الثلاثاء ١٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢
بقلم صبحي فحماوي

الرواية القصيرة!

لا زلت أذكر قصة غنائية لفيروز والرحابنة تقول:

"تجي هيك البنت،
من بيتها العتيق،
ويقولها انطريني،
تنطر عالطريق،
ويروح وينساها،
وتتبلّ بالشتي...."

هذه القصة من أجمل القصص التي سمعتها في حياتي، وهي التي جعلتني ألتفت إلى فن القصة القصيرة، وأعشق قراءة الجميل منها، حتى تراكم لديّ مخزون هائلٌ من القصص، التي جعلت ذاتي تطفح بها، فتتدفق بكتابة فن القصة القصيرة.

ولعل أهم أستاذ عملاق تعلمت منه فن القصة القصيرة هو الكبير "رشاد رشدي"، الذي عرّفني على أن "القصة هي بؤرة جمالية لحدث يتم في مكان محدد، وخلال زمان محدد، وتقدم فكرة محددة، وبذلك فهي تحافظ على وحدة الزمان والمكان والحدث."

والحكاية هي روح القصة القصيرة، وبؤرتها، التي تشع من داخلها معالم القصة وحيثياتها، والتي عليها تُحمّل الفكرة المقصودة. وإن أية قصة تخلو من الحكاية، لا تعدو كونها جسداً بلا روح.

صحيح أن القصة المتمتعة بهذه المواصفات صارت تتحايل على الزمان والمكان، فيشطح بها السارد أو القاص، شطحات خيالية أو واقعية، أو بهما معاً، لتعزيز غموض الأدب الواقعي السحري الجميل، فيخرج عن إطار المكان والزمان المحددين، ولكنه يبقى يقدم هذه الصور المتباعدة، بينما إطار القصة ما يزال يراوح مكانه في الزمان والمكان المحددين، لدرجة أن حدث القصة قد يعود في نهايتها، ليُثبِّت أقدامه في الموقع الذي ابتدأ منه.

وحيث أنني أكتب القصة والرواية –خمس مجموعات قصص، وسبع روايات حتى الآن- فلقد سألني البعض عن الفرق بينهما، فقلت:

"بينما تكون القصة القصيرة الرومانسية زهرة، فإن الرواية هي حديقة متكاملة الأزهار والنباتات، وإذا كانت القصة البوليسية طلقة، فإن الرواية الأيدولوجية معركة مترامية الأطراف، وإذا كانت القصة القصيرة صورة، فإن الرواية فيلم سينمائي أو مسلسل تلفازي، وإذا كانت القصة الجميلة شطيرة لذيذة، فإن الرواية الممتعة وليمة كبيرة، وإذا كانت القصة القصيرة محدودة بزمان ومكان وحدث واحد، وقليلة الشخصيات، فإن الرواية مفتوحة "الزمكان"، ومتعددة الشخصيات، وإذا كانت القصة محدودة بقضية أو فكرة، أو بجماليات صورة واحدة، فإن الرواية تجمع بداخلها عدداً كبيراً من القصص الجميلة، ولكن الوقت المتاح للقارئ، هو الذي يجعله يفاضل بين قراءة قصة أو رواية.

وتحت هذا المفهوم فإنني وحسب الوقت المتاح لي، لا أفرِّق بين قراءة قصة فنية تشبه شطيرة شهية، أو قراءة رواية مُعبِّرة تشبه وليمة كبيرة ممتعة، ما دمت أشتهي الثقافة الفنية الجمالية المدهشة، والملتزمة بالقضايا الإنسانية، والتي تواجه التحديات التي تجابه الوطن، فتصورها خير تصوير، وتفتح حولها أسئلة، تنبه القارىء، بدل أن تبحث لها عن حلول جاهزة، تجعل القارىء يعرف الحل، فيطمئن وينام، تلك التي تفتح عليّ أبواب المعرفة، وتنبهني لقضايا نابضة وحساسة مَخفيّة في الزوايا المعتمة، والتي لا يراها أحد غير الكاتب المبدع ، المفكر النبيه، القائد فنياً.

وكثيراً ما أقتطع قصة من جحيم رواية سابقة لي، فأقرأها منفصلة، وأحاول نشرها بصفتها قصة منفصلة، وذلك لأؤكد أن الرواية هي مجموعة قصص مترادفة، يحكمها طريق واحد، أو عمود فقري واحد، لجسد جمالي متكامل..

ونتيجة لهذا الخروج على إطار القصة القصيرة، بسبب تشعب قضايا الحياة وتعقيدها، فأعتقد أن الفن القادم هو "الرواية القصيرة" بدل "القصة القصيرة"، والتي إذا تمدّدت وتشعبت أزمانها وأماكنها وقضاياها المصورة بعدسة الروائي، أو المرسومة بالكلمات، فهي "رواية".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى