الثلاثاء ١١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم أنور محمود زناتي

الطريق إلى صدام الحضارات

إن الإشكالية التي يطرحها موضوع “صدام الحضارات ليست جديدة، فهي مسألة تندرج في حقيقة الأمر ضمن مرحلة معينة في مسار سياسات موغلة في القدم.

إن منطق الصراع والحرب كان عبر كل الأزمنة هو المنطق السائد في الفكر العالمى والغربي بصفة خاصة، فسادة الفكر اليوم في علم العلاقات الدولية الذين تنفذ توجيهاتهم على أرض الواقع في المؤسسات الغربية هم ورثة اتجاهات فكرية سادت عبر القرون ورسمت طريق الحرب والمؤامرة للقادة ومشعلى الحروب.

والعقيدة البراجماتيةالتي لا يهمها في تفسير مفهوم الحقيقة إلا ما تعلق بسياسة الأمر الواقع والمنفعة والمصلحة أولاً وقبل كل شىء -والتي تتميز بها السياسة الأمريكية- اليوم ما هي إلا تكييف عصري لمفهموم الغاية تبرر الوسيلة التي أوصى بها أصحاب مصنفات، ’فن الحرب’’
من أمثال نيكولاس ماكيافيللى الذي يقول: “إن الحرب هي الفن الوحيد الذي يحتاجه الأمراء”
أما فولتير فيرى: “أن السلام مفهوم طوباوي ن وقد رأى روجر بيكونأن “العالم منقسم الى كتلتين متصارعتين مؤمنون مسيحيون وهراطقة كفار لا يتميزون بأى طابع”.

أما توما الإكوينىفي كتابه “خلاصة اللاهوت” فيري ضرورة إخضاع غير المسيحيين بالقوة القاهرة لمنعهم من عرقلة الدين المسيحى فقال ” إن عرقلة دين المسيح من جانب غير المؤمنين يجب منعها بالقوة ” ونجد أنه عرف العرقله هذه تعريفا واسعا بحيث أصبح الدفاع عن المسيحية طريق له طابع حربي وكان يستند الي ازدراء الدين والآراء الشريرة وهما ما يبررا إشعال الحروب وعندما يتعلق الأمر بالكفار أياً كان الأمر فإن الكنيسة تملك الحق في الغاء القانون البشري وشن الحرب عليهم!!.

أما ريموند لول(1235-1316م) فكان يري أن وجود المسلمين هو أعظم عقبة في طريق الوحدة السلمية وهم من يعترضون سبيل العالم ووجودهم خلل في بنيته وتجسيد للباطل في وجه الحقيقه وهم الظلم مجسد ويجب إبادتهم تماما.!
ويري لول أن المسيحيين لا يمكنهم أن يسالموا أولئك الذين بمحض وجودهم يهددون وحدة الكون !! واذا كان هناك سلام ضروري مع المسلمين هناك شرط مسبق وهو أنه يجب عليهم أن يتخلوا عن عدم إيمانهم بالمسيح ويعتنقوا المسيحية !.

ويذكر يوحنا من سالسبوري أن المهنه العادية لفرسان الهيكل المسيحية قد تمثلت في سفك الدم البشري وإحراز العنف المقدس مستوى عالياً من القبول العام.

أما بطرس المبجل (1092-1156 )
رئيس دير كلوني فقد إتهم المسلمين بالعنف وأن نبيهم لم يعتمد علي العقل بل علي السلاح ومنذ ذلك الحين واتباعه إخلاصا منه لشريعته يخنقون الحوار بالسيوف والحجاره !!
وكان برنار من كليرفو قبله مؤمن بأن الحرب الصليبية ضد المسلمين شيئاً سامياً وروحيا. كل تلك الافكار تخدم مقولة محو الخطايا بدم الكفار.
وجاء المفكرون والعلماء الأوروبيون في أواخر القرن التاسع عشر وفي النصف الأول من القرن العشرين، فبلوروا فكرة الصراع، وأقاموا نظرياتهم سواء في مجال العلوم البحتة أوفي حقل العلوم الإنسانية.

وقد سعى الفلاسفة وعلماء اللاهوت عبر السنين لتفسير عدوانية الآدميين إعتمادا على تفسير طبيعة البشرية ووصف الفيلسوف الإنجليزي في القرن السابع عشر توماس هوبز(1588م-1679م) في كتابه (لاوثيان) الأحوال المعيشية في حالة الطبيعه يعني في المجتمعات البدائيه قبل ظهور الحكومات (كحرب يشنها كل آدمي ضد الآدمي الآخر) ولقد انبثق الصراع المستمر تماشيا مع ما قاله هوبز من طبيعة البشرية فالبشر مشغولون بأنفسهم وأنانيون وطامعون ولا يهتمون بغير إشباع شهواتهم فالدافع الأساسي للانسان هو الكسب الشخصي والمجد ولاحظ القديس أوغسطينأيضا القدرة الفائقة للإنسان علي الحاق الأذي بالأخرين والاعتداء عليهم وبدأ هذا الميل للشر لأوغسطين في حاجه في تفسير لاهوتي يعني إرجاعه للخطيئة الأزليه إذ ترتبط الطبيعة العدوانية للإنسان إرتباطا مباشراً بالسقطه من عناية المشيئة الإلهية في جنة عدن وجاء الفيلسوف الهولندي اسبينيوزا في القرن السابع عشر بقول تضمن القول بوجود صراع هائل داخل الانسان بين قوي الهوي والقوي العاقله ومن سوء الطالع أن الهوي غالباً ما ينتصر علي العقل.

ولاحظ علماء النفس أن القتال والحرب يشبعان إحتياجات ممتدة الجذور عند الأفراد والمجتمعات وأنها احتياجات من المفروض أنها فطرية عند البشر وليس بالإمكان قمع هذا الدافع العدوانى ولكن بالاستطاعه ترويضه وإعادة توجيهه وتحويله صوب أنشطة أكثر اتساما بالمسالمه.
واعتقد سيجموند فرويدأيضا بنبوع السلوك العدوانى للبشر من دوافع لا شعورية بعيدة الغور في النفس الانسانية و الحق أن العدوان يبدو كأنه صفة سلوكية عند جميع الآدميين ورأى فرويد أن تفسير مثل هذا العدوان قد يكون مرتبطا بوجود غريزة الحياة في الإنسان وهي الغريزة التي تسعى للحفاظ علي البشرية وتحقيق وحدتها وهناك أيضا غريزة الموت ويفترض أن غريزة الموت تهدف الي إزالة كل توتر وإثارة انتباه الفرد وتتركز هذه الغريزة الخاصة بالموت في أعماق الإنسان وعندما تسيطر علي نفوسنا فإن ما يتمخض عن ذلك هو الإنتحار.
ويرى فرويد أنه من الواجب ليس فقط انطلاق العدوان علي نحو أو آخر ولكن يتعين أن يجني الإنسان قدر من الاشباع من هذا الانطلاق.وبعبارة أخري يحتاج الانسان الي اشباع هذه الدوافع العدوانية.

وفي القرن العشرين نجد آرون يقول: “إن الحرب هي عمل عنيف يسمح لنا بفرض إرادتنا على الخصم” ويقول “لقد بحثت في ما يشكل خصوصية العلاقات الدولية ويبدو لي أنني لمست ذلك في شرعية استعمال القوة وهانس مورجانثو الذي يمثل رمزا بارزا للبراجماتية الأمريكية في مجال العلاقات الخارجية يقول بدون مواربة “إن السياسة الخارجية ليست إلا صراعا من أجل امتلاك القوة، وغلبت فكرة الصراع على الفكر الأوروبي في جميع المراحل التي مرَّ بها، وأدت الشعوب الأوروبية ثمناً فادحاً لهذه الغلبة القسرية، حيث عانت أشدَّ المعاناة من الحروب الأهلية فيما بينها، كانت آخرها الحرب العالمية الثانية التي أضرمت شرارتَها عقيدةٌ عنصرية ونزعةٌ استبدادية اصطبغتا بصبغة الصراع القانية.
ويذكر محمد كرد على أن: “لوبون وميشو ورامبو وسنيوبوس وبتي يؤكدون أن الحروب عادت علي الغرب بخيرات لا تحصي، ولو لم يكن منها غير تحطيم قيود التعصب الكنسي وما رآه الصليبيون عياناً من تسامح المسلمين لكفي في فائدتها وانتشرت التجارة بعد الحروب الصليبية وأخذت أوروبا عن العرب عادات الفضيلة والمدنية”
والمدرسة الواقعية تذهب مذهباً مؤيداً لذلك حين تستنج أن الصراع الدولي هو القاعدة التاريخية التي تحكم العلاقات الدولية، أما الاستقرار أو السلام فهو الظاهرة العرضية في التاريخ الإنساني.

إن هذه الظاهرة ليست جديدة على التاريخ الأوروبى إذن، بل هى جزء من حركته المتعددة الإتجاهات والمضامين و التاريخ مملوء بالنماذج الكثيرة من الصراعات الكبرى عبر التاريخ والمسئول الأكبر فيها هو الغرب الأوربى.

ويرى البعض أن القانون الذي اتخذته الحضارة الغربية لحكم الصراع، هو قانون كراهية الآخر… ويستشهد هنتنجتون نفسه بما ورد في رواية (ديبون) البحيرة الميتة. بالقول (لا يمكن أن يكون هنالك أصدقاء حقيقيون دون أعداء حقيقيين. إن لم نكره ما ليس نحن فلن يمكننا أن نحب ما هو نحن).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى