الجمعة ١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم تركي بني خالد

الهندام في التعليم العالي..!

الاستبانة المعنونة "نموذج تقييم أداء عضو الهيئة التدريسية" تطلب من الطالب أو الطالبة في مرحلة الدرجة الجامعية الأولى وضع دائرة على إجابة مدرجة في مقياس من خمس نقاط هي: (1) ضعيف (2) مقبول (3) جيد (4) جيد جداً (5) ممتاز. وتتضمن الاستبانة المذكورة مجموعة من عشرين فقرة يفترض من صممها والجهة التي دعمتها أن تؤدي إلى أحكام حول تقييم أداء عضو هيئة التدريس في الجامعة.

وأود هنا أن أركز على الفقرة التاسعة من هذه الاستبانة التي يتم تطبيقها على جميع أعضاء الهيئة التدريسية في نهاية كل فصل دراسي في عدد كبير من الجامعات الرسمية والخاصة حيث تنص هذه الفقرة على عبارة "لباسه وهندامه مناسبان".

هذا الموضوع لا أثيره للطرفة أو التندر رغم طرافته وغرابته وعدم معقوليته, إلا أن الشيء غير الملائم هو وضع مثل هذا البند في نموذج يهدف إلى تقييم أداء أساتذة الجامعات من خلال الطلبة أنفسهم. وأود أن أتساءل عن مدى فائدة مثل هذا البند وعن مصداقيته ومدى أهلية الطلبة وأحقيتهم للحكم في مثل هذا الأمر.

إن اللباس والهندام نوع من السلوك الاجتماعي وجزء من الحياة الاجتماعية والعملية واليومية للأشخاص وكذلك المؤسسات, وحيث إنه لا توجد معايير عالمية أو قوانين أو تعليمات أو أنظمة تحدد وتجيز وتحرم وتصنف جوانب هذا السلوك, فإن من الغرابة بمكان أن تقوم إدارات الجامعات بإعطاء المرجعية للطلبة للحكم في هذا الشأن.

وفي غياب لباس أو زي موحد في الجامعات فإنه من الطبيعي أن يترك الأمر للذوق الشخصي لجميع رواد الجامعة من عاملين وطلبة ومدرسين وزوار تاركين لهم الحرية الكاملة لاختيار ما يرونه هم وليس غيرهم مناسباً للتستر به في هذا المكان العام. وإذا قبلنا هذه الفرضية فإنه لا يحق لأحد أو لجهة أن تحكم على لباس أحد آخر من حيث مدى الملائمة؛ لأن هذا الأمر متروك للمجتمع بكافة أفراده وللعرف والذوق العام والتقاليد الاجتماعية وظروف الجو وطبيعة العمل.

وحيث إن الجامعة (لاحظوا كلمة جامعة) من اسمها هي مؤسسة تجمع الكثيرين من الناس بهدف العناية بالعلم والبحث والدراسة والتعليم العالي, ومن الطبيعي أن يجتمع في هذا المكان بشر كثيرون من شتى الأصول والمنابت يتصفون بالتنوع والتعددية في كثير من سماتهم وتصرفاتهم واتجاهاتهم وقيمهم التي يحملونها.

ومن الطبيعي كذلك أن يتباين هؤلاء في لباسهم وهندامهم وسلوكياتهم الأخرى حسب متغيرات كثيرة تشمل الجنس والعمر والمؤهل والخبرة والخلفية الاجتماعية والمستوى الاقتصادي والديانة والمستوى الأكاديمي ومكان العمل ونوع العمل وغير ذلك من العوامل والمتغيرات.

ولذلك يغدو مستحيلاً الحصول على صورة عامة نمطية موحدة لعضو هيئة التدريس المثالي أو عضوة هيئة التدريس المثالية من حيث اللباس والهندام.

ولطالما سألت نفسي محاولاً التعرف على الصورة المثالية للهندام أو اللباس من وجهة نظر الطلبة والطالبات باعتبارهم وحدهم ذوي الحق في الحكم على جودة أدائي التدريسي, ولطالما تمنيت أن تقوم الجامعات إذا كانت جادة في هذا الموضوع بإجراء دراسات وبحوث معمقة تهدف إلى التعرف على أنواع وأشكال الألبسة وأنماط التهندم المرغوبة لدى الطلبة. وكذلك تمنيت أن توعز الجامعات إلى باحثين وباحثات في العلوم السلوكية والاجتماعية واللباسية والهندامية من أجل حصر العوامل المؤثرة على التأنق لدى أساتذة الجامعات كي تساعد هؤلاء في ارتداء المناسب من الألبسة واختيار الملائم من الموضات التي تبعث الرضى في نفوس الطلبة فيقبلون على دروسهم بجد واجتهاد من أجل تحقيق قفزات نوعية في التعلم والتعليم.

إنني أدعو إلى تشكيل لجنة لدراسة أوضاع اللباس والهندام لدى أساتذة وطلبة وموظفي الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، ما دام الأمر أصبح جديا بهذا الشكل وحيث إنه أصبح من معايير الجودة في أداء العاملين في التعليم العالي، ولا خير في رصد الأموال اللازمة لوضع استراتيجية وطنية لـ(تزبيط) هندام الأساتذة والطلبة على حد السواء.

إنني أتساءل عن العوامل التي تصنع صورة أستاذ الجامعة في نظر الطلبة ومدى مساهمة اللباس والهندام في صنع هذه الصورة.

وإذا اعترفنا أن معظم طلبة الجامعات هم من فئة الشباب، وإذا قبلنا بفرضية أن الشباب هم الأكثر تأثرا بالموضة وتقلبات الأزياء، فمن المؤكد أن للموضة تأثير كبير على سلوكاتهم ونظرتهم للحياة وللآخرين.

إن اللباس والهندام والتأنق جزء من الحرية الشخصية لأساتذة الجامعات وحيث إنه لا يوجد تعريف علمي أو إجرائي محدد للاحتشام والتأدب في اللباس والهندام فإنه ليس من حق الطلبة إصدار هذا التعريف وإطلاق الأحكام حول مدى ملائمة لباس الأساتذة وهندامهم.

لماذا تتيح الجامعات للطلبة في مرحلة البكالوريوس تحديداً حق الحكم على لباس وهندام الأساتذة في حين تسمح للطلبة بارتداء الجينز الساحل والقمصان المتهدلة وأخرى (ممعوطة).

إن الأساتذة الذين أمضوا سنوات طويلة في البحث والمعرفة للحصول على المعرفة المتقدمة هم منارات علم وحكمة ومؤهلون ويجب الوثوق في حسن ذوقهم وملائمة اختيارهم لما يلبسون ولا تحتاج الجامعات أن تعريهم أمام الطلبة ووضعهم موضع الشك في أذواقهم.

لا يوجد على حد علمي لباس وهندام معياريان يمكن القياس عليهما ولا يوجد ما يمكن تسميته باللباس المهني وإذا كان هناك شيء من هذا القبيل، فعلى الجامعات تعميمه والدعوة إلى تطبيقه باعتباره من معايير جودة التعليم العالي.

الأساتذة علماء وأدباء وكتاب وشعراء ومعلمون وأصحاب حكمه وهم في الغالب متواضعون ولا يميلون إلى المبالغة في شيء حيث إن سمة التواضع مرتبطة بسلوك هؤلاء الناس. كما أن هذه الفئة من البشر والمهنيين لا يفقدون احترامهم أمام طلبتهم بسبب ما يرتدون كما أن احترام الطلبة لهم ليس نتيجة لما يلبسون.

وفي هذا الزمن الذي أصبحت فيه كلمة (فايع) شائعة الاستعمال، هل باتت الجامعات بحاجة إلى وضع سياسات وأنظمة تقنن اللباس والهندام لدى الطلبة والأساتذة؟ ترى هل من المسموح أن (يفيع) الأساتذة أيضا؟ وماذا ستفعل الجامعات إذا مضى الأساتذة بالجينز والخصر الساحل؟ ترى ما هو الأكاديمي من غير الأكاديمي في موضع اللباس والهندام؟ هل ارتداء الجينز عنوان للاحتراف والاحترام؟ وهل مسموح للأساتذة ارتداء الواقي والأشمغة وغير ذلك من الرموز الطبقية والاجتماعية والدينية؟ هل علاقة اللباس والهندام بالتعلم والتعليم علاقة ذات دلالة إحصائية أم هي علاقة سببية أم لا يوجد علاقة من حيث المبدأ. من قال إن ربطة العنق هي مقياس؟ ومن الذي جعل ارتداء البدلة الرسمية صفة الملائمة؟

إنني أقترح أن تخصص الجامعات جزءاً من علامات التقييم النهائي للحكم على ألبسة الطلبة هندامهم، فلماذا لا يشارك الأساتذة في الحكم على هندام الطلبة باعتبار ذلك من مؤشرات الأداء؟

حين تنحدر الجامعات نحو الانشغال بقياس مدى ملائمة هندام ولباس أساتذتها فإننا أمام مؤشر خطير! هل هذه ظاهرة صحية أكاديمية؟ أم أن الجامعات تجري وراء الموضة أيضا؟ أم أن هذا التقويم بهذا الشكل أحد تأثيرات العولمة؟

أتمنى أن لا يكون شعار الجامعات القادم هو "الجمهور عاوز كده" و "الزبون دائما على حق؟ فإذا كان الأمر كذلك فإنني أتمنى على الجامعات أن توزع تعليمات بعنوان البس ولا تلبس كي تعرف الهيئات التدريسية ماذا تختار.

أتمنى أن لا تحجب عني الترقية بسبب تسريحة شعري الذي لم يتبق منه الكثير في حين يتلاشى اللون الأسود بتسارع. هل انتهز الفرصة وأخصص جزءاً من الميزانية لصبغات الشعر؟ وإلى الذين لديهم شيء من الشعر على رؤوسهم هل سيضطرون إلى اتخاذ موقف إيجابي من موضة (سبايكي)

من اليوم سأخصص جزءا من محاضراتي وساعاتي المكتبية لأتعرف على ألوان الطلبة المفضلة. وسأشتري المجلات الخاصة بالأزياء والموضة لأعرف أيها أكثر (فياعة)، فأساليب التدريس والتفكير عندي أصبح لها معايير ومؤشرات جديدة. ألسنا في القرن الحادي والعشرين؟! أليس الزبون على حق؟!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى