السبت ٣٠ حزيران (يونيو) ٢٠١٢
بقلم نازك ضمرة

الدجاج وضرورته لأجيالنا

استهترت في ضبطهن في البداية، فبدأن يتمردن على الحدود المسموحة لهن، تذكرت الأيام الأولى حين لم يكن في أرضي دجاج، خلقت لنفسي عملاً جديداً وإضافياً، لا أكاد أنتهي من عمل إلا ويبرز لي عمل جديد أتلهى به، أهو مرض نفسي، أم ملل، ام فراع أم جهل؟ أحب العمل والتجديد والابتكار، سبق واشترى ابن اخي ست دجاجات، توقعنا أن يمل ويتعب منهن، وقلنا لبعضنا وفي نفسي، أنه سيمل من العناية بها، وفي النتيجة سيذبحها واحدة واحدة، وتبيت في بطون أسرته أو يدعونا لمشاركته الطعام، وحين زرناه بعد شهرين تقريباً، طبعاً كان الزيارة الثانية، حيث زرناه بعد شرائه الدجاجات بأسبوعين، وكان ذهابي لزيارته لتغيير المكان، وبناء على دعوة له لآخر خروج في العام للطبخ والشواء خارج البيت قبل حلول فصل الشتاء قارس البرد، كنا نريد أن نحضر معنا اللحم لنشارك كجمع كبير، لكنه اصرّ على ان لا نحضر أي شيء، ويبعد في سكناه عن منزلنا بما يقارب الثمانين كيلومتراً، او هي حوالي الخمسون ميلاً بمقاييس امريكا، والبترول أصبح مرتفعاً سعره، وصار الناس، وخاصة الطبقة الوسطى والفقيرة يحسبون ألف حساب قبل بدئهم أي رحلة، ونحن وأتكلم عن أسرتي في أسفل درجات الطبقة المتوسطة، ويمكن اعتبارنا مع الطبقة الفقيرة، لكننا لسنا مسحوقين ولا محرومين، وفي بيتنا كهرباء وهاتف وتلفاز وثلاث سيارات وتطبخ زوجتي كل يوم تقريباً طعاما طازجاص، ونادراً ما تستخدم المعلبات والأطعمة الجاهزة، إلا إن كانت علف الذرة الصفراء المخصصة للطعام البشري، أو صلصة البنادورى، لأن الناس تحولوا من الطبخ بالطماطم الطازجة كما كانت تفعل والدتي وجميع الناس في فلسطين، وتحولوا إلى استخدام الاختراع والأطعمة المحفوظة وأكثر ما نستخدمه من تلك المحفوظات هي صلصة الطاطم واعني البنادوى.
اجتمع ابني مع اسرته ونحن واسرتنا وابن اخي الآخر الأعزب، والداعي ابن اخي مع اسرته، منزل ابن اخي الذي دعانا في رحلة بعيدة عن منزلنا، وللشواء خارج البيت يقيم في قرية لم أتمكن من حفظ اسمها، وعلى كل حال إن المنزل يقع بين ثلاث قرى متباعدة وفي حدود ثلاثة أميال بين القرية والأخرى، ولكنه قريب جداً من الطريق الدولي العام، ولأن المنطقة ريفية بعيدة عن أي مدينة كبيرة، فالناس يقتنون الطيور والبقر والغنم والدجاج والكلاب، فوجدنا ابن اخي قد اقتني كلباً سيصبح ضخماً وهو من نوع جيرمان شيبرد، والدجاجات الستة يتحركن ويتجولن بحرية في الفراغ الكبير حول البيت، لقد قرر ابن اخي ان يبتعد عن زحام المدينة ويشتري هذا البيت الريفي ليكون حوله مساحة ارضية واسعة، ومساحة ارضه حول بيته هي ثلاث ايكرات أو أربعة، معذرة لا أذكر الرقم لكنني أعد أن أسأله عن مساحتها، لكنها تقارب عشر دونمات حسب مقاييس بلادنا، عريضة سهلية وطويلة، وفي طرفها الجنوبي يوجد غابة بعمق يقارب المائة متر، وبعرض لا يقل عن خمسين متراًوباقي الأرض ينبت بها العشب المقصوص، وهي الأخرى بطول مائة متر يصل للشارع العام وقرب طرفها الشمالي يقع بيته الريفي القديم.
فرح ابني الصغيرة بمشاهدة الدجاج عند ابن اخي، وخاطبني قائلاً، لماذا لا تشتري لنا دجاجا يا والدي؟ ويوجد عندنا ارض صغيرة حول بيتنا، وسأتعد برعايتها، سأطعمها واضع لها الماء كلما احتاجت، أرجوك يا أبي أن نفعل مثل ابن عمي، سكتّ على مضض، ولم اعترض، ولكنني أعرف الدجاج ومتاعبها وسبق واقتنيتها ايام كنا في منزلنا بعمان، ومع انها لم تتعبين لكن الجيرن اشتكوا كثيراً من صياح الديوك، ومن قفز الدجاج على الأسوار وتخطيها الحدود الدولية المرسومة والمقررة لها وكأنها جنود صهيونية.

لعب الأولاد وثرثرت النساء مرحات في ذلك اليوم الخريفي المشمس، وبانتظار نضج الشواء سايرني الشباب ولاعبوني ورق الشدة، ويعرفون أنني احب لعب الشدة وخاصة لعبة التركس او الطرنيب ، وحين أجد لاعباً ماهراً في طاولة الزهر افرح كثيراً والعبها بإخلاص وكأنني أريد أن اعوص الخسارة التي لقيها العرب في فلسطين، وللعلم نحن عرب هنا وغالبيتنا من فلسطين في الأصل، اجتمعنا في ولاية نورث كارولاينا، ويذكرني هذا بتكاثر سكان العالم وكيف ازداد عددهم مع العقود والقرون، وكلما ارتقى الإنسان تحسنت معارفه وعلمه وزاد من تعلمه عن الصحة والحياة، وتقدم الطب، فمن شخص واحد نرى بعد اقل من خمسين عاماً على زواجه الأول وقد أصبح بسببه أكثرمن خمسين شخصاً، تزوجت مرتين ورزقت بثلاثة عشر ولدا وبنتاً، وتزوج كل واحد منهم، اي صاروا ستة وعشرين وأنا وزوجتاي، واحدة منهما مطلقة فصار المجوع تسعة وعشرون، ورزق اولادي وبناتي بثلاثين حفيداً حتى عام 20123 وبقي منهم ستة لم يتزوجوا بعد، وبعد عشر سنوات سيزيد عدد الأحفاد بعشرين على الأقل أي أن العدد الذي سببت في حياته وبقدرة الله والعناية الصحية ستة وعشرون بالإضافة للثلاثين حفيداً فيصبح المجوع هذا العام ستة وخمسون فرداً نعيش كلنا في محافظة واحدة او كاوتني ويك حسب تسمية ولغة أمريكا، ولكن بعد عشر سنوا سيصبح المجموع ما يقارب المائة نفر، لأن ستة من الاحفاد سيتزوجون، وسيرزق اولادي الستة غير المتزوجين بما يقارب العشرين، فتصور ان كل هذا العدد سببه شخص واحد هو انا العبد الفقير، واصبح من نفر واحد إلى ما يقارب المائة نفر خلال ستين عاماً أي بعد عشر سنوات.

ابتعدنا في الفقرة السابقة عن موضوع الدجاجات، كانت دجاجات ابن اخي حمراء جاذبة اللون، وبصحة جيدة، كبرت بسرعة وفي ثاني زيارة لنا لمنزلهم تكرم ابن اخي فقدم لنا اكثرمن عشرين بيضة، قلنا له : اقسمها بيننا وبينك فقال هذه عشرون أخرى لصهري زوج أختي ابنك يا عمي، إنها تبيض ست بيضات إلى ثمان كل يوم، وفي أسبوع تبيض ما يقارب الخمسين بيضة، نأكل أربعا إلى خمس بيضات في اليوم، وأحياناً نمل من البيضن لهذا فيزيد عندنا بيض نعطي الجيران منه، دارت فكرته في رأسي، وتحدثت مع نفسي، فناديبت على ابني الصغير الذي ما زال يلح علي باقتناء الدجاج، فقلت له ربما أشتري لك بضع دجاجات او كتاكيت ولكن لنصبر بعد انتهاء فصل البرد هذا العام، على كل حال بحثت في الأسواق عن دجاج بالغ قادر على إنتاج البيض او على وشك فلم أستطع انا ولا ابني ولا ابن اخي العثور على ستة دجاجات او عشر ولا حتى وجدنا واحدة، فظل الولد يدعوني لزيارة ابن اخي حتى يطارد الدجاج مثل أولاد ابن أخي، وينعم ببيض طازج، وصارت لدي قناعة وقبول باقتناء الدجاج، لأن بعضاً من أبنائي يحبون البيض، ونستهلك خمسة إلى ست بيضات في المعدل كل يوم، وثمن البيض غال، ويرتفع ثمنه أكثر في فصل الشتاء، وصرت أنتظر انتهاء فصل الشتاء حتى أشتري خمساً من الكتاكيب او ستة لنتعلم رعاية الدجاج هنا في أمريكا وعلى الطريقة الأمريكية، وليس كطريقة بلادنا في الأردن او فلسطين ايام كانت اسمها فلسطين، لأن الدجاج الصهيوني طرد دجاج العرب وحتى ديوكها، وغيراسم البلاد، وحرم أي دجاجة عربية تعيش بأسلوب حياتها العادية والقديمة، إما أن يعيش الدجاج حسبما أريد لها أو ليرحلوا او للذبح والانتهاء.

رجعنا يومها ملأى البطون، وأكلنا من لحم الدجاج المشوي على الفحم باربكيو، أي على الطريقة الأمريكية،وأضاف الشباب للحم الكثير من المقبلات والمتبلات والبهارات، فأكلنا الكثير من لحم الدجاج ولحم البقر الطازج الطري، وكم هو لذيذ لحم أمريكا حين يجد من يتعامل معه بفن وبأسلوب عصري وعلمي وحضاري، والتعامل مع أي أمر يخص أمريكا او أمريكا وخاصة الولايات المتحدة، فيتطلب فهماً خاصاً وتفكيراً مدروساً ولا تنجح الطرق القديمة في الطبخ والغلي والتسخين والتعامل العادي، بل يلزم دراسة العوامل اللازمة لجعل الطبخة او الوجبة ليس قابلة للهضم فقط، بل لتكون لذيذة سهلة المضغ، كي لا يشرق الفرد أو يمرض أو يصاب بإسهال او يموت، كمايحصل على أرض بلادنا في معظم الأوقات.إن حياة الإنسان في أمريكا غالية، وكل القوانين تهدف لضمان حياة كريمة وحرة للفرد، وأن يبقى في صحة وعافية، وبصراحة اكلنا كثيراً في الهواء الطلق أمام منزل ابن اخي، ومشينا ولعبنا، وبالنسبة لي أنا مشيت كتمرين ولتحريك دمي وعضلات جسمي العجوز، لكن الشباب لعبوا كرة السلة وكرة الطاولة ولعبوا المصارعة والمزاح، وتسابقوا مع كلب ابن اخي، ولا ادري لماذا اشترى ذكراً، يقول إنه أجرأ من الكلبة وأسهل في الرعاية والمستقبل، ويمكن حجزه عن الإناث، لأنه يعرف أن الحرية في أمريكا متاحة تماماً للشباب والعجائز من الذكور والإناث ولافرق بين الذكر والأنثى في أمريكا، لا بل هناك حرية وتقدير واحترام للمرأة اكثر من الرجل، أو إنها تنال من الاهتمام الرسمي والشعبي زيادة عما تستحق، ولأن للرجل أهداف بعيدة غير الطعام والشراب والتمتع بالنظر بما خلق الله، إلا أنني وبحكم معرفتي وبما شاهدت في حياتي، أرى ان المرأة هي العنصر الجاذب والطارد للرجل بأسلوب التعري والتجمل والتحبب والتحدث والتمعج والحركات والتباعد والتقارب والنفور والانجذاب والتراخي والتشدد والصياح ثم اظهار نفسها انها وقعت في المصيدة والفخ الذي ينصبه الرجل لها، مع انها هي التي مهدت لذلك، والرجل المسكين الأبله عليه ان يدفع تكاليف كل ذلك، وكم هي غالية ومكلفة ، وسواء كان برضائها أو أخطأ معها فستزله عند اقدامها خاضعا ملبياً حاجاتها ، وإلا فالسجون والفقر والتحقيق والتدقيق من قبل الأمن لأنه تجرأ وأتعب المراة الضعيفة المسكينة الودود الوديع ، ونكد عليها حياتها او حاول لمسها او مشاهدة أي جزء من جسدها، ويعتبر ذلك انتهاكا لحرماتها، ومحاولة لهتك عرضها، وهذه هي المصيبة، وما معنى عرضها في كل لغات العالم، وأسخر هنا بدوري من هذه المفردة، ولقد لمست ذلك في الإعلام العرب مؤخراً، كنا نعرف أن هتك العرض هو ممارسة الجنس مع المراة بالتهديد والقوة، ولكن أصبح من يلمس شعر المرأة او لو حاول رفع طرف فستانها او النظر إلى أعماق صدرها المكشوف اصلا للرايح والغادي، فالإعلام العربي صار يستخدم نفس اللغة الغربية، فيقولوان انه هتك عرضها. لهذا يحب الكثيون من الأميركان تربية الدجاج، لأنهم يستمتعون بمشاهدة الديك وهو يستمتع بكامل حريته، بالقفز على ظهر أي دجاجة يشتهيها دون أي مشكلة أو عقاب، قد تتهرب الدجاجة أو تحاول التملص منه ومن وزنه ومخالب أصابعه، لكنها تستكين وتحتمله وربما يعجبها ذلك ويسرها، ربما كما يحدث في أمريكا او أوربا أو الشعوب المتحررة من حرمة الجنس او العيب فيه، وشعوبنا العربية والإسلامية ترى في كشف التقارب الجنسي عيب او حرام يعاقبنا الله عليه، والقانون لا يرحم المتحررين والمفسدين والمخالفين للشرع وللتقاليد، وافعل ماشئت خفية او غشاً او خداعاً على الا يكتشفك الناس والقانون، وبعدها ربك هو الذي سيحاسبك يوم القيامة، ولكن الناس لا يعلمون، وقد يزداد احترمهم لك وتقديرك، لأنك لطيف وكريم ومجامل ومرن،والمثل الشعبي الفلسطيني يقول: تحت السواهي دواهي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى