السبت ٢٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
بقلم عبدالوهاب محمد الجبوري

الضفاف العطاش

مذ أصبح الشوق معتوها يثير الغبار .. مذ أصبح العشق غضبا لا ترهبه نار

ولا همسٌ بآذار .. مذ أصبح النسيمُ نديما للشفاه وبقايا زفرات من نشيج أولهيب، ومذ أصبح الشعر ديوانا بلا وصيفٍ أونسيبْ .. وصار كلّ صبح ومساء يتحرى ميقاتا للوصال، رحت أزفّ أحلامي للأرق والليالي الطوال، باحثا عن امراءة بين العواصف احكي لها همي وأحزاني .. كالأمنيات الحلوة أتغنّى بها وتسامرني .. كنهر لا يستريح على ضفةٍ دونما سنبلةٍ يُقبلها .. على وهج النور تأتي .. يبسط لها محرابه .. لكنه لا يغلق الأبواب، يفتحها .. وبما أن شاهده كان من أهلها وشاهدها كان من أهله .. فقميصاهما سيُقدّان من أمل ..

قلت لها : دعيني اكتب عن أحلامك كي تصطلي لهيب الليل أحلامي ..دعيني اكتب عن همسة دافئة بين مرج وغدير .. عن طيف من نداء يتسلق الأحداق في سكون الليل والبدر المنير .. اكتب عن رقة أميرة تتراقص الأضواء في أحداقها .. عن عينين رائقتين وشَعر حرير .. عن يدين دافئتين وفؤاد يتأجّج شوقا كلما أنّ ناعور وناي، ودماء يشتد بها السعير ..

دعيني اكتب عن أمنيات تطل في العيون .. منذ زمن بعيد .. كنت ابحث عن امراءة مثلك .. تلهث خلفها الكلمات ويشهق في حضرتها القمر شاديا بألحان السحر.. والشعر يتدفق من شفتيّ .. كي يكون مثلما شاء .. عسلا أولهيبا .. أوهمسا يشرأب نحوالسماء .. يطل في برد الجبين، أبدا يحدّق في المدى، يلفّ كل الدفء في صباحنا .. أريدك ألوانا لشجوني، تتلظّى حيثما كان قلبي .. شمالي أويميني .. أريدك قبسا فاحتويني ... أريد امراءة مثلك في حياتي .. تترك وشما في قسماتي وأثراً في ذاكرتي .. تكون سراجا يتوثب، يصحو، يلتهب، يتأرجح في صبا باتي .. دعيني آخذك لحياتي كي أتنفس من خلالك طول العمر الآتي ..سمراء يا صديقة المساء، يا طفلة الربيع وأنس المشارق والمغارب، متى تعيدين للضفاف العُطاش حلمها الأول، حلم أوتاري التي ما زالت تصدح فوق الجداول منذ الأزل .؟

منذ زمن بعيد ...حلمت بعيون امرأة تمد جسرا ما بين أشواكي وجمري، تكون ملاذا لتأملاتي ومسكنا لآهاتي .. بالأمس كنت أبحث عن آمال فتية واليوم يتعفف شاطئي إلا من صفحتك النقية .. كنتِ قبل اليوم شِعرا يترنم بألحان الطيور .. واليوم أصبحتِ شعرا يعوم في موج من العيون والثغور ... يتهدهد كنسيم في خمائلك البهية .. ماذا افعل يا شاطيء الأحلام وقد طرق النسيم بابي ؟ دون استئذان حمل عذابي، وثقل غصتي ؟ .. دون أن ادري أصبح شقيق وحدتي ... ماذا افعل، وما عدت قادرا على مغادرتك، فقد أصبحتِ طفلتي المدللة ؟ .. ابحث في حروفها ونبرات صوتها عن أحزانها كي احتويها .. كي ارتقي سلم الصعود إلى عرشها المخبأ في أعماقي ..أوآوي إليها في بيت خلف ظلال الزيتون كي أطوف على الزهور أضم باقات ندية .. نتقاسم الأهواء، تغمرنا الأمواج بأحضان وفية ..أريدك فيضا من الصفاء، يتبختر في عيوني .. يعطر الدرب تواشيح تُرش بالضياء، كي لا تعود أشعاري تتسابق إليكِ بقوافي شرقية أوغربية .. لماذا يا نبض القلب تآلفتُ معك أكثر مما تآلفتُ مع نفسي ؟ ربما لهذا أودعت صدري الهموم، ورحت كل ليل أرقب النجوم .. احفظ الزمان في سطور .. فمن سواك يا قمر يقهر الرحيل، ويشرب البحور؟ ..

منذ زمن بعيد .. منذ أن نضجت أحلامي من جديد .. كنت ابحث عن امرأة مثلك .. تغفو قصائدي على يديها فتشتهي قوافيِّ أرائكها.. كنتِ قبل اليوم شِعرا يترنم بألحان الطيور .. واليوم أصبحتِ شعرا يعوم في موج من العيون والثغور.. يتهدهد في أحضان العذارى بين الخمائل والخدور .. ماذا افعل وقد تقاذفني الموج بلا شطان .. أرضى واغضب ما تشائين، وتشتهين ما كان أغضبك وما أرضاني .. وأقول فيك كما قال القائل .. حتى الهزار على الصبابة هزّني ورنا إليّ توجعا وبكاني، مرّ النسيم بها فهاج فتونها فتمايلت نشوى بكل دنان، وتضوّعتْ فيها العطور كأنما تسقى مشاربها من الريحان .. فدعيني أكتبكِ بمداد يداعب روضك مابين مصفرّ وأحمر قاني ..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى