميذ يتلقى المعرفة وهو واقع في صميم الدهشة العقلية الأولى ممّا يجعلُ العمليات التعليمية والتربوية تواكبها ردود فعل نفسية وعقلية وسلوكية خاصة. أمّا الطالب في الجامعة مثلا فيكون قد تجاوز ردود فعلِ الدهشة المعرفية الأولى ودخل مرحلة التّعمق الناضج والتعامل مع الكليات المعرفية وممارسة أنماط من التركيب أشدَّ تعقيدا من أنماط ممارسة التلميذ.

وثمة فرق بدهيٌّ آخر بين التلميذ والطفل. فالتلميذ لا يكون بالضرورة طفلا حيث يمكن العثور على رجالٍ يتابعون دراستهم في الابتدائي أو الإعدادي أو الثانوي. إن الرجل والمرأة يمكن اعتبارهما تلميذين مثلا في دروس محاربة الأمية أو في التعليم الذي يتم بالمراسلة أو في الدروس الخصوصية.

لكن إذا أعدنا ترتيب طرفي المعادلة ألفينا أن اصطلاح الطفل أشملُ وأوسعُ من اصطلاح التلميذ. فالطفل قد يكون تلميذا أو غير تلميذ. وعلى الرغم من ماهية اصطلاح الطفل تكون مقيدة بعامل السنّ؛ فإن الاصطلاح على الرغم من ذلك لا يتقيّد ضرورةً بأي نوع محدّد من أنواع الدراسة. وإنما يحدَّد مصطلح الطفل من حيث ارتباطه بالطفولة باعتبارها أحاسيس وملكات كائن صغير يتطلع إلى المستقبل.

والواقع أن التمييز الذي يهمُّني بين اصطلاحي التلميذ والطفل هو ذاك الذي يتّم في مجال أدب الأطفال. بمعنى أن التمييز لديّ ليس مقصودا لذاته إنما من أجل المساهمة في تعميق نظرية أدب الأطفال وبلاغته. وقد تكون هذه هي المرة الأولى التي أعالج فيها القصّة الموجهة «للتلميذ» بصفة خاصة، في حين ركزت كل دراساتي السابقة على قصة الطفل خارج المقررات التعليمية. ولقد دام ذلك التركيز أكثر من عشرين سنة، وأظن أن الأوان قد حان من أجل الخوض في القضايا البلاغية التي تخصُّ القصص الموجهة للتلاميذ داخل المدارس والمعاهد وكذا قضايا القراءة المرتبطة بتلك البلاغة.

يمكن اعتبار الطفل هو «القارئ العام» في مجال أدب الأطفال. واصطلاح "القارئ العام" في مجال أدب الراشدين يُقصد به القارئ غير المتخصص، أي القارئ غير الناقد. لذلك يصبح الطفل في مجال أدب الأطفال قارئا عاماً غير ملزم ضرورة بنقد ما يسمعه أو يقرؤه من قصص. صحيح أنه قد يعلّق أو يبدي وجهة نظره أو يعبّر عن انطباعه تجاه المقروء أو المسموع؛ لكنه لا يصل في ذلك إلى مستوى «القارئ الناقد» في مجال أدب الراشدين؛ أي مستوى الناقد المتخصص.
أما التلميذ فلا تتوجه إليه نظرية الأدب وبلاغته توجها تاما، أو على الأصح توجها مباشرا. ذلك أن التلميذ يكون في الأساس هدفا للنظرية التعليمية قبل نظرية الأدب. صحيح أن مادة التّعلم التي تقدّم للقارئ التلميذ لا تخلو من بلاغة؛ لكن مع ذلك لا تولي العملية التعليمية تلك البلاغة كبير اهتمام.
هكذا يبتعد اصطلاح الطفل عن اصطلاح التلميذ المقيّد بوظيفة التعلم المنضبطة. لكن على الرغم من بعد المسافة بين الاصطلاحين يظل التلميذ محتفظا بقدر متفاوت من أحاسيس الطفولة وملكاتها خاصة عندما يكون تلميذا صغير السن غير راشد. وفي هذا المقام أظن أن الباحث مُلزم باستثمار ما في التلميذ من سمات ومكونات طفولية من أجل الخوض في القضايا الجمالية والأدبية والقرائية.

ويَلْزم أن نضيء فرقا آخر بين اصطلاحي التلميذ والمتلقي. فإذا كان الأول مرتبطا بالوظيفة التعليمية النظامية كما ذكرنا أكثر من مرة؛ فإن الاصطلاح الثاني يتسم بالشمولية والتعميم. ذلك أن اصطلاح المتلقي ليس مرتبطا ضرورة بمرحلة عمرية محددة ولا بوظيفة بعينها بما فيها وظيفة التعليم النظامي. إن المتلقي في نظرية التلقي المعاصرة غير مقيّد بسن ولا بوظيفة مسبقة ولا بنوع تلك الوظيفة. إنها نظرية تركز أساسا على الوظائف الانفعالية والتفاعلية والذهنية التي يقوم بها القارئ وليس على سنه أو جنسه. وفي هذا السياق يغدو التلميذ متلقيا تُوجه له عبر الكتب المدرسية وعبر التربية رسائل أدبية وتثقيفية وصور بلاغية لابد أن يكون له إزاءها انفعالات وردود فعل ذهنية وتفاعل إيجابي أو سلبي. بصيغة أخرى يمكن القول إن الوظيفة التعليمية تتيح لنا فرصاً مناسبة نعاين فيها التلميذ وهو يُمارس العملية القرائية في ظروف خاصة مخالفة لظروف مطلق المتلقين أو مطلق الأطفال. ومن البيّن جدا أن دراسات عديدة أنجزت في موضوع قراءات التلاميذ ركزت بصفة خاصة على ردود فعلهم المعرفية تجاه ما يقدم لهم، في حين أظن أن كم الدراسات التي أنجزت حول شروط التلقي وطبيعته أقل من كمّ الدراسات الأولى. وعلى العموم أرى أن مدارسنا في حاجة ماسة إلى مزيد من الدراسات التي تحتفي بالقارئ التلميذ ليس باعتباره تلميذا فحسب بل باعتباره كذلك تلميذا متلقيا.

قصة طفل

في سنة 1984 كنت قد عرّفت قصة الطفل هكذا:

«قصة الطفل النثرية هي جنس أدبي نمطي يسرد أساسا للأطفال كي يقرؤوه أو يقرأ لهم قصد التسلية والإمتاع، تراعي في تركيب عناصره وتحديد أجناسه وأنواعه الخصائص النوعية والذاتية لنوّهم الجسمي والنفسي والعقلي والاجتماعي والخلقي واللغوي، تم الخصائص الموضوعية الخارجية، وكذا المكونات العامة للجنس الأدبي وسمات النوع. وقد تشتمل قصة الطفل على مواقف تعليمية أو تهذيبية، أو تنجز في سبيل تحقيق غايات ومصالح قريبة. غير أن مثل هذه المواقف والغايات لا تدخل ضمن الاعتبار الحقيقي لهذا النمط التعبيري إلا إذا كانت نابعة من صميم البنية العامة للنصوص. ومادة هذه القصة قد تكون مبتكرة من شتى مظاهر الواقع والخيال، أو مستوحاة، من أجناس أدبية أخرى، أو مقتبسة من التراث الشعبي الإنساني. وتتداخل في بناء هذه القصة شبكة معقدة من المكونات أبرزها - على سبيل التبسيط - الحبكة والزمان والمكان والشخصيات والأحداث والفكرة والعقدة وحلها، إلى جانب الحوار والوصف والتوقيت والتشويق وتباين الأساليب ومستويات السرد. وكل هذه المكونات لا توظف؛ بالضرورة، مجتمعة في نص قصصي واحد أو بدرجة واحدة من الأهمية، إذ إن طبيعة المرحلة الطفولية المعنية بالخطاب هي التي تجعل مكونا أو مكونات تهيمن على عملية الحكي. وأهم الأجناس القصصية المتداولة بين الأطفال هي القصة القصيرة جدا، والقصة القصيرة، والقصة، والصورة القصصية، والمقالة القصصية، إلى جانب الأجناس الحكائية: الحكاية الشعبية والحكاية العجيبة والحكاية الأسطورية والخرافة والنادرة والنكتة والشريط المصوّر»( ).
بعد مرور أكثر من عشرين سنة أودّ الاحتفاظ من ذلك التعريف بالفكرتين الآتيتين: الفكرة الأولى تقول إن قصة الطفل هي التي تكتب له بقصد التسلية والإمتاع. والفكرة الثانية ترى أن المواقف والغايات التعليمية والتهذيبية لا تدخل ضمن الاعتبار الحقيقي لقصة الطفل إلاّ إذا كانت نابعة من صميم البنية العامة للنصوص.

واضح أن الفكرة الثانية هي التي تخص قصص الكتب المدرسية التي تصبو، كما هو معروف، إلى تحقيق الغايات التعليمية والتهذيبية قبل غايات المتعة والتسلية والترفيه. بمعنى آخر، إن هذه الفكرة تخص قصص التلاميذ وليس قصص عموم الأطفال. وإذا كنت في مناسبات عديدة سابقة قد عالجت بإسهاب جماليات قصص الأطفال التي تكتب أساسا من أجل المتعة والتسلية قبل غايات أخرى؛ فإنني أريد اليوم التركيز على قصة التلميذ التعليمية لكي أبرز كيف أنها تستطيع هي الأخرى تحقيق المتعة والتسلية إذا كانت غير مباشرة في معالجتها لموضوعها، وإذا انتبهت الأسئلةُ التعليمية التي تواكبها إلى قيم الذوق والبلاغة والترفيه. وسأضرب لذلك مثلا مقتبسا من كتاب «في رحاب اللغة العربية للسنة السادسة من التعليم الابتدائي»( ). ويتعلق الأمر بالنص الوظيفي المعنون بـ«الحقيبة القبعة»( ). المستخلص بتصرف من المجموعة القصصية «الغابر الظاهر» لأحمد بوزفور.

تدور القصة حول تلميذ في السادسة من عمره خرج وزملاءه من المدرسة التي تبعد عن القرية بخمسة كيلومترات. كان اليوم ممطرا فأثّر البرد والشتاء في التلميذ غير المسمى مما اضطرّ معه إلى تخبئة كراريسه وأدواته في ملابسه، ثم جعل من محفظته الصغيرة قبعة عسكرية غطى بها رأسه. وبعد أن وصل إلى الدار خفّف أبوه والجو الدافئ من معاناته فاستجاب التلميذ لذلك.

ذيّلت هذه القصة في الكتاب المدرسي بستة عناوين رئيسية سنسميها مفاتيح، وهي على التوالي:

1- أتعرّف صاحب النص.
2- أكتشف النص (تقييم بلاغي قصير جدا).
3- أفهم (المعجم اللغوي / معلومات النص).
4- أفكر (تحليل النص / مناقشته / هيكلته).
5- أستثمر (أسـاليب/ لغويـات/ تعبير).
6- أضيف إلى معلوماتي (معلومات من خارج النص).

عندما نتأمل جيدا هذه المفاتيح نتوصل إلى أنها تجمع في آن واحد بين الغاية التعليمية والبحث عن بعض الجوانب البلاغية.وهي بالطبع ترجح الكفة التعليمية على كفة بلاغة القصة احتراما للهدف المرسوم. يقول المؤلفون في أول فقرة من تقديم الكتاب:
«يأتي هذا الكتاب في وحدة اللغة العربية للسنة السادسة من التعليم الابتدائي لاستكمال ما اكتسبْتَه في السنوات الماضية من معارف وقيم ومهارات؛ فهو رفيقك طيلة هذه السنة، يلبي حاجتك للبحث والتكوين، ويعزز مكتسباتك، ويطوّر مهاراتك في مجالات القراءة والدرس اللغوي والإنشاء، وينمي رصيدك المعرفي المرتبط بالقيم الدينية والوطنية والإنسانية».
هكذا تتصدر الغايات التعليمية قائمة الأهداف. ولكن للأمانة يلزم أن نورد الفقرة ما قبل الأخيرة من مقدمة الكتاب التي تشير بوضوح شديد إلى الغايات الفنية. يقول المؤلفون:

«وتم الحرص في إعداد موضوعات وأنشطة هذا الكتاب، على أن يكون حضورك قويا في مختلف المحطات التعليمية؛بالعمل الفردي حينا، والجماعي حينا آخر، لتمكينك من إبراز قدراتك على التواصل والخيال والإبداع» .
إذا رجعنا إلى تفاصيل المفاتيح المذكورة وجدنا فيها منافذ إلى قيم البلاغة والخيال من خلال الأسئلة الآتية التي توجه إلى التلميذ بعد فراغه من قراءة القصة:

 أصف الطفل وهو يطل على الضيوف (الوصف).
 بم شبَّه الكاتب الطفل وهو يطل على الضيوف؟. في أي شيء يشبه الطفل الكتكوت؟ (تشبيه).
 أعط نهاية من تصورك لهذا النص (خيال).
 هيكلة النص (البلاغة الهيكلية).
 الأساليب.
 الإنشاء.
 أكتشفُ النص. وفي هذا المفتاح يقول المؤلفون:

«النص جزء من لوحة قصصية مقتطفة من مجموعة القاص المغربي أحمد بوزفور المعنونة بالغابر الظاهر، وضمنها يرسم لنا الكاتب صورة تلميذ القرية، ومعاناته، ويبين كيفية تعامل سكان القرية فيما بينهم، وعلاقاتهم بأطفالهم»( ). (لاحظ في هذه الفقرة المصطلحات البلاغية: لوحة قصصية - يرسم - صورة - كيفية). بيد أن كل هذه المنافذ إلى قيم البلاغة والخيال ترجَّح عليها الكفة التعليمية كما أسلفنا.

أدرج المؤلفون نص «الحقيبة القبعة» ضمن الصنف المسمى «بالنص الوظيفي» المتميز، حسب رأيهم، عن صنفي «النص الأدبي» و«النص المسترسل». وواضح أن التسمية غير دقيقة ما دامت ماهية الأدب تتجلى كذلك حتى في صنفي النصين الوظيفي والمسترسل. كما أن عدم الدقة يظهر كذلك في قصر المؤلفين تسمية «النصوص الأدبية» على القصائد الشعرية دون سواها من أجناس الأدب. وهذا تضييق غير صحيح. ومع ذلك يبدو أن المؤلفين لم يتغيوا ماهية النصوص في حدّ ذاتها بل الغايات التعليمية المتوخاة من ورائها: وظيفية - مسترسلة - أدبية. ولذلك حينما تصدّوا لمعالجة النصوص الأدبية، أي الشعرية حسب تسميتهم، عوضوا بعض المفاتيح الستة المذكورة سلفا بمفاتيح أخرى تساير قراءة النص الشعري وهي: «أتذوق» - «أعلق» - «أتلمس الإيقاع».

لكن أين يمكن أن تكمن غايات الإمتاع والتسلية والترفيه في هذا النص الوظيفي المعتمد مثالا؟. نستطيع القول إن مؤلفي الكتاب المدرسي عندما عمدوا إلى اختيار نص «الحقيبة القبعة» قد ضمنوا لقرائهم قدرا من غايتي الإمتاع والتسلية مادام نصا جيد الحبك، لا يعظ ولا يقرر، وإنما يصبو إلى تصوير الأحاسيس الرقيقة بصيغ بليغة محكمة الصنعة. صحيح أنه نص متصرف فيه، وأنه لم يكتب أساسا للصغار؛ ومع ذلك فإن السرد الرفيع يمكن أن يقرأ بمتعة من لدنهم كما هو ثابت في تلقي الآداب العالمية. كما أن بلاغة نص بوزفور متحققة بالنظر إلى الوصف المتأني، وسمة التدرج، والتعامل بتعبيرية شفافة مع العاطفة المصوّرة. إن ما نود أن نصل إليه من وراء كل ذلك القول بأن حسن اختيار النص الأدبي الجيد يضمن للقارئ التلميذ قدرا عاليا من المتعة حتى وإن تم الاختيار في سياق الغايات التعليمية المهيمنة.

القراءة

لعل أبسط تعريف للقراءة القولُ إن المقصود بها هو استيعاب الأفكار والمعلومات والأحاسيس من خلال النظر إلى الأحرف والكلمات المطبوعة. وبدهي أن ذلك الاستيعاب يتحقق من خلال تمثل الأفكار والمعلومات المقروءة في صيغةِ صور ذهنية من لدن القارئ. وأظن أن قدرة المبدع أو عدم قدرته على تخييل صور ذهنية طريفة جذابة هي التي قد تغري التلميذ بمتابعة القصة في شغف أو تجعله ينفر منها. إن الصلة وطيدة جدا بين القدرة على الخلق الأدبي والإغراء بالقراءة وتشجيعها. وأظن مرة ثانية أن مسؤولية المبدع في تحبيب القراءة إلى التلاميذ تنبع بالذات من هذه النقطة الجمالية الدقيقة المتمثلة في القدرة على ابتكار الصور المغرية للمتعلمين. بمعنى آخر، يمكن القول إنه إذا كانت مسؤولية الأب أو المربي ووسائط الإعلام واضحة في مجالي تشجيع الطفل على القراءة أو تنفيره منها؛ فإن مسؤولية المبدع لا تزال في حاجة ماسة إلى مزيد من التنوير وتسليط الأضواء الكاشفة على تفاصليها. وأرى في هذا المضمار أن الخوض في قضايا بلاغة قصص التلاميذ وعموم الأطفال من شأنه أن يكون السبيل العملي والتطبيقي الذي يمكن من خلاله تشجيع القراءة وتحبيب الناس فيها. فمتى أمكن النقد أن يتغلغل في أعماق النصوص ويسبر مكوناتها وسماتها ومظاهر تساندها الجمالي؛ استطاع أن يهدينا إلى عديد من أسباب تحبيب القراءة أو التنفير منها.

إن كتاب «في رحال اللغة العربية» يعتبر القراءة المدرسية مكونا من مكونات العملية التعليمية، إلى جانب الدرس اللغوي والإنشاء. كما يجعل لتلك المكونات امتدادات عديدة من بينها تحقيق القدرة على «مطالعة الكتب والمجالات». ويتضح من كل ذلك أن تعلم مهارات القراءة في المدرسة يغدو من بين الأولويات، لكن نمط هذه القراءة مخصوص، مقيد ومشروط. إنه يخضع لضوابط وخُطط ومناهج. لكنه مع ذلك نمط قادر على تتميم غايات القراءة الحرة والمطالعة التي تتحقق من خلالها المتعة الخالصة.

أما الخلاصة العملية التي يمكن الخروج بها من كل هذه التأملات المطروحة سابقا فيمكن إجمالها في الاقتراح العملي الآتي:
إن مؤلفي الكتب المدرسية مطالبون بأن يضعوا نصب أعينهم غايات الترفيه والمتعة والتسلية وهم يختارون النصوص الأدبية للتلاميذ. ولقد بينَّا أن حسن الاختيار يعتبر في حد ذاته ضمانة فنية لتلك الغايات. ومع ذلك فإن مفاتيح تلك الغايات يجب أن تنفتح على الأسئلة والتعاليق التي تذيل بها تلك النصوص المختارة سلفا لغايات تعليمية.
هذا عن مؤلفي الكتب المدرسية. أما المؤلفون الذين يكتبون إبداعا لمطلق الأطفال وليس للتلاميذ فهم مطالبون هم الآخرون بالانتباه إلى ما تتضمنه الكتب المدرسية من أسئلة دقيقة، وتحليلات توضيحية، ومراحل تبسيطية من أجل حسن صياغة أعمالهم الأدبية خاصة القصصية منها.

إن غاية القراءة مطلب عزيز، ولابد في هذا المضمار من الاستفادة من مجهودي الفريقين معا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى