الأحد ١٦ حزيران (يونيو) ٢٠١٣
بقلم بريسا نجاتي

الوحدات الثلاث فی مسرحية «سر شهرزاد»

لعلی أحمد باکثير

بقلم: پريسا نجاتي
خريجة جامعة آزاد الإسلامية في کرج، إيران.

النقد المسرحي کان مرافقاً لکتابة المسرحية منذ أقدم الزمن، فمنذ عصر اليونانيين القدماء کان النقّاد يهتمّون بالأعمال المسرحية ويحاولون أن يضعوا لها أسساً وقواعدَ يمکن الحکم علی جودتها بواسطة هذه الأسس والقواعد. ومن أوّل الذين حاول فی هذا المجال وأبدی بآراء قيّمة فی النقد المسرحي، کان الفيلسوف الکبير أرسطو. أهم ما أشار إليه أرسطوفی النقد المسرحي، کان اعتقاده بأنّ المسرحية يجب أن يکون ذات ثلاث وحدات: وحدة الموضوع ووحدة الزمان ووحدة المکان.

يحاول هذا المقال من خلال المنهج الوصفي – التحليلي دراسة الوحدات الثلاث الموجودة فی مسرحية «سر شهرزاد» وتشير النتائج إلی أنّ الوحدات الثلاث لم تُراعِ کما کان يعتقد أرسطووالنقّاد القدامی، ففي بعض الأحيان يتقيّد الکاتب بالأصول الموروثة وفي بعض أخری يخرج من الإطار العام ويُلغي قانون الوحدات الثلاث. والسبب الرئيس لعدم التزام الکتّاب الجديد بالأصول القديمة، يرجع إلی الظروف الإجتماعية والدينية للعصر الجديد الذي يبطلّب من الکاتب الخروج علی مثل هذه القواعد والأصول حتی ينجح فی کتابة عمل أدبي يلائم بيئته ومجتمعه ويؤثّر علی الناس.

الکلمات الرئيسة: المسرحية، علی أحمد باکثير، مسرحية «سر شهرزاد»، الوحدات الثلاث.

المقدمة

ينقسم الأدب إلی عدة فروع منها: الرواية، والقصة، والقصة القصيرة، والمقال، والرسالة، والمسرحية و..... تعتبر المسرحية من أهم وأقدم فروع الأدب. ذکرت تعريفات متعددة للمسرحية وينظر إليها النقّاد من مناظر مختلفة ولکن هناک اصول يتّفق عليها الجميع مثل طريقة حکاية القصة معتمداً علی الحوار بين الشخصيات والدور الأساسي للشخصية في هذا الفنّ ولزوم تقديمها علی المسرح، عکس الفنون الأخری کالقصة والرواية وهي تُکتب للقراءة لا للتمثيل والتقديم. «يختلف الناقدون ومؤرخي الأدب حول نشأة المسرحية، فيعتقد البعض أن المسرحية قد نشأت بداية عند البابليين والسومريين ثم انتقل إلی مصريين ومن هناک إلی اليونانيين في القرن السادس قبل الميلاد» [1] إلّا أنّ أغلب الناقدين يرون أن المسرحية نشأت من الطقوس الدينية اليونانية.
تعرّف الأدب العربي علی الفنّ المسرحي بصورته الفنيّة المکتملة فی العصر الجديد بعد إرتباطه بالأدب الأوروبي، وبعد المرور علی مراحل الترجمة والتقليد، استطاع جيل من الکتّاب المسرحيين المتبحّرين کأحمد شوقی وتوفيق الحکيم، أن يطوّرَ المسرح العربي إلی مرحلة المسرح الفنّی، بعيداً عن النقل أوالترجمة أوالتقليد من المسرحيات الغربية.

النقد المسرحی کان مرافقاً لکتابة المسرحية منذ القديم، فکان النقّاد يضعون أصولاً وقواعدَ يحکمون بواسطتها علی المسرحيات. ومن أقدم وأهمّ الأصول الّتی وُضعت فی مجال النقد المسرحي، هی الوحدات الثلاث أي وحدة الموضوع والزمان والمکان. الفيلسوف الکبير اليوناني، أرسطو، کان أوّل من وضع هذه الوحدات کقواعد للنقد المسرحی.

يحاول هذا المقال من خلال المنهج الوصفی – التحليلي دراسة الوحدات الثلاث فی مسرحية «سر شهرزاد» لعلی أحمد باکثير وکيفية تعامل الکاتب مع هذه القواعد. فبعد الإتيان بترجمة قصيرة للشاعر، يأتی الکاتب بملخص المسرحية ثمّ يدخل فی مجال الوحدات الثلاث ويدرسها فی المسرحية دراسة تفصيلية.

أمّا حول خلفية البحث والدراسات السابقة، هناک عدة مصادر اهتمّت بموضوع النقد المسرحي أوأسطورة شهرزاد. فهناک مصادر کثيرة اهتمّت بالمسرحية وعناصرها وأصولها وتاريخها، منها: کتاب «من فنون الأدب» من عبدالقاهر القط، و«فن کتابة المسرحية» من رشاد رشدی، و«المسرح فی الوطن العربي» من علی الراعي، و«المسرحية، تاريخها، أصولها ونشأتها» من عمر الدسوقي، علی جانب الکتب الکثيرة الأخری فی مجال المسرحية وبعض الکتب النقدية.

وعدد من الدارسين إهتمّوا بمسرحية «سر شهرزاد»، منهم عزالدين اسماعيل الذی يحاول تفسير المسرحية تفسيراً نفسياً فی کتابه «التفسير النفسي للأدب»، وعبدالحکيم الزبيدي فی مقاله «باکثير أنصف المرأة» ورباب حسين فی مقالها «رحلة شهرزاد بين الشرق والغرب» ومقال «قصة شهرزاد فی متناول باکثير وأباظة وتوفيق حکيم» من مظهر الشاغوري، ومقال «شهرزاد فی الأدب المصری المعاصر» عن عيد عبدالحليم.

المسرحية

هناک تعاريف متعدّدة لفن المسرحية، حيث يری البعض أنّ «المسرحية قصة يجري المؤلف الکلام فيها علی طريقة الحوار بين شخوصها الذي يمثّلون حادثتها للمشاهدين علی المسرح ويکتفي المؤلف فيها من وصف المناظر والشخوص والملابس بإشارات موجزة» [2] ويقول الآخر: «المسرحية تصوير مجموعة من الناس، يعرض فيها کل شخص منهم علی أنّه مرتبط بالآخرين في سلوکه وأفعاله» [3] ويعتقد البعض أنّ «المسرحية شکل من أشکال الفنّ القائم علی تصوّر الفنّان لقصة تدور حول شخصيات تتورّط في أحداث معينة وهذه القصة تحکي نفسها عن طريق الحوار المتبادل بين الشخصيات» [4]. فکما نری هناک تعريفات متعددة للمسرحية وينظر إليها النقّاد من مناظر مختلفة ولکن هناک اصول يتّفق عليها الجميع مثل طريقة حکاية القصة معتمداً علی الحوار بين الشخصيات والدور الأساسي للشخصية في هذا الفنّ ولزوم تقديمها علی المسرح، عکس الفنون الأخری کالقصة والرواية وهي تُکتب للقراءة لا للتمثيل والتقديم.
«يختلف الناقدون ومؤرخي الأدب حول نشأة المسرحية، فيعتقد البعض أن المسرحية قد نشأت بداية عند البابليين والسومريين ثم انتقل إلی مصريين ومن هناک إلی اليونانيين في القرن السادس قبل الميلاد» [5] إلّا أنّ أغلب الناقدين يرون أن المسرحية نشأت من الطقوس الدينية اليونانية، ويري البعض السبب في أنّ «المسلم لم يکن بحاجة إلی المسرح الذي کان وليد المعبد والکنيسة، والذي ظهر عند الإغريق في أعيادهم لإله الخمر، ثم استعانت به الکنيسة بعد انتشار المسيحية في کنائس روما وباريس إثناء القرون الوسطي لعرض فکرتها عمّا ذهبت إليه في القول بصلب المسيح وآلام الشهداء. أمّا المسلمون فلبساطة مفهومهم الإسلامي ووضوحه ولطبيعتهم التي عرفت بالصراحة والوضوح لم توجد عندهم الحاجة إلی المسرح». [6]

مرّت المسرحية خلال عمرها الطويل مراحل عديدة وتأثّرت بالعوامل الإجتماعية والسياسية والدينية وظهرت فيها الإتجاهات والنّزعات الفکرية ونضجت في مشوارها الطويل حتّی وصلت إلی عصرنا الحاضر. تعرّف العرب علی المسرح الفنّي متأثّراً بالأدب الأوروبي، ومرّ المسرح العربي بثلاثة مراحل حتّی وصل إلی مرحلة النضج والإکتمال:
«المرحلة الأولي: مرحلة الإقتباس من المسرح الفرنسي الکلاسيکي.

المرحلة الثانية: تيار الترجمة من الأعمال الرائدة في اللغات الأجنبية وللأعمال المسرحية الجيدة.

المرحلة الثالثة: مرحلة المسرح الفني والتأسيس الحقيقي، وهي مرحلة بحث رائدة، تبحث عن شخصية عربية، تنهض بإرساء قواعد المسرح العربي تأليفاً لا ترجمةً أوتقليداً لنماذج مستوردة». [7] فظهر في مرحلة المسرح الفني کتّاب مسرحيين کبار أمثال أحمد شوقی وتوفيق حکيم ومحمود تيمور وعلی أحمد باکثير وألّفوا أعمال مسرحية فی مرحلة متطورة من جهة البناء والمضمون.

علي أحمد باكثير

ولد علي أحمد باكثير سنة 1910 في مدينة سوربايا بأندونيسيا من أبوين عربيّين ولمّا بلغ الثامنة من عمره سافر به أبوه إلي حضرموت بِيَمَن ليتعلّم اللغة العربية والعلوم الدينية عند عمّه. [8] عاش باكثير حقبة زمنية غير قصيرة في حضرموت ثم تنقّل بين عدن وحبشة وصومال والحجاز حتي استقرّ به المقام في مصر عام 1943فحصل علي الجنسية المصرية والتحق بقسم اللغة الإنجليزية في جامعة فؤاد الأوّل [9] عام 1945وعاش في مصر حتي وفاته سنة 1969. [10]

ومن الأمور المسلّمة أنّ لكلّ أديب خصائص وسمات تميّزه عن غيره وتُصبغ أدبه بصبغة يُعرف بها، فمن أبرز سمات باكثير، الإتجاه الإسلامي الواضح الذي يلفت إنتباه المتتبّع لأعماله الأدبية. [11] فهوتعلّم القرآن والعلوم الدينية منذ طفولته وعاش قريناً بالإسلام والقرآن طوال حياته، ولم يکتب کتاباً إلّا جعل الإسلام والمسلمين نصب عينيه وکتب لأجلهم.

ومن ميزاته الأخري أنّه تأثّر بالحركات الفكرية السائدة في العالم العربي آنذاك، فمال نحوالإصلاح الديني نتيجةَ تعرّفه علي شخصيات کالسيد جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، فحرص على الإصلاح في المعتقدات الإسلامية والتجنّب من تقديس المشايخ والخرافة الدّاخلة في تعاليم الإسلام.

له مؤلفات عديدة في القوالب المختلفة الأدبية کالمسرحية الشعرية والنثرية والرواية، کما له آثار ترجمها من اللغات الأخري. من أشهر رواياته: واإسلاماه، الفارس الجميل والثائر الأحمر، ومن مسرحياته النثرية: مأساة أوديب، إله إسرائيل، سرّ شهرزاد، اوزيريس و... ومن مسرحياته الشعرية: اخناتون ونفرتيتي، عاصمة الأحقاف، إبراهيم باشا و...، کما ترجم مسرحيتي روميووجوليت والليلة الثانية عشرة لشکسبير إلي العربية. [12]

ملخص مسرحية «سر شهرزاد»

يشتمل المسرحية علي أربعة فصول، في 125 صفحة وکل فصل يحتوي علي مشهد واحد إلّا الفصل الرابع الذي يحتوي علي مشهدين. يمکننا أن نلخّص أهمّ أحداث المسرحية في الفقرات التالية:

تبدأ المسرحية بمشهد الملک «شهريار» وهوفي غرفة نوم الملکة «بدور»، وبعدما ترجع الملکة بدور ويبدأ الحوار بينهما تنکشف أنّ بدور تحسد الجواري بسبب ميل شهريار نحوهم وحبّه لهنّ. ولکن شهريار يرفض هذا الرأي ويدّعي أنّه يحبّ بدور فقط ولا يسکن قلبه إلّا هي. وبعدما ترفض بدور الإغتسال مع شهريار فی الحوض ويقرّر شهريار أن يغتسل مع الجواری، تغضب بدور وتأمر بأن يدخل إلي غرفته عبد أسود حتي تثير غيرة شهريار بالنسبة إلي نفسها وتوضّح له بهذه الطريقة أنّ معاملته ليست معاملة صحيحة، فبعدما يدخل العبد الأسود غرفتها، تطلب من القهرمانة أن تُخبر شهريار.

يقرّر القهرمان [13] أن يقول الحقيقة لشهريار ويفعل هکذا، ولکن شهرياز ينتهز الفرصة ليقتل بدور، فبعدما يدخل غرفة بدور يذهب أولاً ويقتل العبد الأسود، ثمّ يبادر ببدور ويقتلها وهويعلم أنّ کل هذه الأمور کانت خطةً لتُثير بدور غيرته بالنسبة إليها ولکن شهريار لايهتمّ بهذه الأمور ولايقبل توضيحات بدور ويقتلها. هکذا ينتهي الفصل الأول من المسرحية بقتل بدور.

يبدأ الفصل الثاني من مشهد شهرزاد وهي واقفة في بيتها تفکر في أمر هام وينکشف من خلال حديثه أن شهريار طلبها ليقضي ليلة معها ويقتلها صباحاً کالبنات الأخري. تأمل العائلة فی شفاعة رضوان الحکيم، معلّم شهرزاد وشهريار فی نفس الوقت، ولکن بعدما يرجع رضوان يُخبر بأنّ شهريار لم يقبل الشفاعة ولکن أعطاهم الفرصة أسبوعاً واحداً. يأتي صديقان قديمان لنورالدين أبی شهرزاد إلی بيته، ويطلبان منه الثورة ضد شهريار وهويُبدي حبّه بالنسبة إلی هذا الأمر. وفيما بعد يتبيّن أنهما کانا من جواسيس شهريار، فيأتي شهريار إلی بيت نورالدين ويهدده بقتله وبقتل بنته. في هذه الأحيان تظهر شهرزاد في ثياب جميل وتتحدّث مع شهريار وتعده بأن تصبح عروسه هذه الليلة. فيترک شهريار بيت نورالدين وبعدما يبدي والدَي شهرزاد الحزن والأسی بالنسبة إلی هذا الأمر، تبدأ شهرزاد ودنيازاد، أختها الصغيرة الرقص والغناء وينتهی الفصل الثانی من المسرحية.

يبدأ الفصل الثالث في مشهد من قصر الملک وأم شهرزاد تودّعها في حزن وألم عميقَين، وشهرزاد إرتدت ثياب الزفاف. فکلّما تتألّم أمّ شهرزاد وتظهر الحزن والتحسّر، تحاول شهرزاد أن تواسيها بأنّها لن تموت الليلة وستفوز علي الملک بإذن الله. تخرج أم شهرزاد ويدخل شهريار ويبدأ بالحديث مع شهرزاد، فيعجبه کلام شهرزاد الرائع وأسلوبها الجميل، وبعدما يحاول أن يضاجع شهرزاد، تخبره بأنّ أخته نائمة هناک. يغضب شهريار بداية، ثمّ حينما تتکلّم دنيازاد وتتظاهر بأنّها تريد أن تکون شريکة أختها في زفاف الملک السعيد، تثير ضحک وإعجاب شهريار. وفي نهاية الفصل حينما تريد دنيازاد أن تنام، تطلب من أختها أن تقصّ عليها قصة حتي تنام، فتبدأ شهرزاد قصتها بهذا الکلام: بلّغني أيها الملک السعيد .... وينتهي الفصل الثالث.

يبدأ المشهد الأول من الفصل الرابع بصورة شهريار الذي ينهض من سريره ويذهب إلي غرفة بدور ويقتل شبح بدور والعبد يرجع إلي السرير، وشهرزاد ورضوان يلاحظان هذا المشهد. تطلب شهرزاد من رضوان الحلّ وهويؤکّد ليس لهذه المشکلة إلّا حلّ واحد.

في المشهد الثاني تُلبس شهرزاد جارية سوداء ثياب الرجل وتجعلها کعبد أسود وتفعل کما فعلت بدور فی الفصل الأول وتُخفيها فی غرفتها، فتدهش شهريار لرؤية هذا المشهد ويتذکّر مشهد قتله العبدَ وبدورَ، ويجهش بالبکاء والإنتحاب لأنّه يعلم أنّها کانت بريئة، فيأخذه شعور تأنيب الضمير شديداً وبعدما يطلب من رضوان الحلَّ لهذه الأزمة الروحية، ينصحه رضوان بإعطاء دية العذاري التي قتلهنّ واعتناق مهر الذين يريدون الزواج. فيقبل شهريار اقتراح رضوان ويقرّر أن يسير نحوالمصير المجهول والمغامرات، کما فعل سندباد، فتفرح شهرزاد لهذا القرار وتؤکّد أنها سترافقه في هذه الأسفار والمغامرات.

الوحدات الثلاث فی مسرحية «سر شهرزاد»

«إعتقد نقّاد أوروبا في عصر النهضة، بعد دراستهم لکتاب أرسطو«عن الشعر» ولرسالة هوراتيوس المشهورة باسم «فنّ الشعر» أنّه کان لابدّ من توافر ثلاث وحدات للعمل الدرامي وهي: وحدة الموضوع، ووحدة الزمان ووحدة المکان، وجعلوا من هذه الوحدات قاعدة للدّراما وقانوناً لاتصحّ إلّا به. يجدر بنا أن ننبّه بأنّ أرسطولم يتحدّث سوی عن وحدة الموضوع فقط، ولم يرد علی لسان أرسطوما يُستنتج منه أنّ للزمان قاعدة أوأنّ للمکان وحدة. والأرجح أنّ هذا التحديد القاطع من جانب نقّاد عصر النهضة بثبات عنصرَي الزمان والمکان لم يکن قانوناً وقاعدة کما ظنّوا، بل کان بمثابة أملته ظروف التراجيديا الإغريقية القديمة». [14]

الف: وحدة الموضوع

«وحدة الموضوع أهمّ الوحدات الثلاث، فإذا کان هناک من المولفين من استطاع أن يخرج عن المکان وقدّم لنا أعمالاً ممتازة، مثل شکسبير، فإنّه لم يوجد من استطاع أن يخرج عن وحدة الحدث ويترک عملاً ممتازاً». [15] «يری أرسطوأنّه من الواجب أن الکاتب حينما ينتخب شخصية ما لکتابة المسرحية، أن يتجنّب الدخول إلی جميع جزئيات حياتها وينتقي المواضع التي تناسب کتابة المسرحية أوينتخب فعلاً واحداً أومرحلة خاصة من حياة هذه الشخصية، حتّی تکون أجزاء عمله مترابط البناء بحيث إن أي تغيير في ترتيبها، أوقطع تسلسلها، أوتناقض فی تتابعها يؤدّي إلی انهيار البناء کله وانقلابه رأساً علی عقب، وبمعنی أنّه لايجوز إضافة إلی هذه الأجزاء ولا يصحّ أي حذف منها. وينوّه أرسطوأنّ الکاتب المسرحي ليس مؤرخاً وليس من مهمّته أن يقصّ ما وقع فعلاً، لأنّ ميدانه الحقيقي هوأن يتناول ما هوممکن وقوعه تبعاً لقانون الإحتمال أوالضرورة». [16]

«کذلک لا ينبغي أن يتعرّض موضوع التراجيديا لعلاقات متشابکة بين عدد من الأسر، أوفئات متعددة من الناس، فرغم أنّ کتاباً کثيرين يميلون إلی معالجة مثل هذه العلاقات إلّا أنّ هذا يؤدّي إلی فقدان الدراما لوحدة الموضوع، ذلک أنّ تلک العلاقات المتشابکة، تجعل محتّماً علی الکاتب أن يتعرّض لسرد وشرح الأحداث التي تعرّضت لها کل أسرة أوفئة علی حدة، من أجل ربطها جميعاً فی إطار واحد، فتضيع وحدة الفعل المطلوبة، لذلک من الأفضل أن يقتصر الموضوع علی أسرة واحدة». [17]

انتخاب الموضوع في المسرحية أمر هام جدا، لأنّ کلّ موضوع لايناسب العمل المسرحي، ويعود سبب هذا الأمر إلی عدة أمور، منها: «أنّ المسرحية أدب يراد به التمثيل، والمسرحية قصة لا تکتب لتقرأ فحسب وإنّما هي قصة تکتب لتمثّل» [18] فعلی هذا يمکن في القصة أن ينتخب الکاتب موضوعاً نفسياً لشخص ما ويکتب مئات الصفحات حول نفسية هذه الشخصية ويصوّر ما يختلج في ذهنه ونفسه، ولکن هذا الأم مستحيل في المسرحية، لأن أحداث وموضوعات المسرحية يجب أن تکون عينية ويمکن تمثيلها علی المسرح أمام المتفرجين، وإذا أراد الکاتب أن يرسم المعاناة النفسية لشخصية ما، يجب أن يصوّرها في أعمالها وأقوالها.

موضوع المسرحية يشتمل عادة علی حدث رئيسي وأحداث ثانوية علی الحدث الرئيسي. ففي مسرحية سر شهرزاد، نری أن الحدث الرئيسي هوالمرض النفسي الذي يعانيه شهريار ومحاولة شهرزاد لعلاج هذا المرض. وعلی جانب هذا الحدث نری أن هناک أحداث أخری مثل معاناة شهرزاد في ذاتها في مواجهة شهريار وکيفية التعامل معه وتعامله معها، وأيضاً محاولة شهرزاد لتسلية والديها، خاصة أمّها التي تعاني معاناة شديدة من وقوع شهرزاد في موضع خطير.

وإذا ننظر إلی موضوع المسرحية من جانب آخر، نری أن الموضوع مأخوذ من التراث الشعبي القديم ويندرج تحت تقسيم الأساطير الشعبية، وهناک علاقة خاصة بين الأسطورة والتاريخ مع المسرحية. «التراث الأسطوري مجال عريض الثراء وافر الإيحاء، بحيث يمکن ايجاد إطار أسطوري لکل مضمون عصري علی أساس أن هذا التراث نفسه يمثّل خلاصة تجارب الشعوب القديمة في العصور السحيقة، إلّا أنّ الأمر ليس سهلاً کلّ السهولة، فمهمة اختيار الأسطورة المناسبة هي أصعب الإختيارات التي يمرّ بها المؤلّف ودرجات النجاح في مثل هذه الإختيارات هي التي تفرق بين کاتب وآخر. ولوأجاد أي مؤلف عملية الإختيار، سيکون قد بدأ البداية الصحيحية ووضع قدمه علی أرض صلبة ممّا سيتيح له فرصة التوفيق في تصوير الفکرة العصرية التي يريد تقديمها في إطار أسطوري. ولکنّه حتماً سيواجه مشکلة أخری هي کيفية التعامل مع الأسطورة، إذ ينبغي عليه أن يحافظ علی الإطار العام الرئيسي والملامح الأساسية والنقاط الجوهرية وذلک حتي لا تفقد الأسطورة شخصيتها المميزة. وفيما عدا هذه الملامح الجوهرية يمکن للمؤلف المحدث أن يتدخّل بقلمه المبدع فيحذف أويضيف ما يشاء وما يخدم البناء الدرامي في مسرحيته». [19]

وباکثير من الکتّاب الذين اهتمّوا بالأساطير والموضوعات التاريخية إهتماماً بالغاً، فعلی سبيل المثال يمکن الإشارة إلی مؤلفاته: «سر شهرزاد، اوزوريس والملک أوديب» في مجال الأسطورة کما له عدة مولفات أخذ موضوعها من التاريخ کـ«إخناتون ونفرتيتي، الثائر الأحمر، سلامة القس، واإسلاماه و...». وهويشرح سبب اهتمامه بالتاريخ في کتابه «فن المسرحية من خلال تجاربي الشخصية» حيث يقول: «لعلّ اهتمامي بالقومية العربية کان ذا أثر في ولوعي بالتاريخ واستلهامه لموضوعات کثيرة من مسرحياتي، علی أن هناک أسباباً أخری منها أن الفنّ عموماً والفنّ المسرحي خصوصاً ينبغي عندي أن يقوم أکثر ما يقوم علی الرمز والإيحاء لا علی التعيين والتحديد، فتکون الحقيقة التي تصوّرها العمل الفنّي، أوسع وأرحب من الحقيقة التي يمثّلها الواقع. وأحداث التاريخ تُعين الکاتب علی بلوغ هذه الغاية، لأنّها قد تبلورت علی مرّ الأيام فاستطاعت أن تنزع عنها الملابسات والتفاصيل التي ليست بذات بال من حيث الدلالات التي يتصيدها الکاتب للوصول إلی الهدف الذي يرمي إليه في عمله الفني». [20] وحول اهتمامه بالموضوعات الأسطورية يضيف قائلاً: «وأغرمت بالموضوعات الأسطورية لأنّ الأساطير أغني من التاريخ في هذا المعني وأرحب أفقاً وأکثر إنطلاقاً من القيود الزمنية والظروف المحلية فالحادث المعاصر إذا تقادم يصير تاريخاً والتاريخ إذا تقادم يصير أسطورة». [21]

فباکثير أخذ الإطار العام لهذا الموضوع الأسطوري وغير فيها تغييرات جعلها متلائماً مع فکرته الإسلامي، کما جاء بتغييرات جزئية تجعل الأسطورة أکثر منطقياً وأکثير قرباً إلی القبول عند مخاطب اليوم. فهوجعل الجوّ الحاکم علی الأسطورة جواً إسلامياً يعتقد أکثر الشخصيات بالله تعالی وکأنّهم يعيشون في المجتمع الإسلامي. وسنتطرّق إلی التغييرات ودراسة مضامين الأسطورة فيما بعد وسنتکلّم في هذا الموضوع بالتفصيل.

ب: وحدة الزمان

«کانت العقلية الإغريقية تفضّل أن تقتصر الأعمال الأدبية المعتمدة علی المحاکاة علی زمن معيّن، وتری أنّه ليس من الضروري التعرّض للأحداث بأکملها. وعلی أساس رأی أرسطوکان يجب أن لايکون زمان التراجيديا أطول من يوم واحد، علی أساس أن هذا اليوم سيشهد تطوّر الفعل الدرامی من بدايته حتی نهايته، حيث يتمّ حلّه بعد وصول الأحداث إلی ذروتها. إنّ اعتقاد الإغريق القدامی هوالذی أملی عليهم هذا التحديد الصارم بالنسبة للزمان، فحياة الإنسان عندهم رغم طولها لا تحتوي إلّا علی لحظات قليلة، يمکن القول بأنّها حاسمة، وتلک اللحظات هي التي تحدّد مصير الإنسان، وکلحظات وقوع جرم خطير أوحلول کارثة أوموت أوشرّ مستطير، وتلک اللحظات هی التی تختارها التراجيديا الإغريقية کإطار زمني لموضوعاتها. من هذا نستنتج أنّ تحديد الزمان فی التراجيديا الإغريقية کان مرجعه إلی عرف أدبي، وکان ناتجاً عن اعتقاد فکری ملائم لطبيعة الموضوعات التي يعالجها الکتّاب الإغريق ولم يکن قطّ قانوناً أوقاعدة أوشرطاً». [22]

«کان هدف أرسطوومن بعده في ألّا تتعدّی أحداث المسرحية دورة شمسية واحدة، أولا تتجاوز إلّا قليلاً، هوعملية إقناع من أجل أن يکون الحدث مقارباً للطبيعة بقدر الإمکان. کان يحاول الکتّاب أن لا يتعدّی زمن المسرحية الأربعة وعشرين ساعة علی الأکثر، ليس ذلک فقط، بل حاولوا تقسيم الأربعة وعشرين ساعدة هذه بالتساوی علی فصول المسرحية، والهدف من ذلک من وجهة نظرهم هوإيجاد التناسب المنطقی المعقول، فليس من المعقول فی تقسيم الزمان أن يقدّموا فی الفصل الأول أحداث نصف يوم وفی الفصل الثانی أحداث 4 ساعات وفی الثالث أحداث 5 ساعات وفی الرابع أحداث 3 ساعات. فيجب تقسيم الأربعة والعشرين ساعة علی الفصول بالتساوی حتّی يکون التناسب منطقياً ومعقولاً، لأجل هذا کل فصل کان يشتمل علی 6 ساعات». [23]
أمّا بالنسبة إلی مسرحية «سرّ شهرزاد» فنحن نری أن الزمان فيها لا يقتصر علی يوم واحد أودورة شمسية کما قال أرسطو. ففی البداية نری أن المسرحية تبدأ من قصر شهريار والملکة بدور وتستمرّ الحوادث فی هذا القسم من المسرحية خلال عدة ساعات، فبعدما يطلب شهريار من بدور أن تغتسل معه فی الحوض وهي ترفض، وفی هذا الحين شهريار يذهب ليغتسل مع الجواری، فبدور ترسم تلک الخطة الخطيرة التی تنتهی بقتلها. وکلّ هذه الحوادث لا تستغرف أکثر من عدة ساعات.

والفصل الثانی للمسرحية تبدأ من حيث شهرزاد واقفة فی بيتها وهی تفکّر بمصيرها فی مواجهة شهريار. وبين هذا الفصل والفصل الأول قد مرّ مدة غير قصيرة وجاء دور شهرزاد. جميع الأحداث الّتی تحدث فی هذا الفصل، من کلام شهرزاد مع نفسها ومع دنيازاد، ودخول الجاسوسين فی ثوب بائعی الخضراوات ودخول أمّ کريمة وثمّ دخول شهريار إلی بيت نورالدين، کل هذه الحوادث تحدث في يوم واحد.

والفصل الثالث يشتمل علی ليلة واحدة أوبعبارة أخری علی قسم من ليلٍ. ويبدأ هذا الفصل بوجود شهرزاد فی قصر شهريار ويدور حديث طويل بين شهرزاد وشهريار وتأخذ شهرزاد فکر شهرياد وتسيطر عليها بطرق مختلفة، ثمّ بالتدبير مع بنتها الصغری، دنيازاد تبدأ بحکی القصص علی دنيازاد حتی يجذب انتباه شهريار إلی القصص وتجبره علی الإستماع إلی قصصها وعدم قتلها. وکل هذه الحوادث تقع فی قسم قليل من الليل والذی يشتمل هذا القسم الصغير علی فصل کامل.

الفصل الرابع کالفصول الماضية لا يشتمل علی الحوادث المتعددة فی الأزمنة المختلفة، بل يصوّر حوادث يوم واحد بين شهرزاد وشهريار ولقاء أبی شهرزاد لها، وهوالآن فی منصب الوزارة.

إذا نظرنا إلی زمان الفصول الأربعة، يمکن القول أنّ زمان کلّ فصل يطابق ما يقوله أرسطو، حول الزمن فی العمل الدرامي، إذ لا يستغرق زمان أيّ من الفصول أکثر من أربع وعشرين ساعة، فنحن نشاهد الوحدة الزمانية فی کل فصل بصورة منفصلة عن الفصول الأخری. أمّا بالنسبة إلی الزمان الکلی للمسرحية، فهذه النکتة غير مراعية لأنّ زمان المسرحية من البداية حتی النهاية يستغرق زماناً طويلاً جداً ويشتمل علی السنوات.

ج: وحدة المکان

«أمّا بالنسبة لوحدة المکان، فنحن نعرف أن الکلاسيکيين الجدد کانوا أرسطيين أکثر من أرسطونفسه، وملکيين أکثر من الملک نفسه، أي أنّهم کانوا متشدّدين في قواعد الکتابة أکثر من ارسطو. ووحدة المکان أضافها الکلاسيکيون الجدد، وردّوها خطأً إلی ارسطو، بحجة أن معظم المسرحيات اليونانية تحاکی فعلاً أحداثه تقع فی مکان واحد». [24]

«أمّا المکان فکان يتحدّد بناء علی الموضوع نفسه، ذلک أنّه ما دام الموضوع محاکاة لفعل إنساني فمن الضروري أن يدور هذا الفعل فی مکان معيّن، ولقد جری العرف فی التراجيديا الإغريقية علی أن يکون هذا المکان واحداً أوثابتاً، فقد يدور الفعل فی عصر الملک، أوعلی شاطئ البحر، أوفی إحدی الجزر، أوفی أي مکان آخر يراه المؤلف المسرحي ملائماً لموضوع مسرحيته، ومادام الفعل واحداً أوذا وحدة، ومادامت الفترة الزمنية التی يدور فيها هذا الفعل محدودة کما سبق، فمن المنطقي والحال کذلک أن يکون المکان الذی يشهد هذا الفعل ثابتاً أيضاً». [25]

«ويجب عند الکلاسيکيين ألّا يتغيّر المکان طوال عرض المسرحية، فالحدث لابدّ أن يستمرّ من البداية حتی النهاية فی نفس المکان الذی بدأت به المسرحية، والسبب فی ذلک أن المسرح أوبمعنی أدق خشبة المسرح مکان واحد لا يتغيّر، فلايمکن إذن افتراض کونها أکثر من مکان فی نفس الوقت. ولکنهم أعطوا بعد ذلک الحرية المقيّدة بعض الشيء فی تغيّر المناظر، فالتحرّک لا بدّ أن يتمّ داخل وحدة مکانية واحدة، وفی هذا نجد البعض يتعرّض لتنوّع المناظر المرسومة التی توضع خلف المسرح، وإمکانية ذلک فی تحريک خيال المتلقي فی أن يخدع نفسه ويتصوّر أن المکان الواحد أمکنة متعددة ولکنّه فضل أن تکون هذه الأماکن متقاربة تقارباً شديداً. أی فی نفس البلد أوالمدينة أوالمنطقة، أوفی نفس المنزل مع تغير المناظر من حجرة إلی أخری مثلاً، ولکن مع الحفاظ علی الوحدة المکانية، حيث إن المدينة واحدة مثلاً، ولکن فی کل مشهد منظر لمکان مختلف عن المنظر التالی فی نفس المدينة. إذن هنا تعدّدت المناظر والأماکن الفرعية وفی نقس الوقت قد تمّت المحافظة علی وحدة المکان العام، وهوالمدينة، حيث لا يضر تعدّد الوحدات المکانية بوحدة الزمان ومن خلال ذلک ندرک أنّه إذا کانت هناک مسافة کبيرة بين مکان وآخر، بحيث يتعدّی ذلک حدود المدينة الواحدة مثلاً، فلن يتناسب ذلک مع الوقت القصير الذی تستغرقة المسرحية تمثيلاً، وعلی هذا نجدهم قد ربطوا وحدة المکان بوحدة الزمان لأنّه لوأجازوا لأنفسهم أختراق وحدة الزمان، لما تقيّدوا هکذا بمکان واحد عام، لأن طول الزمان سيسمح لهم عندئذ إمکانية النقل من مکان إلی آخر، ولکن تشدّدهم فی تطبيق وحدة الزمان جعلهم يتشدّدون فی وحدة المکان. وهذا التشدّد فی وحدة المکان أيضاً يعمل علی تقييد حرية المؤلف فی معالجة أحداثه والتنقّل بها من مکان لآخر طبقاً لطبيعة الأحداث، ولکنّه هنا سيعمل علی تطوير الأحداث طبقاً لإمکانية المکان. وهذا يضرّ العمل الفني أکثر ممّا يعينه». [26]

نری فی مسرحية «سرّ شهرزاد» أنّ الکاتب کما فعل بالنسبة للزمان ولم يتقيّد بزمان واحد لکتابة مسرحه، أنّه لا يتقيّد بمکان خاص حتّی يکتب جميع أحداث مسرحه فی هذا المکان الخاص، فنری أنّ المناظر تتغيّر بتغيّر الفصول. فالأمکنة تتغيّر فی کل فصل ولکن لکل فصل منظر خاص وتجری أحداث کل فصل فی مکان معيّن. ففی الفصل الأول نری أنّ کلّ الأحداث تجري فی قصر الملک شهريار وبالتحديد فی داخل القصر فی غرقة بدور. إذ تبدأ المسرحية بمنظر شهريار فی غرقة بدور وعلی جنب سريرها. ثمّ يدخل بدور إلی الغرفة ويجری بينهما الکلام، وفی نهاية الفصل الأول يقتل شهريار العبد الأسود ثم بدور فی نفس المکان.

وأحداث الفصل الثاني تجری فی بيت نورالدين، الوزير السابق ووالد شهرزاد. إذ يبدأ الفصل الثانی بمنظر شهرزاد علی جنب النافذة ثمّ يجری باقی الأحداث فی داخل البيت بعدما يرجع رضوان الحکيم من عند شهريار، ويأتی الجاسوسان فی ثياب بائعی الخضر عند نورالدين ويتحدّثان معه حول الثورة علی شهريار، وبعد مضي وقت قصير يدخل شهريار إلی البيت ويهدّد نورالدين. فکل هذه الأحداث تجری فی مکان واحد وهوبيت نورالدين.
أمّا الأحداث والحوارات التی نراها فی الفصل الثالث، فکلّها تجری فی قصر شهريار وفی الغرفة التی يوجد فيها کلّ من شهريار وشهرزاد ودنيازاد، وبعدما يدخل شهريار ويبتدأ الحوار بينه وبين شهرزاد، تسيطر شهرزاد علی الموقف وتتمکّن أن تقلّل من همجية ووحشية شهريار وتأخذه بواسطة القصة التی ترويها لدنيازاد. والمکان الذي اختصّت للفصل الرابع أيضاً، هوالقصر الذی يعيش بها الملک شهريار وشهرزاد التی أصبحت ملکة للبلاد، بواسطة ذکائها الممتاز.

فکما شاهدنا فی قسم الوحدة الزمانية، وکان کل فصل خاص بزمن خاص، من جهة الوحدة المکانية أيضاً نری أن لکلّ فصل من الفصول الأربعة مکان خاص به، وأحداث خاص تقع فی هذا المکان، وأکثر الأحداث تقع فی قصر الملک شهريار وقسم منها، أوفصل منها فی بيت نورالدين. فإذا نظرنا إلی هذه المسرحية من منظار الوحدات الثلاث، نری أن الوحدة الموضوعية قد روعيت بصورة کاملة لأنّ أحداث المسرحية من البداية حتی النهاية تدور حول الموضوع الرئيس وهوالمصيبة التی سبّبها شهريار ومرضه النفسی. فجميع الصراعات والمشاکل تدور حول هذه المشکلة الرئيسة. اما من منظار الزمان والمکان، نری أنّ لکل فصل زمان ومکان خاص به، فيمکننا القول بأنّ الوحدة الزمانية والمکانية لکل فصل قد روعيت ولکن بالنسبة إلی المسرحية بصورة عامة، لا نری الوحدة العامة للزمان والمکان فيها.

من أبرزأسباب عدم مراعاة الوحدات الثلاث فی هذه المسرحية وأمثالها، أن المسرح الجديد لايراعی هذه الوحدات «لأنّها تکبّل مقدرة الکتّاب المحدثين، ولأنّ الظروف الإجتماعية والدينية التی واکبت ظهور المسرح الإغريقي قد تغيّرت، فالکتّاب الجديدون بحثوا عن إطار جديد حتی يتناسب العصر وظروفه، وألّا يقف طويلاً عند الأنماط التی لا تلائم ظروف المجتمع والعقائد». [27]

النتائج

المسرحية من أهم الفنون الأدبية وأغلب الظنّ أنّها نشأت من اليونان القديم، فمرّت بمراحل عديدة حتّی وصل إلی مرحلة المسرح الفنّی المتکامل. کان النقد المسرحي مرافقاً لکتابتها منذ القديم وحاول الکتّاب تأسيس قواعد لدراسة المسرحيات علی أساس مدی مراعاة أوعدم مراعاة الأصول الموضوعة فی المسرحيات.

تُعتبر قانون الوحدات الثلاث من أقدم وأهمّ القواعد الّتي وُضعت فی إطار النقد المسرحي وکان أرسطومن روّاد فکرة الوحدات الثلاث. وفی العصور التالية وسّعوا فکرة الوحدات الثلاث وأصبح کقانون عام يجب اتّباعه للکتّاب المسرحيين. فروعيت الأصول من جانب أکثر الکاتبين وهناک کتّاب قليلون، مثل شکسبير استطاعوا الخروج من قواعد الوحدات الثلاث وکتابة المسرحيات القيّمة خارج الإطار الموروث.

تقيّد علی أحمد باکثير في کتابته هذه المسرحية بقانون الوحدات الثلاث تقيداً غير مکتملاً. فمن جهة الموضوع انتخب الموضوع من الأساطير وانتقی أحداثاً من حياة الشخصيات الّتی ترتبط بصلب موضوع المسرحية ولم يدخل فی الجزئيات الّتی لاتُفيد المخاطب. أمّا وحدة الزمان فروعيت داخل الفصول، إذ کلّ فصل يشتمل علی زمن يتراوح بين يوم وليلة ولا يتجاوز إلی أکثر من يوم واحد. ولکن هناک فواصل زمنية بين أحداث کل فصل مع الفصل الآخر وقد يحدث فاصل طويل کما نری أن الفاصل بين الفصل الثالث والرابع يتجاوز ألف ليلة وليلة. أمّا من حيث وحدة المکان فنری أنّ الکاتب تقيد بها جزئياً أيضاً، لأنّ أحداث کلّ فصل تحدث في مکان محدّد ولکن يتغيّر مکان حدوث الحوادث من فصل إلی آخر.

قانون الوحدات الثلاث کان ملائماً للفکر اليونانی والأصول الحاکمة فی تلک البيئة، ولکن مع تطوّر المجتمعات وحدوث التغيّرات فی حياة وعقائد الناس، تحتّم علی الکتّاب أن يکتبوا وفق متطلّبات المجتمع، فتخلّوا عن الأصول القديمة الّتی لا تلائم الظروف الجديدة، فضعفت فکرة الوحدات الثلاث فی المسرحية واهتمّ النقاد بالمسائل الفکرية وبالمضامين أکثر من اهتمامهم بإطار المسرحيات.

المصادر

 باکثير، علي احمد، فن المسرحية من خلال تجاربي الشخصية، مکتبة مصر، قاهرة، لاتا.
 ترحيني، فايز، 1988، الدراما ومذاهب الأدب، بيروت: الموسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.
 الجندي، أنور، 1985، خصائص الأدب العربي في مواجهة النقد الأدبي الحديث، بيروت: دار الکتاب اللبناني، الطبعة الثانية.
 حمدي ابراهيم، محمد، 1994، نظرية الدراما الإغريقية، القاهرة: الشرکة المصرية العالمية للنشر.
 الطاهر، علي جواد، 1979، مقدمة في النقد الأدبي، بيروت: مؤسسة العربية للدراسات والنشر.
 عبدالله، مصطفي 1983، أسطورة أوديب في المسرح المعاصر، قاهرة: الهيئة المصرية العامة للکتّاب.
 عتمان، أحمد، 1979،أوديب بين أصوله الأسطورية وهمومه الوطنية، مجلة البيان، العدد 155.
 العشماوي، عبدالرحمن 1409، الإتجاه الإسلامي في آثار باکثير القصصية والمسرحية، رياض: المهرجان الوطني للتراث والثقافة.
 العشماوی، محمد زکي، لاتا، المسرح أصوله واتجاهاته المعاصرة، بيروت: دار النهضة العربية.
 المنصوري، علي جابر، 2000، النقد الأدبي الحديث، عمان: دارعمار.
 النادي، عادل، 1987، مدخل إلی فنّ کتابة الدراما، تونس: موسسة کريم بن عبدالله.

لعلی أحمد باکثير

[1المنصوری، 2000: 185

[2الطاهر، 1979: 187

[3المنصوري، 2000: 183

[4ترحيني، 1988: 68-67

[5المنصوري، 2000:185

[6الجندي، 1985: 359

[7المنصوري، 2000: 240-239

[8عبدالله، 1983: 56

[9القاهرة

[10العشماوي، 1409هـ: 28

[11العشماوي، 1409هـ: 221

[12السومحي، 2007: 65-63

[13سعيد

[14حمدي ابراهيم، 1994: 46-45

[15النادي، 1987: 98

[16المصدر نفسه: 48-47

[17المصدر نفسه: 52

[18العشماوی، لاتا: 15

[19عتمان، 1979: 17

[20باکثير، لاتا: 44

[21باکثير، لاتا: 45

[22حمدي ابراهيم، 1994: 54-53

[23النادي، 1987: 96-95

[24النادي، 1987: 97-96

[25حمدي ابراهيم، 1994: 554

[26النادي، 1987: 98-96

[27حمدي ابراهيم، 1994: 55


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى