الخميس ٢٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩
بقلم فراس حج محمد

العلم بين التطوير والتدمير

منذ وجد الإنسان، وهو يطمح أن يمتلك الحقيقة المطلقة، وأخذ يحتال لذلك كل حيلة، فغامر مغامرات، أنتجت كثيرا من النتائج التي جعلته يتورط أكثر في هذه اللعبة التي أعجبته تفاؤلا منه أن يسيطر على هذا الكون، هذا الكون الذي أخافه وأرعبه، ودفعه لمقاومة ظواهره وعاش معها ردحا من الزمن في علاقة عداء، ما انفكت تصرعه أحيانا عدة، وتتغلب عليه، حتى إذا توصل للعلوم ظن أنه قادر عليها بتقنياته وأساليبه وأدواته.

من كان يتصور يوما أن يجوز هذا المخلوق الضعيف بجسمه القوي بعقله فضاء رحبا، فيقتعد الكواكب، ويزاحم النجوم بمركبات فضائية عملاقة، ويعيش مع قطرات الماء، فيراها وهي تتشكل سحبا يتراكم بعضها فوق بعض قبل أن يراها أمطارا تهطل بغزارة فتدمر وتهدم، إنه يراقب عن كثب كل ما يجري فوقه ويكاد يصرفه إلى منفعته ومصالحه، ويتصرف بكل ما حوله فيعيد تشكيله على عين بصيرة وخبرة زاخرة بالعلوم والقوانين.

أوَ من كان يظن –ولو من باب الخيال المغرق في متاهاته- أن يغوص الإنسان في عمق البحار والمحيطات، فيقبض على وحوش الظلام وخيالات الجن والعفاريت، فيلاطم ويقهر لجج الماء، فيحطم أساطير الخوف، وينظر فيدرك بديع صنع الله عز وجل، وقد تجلت في تعدد المخلوقات، فعلم ما لم يكن يعلم، وإذا بكل ذلك العالم ماثل بين يديه يجر أذيال الهزيمة أمام تلك القوانين المكتشفة، فما الذي أوصل الإنسان لكل ذلك؟، إنه العلم الذي فاض بنزره اليسير ليحقق الإنسان بهذا النزر آمالا ويبني عالما من العجب والدهشة.

إنه وجه مشرق لمدنية إنسانية سخرت العلم والمعرفة والقوانين لمصلحة حياة أفضل، حيث التطور والتقدم ومحاربة جيوش المرض والانتقال بسرعة البرق بين العواصم والمدن والقارات عبر فضائيات ورسائل إلكترونية، وجعلته يحلق في فضاء الله بطائرات نفاثة، ووفرت جهده وماله وجعلت حياته أكثر جمالا ورفاهية، ولكن هل هذا هو وجه وحيد أم أنكم ترون وجها آخر يقطر بشاعة ورعبا أكثر من ذلكم الرعب الطبيعي الموغل في القدم؟؟

لم يكن ذلك الحلم الرومانسي الذي داعب أخيلة العلماء والمفكرين لينقلب إلى كابوس يقض مضاجع البشرية، التي أضحت تعاني مما تمخضت عنه دياجير العقول المأزومة، فمقابل تلك الصورة التي تبهر وتعجب تجد الصورة القاتمة المنغصة غير الإنسانية، حيث تسخير العلم ومنجزاته وقوانين الطبيعة لغير خدمة الحياة البشرية، فترى التطور العلمي قد ساعد على إفناء البشرية بأسلحة فتاكة نووية وبيولوجية ومدافع رشاشة وطائرات عملاقة توزع الموت المجاني هدايا الجنون البشري، فتحرق الأخضر واليابس، وتترك الحياة أثرا بعد عين، إنها بشاعة استخدام العلم بأعنف منتجاته وبصارم قوانينه.

إن المشكلة في ذلك كله تكمن في عدم اعتراف ذلك الإنسان المأزوم بأن للعلم أخلاقياتٍ يجب أن تحكمه، وأن للتطور أهدافا يجب أن توجهه، ولكنه الطمع الإنساني الذي لا تحده حدود، ولا تقف في وجهه السدود، فإذا ما خلا العلم من الضمير الإنساني الذي يوجهه ويضبط إيقاعاته، فلن يكون للعلم إلا منتوجٌ واحد هو المزيد من الدمار والعبث والخراب الذي سيعم الكون كله من إنسان وحيوان وجماد، إنها البيئة بكل عناصرها من سيقتل في النهاية، وإنه الكون الذي سيدمر آخر الشوط، وكأن الإنسان يعيد للطبيعة خوفها ويكيل لها الصاع صاعين، فظهرت نوازعه الشريرة في حب الانتقام من تلك الطبيعة، تلك الطبيعة ناوشته لا لتزعجه، بل لتحثه على التفكير والعلم وإذا به يسيء الفهم فيقتل ويدمر ولا يتسامح.

إنه العلم في كلتا صورته؛ صورة مشرقة بانية تسعى للتطور والبناء، وصورة عبثية غبية قاتمة قاتلة قاحلة، ولن نحصي ذما عليها لأنها تجوزت حدها في البشاعة، هذه الصورة هي ما سيترك الإنسان يخاف من كل منجز علمي، ليرى كل صيحة عليه في هذا المنجز، ويزداد يقينه، فيشعر أن كل موجة علم مسخرة للقضاء عليه، لتبدو الحياة مواتا وخرابا وسكونا دائما، فهل حقا العلم سلاح ذو حدين؟

مما لا شك فيه أن العلم مفيد ومفيد، وليس له إلا ذاك الوجه البهي، وهو بالتأكيد سلاح ذو حد واحد هو المنفعة ليس غير، ولكن البشرية وعقول المجانين هي من حولته إلى نقمة بعد أن كان نعمة، فلله در الإنسان ما أكفره!!


مشاركة منتدى

  • العلم بين التطوير والتدمير ...هذه طبيعة الاشياء لابد من الوجهين في وقت واحد الخير والشر لذا خلقت الدنيا نعم أؤيدك انه لابد من أخلاقيات للعلم ولكن من يمتلك العلم هو اللي يحدد هذه الاخلاقيات انه الصراع الابدي بين البشر علي الوجود مع ان الجاهل والعالم يدركون جيدا ان هذا الكون فاني فلما هذا الصراع

    تم العرض في 12:47 صباحاً

  • شكرا لمرورك دكتورة ناهد سعد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى