الثلاثاء ١٠ شباط (فبراير) ٢٠١٥
خواطري (1)
بقلم سعيد مقدم أبو شروق

الكوفية

ما أسرعها من سنين، وكأن العقود تتراكض بسرعة البرق، والخواطر تبقى كما الأفلام تعرض في ذاكرتي متى ما استدعيتها للعرض وكأني أعيش اللحظة ذاتها.

كنت في الخامس الابتدائي عندما رأيت رجلا تعطلت سيارته فشدها إلى سيارة أخرى بكوفيته ليسحبها إلى المصلح.
فاتجهت إليه غضبان وخاطبته معترضا:

من أذن لك أن تجر سيارتك بكوفيتنا؟!

ألا تملك ذرة من العزة والإباء وأنت تقلل من شأن رمزنا القومي وتنزل من هيبتنا العربية؟!

ورأيت سائق السيارة الأمامية يترجل ويخاطب صاحبه نادما:

احلل الكوفية وارفعها على رأسك، لا أسحب سيارتك إلا بعد أن تجد لنا حبلا أو سلكا خاصا.
ونظر الرجل إلىّ بعين شزرة ثم تعمم بكوفيته وأحكمها على رأسه مرتين أو ثلاث، ثم خاطبني بامتعاض وتهكم:
والآن ... هل تحررت الأهواز؟!

وتابع بغضب بين:
كلامك أكبر منك! ما لك وهذا الكلام المسربل؟! ما زلت شبرا! اكبر قليلا ثم ...
ولم يكمل جملته، أدار وجهه عني وفرّ يده في الهواء مرتين.
وأنا واقف أنظر لحركاته الغريبة، ولم أفقه ما يقول!

نظرت إلى ساعتي البسيطة العاطلة، وبحجة إدراك الوقت ابتعدت خائفا ...ومسرعا.
ذهبت يوم غد وكنا في العطلة الصيفية إلى عملي، وكنت أشتغل عاملا في البناء لادخار مصاريف مدرستي وملابسي في الشتاء،

وبينما كنت أخلط الرمل والإسمنت ودرجة الحرارة تتجاوز الخمسين، حرارة تسهل لك أن تتخيل جهنم بكل سهولة؛ خاطبني راعي البيت برقة:
اخلع كوفيتك يا ولدي، لعل هواء ينسم فيجفف عرقك.
أجبته وأنا أهز رأسي مستنكرا اقتراحه:
وهل تريدني أن أخلع رمز عروبتي وأتنازل عن قوميتي بسبب الحرارة؟!
كلا، لا أخلعها حتى لو أذاب هذا الهجير جلدي.

ثم مسحت عرق شقائي بطرفها واستمريت أخلط الخلطة بحركات متوالية سريعة، وكأن الدم بدأ يفور في عضلاتي أو كاد؛
وظل الرجل فاتحا فاه ينظر إلي في شيء من الدهشة، وهو يتحسس رأسه.
ولحد اللحظة هذه، ما أدركت السر الذي يجذبني لكوفيتي العربية بجميع ألوانها!
فعند ارتدائها يغمرني إحساس جميل،
كالعزة والشموخ والكبرياء،
والجود والكرم والإيثار،
والصدق والسلام والمروءة،
وجميع سجايا أجدادنا الحميدة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى