الأحد ١٨ آب (أغسطس) ٢٠١٩

الجسر - منحوت من حجارة الكلمات الوطنية

نايف خوري

القصيدةُ حين تخرجُ من سجنِ الورقِ وتسبَحُ في فضاءِ الصوتِ الرخيمِ يتّسعُ لها المدى والفلَك والملكوت.

كما يخرجُ السهمُ من القوسِ.. خرجَت الكلمةُ وتحرّرَت بالصوتِ - بإيقاعِ النغمِ المموسقِ للكلمةِ الشعريّةِ الشفافةِ الناعمة.

فالقصيدةُ مكنونُ العواطفِ ومخزونُ المشاعرِ، تنبثقُ من فيضِ الفكرِ لتحطّ رحالَها في نفوسِ القراءِ والسامعين. تهزّ قلبَك فتُبرقُ عيناك، يَقشعرّ بدنُكَ فترتَعدُ شفتاك، تَتملّكُ نواصي كلماتِك وتأخذُك معها إلى المدى اللا نهائي، إلى الأفقِ غيرِ المحدودِ، إلى أغوارِ هيامِ الروحِ وسموِّ الأقدارِ. تبعثُ فيك حرارةِ الحبّ ودفءَ السكونِ، تثيرُ فيك نورَ الشغفِ وعَطشَ الاكتشافِ، حتى يستقرّ بك المقامُ، وتُدركُ كُنهَ الحياةِ والحبِّ والخيرِ..

والآن تأخذُك القصيدةُ بصوتِ القارئةِ الساحرةِ عبير شاهين خطيب إلى الضفةِ الأخرى من الجسرِ.. إنها الكلمةُ التي تبني بالحجارةِ قوسَ الجسرِ والصوتِ الذي يهندسُ البناءَ.

هذه المجموعةُ الشعريةُ التي حلّقَت في وجعِ الأرضِ وهمومِ الوطنِ، حمَلت حِمَمَ العاطفةِ والغضبِ وتجلّت في البناءِ المُحكمِ للقصائدِ حتى تستطيعَ عبورَ الجسرِ.

عن المجموعة "الجسر"

صدرَت عن منشوراتِ مؤسسةِ "الأفقِ" للثقافةِ والفنونِ -2016- للشاعرِ والأديبِ: وهيب نديم وهبة.

تقعُ هذه المجموعةُ في 108 صفحاتٍ من الحجمِ المتوسطِ، وتشملُ 36 قصيدةً. صمّمَت لوحةَ الغلافِ الرسامة "صبحيّة حسن"

تعودُ في هذه المجموعةِ الشعريةِ النوارسُ إلى البحرِ، تمامًا كما تحطّ فراشةٌ فوقَ قنديلِ الضوءِ وتتوهّجُ بالنورِ وتحترق.. احترقَت أصابعُ الشاعرِ وهي تمُدّ الجسرَ ما بين الغيبةِ والغربةِ وبين جرسٍ ومئذنةٍ وبين أغنياتِ حنينِ الريحِ العائدِ في جسدِ الوردِ والنارِ "القصيدة".

يقولُ ناشرُ الكتابِ المديرُ العامُ لمؤسسةِ الأفقِ للثقافةِ والفنونِ الكاتبُ والفنانُ عفيف شليوط إنّ "القصيدةَ لدى الشاعرِ وهيب نديم وهبة هي سفرُ الفكرِ ما بين اللغةِ والصورِ الشعريةِ المتلاحقةِ في تشكيلِ عوالمَ وأقاليمَ وخيالاتٍ جديدةٍ بصريةٍ وذهنيةٍ تلاحقُ خيالَ القارئِ حتى الثمالةِ"

كما يتمتّعُ الشاعرُ بقدرةٍ فائقةٍ في رسمِ الصورةِ الشعريةِ والغوصِ في أعماقِ العامِ والتحرّرِ من الذاتية..

كما تُرجمَت نتاجاتُه الأدبيةُ إلى لغاتٍ أجنبيةٍ عديدةٍ.

مجموعةٌ مختارةٌ من قصائدِ الجسرِ مترجمةٌ للغةِ الإنجليزيةِ، ترجمةُ الشاعرِ: حسن حجازي حسن من جمهوريةِ مصرَ العربية.

من قصائدِ الجسر / بالعربيةِ والإنجليزيةِ:

بالأبيَضِ والأسْوَدِ
(بالأبيضِ والأسودِ عنوانٌ ضدَّ العنصريةِ
في جميعِ أَرجاءِ العالمِ.
المرأةُ هنا بيضاءُ البَشرةِ ولونُ بشرةِ الرجلِ
سوداءُ وكان لقاء)

في آخرِ المَقهى،
كانتْ مَعَهُ..
شعرُها الطويلُ الأصفرُ،
ينسابُ فوقَ وجنَتَيْهِ،
فوقَ عينَيهِ، يُغطِّى وجْهَهُ تمامًا،
برذاذِ الشتاءِ الذَّهَبيِّ..

وحينَ انتهى العناقُ،
أعادتْ خُصلاتِ الشَّعْرِ إلى الوَراءِ..
كانتْ قد تلونتِ البشَرَةُ البَيْضاءُ
بدَمِ وردةٍ عاشقةٍ أَنفاسَ الحَيَاةِ.

كانَ ليلُ وجهِهِ الأَسْوَدِ..
يُضيءُ المكانَ..
ابتسمَتْ لهُ..

ارتسمَت الابْتِسَامةُ فوقَ شفتَيْهِ
كالشَّمْسِ،
أشرقتْ بالعِشْقِ في العَيْنَينِ كالقمرِ
وسْطَ السَّوادِ..
وحينَ خَرَجا،
كانَ ذراعُها كأَفْعَى تلتفُّ حَوْلَ عُنقِهِ
بشدَّةٍ،
وذراعُهُ حولَ حديقةِ خَصْرِها يحضِنُها
بحنانٍ..
توقَّفا قليلًا ثم ابتَعَدا،
تاركَيْنِ خلفَهُما رائحَةَ العِشْقِ
تفوحُ في أرجاءِ المكانِ،
وكان البابُ الشاهدَ الوحيدَ
أنَّها إنسانٌ وأنَّهُ إنسانْ
وأن ريشةَ الخالقِ رسَمَتِ الطَّبيعةَ
بالأَلْوَان.

نايف خوري

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى