الأربعاء ٢٧ تموز (يوليو) ٢٠١١
بقلم عطيات أبو العينين

النص بالنص

نصف ونصف.. نصفان.. اقتربا من بعضهما البعض.. تلامسا.. اتحدا معا.. التحما ليكونا واحدا صحيحا..

اختلست النظر إلي مجدي زوجي فوجدته مشغولا كعادته بآلته الحاسبة.. يعمل حسابا لكل شيء، لم يكن مجدي هو فارس أحلامي وإنما تزوجنا بطريقة تقليدية, ورحنا ننتظر فرصة للسفر وهاهي قد سنحت لنا..

انتبهت على صوت مجدي بجانبي:

فيم تفكرين يا حبيبتي؟

في الأيام القادمة؟

ربت علي كتفي مطمئنا وعاد إلى آلته الحاسبة..

وصلنا إلي مطار جدة وبدأت الطائرة في الهبوط ، توجهنا بعد ذلك إلي أحد الفنادق لنقضي فيها ليلتنا.. بت ليلتي ساهرة لم أستطع أن أذق فيها طعما للنوم ينتابني شعور غريب.. ربما بالانقباض أو الخوف من المجهول . هو أيضا كان قلقا يتقلب كثيرا في فراشه.. أحسست أن هناك أمرا يريد أن يفاتحني فيه ولكنه يبحث عن الطريقة المناسبة.. أخيرا جلس في الفراش.. أشعل غليونا. اقترب مني وهو يقول بصوت خفيض محاولا ألا تلتقي عيناه بعيني.
ماجدة .. هناك أمر أريد أن أحادثك بشأنه ولكن..

سكت قليلا ليأخذ نفسا من غليونه وليستجمع قدرا أكبر من شجاعته. أما أنا فلم أرد، انتظرت حتى يفرغ ما في جعبته.. اقترب أكثر وراح يقول بصوت أقل انخفاضا:

أنت تعلمين أنني تركت عملي في مصر وترقياتي ومستقبلي لكي آتي معك إلى هنا مضحيا بكل شيء، من أجل الوظيفة التي حصلت عليها أنت في هذا البلد. لذلك يجب أن يكون هناك تعويض عن هذه الخسارة..

بدا كلامه لي أكثر غموضا، فرحت أحثه على مواصلة الحديث:

وماذا ترى؟

بدأ يكشف عن أنيابه أكثر فأكثر:

 أرى أن نقتسم النقود التي ستتقاضينها بيننا.. تعويضا عن الخسارة التي ستلحق بي نتيجة ترك عملي طوال هذه الفترة.

لم أشعر أنني خسرت شيئا في حياتي كما شعرت بخسارتي في زوجي وحياتي اليوم .. وراح ينتظر بشوق موعد تسلمي راتبي لكي يقتسمه. وعندما حل موعده أخذ نصيبه وأودعه أحد البنوك. ومنذ ذلك اليوم تحولت حياتنا إلي قسمة، فكل ما بيني وبينه نصفان.. نصف له يحتفظ به، ونصف لي يقوم بكل الالتزامات اليومية.. رحت أبغض القسمة مع أنني مدرسة رياضيات ولو كان بإمكاني لحذفتها من المقرر الدراسي ..

عندما عدت من عملي في أحد الأيام فوجئت به وقد أعد مائدة فاخرة ووجدته يحيطني بذراعيه و يهمس في أذني:

كل عام وأنت بخير يا حبيبتي.

تذكرت.. اليوم عيد ميلادي.. ولكن كيف تذكره هو.. هذه هي المفاجأة الحقيقية.. كانت عيناي تنطق بما لايستطيع قلبي التعبير عنه.. لقد أحببته اليوم أكثر من أي يوم مضي.. وعدت ألوم نفسي على تلك الهواجس التي راودتني عندما طلب مني نصف راتبي.. وشفع له موقفه هذا كل ما بدر منه تجاهي.

كان المنزل ينطق بالفرحة, والأضواء منعكسة على جدران الحوائط ببريقها الآخاذ ناطقة بحب حقيقي ولولا أني أري بعيني لظننت أن هذا منزل آخر غير منزلنا وأننا زوجان غيرنا يتبادلان تلك المشاعر..

أطفأنا شموع عيد الميلاد.. طبع قبلة علي جبيني.. كنت سعيدة كما لم أسعد طيلة حياتي وهو يناولني هديته التي أحضرها من أجلي..

هممت احتضنه.. شعرت برغبة عارمة أن أضمه بشوق كل السنين الماضية وأن أضع رأسي علي صدره، لولا تلك الورقة التي ناولني إياها.

فاتورة حسابات عيد الميلاد ..

كدت أصرخ في وجهه وأنشب مخالبي في صدره .. تمنيت لو فقدت وعيي في هذه الحظة بالذات, أو أن يتوقف الزمن قبل ثوان من الآن.. لقد ألقى بي من القمة علي أرض صلبة فتحطمت عظامي بلا هوادة ..

كانت أصعب ليلة قضيتها في حياتي، لم أشعر باتساع الهوة بيننا كما شعرت بها ونحن قريبان لا يفصل بيننا غير سنتيمترات قليلة ولكن علي الرغم من قصرها فقد كنت أشعر أننا جرمان يمتد بينهما فضاء شاسع حتى أنني لم أعد أراه ولم يعد يراني.. جسدان باردان ممدان بلا حراك..

نصفان.. منفصلان.. نصف ونصف .. اقتربا من بعضهما.. تلامسا.. اتحدا معا التحما ليكونا واحدا صحيحا.. ولكن بقي بينهما ذلك الفاصل الذي اجتمعا عنده. فمن السهل أن يتجزأ الواحد الصحيح، ولكن من الصعب أن تتحد الأجزاء..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى