الثلاثاء ١٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
السر
بقلم رانية عقلة حداد

الخيميائيون الجدد.. ودعوة لتعاليم جماعة الباراماسونية

تخيل نفسك مغناطيس يجذب إليه الأشياء... إن لكل فكرة ذبذبة خاصة، وعندما تفكر بأفكار إيجابية وتتخيل الأشياء التي تحلم بها بعقلك، وتعيش الحالة، بهذا ترسل إلى الكون إشارات أو ذبذبات إيجابية وهو بدوره يتجاوب معها، فتجذب كالمغناطيس من الكون ما كنت تحلم به، هذا هو السر الذي يقدمه صناع الفيلم الأميريكي الديكودرامي "السر" إنتاج 2006، إخراج (درو هيروت) إلى جميع المشاهدين في العالم.

أسلوب غير علمي

إذن وفق صناع الفيلم السر هو قانون علمي (قانون الجذب)، لم يعرفه سوى قلة قليلة من الناس عبر التاريخ ومعرفتهم به جلبت لهم النجاح، الإبداع، والسعادة في الحياة لهذا حجبوه عن العامة، لكن صناع الفيلم أرادوا الآن أن يكشفوا عبر الفيلم هذا السر العظيم الذي كان محاطا بالكتمان للبشرية جمعاء، لتنعم بالمال والنجاح والسعادة بعد ان كانت مقتصرة على الأقلية التي حرمتهم منه، ومن هؤلاء الأقلية عبر التاريخ –كما يذكر الفيلم - شكسبير، نيوتن، انشتاين،هوغو...

فيجب أن نكون ممتنين انه وجد من يقدم لنا السر العظيم على طبق من ذهب، ويكشف لنا هذا القانون العلمي ونحن في بيوتنا، لانه إن آمنا به وطبقناه ستكون حياتنا في غاية الروعة، فإذا حلمنا بسيارة مثلا، فقط كل ما علينا عمله هو أن نفكر فيها بعقلنا مررا وتكررا، ونتخيل أنفسنا نركبها ونعيش الحالة الشعورية والفرح عند تخيل ركوبها، لأننا بهذه الفكرة والحالة التي نعيشها نرسل إشارة إلى الكون، فيقول عندها الكون لنا أمرك مطاع وأمنيتك متحققة.

اللافت في "السر" أنه يقدم قانون علمي بشكل وأسلوب غير علميين، فلتقديم أي قانون علمي، يجب أن يكون قد تم إثباته بعد خضوعه للبحث والتجربة من قبل علماء لمدة من الزمن، ثم الإعتراف بها من قبل هيئات متخصصة ومخولة لذلك، لكنهم في "السر" يعتمدوا على شهادات بعض الأشخاص من تجاربهم الحياتية غير الخاضعة للدراسة، والإستفادة من الصفة الوظيفية للمتحدثين للإيحاء بأن ما يتحدثون به علمي، ويمكن تصديق هذا لحد ما عندما نقرأ تحت أسم بعض المتحدثين الذين يشرحون الفكرة كلمة طبيب، أو عالم فيزياء كمية، لكن البعض الآخر مقاول، كاتب أو مؤلف كتاب حساء الدجاج من اجل الروح، أو معلم، معالج طبيعي، هذا مؤشر أن الأشياء التي يتم شرحها غير علمية، وعندما نواصل متابعة مهن باقي الشارحين للقانون العلمي فهم أيضا بعيدون عن الإختصاص؛ فيلسوف، ميتافيزيقي، عالم نفس، مستشارة فونغ شوي، كاهن، مؤمنة بالتعاليم الإبراهيمية، مما يجعل الحديث أقرب إلى الفلسفة أو الدعوة الدينية من الحديث العلمي وإثبات الحقائق العلمية، وخصوصا عند ورود على لسان أغلبهم كلمات تدعم هذه الفكرة، مثل "عليك أن تعتقد"، "أن تؤمن"، "نريدك ان تذهب إلى مكان تمتلك فيه أفكارك"، فيتحدث إلينا هؤلاء الأشخاص بلقطة متوسطة مباشرة وهم ينظرون إلى الكاميرا تنم عن أسلوب وعظي مباشر، ويستخدم بعضهم تشبيهات علمية وتارة خرافية مثل: "تخيل نفسك مغناطيس"، ومن ثم " الأمر كما لو أنك تفرك مصباح علاء الدين فيظهر المارد (الذي هو بمثابة الكون) ويقول لك طلباتك أوامر".

لمحة من سر عظيم

الأسلوب المتبع في المشهد الأول من الفيلم، حيث تفتح فتاة يائسة من حياتها كتاب مهمل في حقيبتها، وتبدأ رحلة اكتشاف السر الذي ينطوي عليه الكتاب، وعندما تفتحه ينبعث نور، ثم تتوالى مجموعة لقطات سريعة تظهر كيف سُرق السر كلمحة خاطفة، فتأخذ المرأة نفَسَها وهي تُغلق الكتاب، وتترك المشاهد في حالة من الترقب والفضول لمعرفة هذا السر، بعدها تعطيه قدرا من الراحة، عندما تقرر ان تنعم عليه وتطلعه على هذا السر الذي كان مقصورا على القلة، وتم إخفاؤه منذ عهد الفراعنة، لتبدأ رحلة المعرفة، واستخدام هذا الاسلوب يضعه ضمن زمرة أفلام الإثارة والتشويق وليس الأفلام الوثائقية العلمية.

المدخل الذي استخدمه صناع الفيلم لتقديم الفكرة يدعونا للتفكير، فبعد المقدمة السريعة والمثيرة التي تحدثنا عنها، يهدأ الإيقاع وتبدأ الشخصيات بالتحدث إلى المشاهد بأسئلة تضرب على وتر حساس عند كل إنسان مثل: ما نوع البيت الذي تريد العيش فيه؟ هل تريد نجاحا في حياتك؟ هل تريد معجزات الشفاء أو معجزات مالية؟ ومن منا لا يرغب ان يحقق احلامه بالثراء والحب والصحة... فكيف إذا كانت مختلف الشخصيات المتحدثة في الفيلم تعده بالحل الأكيد، فالسبيل سهل والطريقة بسيطة ما على المرء سوى ان يجلس في مكانه، وبأفكاره فقط سيتمكن من تغيير شكل حياته ولكن على افكاره ان تكون إيجابية كي تتحقق، هنا مربط الفرس في الظاهر يريد صناع الفيلم ان يمتلك المشاهد معرفة كيفية تحقيق الاماني وهم يقدمون سر الطريقة، لكنهم من خلال العمل يبثوا بافكار من بين السطور... إن كنت لا تملك المال وعاطل عن العمل وهناك بطالة مثلا، هذا ليس عيبا في الحكومة، إنما أنت المسؤول لأنك جاهل بقانون الجذب، وان يكون هناك قلة قليلة ثرية وغالبية فقيرة، ذلك ليس لان هؤلاء يبنون ثروتهم على حساب الفقراء، او لانهم فاسدون، بل لأنك لم تتخيل في عقلك - حسب قانون الجذب -أنك غني، لذلك الكون لم يستجب لك... إذن عليك بالجلوس والتفكير، من غير عمل تستطيع أن تغير واقعك ... وغير ذلك الكثير.

في النهاية فيلم "السر" على الرغم من كونه فيلم فيديو وليس سينما، باع في أمريكا وحدها أكثر من 2 مليون نسخة، حققت اكثر من ستين مليون دولار عائدات لصناعها، ولنا أن نتصور سرعة انتشار الأفكار التي تم تمريرها من بين سطور الفيلم.

حقيقة السر

من البداية الأولى حيث اللقطات الخاطفة التي لا تكاد تُدرَك عندما تفتح الفتاة الكتاب، واستخدام أسلوب الإثارة والتشويق الذي لا يتلاءم مع طرح فكرة علمية، قادني للتدقيق والبحث مطولا عن حقيقة السر، وعما يكمن في ثنايا الفيلم، وبالمشاهدة البطيئة كادر كادر لللقطات السريعة تبدأ الحكاية، فعندما تفتح الفتاة الكتاب فلاش ثم نرى شاب يقوم بنسخ السر من أحد غرف أهرامات الفراعنة المحصنة، وفي عمق الغرفة على الجدار يظهر حورس حاملا بذراعه مفتاح الحياة، وعلى كفه تستقر نجمة داوود السداسية وبداخلها دائرة مقسمة، هذه الرموز تكاد لا تُلمح مع الإضاءة الخافتة وسرعة اللقطة، ومن هنا يبدأ صناع الفيلم بالتأسيس لدعوتهم وللتأثير على المشاهد، لأن حتى اللقطات التي لا يدرك رؤيتها المشاهد ظاهريا، علميا يتم تخزينها في الدماغ – كما هو الأمر مع القراءة التصويرية، ولهذه الرموز مرجعيات فمن المعروف أن نجمة داوود هي من الرموز الماسونية، أما الدائرة المقسمة - بعد البحث الموسع - هي عجلة الروح التي ترمز للخالق عند جماعة الروزاكروشن، ووجودها داخل نجمة داوود يشير إلى أحد الجماعات التي تزاوج ما بين الماسونية والروزاكروشن، وهم الجماعة يطلق عليها اسم (البارا- ماسونية)، هذه هي هوية صناع الفيلم، والدعوة إلى تعاليمهم ورؤيتهم هي ما يتم تقديمه من خلال الفيلم، على اساس ان لهم جذورا وتواجد يعود لأيام الفراعنة، وهذا ما يشير إليه محتوى تلك اللقطات السريعة.

على مدار الفيلم يستمر دماغ المشاهد بتلقي مجموعة إشارات ورموز بصرية وفكرية ماسونية وروزاكروشنية، فضمن تلك اللقطات السريعة التي تزيد عن الدقيقة، يتم إدراج لقطة لورقة الدولار الأمريكي التي لا علاقة لها في سياق الحدث، والمطلع ولو قليلا على الحركة الماسونية يعلم أن خلفية ورقة الدولار تحمل رموزا ماسونية؛ كالهرم الذي تتوسطه العين وهي رمز للعين الكلية، او الرؤية للكون، أو الخالق، ثم يتكرر ظهور العين البشرية بلقطة كبيرة جدا للتأكيد على هذا الرمز من حين إلى آخر، ثم تتابع اللقطات السريعة انتقال السر عبر العصور، فتظهره بيد كاهن يضع في صدره صليبا على تقاطعه توجد جوهرة وردية، وهذا هو الرمز الذي تتخذه جماعة الروزاكروشن دون أن تكون لها علاقة بالمسيحية، ثم ينتقل السر لزمن اخر فتظهر النجمة الفلكية (المندالا)؛ التي هي احد رموز أهل الخيمياء والسحر والتنجيم، الذين يشكولون الجذور الإيمانية للروزاكروشن، وتنتهي هذه اللقطات بلقطة مطبوعة فوق لقطة آخرى تحمل جزء من اسم الجماعة (الروزاكروشن) بشكل شفاف وغير واضح تماما، يمر سريعا دون أن يُلمح أو يفهم، لكن بالتأكيد يؤدي الوظيفة المبتغاة، وهو ترسيخ وجودها في دماغ المشاهد، حيث تعاود هذه للقطة للظهور - مثل رمز العين - من حين لآخر، كفلاش سريع تشكل فواصل للفيلم.

من هم الروزاكروشن

بحسب موسوعة الويكبيديا (الروزاكروشن) هم جماعة سرية تعود بجذورها إلى تعاليم غربية غامضة، وتتعامل بالخيمياء والسحر وتتبنى بعض رموزها، هناك رواية تقول أنها نشأت في بداية ظهور المسيحية لتقضي عليها بالإعتماد على الغموض الفرعوني، وتنسب إلى مؤسسها الرحالة الألماني كريستيان روزاكروش، الذي جاب في تجواله بلاد المشرق كالمغرب وفلسطين، وتلقى تعليمه على يد أساتذة السحر والتنجيم والخيمياء فيها، وأصبحت الجماعة معروفة في مطلع القرن السابع عشر ميلادي بعد أن تم كشف ونشر ثلاث وثائق مجهولة تشكل بيان الجماعة التأسيسي منها وثيقة الزواج الكيميائي، وأخويات الفاما، ويطلق عليهم أيضا أخوية الصليب الوردة (الروز كروس) نسبة للشعار الذي يتبنوه وهو صليب يتوسط نقطة التقاطع فيه وردة حمراء، على الرغم من انهم لا يتبعون التعاليم المسيحية إنما السحر والتنجيم.

تأثرت بعض جماعات الماسونية في الروزاكروشن كما أسلفت، فاصبحت تجمع بين الأثنتين ودمجت رموزهما، وهم من يطلق عليهم (البارا- ماسونية)، إذ أنه من الممكن لأي شخص أن ينتمي إلى الروزاكروشن، فهم ليسوا بجماعة دينية وفقا لموقعهم الألكتروني، إنما هم طريقة لتطوير قوة عقل الإنسان والإنجازات الشخصية.

الخميائيون الجديد

أما الإشارات الفكرية فهي تقديم أحد تعاليم جماعة الروزاكروشن الذي يُدعى (قانون الجذب)، ويتم شرحه على إمتداد الفيلم من خلال المتحدثين، بالإضافة إلى مشاهد تمثيلية توضيحية تعلم المشاهد تقنيات تحكم الانسان بقوة عقله، من أجل تغيير الأشياء بإتجاه ما يرغب عبر هذا القانون، ومن اهم ما تؤمن به الجماعة أن كل شيء في الكون هو طاقة، وكل شيء فيه يمكن تغييره بالقوة الخلاقة للعقل، فتقدم الجماعة تعليم تطبيقات عملية على كيفية التحكم بقوة العقل، من خلال برمجته ببرمجة إيجابية كما لو أنه كمبيوتر، فأي خطأ في البرمجة ينتج عنه خلل ما مرض، فقر، تعاسة، وإمّا البرمجة الإيجابية تنتج شفاء من الأمراض، سعادة، ومال، وهذا ما يسمى بالخيمياء العقلية أو الروحية.

إذا كان الخيميائيون القدماء يدعون القدرة على تحويل المعدن إلى ذهب، فالخيميائيون الجدد يدعون القدرة على تحويل المرض إلى صحة وقلة المال إلى غنى، والحزن إلى فرح، فهم يؤمنون بقوة الشفاء الروحي التي تشرح من خلال أسرار الفراعنة وجماعات التنجيم والسحر، وبالبرمجة الإيجابية للعقل الإنساني المؤثرة في العقل الكوني الكلي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى