الجمعة ١٥ تموز (يوليو) ٢٠١١
بقلم زهير الخويلدي

«الثورة العربية وارادة الحياة، قراءة فلسفية»

"ان نجاح الثورة يعني أن النظام السياسي الذي كان موجودا فقد كل معقولية وأصبح أمرا لا يطاق بالنسبة الى الجيل الجديد وأن معقولية أخرى بصدد التشكل وأن الفئة الشابة هي وقودها المركزي ومنارتها البارزة"[1]

صدر عن "الدار التونسية للكتاب" مؤلفا جديدا للأستاذ زهير الخويلدي عنوانه: "الثورة العربية وارادة الحياة، مقاربة فلسفية" يعبر فيه عما جال بفكره من دروس أثناء ثورة شباب الكرامة وعما يتطلع اليه من انتظارات وقد أهداه الى كل من علمه الفعل الثوري وجعله يطلب الحق ويعمل به والى كل الشباب العربي الثائر الذين سعوا الى تخليص الشعب من التبعية والارتداد والشمولية .

" لقد مثلت الثورة العربية واقعة هبطت بردا وسلاما على المظلومين والمضطهدين وثبتت عزائمهم وأثلجت صدورهم... ولكنها نزلت نارا وجحيما على الظالمين والفاسدين وزلزلت القصور والعروش."[2]

كتاب يرتل سيرة الثورة وقد انفتحت على كل ممكنات التجربة التاريخية وحملت مشعل إضاءة غرف الوجود المظلمة بعد أن غرقت في جمهورية الاحتقار والطغيان ليفيض العمل " شجاعة من أجل الحياة " فصل مقال فيما بين الشعب و جلاده من انفصال ليكون الكتاب الأول الذي يصعد من البراكسيس إلى النظرية وكأن الكاتب آل على نفسه أن لا يكتب ثورته ما لم يعشها و يخبر آلام ولادتها ويتمرس بطقوسها المعمدة بالنار والدم والمعاناة ومن هنا نفهم انخراط الكاتب في الفعل الثوري عبر التحامه بقوى الشعب المضطهد قولا و فعلا يذكرنا بالفيلسوف الفرنسي الملتزم جان بول سارتر حين اختار الانحياز للفعل الثوري ومحاولته الجمع بين الفيلسوف النظري الصارم والفيلسوف المتواجد في ساحات النضال الشعبي.

كان الكاتب واعيا بصعوبة التعبير بلغة المفهوم عن الحدث الجلل الذي شهدته تونس الخضراء في زمن الانتقال من عام 2010 الى 2011 وذلك لحساسية موضوع الثورة وتسارع المستجدات والسير نحو المجهول وحالة الفراغ والانفلات وبروز القوى المضادة للثورة من الداخل ومن الخارج ولذلك تجشم عناء التجربة واتخذ من رواق الفلسفة مرآة تعكس له سير الأحداث وتقلبات المرحلة.

لذلك لا غرابة أن تلتقي بالكاتب في ساحات الفضاء العمومي ومنتديات المجتمع المدني ومنابر الحوار والجمعيات الثقافية الجادة حيث عارض نقابيا الحكم الاستبدادي ونشط سياسيا بشكل مستقل رافعا للسقف وثائرا على الأوضاع لكنه قد فاجئ الملاحظين بعد زوال النظام الشمولي وتأجج الربيع الثوري العربي بابتعاده النسبي عن التحزب السياسي وبقائه على الحياد الايجابي والاستقلالية التنظيمية وتوجهه نحو العمل الثقافي والتفكير الاستشرافي.

عايش مؤلف الكتاب عن قرب الزمن الشمولي ما قبل الثوري واكتوى بناره وتنوعت المظالم التي تعرض لها وأشكال الاقصاء والصد ولكنه آمن بنفسه وظل يعمل بصمت وبعيدا عن الأضواء وجمع بين النظر والعمل والنقد الفكري والتشجيع على الرفض والتغيير وشهد أيضا الربيع الثوري في تونس عن قرب وكانت صفحته في المنتدى الافتراضي الاجتماعي غنية بالمواقف الجريئة والنقاشات الجادة.

لم يكن طموحه مجرد وصف للنسيج الاجتماعي و ما أبتلي به من وهن وضعف وتغلغل للفساد بمختلف ألوانه والطغيان بمظاهره المألوفة واللامألوفة ولا مجرد تشخيص للعلل والأمراض والاستعصاءات بل كان هدفه أن يزعزع مقولات الوعي البائس من عرشه البالي لينزل به صعودا حيث قمم الإرادة والشجاعة من أجل حياة بلا ظالمين حتى يأتي بزمن تدك إرادة الشعب وتزلزل طواغيت الزمان وتنثرهم هباء في مجاهيل التاريخ الهامشي ومدارات النسيان.
فماذا عن فحوى فصول " الثورة العربية و إرادة الحياة " ’؟

ليس غريبا أن يكون مدخل الثورة فلسفيا وأن تكون الفلسفة أم الثورات فقد دأبت على تدريبنا على الرفض والمبادأة والتفكيك والابداع أن نتفلسف هو أن نتعلم قول لا " و لذلك قدم الكاتب كتابه في شكل مقاربة فلسفية كانت الافتتاحية استهلالا على شكل مفتحات لطبق الثورة الدسم بعد أن فقدت الشعوب العربية شهيتها في الإقبال والتهليل للمستبد الأوحد والزعيم المعصوم و ليس أقدر على افتتاح وتدشين عصر الثورة من فقدان الشرعية و ما يتبعها من انهيار الأسس والدعوة للشروع بفعل تأسيسي جديد تكون الثورة هي الوقود الحيوي لها.

ربما لهذا الأمر اختار الكاتب عنوان الاستهلال " أزمة المشروعية والحاجة إلى الثورة " حتى يكون الفعل الثوري فعلا قصديا وهادف ينم عن وعي بضرورة التجذر في فعل ثوري نبيل لا يستكين إلا بتحقيق أهداف الثورة النبيلة و الحقيقية، و كأن الثورة هنا ليست مجرد فعل ألقت به الصدفة في طريق الشعوب المضطهدة لتلتقطه في لحظة سبات "جمهورية الاحتقار" أو في غفلة الطغاة كأن الثورة هي من أرادت الشعب و ليس هو من أرادها ....

قد لا يفهم البعض أنه من الواجب أن نفقد أنفسنا من أجل أنفسنا و لذلك ألقى الشعب بنفسه في أعماق بحر الثورة الهائج دون أن يأبه للثمن الباهض الذي يمكن أن يدفعه ولو كلفته عزيز النفس وأن هنا نقول أن هذه الثورة هي ثورة الإرادة والتصميم القصدي على الفعل الثوري والتغيير التاريخي لمسار الأحداث هي ثورة شعب أرادها من أجل شجاعة الوجود والحياة لا كفعل أخلاقي فحسب بل كفعل أنطولوجي يحمل في براءته صوت المصير " نكون أو لا نكون " فأتت مذعنة له عن سبق إصرار وتأكيد إنها " انتصار للشرف المستباح " أو هي هبة من أجل العزة والكرامة التي سينتقم بها الشعب ويغسل بها عار الصمت الذي امتد عن قصد أو غير قصد لعقود طويلة .

ينهمر سيل الثورة العربية العارم بعد ذلك قصد تفكيك قلاع الطغيان واقتلاع جذور الاستبداد وتصبح الثورة مع أول صفحات الكتاب المتكون من بابين فعلا سرديا ينجزه الثوار الأحرار بأنفسهم ويسرده الكاتب الفلسفي في كتاب "الثورة العربية وإرادة الحياة " وكل باب يضم ثمانية فصول وما بينهما استهلال يشرع لحق الشعوب في الثورة بعد أن فقدت الأنظمة المريضة مشروعيتها وخاتمة تعد بأن مستقبل اليقظة العربية الاسلامية آت لا ريب فيه.

السبب الرئيسي الذي أدى الى تفجر هو نقص الشرعية الذي كانت الأنظمة السياسية تعاني منه والارادة الشعبية هي سر انتصار الثورة العربية وارادة الحياة هو بيت القصيدة والتحام الشاعر بالشعب والشعر بالأرض. لقد كان مطلب الثورة هو ارجاع الحرية الى الأفراد والسيادة الى الشعوب وكان العقل الجمهوري هو السلاح والفعل الموحد هو البوصلة في ظل المراوحة بين النظام والفوضى.

لقد جاءت الثورة العرب لإنقاذ الموقف واعادة العرب الى التاريخ والتصدي الى الموجة الغربية الاستعمارية التي تسعى الى تقسيم الوطن العربي وافقاد الاسلام مخزونه الرمزي، ووقعت كذلك في لحظة زمنية فارقة من أجل زرع شجرة العدالة الديمقراطية والسيادة الشعبية في حضارة إقرأ.

يبحث المتفلسف بصرامة عن قاموس سياسي ثوري ويقتفي أثر التعددية والعلمنة والدين المدني والديمقراطية الاندماجية ويحاول أن يعطي للكرامة والسيادة والمصالحة والمواطنة والدستور والعدالة دلالات ثورية ولكنه يصطدم بسطوة الخطاب القانوني وباللغة الخشبية التي تتخفى وراءها القوى المحافظة فيلعن ثورة الفهم والنقد والتفكيك على العنف والكذب والتأسيس والحكم المطلق وعلى ويطلق العنان للحلم بمجتمع يخلو من تعصب واحتكار وتفاوت وسلعنة وظلم.

" ان المثير للتفاؤل حقا هو أن تتحول الشرعية العبية الى مصدر للسيادة وأن تضفي الثورة مشروعيتها على العلاقات السياسية بين الفاعلين وتحدد المرجعية الثورية قانون اللعبة السياسية مستقبلا وترسم موقع كل طرف وحصة كل قوة منها وتفسح المجال الى الفئة الشابة لكي تصنع أدوارها المقبلة بنفسها دون هيمنة أو احتكار ولكي تتمكن من الرد على التحديات العولمية الخارجية ودرء الأخطار الجهوية والقبلية والمذهبية والطائفية المتربصة بالوطن العربي."[3]

صفوة القول أن الكاتب يدعو الى بناء حركة عربية واحدة تعبر عن الكتلة التاريخية التي تجمع بين الايمانيين والعلمانيين ويتوافق فيها اليمين واليسار على قاعدة الوفاء لقيم الثورة واحترام ارادة الشعب والعمل على الانتقال من التردد والتعثر الى الدولة الديمقراطية الاندماجية والمجتمع المدني المفتوح.

لكن كيف يكون يقظة الاسلام المستنير هو الدرس الفلسفي الذي يمكن تعلمه من الثورة العربية؟ وهل يكفي للرد على تحديات المستقبل؟

المرجع:

زهير الخويلدي، الثورة العربية وارادة الحياة، مقاربة فلسفية، الدار التونسية للكتاب، تونس، الطبعة الأولى 2011.

[1] زهير الخويلدي، الثورة العربية وارادة الحياة، مقاربة فلسفية، الدار التونسية للكتاب، تونس، الطبعة الأولى 2011، ص.171.

[2] زهير الخويلدي، الثورة العربية وارادة الحياة، مقاربة فلسفية، ص.143.

[3] زهير الخويلدي، الثورة العربية وارادة الحياة، مقاربة فلسفية، ص.ص.209.210.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى