السبت ٣١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١١
بقلم هيثم نافل والي

المغرور

أصيبت أسواق الدواجن بالكساد، وتأثرت مصالح الطيور دونَ استثناء( ذكورهم وإناثهم) عندما اشتعلت معركة كلامية صاخبة بينَ الديك والدجاجة... فقبع الهلاك في الأركان متربصاً، وجلست بعض الحيوانات الحاسدة، الفارغة واللاهية تضحك بسخرية كضحك الشياطين تتأمل نتائج النزاع...

تبخترَ الديك في مشيته المتعالية بخيلاء عجيبة ومطَ رقبته وجعلَ رأسه مرفوعاً وكأنه ينظر إلى السماء داعياً بتباهي وهو يقول:

أنا الديك... أنا، صاحب العرف الأنيق والعيون الساحرة! ثمَ أردفَ بغرور لا يطاق، أنا صاحب الصوت الشجي الذي يوقظ الناس دونَ تباطؤ... وعندما حاول الاسترسال في الإطراء قاطعته الدجاجة بحده وهي تقول:

كفاكَ غروراً وتباهيا... ثمَ شرعت بغيض تقول، لقد أهلكتنا يا ديك بصوتك وصياحك الذي لا ينقطع! ثمَ أشارت له بدقة كعادة الدجاج وهي تسأله:

قل لي يا صاحب الصوت الجميل! لماذا لا تملك مثل هذه الزوائد التي نملكها نحن معشر الدجاج... وهي تشير إلى موضع في ساقيها والقريب من أقدامها؟!

 ضحكَ الديك مرتبكاً وصاحَ باستهزاء: اصمتي يا دجاجة وأتقي الله... فالصمت في هذه الأحوال أفضل لكِ! ثمَ أستطردَ بخبث قائلاً، كيفَ يمكن لنا الولوج إذن دون هذه السلالم!! وتابعَ غامزاً، ستجعليننا نكفر أو نأتي بفاحشة إن تطرقنا بشرح المزيد من مزايا وفوائد هذه... السلالم. وهو يتلفت حوله حرجاً بعدَ أن توشح برقبته وهو يقول، اصمتي يا دجاجة أرجوكِ... ستضحكين علينا الطيور وبقية الحيوانات إن سمعتنا ونحن نتحدث ونلهو هكذا بالكلمات بكل علانية ومجون!

 أجابته الدجاجة بحزم وهي تقف قبالته كالند:

أراك تتهرب من سؤالي كالخائف... لماذا لا تملك مثلها؟! ثمَ صمتت بوقار. حسبها تكبر ومباهاة!

 غلي الدم في وجهه وذاق ذرعاً بالنظر وطافَ كيل صبره فقال متذمراً وبعصبية حادة:
هكذا خلقنا الله... من دونَ تلك تلكَ الزوائد! ثمَ صرخَ بحنق، هلا تكرمت علينا بصمتك الآن! وأردف قائلاً: اجعلينا نعيش كما كتب الله لنا بسلام ووئام دونَ نزاع وآلام...

 إذن تعترف بأنَ الله خلقكم هكذا( سألته الدجاجة مجدداً)

 نعم أعترف. ثمَ قال بانفعال: أعتقينا يا دجاجة... ثمَ أردف بصوت هامس ليسَ من عادته( بعدَ أن شعرَ بتقهقر ودوران في رأسه): لماذا لا نتفق ونتهادن...؟

تجيبه الدجاجة بكل ثقة واعتداد: لماذا التباهي والتكبر والغرور إذن؟! ثمَ استمرت قائلة، فالله لم يخلق فيكم هذه الصفات المتعالية التي هي بعيدة عن روح الخالق وعظمته( تجيبه وتبدو رائعة الجمال وهي تدافع عن حجتها وتناقشه في أمور غاية في السمو والتعقيد) ثمَ أردفت بكل وقار: أن الله خلقكم هكذا ديوك من دونَ غرور وغطرسة...

( يتنفس بصعوبة بالغة وبجهد واضح) وهو ينبش الأرض بعصبية ويقول: هذا صحيح! ثمَ هتفَ، لكن كيفَ يمكن لنا أن ننتج ونحيا دونَ تباهي؟!

 أجابته بصراحة: يمكن لكم العمل والإنتاج والحياة دونَ غرور وتكبر وهذا أفضل لوجه الله ولمعاني الخلق!

 قطبَ متسائلاً وهو يحدجها بنظرة ارتياب: يا لها من معركة خاسرة وحظها أسود من الليل!

 قل ما تشاء، فلن أتنازل عن ذرة واحدة من مبادئي ولن أساوم أو أهادن! ثمَ استطردت قائلة بسرور: فأعلم إن كنت لا تعلم... هذه هي طبيعة الدجاج منذ الأزل! وهي تمشي أمامه بغنج...

أجابها متعجلاً: أتمنى أن تهتمي بشؤونكِ الخاصة وأن لا تنظري كثيراً لما يفعله الديوك!
 وما هي شؤوني يا ديك

 أن تأتي بالبيض كي يفقس عن كتاكيت جميلة تملي الحياة حب وبهجة( قالَ ذلك بتفاخر)

 وماذا بعد؟

 لا شيء...

باغتته ألدجاجة متسائلة: وماذا عنكم؟!

 نحن... نحن! ننبش الأرض ونتسلق أسطح المنازل ونصيح ونثقب آذان السامعين بصياحنا... ثمَ ردَ متسائلاً: إلا يمجد التاريخ لنا ذلك؟! وهو يدقق فيها النظر باهتمام وعلياء!

نظرت له بعينين حذرتين متطلعتين وقالت بإجلال: عظيم... إذن تعترف أمامي وأمام كل الطيور التي تجمعت والحيوانات التي تتسلى وهي تستمع لما تقوله... بأنكم لا تجيدون سوى الصياح ونبش الأرض والاعتداء على حرمات المنازل بتسلقكم أسطحها!

 ضاق الديك ذرعاً من هول الجدال وما آلت إليه نتيجته، فصرخَ وكأنه ينذر بالويل فقال: أنا لم أقصد ذلك... لكنكم يا معشر الدجاج تؤولون كلامنا دائماً بما يخدم مصالحكم! ثمَ أردفَ، أرجوكِ يا دجاجة إذا أستمرَ بنا النقاش هكذا فسوفَ لن ننتهي أبداً...

وماذا تطلب مني أن أفعل؟

ارقصي ... مثلاً!

وأنت؟!

(صمتَ برهة مفكراً) وقال: سأصفق وأصيح...

 تعني ستنظر وتتمتع وتطرب وتصيح!

نعم... هذا صحيح... ثمَ أصيح وأجعل الأفاق تغرق بصياحي... وهو يدمدم: أنظري هكذا...

وإذا به يطلق ساقيه للريح ويتسلق سطح أحد المنازل وتهيأ وكأنه يريد أن يبيض! وصاحَ بأعلى صوته:

عيعو ... عيعو...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى